|
هل استطاع أحمد الشرع أن يسحب بساط السياسة من السويداء؟
فوزات رزق
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 18:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية لا بد من الإشارة إلى أن أحمد الشرع الذي قفز إلى موقع الرئاسة السورية بمبايعة الفصائل الجهادية لم يستطع الخروج من عباءة أبي محمد الجولاني حين خرج على السوريين بلحية مشذبة وطقم إفرنجي وربطة عنق حمراء. ومنذ أن اعتلى سدة الرئاسة في دمشق كان هدفه كسب الشارع السني، على حساب الطوائف والإثنيات السورية الأخرى، ورفع شعار المظلومية السنية. لكن هدفه غير المعلن هو الجهاد لإعلاء كلمة الله في الديار الشامية؛ ذلك الشعار الذي لم يستطع التخلي عنه يوم انخرط في عداد جنود الدولة الإسلامية في العراق والشام التي اختصرت اسمها بالحروف الأولى من مفردات الاسم الطويل لتغدو "داعش". ولئن اختلف أحمد الشرع مع تنظيم الدولة الإسلامية، وخرج تحت اسم "أبو محمد الجولاني" فإن الخلاف بينه وبين داعش ومن بعدها القاعدة لم يكن خلافاً عقائديا؛ فالجميع يحمل عقيدة واحدة، إنما الخلاف على مناطق النفوذ والسيطرة. وحينما وصل الجولاني إلى إدلب تحت اسم جبهة النصرة، ومن بعد ذلك هيئة تحرير الشام؛ لم يكن يحلم يوماّ أن يصل إلى دمشق، ويدخل قصر المهاجرين. لكن السوس الذي نخر جسد دولة الأسد أخلت الطريق للجولاني وفق نظرية سد الفراغ. وحال وصول أحمد الشرع إلى دمشق بدأ يؤسس لقيام نظام إسلامي متشدد ربما يتطور إلى نظام خلافة لو استمر. حيث انتشرت في شوارع المدن السورية دوريات هيئة تحرير الشام أشبه ما تكون بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تشكلت في المملكة العربية السعودية، أو ما تسمى بالشرطة الدينية. وإن هي لم توظف مطوعين لسوق الناس إلى المساجد في أوقات الصلاة؛ إلاّ أن الكثيرين ممن ظهروا في شوارع دمشق وغيرها من المدن السورية كانوا يقومون بما يشبه نظام الحسبة في العهود الإسلامية الأولى والحسبة في الشريعة الإسلامية هي: "إزالةُ المنكر إذا ظهر فعله، والأمر بالمعروف إذا ظهر تركه" وكثيراً ما تعرض المواطنون السوريون في الكثير من المدن لمضايقات من نوع سؤال المرأة إذا شوهدت برفقة رجل عن درجة القرابة بينهما، فإذا ثبت أن المرافقة للرجل ليست زوجته أو من محارمه تعرض الرجل والمرأة للمساءلة والشتم، وربما السجن. عدا عن مداهمة محلات بيع الخمور وإجبار أصحابها إقفالها رغم ترخيصها رسمياً، وغير ذلك من الممارسات التي تجعل المواطن تحت المراقبة الدائمة أينما مشى وكيفما تحرك. ومنذ أن استقر أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام في قصر المهاجرين بدمشق بدأ بتوطيد علاقته بالخارج العربي والإقليمي والدولي للتغطية عن ممارسات السلطة في الداخل، وممارسة الرقابة الصارمة والتضييق على المواطنين. وإذا تجاوزنا هذه الممارسات التي تهدف لترسيخ سلطة ثيوقراطية تقطع صلتها بجميع الطوائف والإثنيات خارج المذهب السني، فإنها قطعت صلتها بجميع الذين انشقوا عن نظام الأسد من سياسيين وضباط وقضاة وغير ذلك من الكوادر التي تعتبر الحامل الرئيسي للثورة السورية وللدولة، دون ان تقوم بتشكيل جيش وطني بعيد عن هيمنة السلطة، وقضاء مستقل يستند إلى الدستور والقوانين التي تصدرها السلطات القضائية. واستأثرت بكل مفاصل السلطة بدءا من التشكيل الوزاري وليس انتهاء بتعيين شيخ في كل وزارة له الكلمة الأولى في الوزارة. وإذا استثنينا الحديث عن الإعلان الدستوري الذي حصر جميع الصلاحيات في يد أحمد الشرع وأعطاه صلاحية تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب؛ فإن الحديث عن حصر الوظائف السيادية في الوزارات والدوائر الدولة العامة أعطى طابعاً إقصائياً بدأت تمارسه سلطة هيئة تحرير الشام منذ وصولها للسلطة، وأفلتت عناصرها التي أوكلت إليهم مسؤولية حفظ النظام تحت مسمى الأمن العام دون محاسبة ، فرأينا التجاوزات في شوارع المدن السورية التي نسبت إلى عناصر منفلته، في محاولة من السلطة للإفلات من المحاسبة، وقد ظهر ذلك جلياً في التحقيق بالجرائم التي ارتكبتها في الساحل والمناطق الدرزية في ريف دمشق، وأخيراً في السويداء. فقد أسندت جميع هذه الجرائم إلى العناصر المنفلتة، بينما أخذت السلطة تبرر جرائمها بملاحقتها لفلول النظام والعصابات الخارجة عن القانون. وذلك لخلق عدو وهمي كما كان يفعل نظام الأسد، وتساوت هذه الفزاعة التي اختلقها نظام الشرع مع فزاعة الإرهاب التي أقامها نظام الأسد وبنى عليها سرديته في قتل وتشريد الشعب السوري. وهكذا بدأت الفجوة تتسع شيئاً فشيئاّ بين الكثير من فئات الشعب السوري وبين السلطة التي بدأت تظهر على حقيقتها وتكشر عن أنيابها. ففي بداية وصول هيئة تحرير الشام للسلطة واستلام مقاليد الأمور كانت جميع فئات الشعب السوري تنتظر الخلاص من منظومة الفساد الأسدية، فلم يتوانَ الجميع عن تقديم الولاء للسلطة الجديدة، ليس فرحاً بقدومها بقدر ما هو فرح برحيل الطغمة الفاسدة. وظهر ذلك بأوضح أشكاله في زيارة أحمد الشرع للاذقية وطرطوس حيث استقبل استقبال الفاتحين. لكن أحمد الشرع سرعان ما قلب ظهر المجن، وخلع ثوب الحَمَل الذي ارتداه في بدء دخوله دمشق، وتمثل بقول سديف بن ميمون: لا يغرنْكَ ما ترى مــن رجــــال إن تحت الضلوع داء دويا فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها "علويّا"
وكانت البداية من الساحل، ولم تنقصه الذريعة، ففلول النظام التي أراد لها أن تكون الحجة، ظهرت في جبال الساحل على شكل مجموعات من أتباع الأسد المخلوع، احتمت في أماكن عصية، كي تكون بمأمن من انتقام السلطة الجديدة وهي تعلم أن أسحتها الفردية لا يمكن أن تمكنها من إعادة سلطة الأسد. غير أن سلطة الشرع وجدتها الفرصة التي لا تعوض للانقضاض على المكون العلوي عملاً فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية التي تقول: "هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم." وما إن مرت مجزرة الساحل دون مساءلة من المجتمع الدولي حتى أتى دور الموحدين الدروز، وكي تجد سلطة الشرع مسوغاً لاجتياح جرمانا والأشرفية وصحنايا أطلقوا فيديو مفركاً في ذم النبي "ص" ونسبوه لأحد مشايخ الموحدين الدروز، ليتبين لاحقاً وبالدليل القاطع أنه فيديو مفبرك. وشوهدت العصائب الحمراء التي ارتكبت المجازر في الساحل تقوم بالفعل نفسه في صحنايا والأشرفية. وبدلاً من ملاحقة الذين أغاروا ورفعوا شعارات الانتقام صريحة، قامت سلطة الأمر الوقع باعتقال عدد من المواطنين الذين هوجموا في بيوتهم فهبوا للدفاع عن نسائهم وأطفالهم. الأمر الذي بدأ يشكل أزمة لأحمد الشرع وسلطة الأمر الواقع أمام الرأي العالمي. وقد بلغت أزمة سلطة الشرع ذروتها في الهجوم على السويداء في 13 / 7/ 2025. ولا حاجة للتفاصيل التي تناولتها وسائل الإعلام وتقارير منظمات حقوق الإنسان، لكن الحديث الأجدى كيف استطاعت السلطة في دمشق أن تقصي الناشطين السياسيين الذين حملوا شعلة مقاومة نظام الأسد في ساحة الكرامة لما يقرب من عام ونصف العام، وتستبدل بهم رجال الدين للحديث باسم السويداء سواء من والاهم في دمشق أو عارضهم في السويداء من المشايخ. مع العلم أن أكثر من وفد من الناشطين السياسيين توجهوا إلى دمشق والتقوا الشرع، وقدموا رؤيتهم لسورية الجديدة. غير أن أحمد الشرع لم يلق بالاً للحوار الوطني الذي بدأه سياسيو السويداء، واختار أن يتعامل مع رجال الدين. وتحديداً مع الشيخ الهجري وهكذا استطاع أحمد الشرع أن يضع السياسة جانباً ويتعامل مع السويداء وفق فتوى ابن تيمية مرة أخرى والتي تقول عن الموحدين الدروز: "أن كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم. لاهم بمنزلة أهل الكتاب، ولا المشركين. بل هم كفرة ضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم. فهم زنادقة مرتدون، لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا..." ومن جانب آخر استطاع الشيخ الهجري أن يلغي دور السويداء ويتعامل مع دمشق بصفته شيخاً درزياً لا زعيماً وطنياً. وكي نكون منصفين فإن حكمت الهجري طالب بداية بدولة مدنية، ولم يرفع شعار الانفصال، ولم يكن بوارد الاستقواء بإسرائيل العدو التاريخي للسوريين وجميع العرب؛ لكن السلطة في دمشق استغلت موقف الهجري، وصعدت من موقفها ضد السويداء، واعتبرت الهجري خصمها من دون أن تلقي بالاً لنشطاء المحافظة الذين وقفوا في ساحة الكرامة تنادون بإسقاط بشار الأسد ويصرخون بكرة وأصيلا. الشعب السوري واحد، في حين اختفت أصوات المعارضة في أنحاء سوري كافة. لقد كانت السلطة في دمشق تبيت للهجوم على السويداء وقد أعطاها الشيخ حكمت الهجري الذريعة حينما استولى على ساحة الكرامة أمام تعنت السلطة، ورفع فيها العلم الأزرق دون أن يعلم أن إسرائيل اشتغلت جاهدة على حلم إقامة كيانات دينية في السويداء والساحل والداخل السوري كي يكون ذلك مبرراً لها إقامة دولتها الدينية. ولم تستطع النخب السياسية أن تقنع السلطة في دمشق أن محافظة السويداء لا يمكن اختصارها بشخص واحد مهما علا قدره، كما لم تستطع أن تقف أمام المد الذي صنعه الهجري والتف حوله جميع المواطنين الذين تعرضوا للإبادة والتهجير وسرقه أرزاقهم وبيوتهم وإحراقها، وغدا هاجسهم الاستقواء بالشيطان جراء ما تعرضوا له من إبادة جماعية. ولم تكتف سلطة الأمر الواقع بالفظائع التي ارتكبتها، فقد ضربت حصاراً على محافظة كاملة، ومنعت عنها جميع موارد الغذاء والدواء وكل مصادر الحياة. ولم يعرف في تاريخ المدنية المعاصرة أن قامت سلطة بحصار منطقة ما تقع في دائرة سلطتها حد التجويع بغية إخضاعها. وما زال طريق دمشق السويداء الرئيسي مقطوعاً بساتر ترابي بعلو أكثر من متر ونصف في حالة لم تشهدها أية نزاعات داخلية في بلاد العالم.
#فوزات_رزق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية لرواية صائد اليرقات للكاتب أمير تاج السر
-
قراءة في رواية نساء الخيال للروائي ممدوح عزام
-
تقاسيم على وتر المأساة السورية
-
هل سيكون اقتحام السويداء في 13 تموز نهاية أحمد الشرع؟
-
أنا لست نادماً لكنني حزين ومحبط
-
الخيميائي بين استحضار التراث والقيمة المضافة
-
هل بتنا في عصر ما قبل الدولة؟
المزيد.....
-
رغم الصلح بينه وزميله.. محكمة مصرية تؤيد إيداع نجل محمد رمضا
...
-
الأردن ينفي عبور طائرات إسرائيلية أجوائه لضرب أهداف في قطر
-
البيت الأبيض: ويتكوف أبلغ قطر بالهجوم الإسرائيلي الوشيك عليه
...
-
لحم الغزال البري يعتبر صديقاً للمناخ في بعض الأماكن. فما الق
...
-
السيسي يأمر بدراسة التماس للعفو عن سجناء بينهم الناشط علاء ع
...
-
بوساطة مصرية.. إيران والوكالة الذرية تعلنان اتفاقًا لاستئناف
...
-
تنديد دولي بانتهاك سيادة قطر عقب استهداف إسرائيل قيادات حماس
...
-
موسكو تعلن مشاركة الشرع في القمة الروسية العربية المقبلة
-
الصحافة الإسرائيلية تكشف تفاصيل عن الهجوم على قيادة حماس بقط
...
-
مسؤول عسكري أميركي سابق للجزيرة نت: إسرائيل قررت التضحية بال
...
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|