كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 16:01
المحور:
سيرة ذاتية
تصدمنا سلوكيات بعض الذين نشئوا وترعرعوا معنا. وكانوا أصحابنا وزملاءنا وجيراننا لسنوات وسنوات في معظم مراحلنا الدراسية والحياتية، ومنهم من كان يكبرنا بالعمر وكان قدوتنا في القرية (أو في المدينة) التي نعيش فيها. ثم سنحت لهم فرص الدراسات العليا حتى نالوا درجة البكلوريوس والماجستير، وربما اعلى منها بقليل. لكنهم تغيروا تماما بعد اكمال دراستهم الجامعية الأولية. صاروا برامكة وأباطرة وقياصرة وفراعنة في حدود الأوساط الفقيرة التي ننتمي اليها. نلقي عليهم التحية كل يوم فلا يردوها علينا. يمشون على أطراف أصابعهم، نشعر انهم اخترقوا حواجز الزمن وقفزوا فجأة إلى عالم آخر. . عالم يختلف تماما عن عالمنا. كان بعضهم يتبغدد ويتأمرك علينا بكلمات مصطنعة. ويستصغر شأننا، ثم انتهى بهم المطاف معزولين منبوذين محتقرين مهمشين، لا يحترمهم احد، ذلك لانهم فرضوا على انفسهم العزلة بمحض ارادتهم. .
تخرج استاذ (محسن) في معهد المعلمين، واصبح معلماً في مدرستنا الريفية المكونة من أكواخ مبنية بالقصب والبردي، كان يسألنا عن أسماءنا صباح كل يوم، على الرغم من انه يسكن البيت الملاصق لبيتنا. ربما فقد ذاكرته، وربما يرفض العودة إلى طبقتنا القروية الريفية المسحوقة. .
كنا نحاول ان ننهل من علومهم ومعارفهم (إن كانت لديهم علوم ومعارف)، لكننا كنا نطرق أبواباً موصدة تقيدها أقفال محكمة، كانوا مرضى بقلوب صُنعت بلا أبواب. وربما كانوا أصفارا خاوية لا قيمة لها، وهكذا كنا مرغمين على التعايش مع الفراغ، ذلك اللاشيء الذي ترك كل شيء ليكون معنا. .
ارقى الانتصارات تكمن في تجاهل هؤلاء المرضى، وتكمن في الابتعاد الصامت عن كل ما يؤذي أرواحنا. أن نتخلى عن علاقات لا تقدر عطائنا، أن نتخلى عن أشخاص لا يرون قيمتنا، فالتخلي والانسحاب هو أعظم ما نهديه لانفسنا. الوقائع وحدها كفيلة بإنصافنا. اما أولئك المرضى فسوف يجدون من يشبههم، فالطيور على اشكالها تقع. .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟