أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزات رزق - قراءة في رواية نساء الخيال للروائي ممدوح عزام















المزيد.....

قراءة في رواية نساء الخيال للروائي ممدوح عزام


فوزات رزق

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 22:45
المحور: الادب والفن
    


نساء الخيال
ممدوح عزام
يدخلنا ممدوح عزام في اللعبة الروائية منذ البدء، وتحديداً منذ العنوان "نساء الخيال" باعتباره ـ أي العنوان ـ العتبة النصية الأولى والوحيدة، ليقول لنا أنه يبني عملا مشبعاً بالحياة، قوامه الخيال الذي لا ينفصل عن الواقع.
ولا بد من الإشارة إلى أن العتبات النصية تستخدم في النص الروائي لخلق تأثيرات معينة على القارئ، "فهي تعمل على التبشير بما يحمله النص من معانٍ ودلالات على الرغم من استقلالها عنه من حيث البناء والتكوين". بريمي المهدي. العتبات في النص الروائي. دراسة سيميائية في الأنساق الثقافية. مجلة سيميائيات.
وأول ذكر لنساء الخيال باعتباره عنواناً للرواية كان في الصفحة 99: "حين أردنا أن ننفذ مشروعنا لم يكن لدينا أي مرجع ممتلئ صالح لتغطية الرسائل والأوراق التي سنرسلها إلى مئة وعشرين فتاة من نساء الخيال، تتراوح أعمارهن بين الخامسة عشر والثامنة عشر"

وتبدأ الرواية بنقل المعلم زيدون من التعليم إلى عمل إداري في الأرشيف في مديرية التربية، وهو أسلوب اتخذته سلطة البعث في سورية إزاء المعلمين الذين ينتسبون لتيارات سياسية مخالفة لنهج السلطة. ودلالة نقل أي موظف إلى الأرشيف يعني أرشفته، أي إهماله.
ويعود بنا زيدون إلى أيام الطلبة حيث كان يشكل رباعية مع قيس وجميل ووضاح الزملاء في دار المعلمين في السويداء، الذين ستستمر علاقاتهم مع بعض التقطع بعد دخولهم في الحياة العملية. ويتداخل الزمن بين مرحلة الطلبة، وعلاقة هؤلاء الشباب بطالبات دار المعلمات، بمرحلة الحياة العملية التي فرقتهم في مناحٍٍ متعددة، لكنها ظلّت تجمعهم بعلاقات متشابكة.
وإذا كان هؤلاء الطلبة الأربعة يشكلون فريقاً في الرواية، فثمة فريق آخر تشكله طالبات دار المعلمات، وأبرزهن ليلى بنت ورد وحامد السومري.

وإشكالية ليلى في الرواية أنها ليست ابنة شرعية لحامد السومري، فقد استعارها حامد وورد المحرومان من الإنجاب، استعاراها من حسن السومري أخي حامد لغاية ما. وما يعنينا في الأمر هذا التفاعل في عملية القص بين محور الطلاب في دار المعلمين، ومحور عائلة حامد السوري المكون من زوجته ورد، وابنته المتبناة ليلى، ورفيقاتها في دار المعلمات. هذين المحورين اللذين يشكلان النواة التي تدور حولها الأحداث.

يتحدث الراوي " المعلم زيدون" بضمير الـ أنا عن إحالته إلى الأرشيف: "المضحك أن هذا التكليف جاء رداً على نضالي الذي استمر عدة أعوام، واظبت فيها على الاحتجاج والمطالبة بإخراجي من عسف القرار الذي قضى بنقلي من التدريس إلى الإدارة" ص12. ما يعني أن الرواية تدخل في فضح تلك المحاولة التي تتبعها الأنظمة الشمولية في تحجيم أنشطة المواطنين وحشرهم في زوايا ميتة.

ويرسم الراوي صورة رجل الأمن النمطية التي أخذ يصطدم بها: "حين صرت شاباً حافظت على خوفي منهم، بالإضافة إلى انضباطي التام تجاه جميع أجهزة الأمن الأخرى التي كانت تتوالد من نقي عظام السلطة، بلا توقف يجذبها النشاط الجانح للأحزاب والتنظيمات والجمعيات والأفكار والتيارات السياسية" ص21. وهي صورة للرهاب الذي يعانيه الناس في الأنظمة القمعية.

وتلفت الرواية إلى تحوّل المجتمع إلى الطابع الاستهلاكي حين تزدهر أعمال النيفوتيات كقيمة سلعية، على حساب المكتبات كقيمة ثقافية، تلك التي بدأت تضمحل، وترسم بانوراما لمدينة السويداء في سبعينيات القرن الماضي وما قبل: "الحي الفرنسي، بركة الحج، مديرية المعارف، بيت المحافظ، ساحة السرايا.
وقد تعاملت الرواية مع الزمن بطريقة تبادلية؛ بين حاضر مثقل بالهموم "زمن الاستبداد السياسي الذي مارسته الحكومات المتعاقبة في حقبة اشتداد قبضة البعث"، وماض مترع بالنشاط "زمن الطلبة والشباب والطيش في أواخر الستينيات من القرن الماضي". فينقل الراوي صوراً من عبث الشباب تلك الفترة: "أذكر أن جميل كان أكثرنا حماسة لخوض هذه الملهاة، وكان كل مرة يبتكر طرقاً جديدة، من أجل تنويع نشاطاتنا، يساعده على ذلك أنه يعرف كل أسماء البنات، ويحفظ في ذاكرته نسب كل واحدة منهن" ص63. لينتقل بعد ذلك إلى مرحلة المعاناة في الحياة العملية بعد أن أصبح معلماً، وتمّ نقله إلى الأرشيف: "استطعت أن أنبش من السرداب ملفات خمس عشرة فتاة من بينهن. أوراقها محشوة بفضائلهن ورذائلهن. حسب تقديرات المدرسات" الصفحة نفسها

وتتحدث الرواية عن خيبة أمل المثقفين اليساريين بسقوط الاتحاد السوفييتي حين يتحدث الراوي عن صديقه وضاح الشيوعي: "الحقيقة أنه كان يترجم وضعه كما خيل لي، فقد بدت الآمال القديمة ضامرة تماما لديه، ويمكنني أن أقول كاسدة أيضاً... كان الاتحاد السوفييتي حبيبه قد تهاوى تحت ضربات الإصلاحيين العتاة المهرولين نحو الحياة المشتهاة" ص69 ورافق ذلك هبوط في الحالة الثقافية، فالمكتبيّ طعمة الله ونتيجة عدم الإقبال على شراء الكتب يعلّق إعلانا لإعارة الكتب لمن يود القراءة.
وثمة ربط غير مباشر بين تردي الحالة الثقافية، واشتداد القبضة الأمنية التي اتبعتها السلطات المتعاقبة في حصر أنفاس الناس، وانتشار المخبرين، وقد ترجمتها الرواية بمقولة: "المخابرات بلا معلومات، مثل الإنسان بلا طعام ودخان وعرق وجنس" ص104

وتكشف لنا الرواية كيف تمت عملية المقايضة الغريبة بين حسن السومري وأخيه حامد. إذ يلجأ حسن إلى حبس زوجته حنان بطريقة لا إنسانية: "فحين تم إعداد وتجهيز مكان الإقامة الأبدي لحنان، قادها زوجها حسن من يدها "بحب"، وأدخلها إلى هناك، وأعلمها: "بحب أيضا؟" أنها لن تخرج من هذا المكان أبداً، إلا إلى القبر" ص153. وتكشف كيف تمّ اختطاف ليلى بنت حنان وحسن بعد ولادتها مباشرة: "ولكن الغريب في الأمر أن حسن هو الذي عرض على أخيه البكر الذي كان قد مضى على زواجه أكثر من ثلاث سنوات، فكرة استعارة المولود القادم" ص154. لنكتشف أن وراء هذا العرض منافع مادية. ولا أظن أن الغرض من هذا التداخل يبتعد عن عنصر التشويق حين تتشابك الأحداث، مع الإمساك بخيوط اللعبة بإتقان.
وسنكتشف لاحقاً أن تقديم المولودة من قبل والدها حسن إلى أخيه حامد العاقر لم تكن شهامة، وإنما: "مقابل تخلي الأخير عن حصته من إرث أمهما". وهي لم تكن إلا مبادلة سلعية. ولا ينسى الكاتب أن يقرن اختطاف هذه المولودة باختطاف السلطة من قبل الطغمة العسكرية "التي اختطفت الشعب كله لتضعه في أكياس خاطتها بنفسها". ص159

وتتعرض الرواية إلى مرحلة عسكرة الجيل التي بدأت مع وصول حزب البعث إلى السلطة، وهي أخطر خطوة تتخذها سلطة البعث لقتل الحياة السياسية في المهد. فتتحدث عن أحد مدربي الفتوة: "ضابط احتياط، كان مدرساً للتاريخ، استطاع أن يرسّخ سلطته العسكرية، بقاموس من المفردات المهينة التي تستخف بشخصية الطالب وشكله وكلماته..." ص184. ثم تستعرض الرواية الأساليب التي كان مدربو الفتوة يستخدمونها لإذلال الطلاب وتطويع إرادتهم بتنفيذ تمرين "مشية البطة" الشهير في العقوبات العسكرية.

ولا يفوت الرواية أن ترسم الحالة الأمنية التي عاشت بها البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين: "لم تكن مراقبة التجول قد نشأت بعد، فهي ابنه المرحلة القادمة، أي سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن، حيث تكاثرت الأحزاب الراديكالية، فردت عليها السلطة بزيادة أجهزة الأمن، وزرع الشوارع والساحات والمنعطفات ...". وهكذا يتسلل السرد إلى الأساليب الجهنمية التي تتبعها أجهزة الأمن التي تسوق الناس على الشبهة للتحقيق، فلا تقبل أجوبة "اللاشيء من المشتبه بهم حين يسألون عن سبب وجودهم في هذا المكان أو ذاك: إن المحققين يرفضون اللاشيء، اللاشيء شبهة، معنى مخبأ ومنذر بخطر وشيك، مرشح للانفجار" ص167.

ولا يني الكاتب أن يربط أحداث روايته بأحداث تاريخية، كيما يصل إلى إدانة بعض المراحل التاريخية في الحياة السياسية السورية: "كنت سأتجاهل هذه الإشارة الغريبة لولا أن طعمة الله أكد لي أنه لاحظ في ذلك الحين التغيير الذي طرأ على سلوك الناس بدءاً من زمن حسني الزعيم، وأن طعمة الله كان شاهداً من شهود تلك المرحلة ..." ويورد في هذا في هذا الصدد رأي طعمة الله صاحب المكتبة: "أن وثوب أولئك الضباط ـ يقصد الزعيم والحناوي والشيشكلي ـ إلى كرسي الجمهورية الفتية بكل تلك السهولة جعل حضورهم الجسدي يتفوق بقوة على روح المجتمع" ص158

وتقرأ الرواية بعناية فائقة مجتمع الستينيات في السويداء ـ الحيز المكاني للرواية ـ وطبيعة تفتّح الوعي المجتمعي على المدارس الفلسفية التي أخذ بعض الناشئين بأسبابها "الوجودية مثالاً" ، فالمكتبي طعمة الله، ومن حلال علاقته برواد مكتبته يصرّح: "ليس لدي أي دليل أو دليل مضاد على أن أولئك الشبان لم يلجؤوا إلى السيد سارتر في تسويغ رغباتهم الدفينة في ممارسة حب حر يخرج عن المألوف العادي" ص185

وبين حين وآخر تُظهر الرواية الخوف الذي تجسد في نفوس الناس جراء حضور كلمة "غرفة التحقيق" التي طرأت على القاموس السوري بعيد وصول حزب البعث إلى سدة الحكم، وإحكام القبضة الأمنية: فـ "فوز ذعرت منذ أن رأت الكلمتين المكتوبتين على اللوح المعدني الأسود المثبت على إحدى ضلفتي الباب. كان لغرفة التحقيق وقع الحديد المحمّى، صوت الفلق، رعدة الكهرباء، مهانة البواليع، غرفة التحقيق كانت خلاصة قبيحة لكل وساخات حياتنا" ص244.
وتمعن الرواية نقل بعض الصور التي تظهر قسوة المشهد، كصورة اقتياد ليلى من قبل عنصريّ الأمن على مرأى من والدها كما جاءت على لسان ليلى: "لم يخبر الرجلان أبي بأي شيء، وقبلا دون مصاعب أن يرافقني إلى السيارة التي وضعاها بعيداً عن المنزل... لكن أحدهما وهو المربوع الممتلئ دفعه في صدره حين أراد الصعود إلى السيارة: لهون وبس" ص250. عندئذ لا تمتلك إلا أن تقذف شتيمة في الهواء. هذا ما تستطيع أن تفعله.

ولا بد من الإشارة إلى تثمين موقف المكتبي طعمة الله من قبل زيدون، عندما لم يشِ بالطلاب للأمن حينما استنطقوه، فيقول: "لم يخطر ببالي قط أن بمقدور شخص مثل طعمة الله أن يحوّل نفسه إلى كيان، أو إلى قامة، أو إلى ضمير، فهو أمر نادر" ص103
كما لا بد من ملاحظة أن شخصية المكتبي طعمة الله كانت شخصية محورية، ما يشير إلى الدور الذي لعبه ذلك المكتبيّ طعمة الله شمس الدين كمحرك للعملية الثفافية. ومن جهة أُخرى فربما ذهبنا إلى أن هذا الاسم لم يكن بريئاً "فالكتب وحدها "والدخان أيضاً" هي التي كانت تحجب عنه التفكير في موضوع الأكل والشرب، كما كانت مصدر رزقه الوحيد" ص231
لكن الرواية تشير من ناحية أخرى إلى كساد الثقافة في زمن أصبح الكتاب آخر ما يفكر به المرء. جاء ذلك حينما لجأت ورد إلى بيع مكتبتها.

ويكشف الحديث بين زيدون الراوي وصديقه قيس عن تغيير البنية الاجتماعية بفعل الاستقطابات التي كانت تلجأ إليها السلطة بمنح الامتيازات للموظفين الكبار. فقد استطاع قيس أن يتسلق إلى مراكز مهمة في السلطة، وأخذ يشعر باستعلائه على رفاق الأمس حين: "رشف القهوة بإمعان، وغمغم: هل تعرف ما نوع سيارتي؟ لم أجب، بالنظر إلى فقري لم أكن معنيًا بنوع السيارات، أو ماركاتها او موديلاتها... بيجو قال بفخامة" ص276. ما يشير إلى عملية الانسلاخ الطبقي ـ بالتعبير الماركسي ـ في المجتمعات ذات النظم الشمولية.
حتى أن بعض الأسماء في الرواية ليست بريئة: فميسورة العز زوجة قيس ابنه الطبقة الراقية لم يأت اسمها محايداً.

وإذا انتقلنا إلى تقنية السرد فإننا كثيراً ما نرى الكاتب يستخدم المعترضات النصية التي يمكن أن تندرج تحت مصطلح "التعالقات النصية" وذلك حين يقطع الكاتب السرد، ويفتح قوسين لتوضيح فكرة أو إحالة إلى حادثة... كما يلي: "وقد ماتت الداية التي سأسميها نخلة..." ويأتي التعالق النصي بعد ذلك على شكل: "وهو اسم غير محلي" ص154. ويمكننا أن نتتبع ذلك التعالق ليس في مفاصل هذه الرواية فقط؛ وإنما في كثير من أعمال ممدوح عزام الأخرى، لتغدو هذه التعالقات النصية بديلاً من الحواشي التي قد يلجأ إليها البعض سمة من سمات أسلوب ممدوح عزام.

ولا نستطيع إغفال تعامل الكاتب بحيادية مطلقة في كثير من مفاصل الرواية، ما يشير إلى نوع من موضوعية الكاتب تجاه الحدث، حتى أنه كثيرا ما ينحو نحو نقد النص: "لا أعرف ما الذي جرى في ذلك القبو، بعد أن ماتت الداية نخلة، ومات حامد، ولم يخاطبني حسن، ويستحيل لقاء حنان، ولا ترى ورد حصافة في التحقيق في الأمر، غير أن بقاء هذه المرأة حبيسة في القبو طوال أكثر من ثلاثين عاما أمر مريب روائياً" ص156. فالكاتب هنا بصدد نقد ما يكتب حينما يتحرّى الدقة في تركيب الحدث، كيلا يجنح نحو اللاواقعية. ما يشير إلى التزامه بما اصطُلح على تسميته بالصدق الواقعي.


وإمعانا في ممارسة الكاتب لعملية نقد نصه يوضح: "لقد اتضح لي هذا الصباح، وأنا أعيد قراءة هذه الصفحات أن الكتابة ناقصة وضحلة، ولا تنظر إلى الأحداث إلا من زاوية واحدة شكلية وخارجية، وهي تتعامل مع أفعال البشر وكأنها خطوات ميكانيكية " ص156
كما يسبغ الكاتب على النّص صبغة واقعية حينما يلجأ إلى تأريخ بعض الوقائع كما لو أنه بصدد كتابة تقرير حقيقي: "يذكر طعمة في تقريره أن ليلى سُلِّمت لحامد من قبل أخيه حسن في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من عام 1951" ص158. وكثيراً من نجد رصداً تاريخاً لبعض الوقائع.
ويصر الكاتب على متابعة لعب دور الناقد في كثير من مفاصل السرد حينما يقول على لسان زيدون الذي يقوم بمهمة السرد: "وجدت المخطوط الأول يذكر تفاصيل كثيرة عن موضوع الحمل والإنجاب، وقد تضمنت ملاحظات عن الدبيب المتلاحق لنسيب قبل موته... " ص163. ما يشير إلى إعادة النظر في الرواية من خلال مراجعة المخطوط الأول. ويتابع تحرياته بغية تعديل النص للوصول إلى الصيغة النهائية. فهو إذن يدخلنا ليس في تقنية الكتابة فقط؛ وإنما في معاناة الكاتب للوصول إلى الصيغة النهائية لنصه الروائي.
ولا تتوانى الرواية بين الحين والآخر عن طرح اراء نقدية حول العمل الروائي: "إن الرواية لا يمكنها أنت عيش إلا إذا أعادت خلق الحقائق" ص296

ولا بد من إشارة إلى التلقائية، وعدم التكلف في أسلوب السرد في كثير من مفاصل الرواية: "بعض الرجال يعتقدون أنهم ذاهبون للصيد حين يزورون امرأة وحيدة. لا ينقص سوى أن يأخذون معهم سلوقياً، إضافة إلى بندقية وخرطوش... تفو عليكم "يقصد عليّ" ص 239.
وثمة طريقة فريدة في بناء النص السردي. إذ كثيراً ما تتدخل شخصيات الرواية في هذا بناء الحدث، وتقدير مدى قدرته على الإقناع، فقد جاء في معرض الحديث عن سجن حنان: "هذه هي الخاتمة التي ارتأت ليلى كتابتها، لكنها بدّلت الحل في ورقة أخرى، فأخرجت حنان من القبر بطريقة سحرية حين جعلتها تكتشف في أرضية المكان "إذ ليس لديها من شغل سوى نبش التراب" مصباحاً غريباً خرج منه أحد عفاريت ألف ليلة وليلة، وطار بها إلى المجهول" ص 248 ـ 249
واللافت في أسلوب الكاتب أشراك شخصياته في بناء الحدث، وكأنهم ليسوا شخصيات روائية بل شركاء في بناء النص: "العليق الأكثر مرارة جاء من وضاح لقد رفض النص كله، وطلب الخروج من هذا السرد الرملي الذي يقتات على اللحم البشري" ص 292

ولا يستطيع القارئ إلا أن يعجب بالنفس الروائي الطويل الذي أتاح للكاتب أن يكتب رواياته دون محطات، ولا فواصل استراحة، ينتقل فيها الروائي من محطة إلى أخرى. لقد سارت مركبة الرواية دون التوقف، ودون تبديل للمحطات كما جرت العادة في الكثير من الروايات. وهذا النفس الطويل يحسد عليه الكاتب.
كما تتجلّى براعة الكاتب في رسم الشخصيات من الداخل، إذ يرسم شخصية طعمة الله كما يلي: "لقد استطاع طوال سنوات شعله أن يمسح المسافة التي تفصله عن زبونة متى يشاء، يقلصها، ويضغطها، بحيث يستطيع أن يقول للزبون ما يريد تليقناً أو توبيخاً أو تأنيباً أو انتهاكاً لشخصيته". وما يلبث أن يلجأ إلى وصفها من الخارج: "شزرَنا من خلف حاجبيه السميكتين، وضيّقَ عينه اليسرى، ثم غمغم "أما خروات" المرجح أن وجود سن مقلوعة في فمه هو الذي أوهمنا أنه قال: "خردوات" ص100

وفي الختام فممدوح عزام استطاع أن يبني من نساء الخيال واقعاً من لحم ودم عشناه في هذا الحيز المكاني والفضاء الزماني اللذين اختارهما لهذا العمل الروائي الجميل.



#فوزات_رزق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاسيم على وتر المأساة السورية
- هل سيكون اقتحام السويداء في 13 تموز نهاية أحمد الشرع؟
- أنا لست نادماً لكنني حزين ومحبط
- الخيميائي بين استحضار التراث والقيمة المضافة
- هل بتنا في عصر ما قبل الدولة؟


المزيد.....




- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...
- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...
- المخرجة اللبنانية منية عقل تدخل عالم نتفليكس من خلال مسلسل - ...
- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزات رزق - قراءة في رواية نساء الخيال للروائي ممدوح عزام