أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - منال حاميش - المخطوط الأسود














المزيد.....

المخطوط الأسود


منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي

(Manal Hamesh)


الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 07:50
المحور: كتابات ساخرة
    


في غرفةٍ لا تُرى على خرائط العالم، حيث تُطفَأ الساعات ويُقاس الوقت بأنفاسٍ مخفاة، يجلس "الحكماء الجدد" حول طاولة من حجرٍ قديم. على الطاولة شيءٌ واحد فقط: كتابٌ مُغلفٌ بجلد الليل، تُسمّى صفحاته العلوم السرّية — ليس علمًا يُعلّم، بل علمٌ يُهمس.

هذا العلم لا يبدأ بصيغة سؤالٍ ولا ينتهي بإجابة؛ هو قصيدةٌ تُلقّن من يسمعها كيف يَرَى العالم كشبكةٍ من مرايا متراكبة. المرآة ليست لتعكس الوجوه، بل لتعكس الإمكانيات: كيف يمكن للرمز أن يغيّر معنى كلمة؟ كيف يمكن لصورةٍ أن تقرر من يَثق بمن؟ كيف تتحوّل فكرةٌ إلى جسرٍ عابِرٍ للنفوس؟

الفنّ الأول: لغة الأسلاك الخفية

ليس المقصود هنا أسلاكٌ من نحاس أو صلب، بل أسلاكٌ من ثقة. تُحاك هذه الأسلاك من قصصٍ تُروى في الوقت المناسب، من صورٍ تُعاد بصيغةٍ تجعل القلب يتعاطف قبل العقل. لا تُعلّم العلوم السرّية الناس كيف يخنقون الآخرين، بل تعلمهم كيف يزرعون بذورَ احتمالٍ في حقول الذاكرة، فتَنبت عنها آراءٌ تكون كالنباتات في بستانٍ مُراقَب.

الفنّ الثاني: هندسة الانبهار

في الزوايا المظلمة للمكتبات المحجوبة، تُدَرّس معادلاتٌ لا تُقاس أرقامًا بل توازنًا بين ما يُعرض وما يُخفي. هناك قوةٌ في الصمت، وفي إظهار جزءٍ من الحقيقة، وفي إخفاء الآخر. الهيمنة هنا تأتي من أوهام الأمان — أن تُقنع الناس أن اللاعبين على المسرح هم وحدهم من يملكون النصّ، بينما الحبل الحقيقي ممسكٌ بيدٍ لا تظهر على الستار.

الفنّ الثالث: آلات المرآة

يوجد "الجهاز" في الحكايات، آلةٌ سابعة، لا تُشغّل بالكهرباء بل بالأسئلة. تُرَتّب هذه الآلة صورًا وأسماءً وذكرياتٍ، ثم تُرسِل في لحظةٍ ما ضوءًا يجعل كل متلقيٍّ يرى نفسه في دورٍ مختلف. السيطرة هنا ليست بالقيود، بل بكتابة أدوارٍ تجعل الناس يرضون باللعب عليها. ليست سلطة البقاء بالقوة، بل سلطة التوقّع: أن تجعل البشر يختارون القيد وهم يظنّون أنه حرية.

الفنّ الرابع: صياغة الأسئلة

أعظم الأسلحة ليست الإجابات، بل الأسئلة التي تُطرح. تُدرّب الصفحات المحجوبة على سؤالٍ واحدٍ بشكلٍ غير مباشر، حتى يتحول السؤال إلى شِعاعٍ يُعيد ترتيب طيّات الفِكر. من يملك القدرة على طرح السؤال الذي يغيّر إطار المشكلة، يملك القدرة على تحديد الحلول المقبولة.

الكتاب المحجوب وركن الضمير

في منتصف المخطوط، بين درسٍ وآخر، تظهر دائمًا صفحةٌ ملوّنة بحبرٍ رمادي. لا تحتوي على تعليمات، بل على تحذير: كل قدرة تُمنح لاختبار الإنسان، فإذا أصبحت وسيلةً لإلغاء الآخر فقد تحوّلت الغاية إلى شرٍّ مُستطير. هنا العلم يتحوّل إلى مرآة للضمير؛ من يقرأ هذا الفصل ويفصله عن بقية الصفحات يُحسب عليه ما يليه.

الألعاب الرمزية: الرموز التي تحكم

ليس المقصود رمزًا تقنيًا، بل رمزٌ ثقافيّ؛ لحنٌ، شعارٌ، شكلٌ هندسيّ. تُزرع هذه الرموز في القصص والأغنيات والذكريات الجماعية حتى تصبح بمثابة قُبَلٍ تلقائيةٍ تُوجّه التفكير. فَهم هذه الظاهرة ليس لإساءة استخدامها، بل لفهم كيف تَنتشي الشعوب بفكرةٍ أو تُقبِل على تبدّلٍ ما دون وعيٍ تام.

مسرح القِيم المتحولة

في هذا العلم تُدرّس تقنياتٌ لصياغة قيمٍ جديدة — أو لإعادة تأطير القيم القديمة — عن طريق إعادة رواية التاريخ، عن طريق اختيار تضحياتٍ تُذكر وتهميش أخرى. السيطرة هنا توقيعٌ على معنى: حين تصبح كلمة "أمن" مرتبطةً بفكرةٍ مُعيّنة، تصير كل الخيارات تتجه نحو تلك الفكرة كما لو أنها طبيعية.

الأسرار التي لا تُكشف

كل فصلٍ في المخطوط يذكر أن هناك حدودًا؛ ليس كل سرٍّ يُفصح عنه. لأن الأسرار حين تُصبح معروفة للجميع، تفقد قواها. لذا تعلّم العلوم السرّية اللعب على حدٍّ رقيق: ما يُكشف قليلٌ ومختار، وما يُخفي كثيرٌ وعمليّ. ولكنها أيضًا تَحذّر من عبء العلم الذي لا يُقابَل بحكمةٍ: المعرفة بلا أخلاق تشبه نارًا تُسرع ولكنّها لا تُدفئ سوى لمن يقتنصها.

نهاية المخطوط — وصيّة للجيل القادم

في الصفحات الأخيرة، يكتب المخطوط بلغةٍ أقلّ تشفيرًا:
"القوة التي تُبنى على قِيَمٍ ثابتةٍ على قدرها تُصون المجتمع. والقوة التي تؤسس على خداعٍ متينٍ ستنهار مع أول لحظةٍ يهبط فيها ضوء الحقيقة. إن السرّ الحقيقي ليس في التحكم بالعالم، بل في فهمِ أن العالم ليس ملكًا لأحد، وأن من يحاول أن يجعل الناس بيدقًا يفقد نفسه أولًا."

ثم، كخاتمةٍ رمزيةٍ، اضيف سطران:
"من يفتح بابَ العلومِ السرّيةِ ليَسحقَ حرّيةَ العقل، سيجد يومًا أن المرآة قد انعكست، وأن أسئلةَ البداية عادت لتطارد صانعَها."



#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثروبولوجيا المستقبل
- جون ويلر الفيزيائي الفيلسوف
- حوار بين فيزيائي و شيخ صوفي
- على حافة العدم
- هل تصدقوا أن الزمن ثلاثي الابعاد ؟؟
- مفارقة الجد/بين هوكينغ و الفلاسفة /
- سلسلة الظلال
- لماذا يخاف الناس من الباراسيكولوجي و الميتافيزيقيا
- عندما يدرس علماء،الفيزياء الوعي
- الباراسيكولوجيا بين الرفض الكسول و العقل المتسائل
- الخلق المتجدد.
- الوعي _الظل الذي لا نراه
- اسماء،منسية
- أزمة عقل لم يكسر قيده بعد
- علم الايزوتيريك
- حكمة الطاوية
- الخريطة الميتافيزيقية للوجود.
- العلم و الروح
- (أولو) بوابة نحو بعد.خفي
- فلسفة الزمن و الترددات


المزيد.....




- مسرحية الكيلومترات
- الممثلة اليهودية إينبندر تحصد جائزة إيمي وتهتف -فلسطين حرة- ...
- الأبقار تتربع على عرش الفخر والهوية لدى الدينكا بجنوب السودا ...
- ضياء العزاوي يوثق فنيًا مآسي الموصل وحلب في معرض -شهود الزور ...
- إشراق يُبدد الظلام
- رسالة إلى ساعي البريد: سيف الدين وخرائط السودان الممزقة
- الأيقونات القبطية: نافذة الأقباط الروحية على حياة المسيح وال ...
- تونس ضيفة شرف في مهرجان بغداد السينمائي
- المخرجة التونسية كوثر بن هنية.. من سيدي بوزيد إلى الأوسكار ب ...
- نزف القلم في غزة.. يسري الغول يروي مآسي الحصار والإبادة أدبي ...


المزيد.....

- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - منال حاميش - المخطوط الأسود