اسماء،منسية

منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 08:07
المحور: قضايا ثقافية
    

أسماء منسية: الدكتور السيد نصار – حكيم الروح في زمن المادة

في تاريخ الأمم، تمرّ لحظات فارقة لا يصنعها السياسيون أو رجال السلطة، بل تُصنع في العتمة على يد من قرروا أن يحفروا في الأعماق، لا في السطح. هم أولئك الذين يرون ما لا يُرى، ويصرّون على إضاءة الدروب المعتمة بأدوات قد لا تُفهم وقتها. وفي مصر، حيث امتزجت الروح الشعبية بالعلم الحديث، برز في القرن العشرين اسم لطالما ظل في الظل رغم عظمته: الدكتور السيد نصار – الطبيب، المفكر، والعارف، الذي أعاد للعلوم الروحية اتزانها وهيبتها.

وُلد الدكتور نصار في الإسكندرية في 2 مارس 1925، المدينة التي حملت دوماً بذور التنوير والانفتاح. ومع أن اسمه ارتبط بالمجال الطبي كجراح بارع صاحب سجل عمليات مميز، إلا أن روحه كانت ماضية في رحلة أبعد بكثير من الجراحة التقليدية؛ كانت رحلته في جوهرها بحثاً عن الإنسان الكلي، ذاك الكائن المتعدد الأبعاد الذي لا يكتمل إلا حين يلتقي جسده بروحه، ومادته بمعناه.

انضم إلى الجمعية الروحية البريطانية والاتحاد الروحي الوطني في إنجلترا، وهي مؤسسات دولية لا تقبل إلا أصحاب البصيرة والتخصص. ثم عاد إلى مصر ليؤسس ويرأس الجمعية المصرية للدراسات الروحية، التي أصبحت لاحقًا منبراً للعلماء والمفكرين والباحثين عن الحقيقة، في وقت كانت فيه الثقافة الروحية مرتبطة بالدجل والموروث الشعبي المنهك. لقد خاض معركة شرسة ضد التجهيل المقنع باسم "الروحانيات"، ونجح في أن يُعرّف المصريين على بُعد آخر من المعرفة، يُمكن أن يكون عقلانياً ومنهجياً، دون أن يفقد جماله وغموضه.

قدّم الدكتور نصار محاضرات قيمة، وكتباً أصبحت علامات مضيئة في مسيرة الفكر الروحي المعاصر، منها:

"دليل الوساطة الروحية": حيث قدم منهجاً عملياً وعلمياً لممارسة الوساطة دون الوقوع في فخ الهلوسات أو الرغبات الشخصية.

"نور من السماء": عمل تأملي ساحر عن النور باعتباره رمزاً للكشف والمعرفة والسمو الإنساني.

"الصحة الروحية": كتاب تجاوز الجسد ليتحدث عن الطاقة، التوازن، والانسجام الكلي كشرط للصحة.

"على حافة العالم الأثيري": سفر في العوالم غير المنظورة، يُحاور فيه القارئ على حدود الإدراك البشري.


لقد عمل بلا ضجيج، وعلّم أجيالاً كيف يرون الحياة كنسيج واحد لا تنفصل فيه المادة عن المعنى. لم يكن مجرد منظر، بل كان رائداً ومصلحاً ومقاتلاً من أجل وعي جديد، وعي لا يرفض العلم لكنه لا يكتفي به، ولا يتنكّر للروح لكنه لا يقدّس الخرافة.

وتقديراً لإسهاماته، كرّمته جامعة الإسكندرية، لكن ذلك لم يكن كافياً لإنصاف إرثه، خصوصاً في زمن تتعالى فيه أصوات السوق والتفاهة، وتُهمّش فيه العقول التي تبحث في عمق الإنسان لا في سطحه.


---

خاتمة: دعوة للعودة إلى النبع

إن الدكتور السيد نصار ليس مجرد اسم من الماضي، بل نبض فكري وروحي حيّ، يزداد احتياجنا إليه كلما ازداد هذا العصر غربةً عن ذاته. إننا اليوم، وسط زحام السرعة والتفكك الروحي، نحتاج بشدة إلى قراءة كتبه لا كأعمال تاريخية، بل كمرشدات عملية لبناء وعي متكامل، إنساني، ومتّزن.

لذلك، فإننا ندعو كل مهتم بالمعرفة، كل باحث عن توازن، كل من أنهكه تمزق الحداثة بين الجسد والعقل والروح، إلى أن يعود إلى تراث هذا الرجل العظيم، إلى كتبه، ومحاضراته، ورؤيته، وأن يُعيدوا قراءة مشروعه لا كتراث مهمل، بل كـ"خارطة طريق" لما يمكن أن تكون عليه روحانية المستقبل: علمية، إنسانية، صادقة، ومتحررة من الخوف والخرافة.

تحية من القلب إلى روح الدكتور السيد نصار، أحد آخر الحكماء الذين عرفوا كيف يُنصتون للروح دون أن يعادوا العقل، ويُحبّون الإنسان كما هو: خليط من تراب ونور.

#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل