أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منال حاميش - جون ويلر الفيزيائي الفيلسوف














المزيد.....

جون ويلر الفيزيائي الفيلسوف


منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي

(Manal Hamesh)


الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 08:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جون أرشيبالد ويلر لم يكن مجرد فيزيائي نظري، بل كان مفكرًا يضع أسئلة وجودية في قلب الفيزياء نفسها، بحيث تتقاطع العلم والفلسفة في رؤية متماسكة للكون والواقع. فكرته أن "الكون يخلق نفسه" و"it from bit" ليست مجرد فرضيات علمية، بل دعوات للتفكير في طبيعة الحقيقة، وطرحًا للتساؤل عن العلاقة بين المادة، والمعلومة، والمراقب. فحين نفكر في الكون من منظور ويلر، نجد أنفسنا أمام تساؤلات فلسفية جوهرية: هل الواقع موجود بذاته مستقلًا عن أي مراقب؟ أم أن وجوده مرتبط بطريقة ما بالمعرفة والمعلومة؟ وهل يمكن أن تكون المادة والطاقة مجرد مظاهر لمحتوى معلوماتي أساسي يشكل كل ما هو موجود؟

إن فكرة "الكون يخلق نفسه" تثير أكثر من مجرد فضول علمي؛ فهي تتحدى مفهوم السببية التقليدية الذي طالما ساد في الفيزياء الكلاسيكية. فبدلاً من أن يكون الكون كيانًا ثابتًا ومستقلاً يعمل وفق قوانين مسبقة، يصبح الكون عند ويلر كظاهرة ديناميكية، عملية متجددة تتشكل فيها الأحداث باستمرار من تفاعل بين الكيان والمعلومة. هذا يجعل كل شيء في الكون، من الذرات إلى النجوم، ليس فقط جزءًا من نظام ميكانيكي، بل أيضًا نتاج عملية إبداعية مستمرة. وهنا يلتقي العلم بالفلسفة: فالمراقب والمعلومة لا يكونان أدوات وصفية فقط، بل يصبحان مشاركين فعليين في صياغة الواقع، ما يضعنا أمام مفارقة فلسفية حقيقية: هل يكون الكون كائنًا مستقلًا إذا كان وجوده يعتمد على معرفة أو مراقبة؟

ويتعمق النقاش أكثر مع فكرة "it from bit"، وهي محاولة جريئة لإعادة تعريف طبيعة المادة نفسها. إذا كانت كل جسيمات الكون وكل الطاقة والزمن نتاج معلومات، فإن الواقع يتحول من كونه مجموعة من الأشياء المستقلة إلى شبكة معقدة من الاحتمالات التي تتحقق عبر التفاعل والملاحظة. هذا المفهوم يطرح تحديًا مباشرًا للنظرة التقليدية للفيزياء: فالعالم ليس مجرد ما نراه بالحواس أو ما نحسبه بالمعادلات، بل هو عملية مستمرة من خلق الواقع نفسه من المعلومات. ومن هنا، يصبح المراقب ليس مجرد شاهد سلبي، بل شريكًا في خلق الوجود، ويصبح لكل قياس كمي أو حدث فيزيائي معنى فلسفي عميق، لأنه يحدد ما سيكون واقعًا من بين مجموعة الاحتمالات.

من منظور فلسفي، هذه الأفكار تعيد فتح نقاشات قديمة حول طبيعة الحقيقة والوجود. فالفلاسفة منذ أرسطو وحتى كانط بحثوا عن علاقة العقل بالواقع، عن إمكانية المعرفة المطلقة وعن حدود التجربة الحسية في فهم الكون. ويلر، بطريقة غير تقليدية، يجمع هذه الأسئلة مع أحدث ما توصلت إليه الفيزياء الحديثة، فيطرح واقعًا لا يكون مجرد ما هو موجود، بل ما يُخلق ويُعرف في لحظة التفاعل والملاحظة. هذا يثير جدلية قوية: هل نحن نفكر في الكون كما هو بالفعل، أم أننا نشارك في خلقه؟ هل الحقيقة موجودة بذاتها أم هي نتيجة التفاعل بين المادة والمعلومة والمراقب؟

وليس هناك شك في أن فلسفة ويلر تحمل بعدًا ميتافيزيقيًا قويًا، فهي تعيد تعريف حدود المعرفة نفسها. فالكون عنده ليس مجرد مسرح للأحداث الفيزيائية، بل هو شبكة حيّة من المعلومات التي تتجلى وتتفاعل لتخلق الواقع. ومن هذا المنظور، تصبح الفيزياء أشبه بفلسفة عملية، حيث تصبح كل تجربة علمية أو قياس كمي جزءًا من عملية أوسع لإعادة إنتاج الواقع. ولعل هذه الرؤية تضعنا أمام سؤال أكثر عمقًا: إذا كانت كل الظواهر مضمونة بالمعلومة، فهل يمكن للكون أن يكون له وجود مستقل عن أي عملية معرفة؟ وهل تصبح الحقيقة في هذا السياق عملية تفاعلية بدلاً من كونها ثابتة؟

تأملات ويلر تشير أيضًا إلى أن الكون ليس كيانًا منفصلًا عننا نحن المراقبين، بل هو منظومة متكاملة من المادة والمعلومة والملاحظة. إن إدراك هذه الفكرة يغير تمامًا طريقة تفكيرنا في الفضاء والزمن والمادة، إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على قوانين ميكانيكية جامدة، بل أصبح موضوعًا تأمليًا يحتاج إلى دمج الفيزياء مع الفلسفة والتفكر في طبيعة الحقيقة والوجود. ومن هذا المنظور، تصبح المعرفة العلمية ليست مجرد تسجيل للحقائق، بل عملية خلقية يشارك فيها العقل البشري، الكون، والمعلومة معًا.

إن إرث ويلر، في هذا السياق، يتجاوز مجرد اكتشافات حول الثقوب السوداء أو النسبية العامة أو ميكانيكا الكم، فهو يقدم لنا نموذجًا فلسفيًا متقدمًا لفهم الكون، نموذجًا يربط بين المعلومة والوجود، بين المادة والوعي، ويضع أسئلة فلسفية في قلب الفيزياء النظرية. وعلى الرغم من أن هذه الأفكار قد تبدو غامضة أو صعبة التطبيق المباشر، إلا أنها تفتح الباب أمام إعادة النظر في طبيعة الكون والواقع، وفي دور المراقب والمعلومة في تشكيل الحقيقة. فالفلسفة عند ويلر ليست رفاهية فكرية، بل أداة لفهم الكون نفسه، والفيزياء ليست مجرد معادلات، بل تجربة تأملية لفهم طبيعة الوجود في أعمق مستوياته.

وهكذا، يقدم ويلر رؤية لا يمكن اختزالها في مجرد قوانين رياضية أو مفاهيم فيزيائية، بل هي محاولة جريئة للتفكير في الكون كشبكة حيّة من المعلومات، حيث يصبح الواقع عملية إبداعية مستمرة، والمراقب جزءًا لا يتجزأ من تكوينه. ومن خلال هذه الفلسفة، نجد أنفسنا مضطرين لإعادة النظر في كل ما اعتقدنا أننا نعرفه عن المادة والزمان والمكان والوجود نفسه، لنرى الكون ليس كشيء ثابت يمكن دراسته بمعزل عننا، بل كعملية حية تتشكل فيها الحقيقة من خلال تفاعل مستمر بين المعلومة والمراقب والمادة، حيث يندمج العلم والفلسفة في حوار مستمر لفهم أعقد أسرار الواقع.



#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار بين فيزيائي و شيخ صوفي
- على حافة العدم
- هل تصدقوا أن الزمن ثلاثي الابعاد ؟؟
- مفارقة الجد/بين هوكينغ و الفلاسفة /
- سلسلة الظلال
- لماذا يخاف الناس من الباراسيكولوجي و الميتافيزيقيا
- عندما يدرس علماء،الفيزياء الوعي
- الباراسيكولوجيا بين الرفض الكسول و العقل المتسائل
- الخلق المتجدد.
- الوعي _الظل الذي لا نراه
- اسماء،منسية
- أزمة عقل لم يكسر قيده بعد
- علم الايزوتيريك
- حكمة الطاوية
- الخريطة الميتافيزيقية للوجود.
- العلم و الروح
- (أولو) بوابة نحو بعد.خفي
- فلسفة الزمن و الترددات
- الظل في عقل نيوتن
- ازدواجية الزمن


المزيد.....




- بين التقارب والانزعاج.. تاريخ علاقة ترامب مع بوتين
- لقاء ترامب وبوتين: ماذا نعرف عنه؟
- معدن نيزكي نادر يكسر قواعد انتقال الحرارة ويذهل العلماء
- مصر تدين -ما يسمى بإسرائيل الكبرى- وتطالب الدولة العبرية بإي ...
- حصاد التجويع المنهجي لقطاع غزة
- أي مستقبل لملف السويداء السورية؟
- تقدم في المفاوضات مع إندونيسيا وأرض الصومال لاستقبال الغزيين ...
- زيارة لاريجاني إلى لبنان.. رسائل إيرانية تصطدم بجدار السيادة ...
- اجتاح أوروبا.. -تسونامي الاعتراف- بفلسطين يشعل الجدل الدولي ...
- -أرانب الزومبي- تثير ذعرا في ولاية أميركية


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منال حاميش - جون ويلر الفيزيائي الفيلسوف