|
علم الايزوتيريك
منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 00:20
المحور:
قضايا ثقافية
علم الإيزوتيريك: المعرفة الباطنية ومسارات الوعي والتحول
يُعد علم الإيزوتيريك (Esotericism) من أقدم العلوم الروحية والفكرية التي واكبت تطور الحضارة الإنسانية، وهو علم يُعنى بكشف الأبعاد الخفية للوجود والإنسان، من خلال أدوات باطنية تتجاوز المعرفة الظاهرة أو الحسية. يضع هذا العلم الإنسان في مركز الكون، ويعتبره مرآة تعكس كل مستويات الوجود، معتمدًا على التوازن بين العقل، النفس، والطاقة الحيوية كوسائل للارتقاء الروحي والتكامل الذاتي.
الإيزوتيريك: جوهره ومبادئه
الإيزوتيريك لا يُختزل في ممارسات سرية أو خرافات، بل هو نظام معرفي باطني يهدف إلى الوصول إلى حقيقة الذات وفهم قوانين الكون الكبرى. يرتكز على مفاهيم أساسية، منها:
الوعي الداخلي كمصدر أولي للحقيقة.
الرمزية كوسيلة لفهم الطبقات غير المرئية من الواقع.
الطاقة الكونية وارتباطها بالإنسان (مثل الشاكرات، Qi).
التحول الذاتي كغاية عليا، من خلال التأمل والانضباط الأخلاقي.
ينقسم الإيزوتيريك إلى مدارس ومذاهب، تختلف في طرقها وتتقاطع في غاياتها، من الشرق إلى الغرب.
رواد علم الإيزوتيريك وفكرهم
1. جي هونغ (Ge Hong) – الصين (283–343 م)
من أوائل من كتب في الكيمياء الباطنية والسعي إلى الخلود. مزج في مؤلفه "باوبوزي" (Baopuzi) بين الطاوية والكونفوشيوسية، مؤكدًا أن الفضيلة والتمارين الروحية والكيمياء تمهّد الطريق للتحرر من الموت. وصف إكسير الخلود كمركب طقسي وروحي معتمد على مواد مثل الزئبق والسينابار، مشيرًا إلى أن النقاء الداخلي شرط أساسي لتحقيق الخلود.
2. لاو تسي (Laozi)
مؤسس الطاوية، ومؤلف كتاب "الطاو تي تشينغ"، ركّز على الانسجام مع الطاقة الكونية (الطاو)، وأهمية البساطة والتأمل والصمت لفهم جوهر الوجود. فكره يُعتبر أساسًا للإيزوتيريك الشرقي.
3. جوزيف مجدلاني (ج ب م) – لبنان (معاصر)
أسّس مدرسة "علوم الإيزوتيريك" الحديثة، وقدم برنامجًا تطويريًا متدرجًا للإنسان المعاصر. من أشهر كتبه:
"طريق الإنسان نحو الكمال"
"الإنسان من أين وإلى أين؟"
"مذكرات إنسان" يرى أن الإيزوتيريك ليس فقط روحانية، بل علمٌ عملي يسهم في التغيير الذاتي وتوسيع الوعي والتوازن بين العقل والقلب.
4. هيلينا بلافاتسكي (Helena Blavatsky)
رائدة الفكر الباطني الغربي، أسست "الجمعية الثيوصوفية"، وكتبت كتبًا مثل:
"العقيدة السرية" (The Secret Doctrine) التي تمزج بين الفلسفة الهندية والغنوصية الغربية، معتبرة أن الكون تحكمه قوانين خفية يمكن إدراكها عبر الانضباط الذهني والروحي.
---
أهمية علم الإيزوتيريك في الحياة المعاصرة
علم الإيزوتيريك يُمثل ضرورة في زمن يغلب فيه التشتت والتسطيح. من خلاله:
نرتقي بوعينا الفردي فنفهم أنفسنا ونتحكم بأفكارنا وانفعالاتنا.
نحقق التوازن الداخلي عبر التأمل وتفعيل الطاقات الكامنة فينا.
نوسع إدراكنا للكون ونرى الحياة من منظور كلّي وليس مادي فقط.
ندمج الأخلاق بالمعرفة فنحيا حياة مسؤولة ومساهِمة في التقدم.
في عالم اليوم، حيث تتسارع التكنولوجيا وتنكمش الروح، يقدم الإيزوتيريك فرصة لتوحيد الإنسان في داخله، وربطه بأعماق الوجود، لا كممارسة هروبية، بل كعلمٍ تطبيقي يفتح أبواب الوعي والتكامل الشخصي من اهم شخصية في هذا العلم جي هونغ ...... .أبرز مؤلفات جي هونغ (المعروف بلقب باوبوزي)
العمل الأهم في مسيرة جي هونغ هو كتابه "باوبوزي" (Baopuzi)، والذي يعني "السيد الذي يعانق البساطة". ينقسم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين:
الفصول الداخلية (Neipian): تتناول موضوعات طاوية بحتة، أبرزها تقنيات تحقيق الخلود، كالتنفس العميق، التحكم بالطاقة (Qi)، التأمل، والكيمياء الباطنية. كما يستعرض وصفات لتحضير إكسير الخلود، ضمن شروط روحية وأخلاقية صارمة.
الفصول الخارجية (Waipian): تركز على الأخلاق والسياسة، وتُظهر تأثره بالفكر الكونفوشيوسي. يناقش فيها أهمية السلوك الأخلاقي، العدل، والفضائل في تنظيم شؤون الفرد والمجتمع.
---
مساهماته في الكيمياء
يُعد جي هونغ من أوائل المفكرين الذين أسّسوا لفرع الكيمياء الباطنية الصينية، المعروفة باسم "النيدان الداخلي". أبرز مساهماته:
تحضير "إكسير الخلود" باستخدام مركّبات مثل:
الزئبق
الكبريت
السينابار (كبريتيد الزئبق الأحمر)
الذهب المصفى
ألف كتابًا طبيًا بعنوان "الوصفات الطارئة خلف الأبواب" (Zhouhou Beiji Fang)، يحتوي على مئات الوصفات بالأعشاب لعلاج الأمراض المنتشرة في زمانه، مثل الملاريا، وقد أثّرت بعض وصفاته في الطب الحديث.
كان ينظر إلى الكيمياء كوسيلة روحية لا مادية فقط، تهدف إلى تنقية الجسد والنفس، وتحقيق التوافق مع الطاو.
---
فلسفته في الحياة
تلخّص فلسفة جي هونغ في ثلاث ركائز مترابطة:
1. الفضيلة أولًا: آمن بأن الأخلاق ليست ترفًا بل شرطًا جوهريًا في رحلة الساعي نحو الخلود، إذ لا قيمة لأي معرفة أو إكسير إن لم يكن الإنسان نقي السريرة.
2. التوازن بين العلم والروح: رفض الانحياز الحاد نحو الطاوية أو الكونفوشيوسية، بل جمع بينهما، مؤكدًا أن العلم يجب أن يُقاد بالحكمة والروحانية.
3. التحوّل الداخلي أساس التحوّل الخارجي: أي أن رحلة الخلود تبدأ من ضبط النفس، نقاء الفكر، وإخلاص النية، وليس من التركيز على النتائج المادية فقط.
خاتمة: نحو أي خلود نمضي؟
إذا كان علم الإيزوتيريك يفتح لنا أبواب الفهم الباطني، فهل نحن مستعدون لولوجها؟ هل نملك الشجاعة لننظر إلى داخلنا بصدق، لا بحثًا عن الخلود الجسدي فحسب، بل عن المعنى؟ هل تظل الحياة مجرد سلسلة من الظواهر السطحية، أم أنها نداءٌ مستتر يدعونا لاكتشاف حقيقتنا الأعمق؟
في عالم يتسارع نحو الخارج، يُعيدنا الإيزوتيريك إلى الداخل؛ إلى حيث يكمن الجواب في السؤال، والشفاء في الفهم، والخلود في التحول.
ربما، لن نجد في هذا العلم وصفةً نهائية، لكنه يقدّم لنا مفتاحًا: أن نعيش بوعي، ونسعى بالكمال، ونصغي لصوت الصمت فينا... فهل نحن مستعدون للرحلة؟
#منال_حاميش (هاشتاغ)
Manal_Hamesh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكمة الطاوية
-
الخريطة الميتافيزيقية للوجود.
-
العلم و الروح
-
(أولو) بوابة نحو بعد.خفي
-
فلسفة الزمن و الترددات
-
الظل في عقل نيوتن
-
ازدواجية الزمن
-
ما هو الزمن ؟؟؟
-
ماهي الميتافيزياء،الحية ؟؟
-
عذرا .الارض ليست بيتزا
-
سر ارقام تسلا 3,6,9
-
الرياضيات المقدسة
-
عندما خرجت من المصفوفة
-
تفكيك لعنة الدوغمائية
-
القادم صادم
-
من نحن ؟لماذا جئنا ؟اين سنذهب ؟
-
العدالة الكونية ام ظلم المقادير
-
بين المونادولوجيا و الميتافيزياء،الحية
-
نبضات الوجود الخفية
-
منال حاميش،و الميتافيزياء،الحية
المزيد.....
-
روسيا والصين.. شراكة لمواجهة التحديات
-
شاهد.. الشتاء يعود إلى إسبانيا في نهاية الربيع
-
مشرعان جمهوريان يهددان بتفجير اتفاقين محتملين مع إيران والسع
...
-
ترامب يعتزم إعلان خطة لإنهاء حرب غزة بإشراف أمريكي مباشر
-
استطلاع رأي يكشف عن موطن -أجمل نساء العالم-
-
مفاجأة طبية.. فيتامين شائع يثبت فعاليته في علاج التهاب البنك
...
-
ترامب يدعو أوكرانيا وروسيا إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما
...
-
ترامب يدلي بتصريح مفاجئ عن فون دير لاين
-
توقعات بسقوط محطة فضائية سوفيتية قديمة على الأرض قريبا
-
بين حائك السجاد والتاجر.. منهج إيران والأميركيين في التفاوض
...
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|