|
التراث الطبي في الحضارات: المصرية واليونانية والإسلامية...
السيد إبراهيم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 10:48
المحور:
قضايا ثقافية
قد تتساءل كيف يضم سطرًا واحدًا ثلاث حضارات كان لها تاريخها المجيد مع "الطب"، غير أن الحضارة الأولى هي التي لها حق الريادة والعمادة، بينما كانت الحضارة الثانية ناقلة عنها، ومتتلمذة على يديها، ولا ينكر أحد أنها أبدعت وأضافت حتى تسلمت الراية منها الحضارة الإسلامية، فجددت وصوبت وأضافت ونقلت غير أنها تعترف أنها نقلت عمَّن سبقها من حضارات، ثم سلمت الراية إلى قارة أوروبا التي أنكر بعض أهل العلم منها على الحضارتين المصرية والإسلامية شرف الريادة والنقل، وقصرهما على الحضارة الإغريقية وحدها.
من أفدح الأخطاء الشائعة في عصرنا هذا ما روي عن الحضارة الإغريقية من أنها أم الحضارات الغربية وأنها لم تكن في حاجة إلى غيرها من المدنيات التي سبقتها، وأنها على ذلك لم تخضع في أصولها وفي أزمان تطورها فيما بعد على وجه التقريب لأي تأثير وفد عليها من خارج تربتها... ومما لا نزاع فيه أن الشعوب التي أسهمت في تقدم المدنية البشرية منذ نشأتها هي الشعب المصري والشعب الكلداني ثم الشعب الهيلاني المبكر.. والواقع علي أن مصر قد لعبت دورًا هامًا عظيما في الثقافة الهيلانية القديمة وبخاصة في ثقافة القوم الذين كانوا قبل الشعب الهيلاني وهم الذين ورث عنهم الإغريق حضارتهم وأعني بذلك اغريق الجزر اليونانية وبلاد الإغريق الكلاسيكية. هذا ما أثبته سليم حسن في موسوعته عن مصر القديمة ج14.
كما ينفي عن الإغريق ريادتهم المزعومة للطب ويؤكد ريادة الحضارة المصرية القديمة، فيقول:
(جرت العادة عند علماء الطب الأحداث إذا تحدثوا عن الطب ابتدءوا كلامهم بالحديث عن العهد الإغريقي وبخاصة عهد "هبوقراط" "ابقراط" وكأن كل ما قبل ذلك صحيفة بيضاء لم يخط الزمان فيها سطرًا واحدًا في الطب وانتشاره... والواقع أن علم الطب الأول نبع في وادي النيل منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد سار في هذا العلم المصريون شوطًا بعيدًا وضربوا فيه بسهم صائب؛ فتدرجوا في إقامة أصوله على حسب تدرج المدنية إلى أن وصلوا به إلى مدى بعيد لم يكن في الحسبان ... ومما لاريب فيه أن علم الطب كان قد بلغ في خلال القرن الخامس قبل الميلاد أعلى مستوى له، في الوقت الذي كان الإغريق يفِدون ويروحون على مصر للتعليم فيها وقد تمثل ذلك فيما كتبه ابقراط ومدرسته).
وهو ما ينفي أيضا أن "أبقراط" هو أبو الطب كما يشيع البعض عنه ذلك؛ فقد استفاد بل استمد أكثر علمه من الطب المصري، وقد ذكر هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير انفراد المصريين بممارسة فن التحنيط. كما يؤكد الدكتور غليونجي في مقالته: "أثر قدامى المصريين في الطب اليوناني"، أن الطبَّ المصري كان له الفضل الأكبر والأعظم على أبقراط، مستشهدًا بما قاله العالم الفرنسي "فرانسوا دوما" بأن أبقراط تعلَّم في مصر، كما أن الطب في مصر القديمة كان أرقى مجالًا من الطب عند الإغريق.
يقول وول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة": (أمَّا أكبر مفخرة علمية للمصريين فهي علم الطب)، ولقد أثبتت البرديات أن كثيرًا من التراث "المصري" الذي يُحسَب لليونان، إنما هو مصري كتبه مصريون بحروفٍ يونانية .. أضف إلى هذا أن هؤلاء كانوا يتخذون اسماء يونانية أو اسماء تحمل إضافة (os) في آخرها كالأسماء اليونانية في حركة تقية تلجأ إليها الأمم العريقة في محنتها في عملية البقاء والمداراة ثم أخذ دور ولو تحت اسم مستعار.
ذلك أن بعض المصريين في العهد البطلمي قد تأغرقوا في محاولة ارتقاء طبقي أو صراع طبقي، كما أن الإغريق قد تأقلموا في مصر بالقدر نفسه فتعلموا اللغة المصرية، وعبدوا آلهة مصرية بل اتخذوا اسماء مصرية وعادات مصرية.. والذي لا شك فيه أن مصر هي واضعة تذكرة الطب المشهورة "كرنيليوس كلسوس" وظلت الدنيا تستعمل عقاقير مصر القديمة إلى القرن الثاني عشر الميلادي. ووضعت مصر المسيحية غالبية المصطلحات الطبية وعليها تتلمذ جالينوس ولها شهد "نيتولتسكي" في كتابه "الطب الشعبي المقارن". كما تقول دكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "التراث والحضارة".
وظلت أوروبا ردحًا طويلا من الزمن تعزو حضارتها إلى اليونان متجاهلة أو جاهلة النبع البكر أو النبع الحقيقي: مصر. أما اليهود فهم يتعمدون عزو الحضارة الغربية إلى اليونان لشدة وطأة تفوق مصر القديمة على نفوسهم وإحساسهم بالتبعية لها حتى غدت عقدتهم الكبيرة "حضارة مصر". يعترف بهذا "سيجموند فرويد" في كتابه "موسى مصريا": (على أن عزوهم الحضارة الغربية إلى اليونان له غرض آخر خبيء .. وهو حجبهم مدى نقلهم عن مصر وإحباط ريادات مصر).
وربما كان سبب هذا أن المصريين كانوا ينفرون أشد النفور، ويضمرون أشد المقت لليهود الذين وفدوا على مصر من بلاد كوش يلتمسون المأوى بعد تجوالهم الطويل في الصحراء، وهم الذين ساعدوا الغاصب الأجنبي، كما يقول "هندريك فان لون" في كتابه "قصة الجنس البشري".
وسينتقل دور اليهود في ظل الحضارة الإسلامية خاصة في العصر الحديث وذلك حين لم يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم "مستشرقين يهود" حتى لا يعزلوا أنفسهم وبالتالي يقل تأثيرهم.. ولهذا عملوا بوصفهم "مستشرقين أوروبيين"، وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولا فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها، وكسبوا ثانيا تحقيق أهدافهم في النيلِ من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى التي رصدها دكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه: "الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري".
مما سبق يتضح أن الطب المصري كان المنهل الذي روى ظمأ الطب والأطباء الإغريق، ولا يعني هذا أننا ننتقِص من قيمة الطب الإغريقي بالبحث عن أصول له، ولكن كل نهر له منابع، وأكبر الأنهار وأجملها أكثرها روافدَ وأصولًا؛ ولذا فإن الهدف من تلك المقارنات إنما هو تأكيد وحدة الحضارة التي ازدانت بها شواطئ البحر الأبيض المتوسط منذ فجر التاريخ، والتي نشأت في مصر، ثم تناولها الإغريق فوصلت إلى قمتها عندما اجتمع المنطق اليوناني والواقعية المصرية، فظهرت معجزة الإسكندرية التي كانت البوتقة التي انصهرت فيها أصول الطب والتشريح عند قدماء المصريين مع اجتهادات اليونانيين القادمين مع الانتشار الهيليني شرقًا وغربًا، فأصبحت القاعدة التي انطلقت منها كل العبقريات والنظريات التي فتحت أبواب الكشوف الطبية والتشريحية أمام العلم أجمع عبر العصور التي تلت عصر الإسكندرية الذهبي؛ الذي وإن كان قد انتهى ماديًّا وجغرافيًّا وتاريخيًّا، فإنه لم ينته فكريًّا وعلميًّا وحضاريًّا، إذ إنه تحول إلى عصارة حيوية تسري في عروق الحضارة الإنسانية عبر العصور.
التراث الطبي في الحضارة العربية الإسلامية:
إن وصف الحضارة العربية الإسلامية بكونها إسلامية، لا يُلغي حقيقة أنها بدأت من جزيرة العرب، ولا يعني ارتباطها بالعرب أن أي قوة سياسية تستطيع بناء حضارة ... من الطبيعي أن تؤثر هذه الحضارة العربية في جميع البلاد التي اعتنقت الدين الإسلامي ولا سيما ونحن نرى تأثير هذه الحضارة في غير المسلمين، وهو ما يعني أن ما خلفته هذه الحضارة العربية ليس بسبب ارتباطها بالإسلام فقط، بل بقدرة اندماجها مع الحضارات السابقة وأثرها الواضح الباقي في الحضارة العالمية حتى وقتنا الحاضر... أثرت وتأثرت حتى باتت حضارة عالمية شارك في صناعتها العرب وغير العرب من المسلمين وغير المسلمين من يهود ونصارى أيضًا.
إن الطب تراث إنسـاني ساهم ـ ومازال يساهم ـ في صنعه وتطويره أطباء وعلماء من دول شتى، وقد كان للطب المصري القديم ـ كما ذكرنا ـ دوره في ظهور الطب اليوناني القديم، بل شكل عامل من أهم عوامل تقدمه، وقد سجل "هيرودوت" إعجابه بما شاهده في مصر حين زارها في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد بشكل عام، وبالطب المصري المتعدد الفروع والأطباء وتخصصاتهم المتنوعة بشكل خاص، كما تميزت الإسـكندرية في العصر البطلمي بريادة الطب، وخاصة في عِلمـي التشـريح ووظائف الأعضاء، ثم جاءت الحضارة الإسلامية التي أسهم علمائها في تقدم الطب وعلومه لتتفوق بشكل واضح في تنظيم مهنة الطب، وتنجح في ربطها بالقيم والأخلاق، وتنشئ "البيمارستانات" أو المستشفيات لعلاج المرضى، وتعمل على إعداد الأطباء والعلماء الذين انكبوا على دراسة الأمراض من أجل أن يضعوا لها طرق التشخيص والعلاج، التي خرجت منشورة في كتب ومؤلفات تصف المرض وتقنن العلاج والدواء.
ولقد كان لهذه الحضارة الفضل الكبير في مجال تطور الطب؛ فقد نقلت علوم من سبقها من أصحاب الحضارات إلى السريانية والعربية، كما لم تحرم علماء البلاد التي دخلها الإسلام من المشاركة في صنع الطب وتطويره وممارسـته.
غير أنه من المهم أن نذكر أن العرب لم يأتوا إلى الدنيا بأيدِ فارغة، ولم يعيشوا قبل ظهور الإسلام بمعزلٍ عن بلاد الحضارات في مصر والشام والعراق، ونؤكد أن المقصود بجاهليتهم كمصطلح ظهر مع ظهور الإسلام، وهو لا يعنى الجهل الذي هو نقيض العلم، بل يعني عدم الإيمان باللّٰه تعالى أو بالإسلام وعدم إفراده بالألوهية وبالحاكمية، فتشرك مع اللّٰه آلهة أخرى، ولا تحكم بما أنزل اللّٰه.
يقول صاحب كتاب "طبقات الأمم" أبو القاسم صاعد الأندلسي القرطبي: (كانت العرب في صدر الإسلام لا تعنى بشيء من العلم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتهم، مع استثناء صناعة الطب؛ فإنها كانت موجودة عند أفراد من العرب غير منكرة عند جماهيرهم لحاجة الناس إليها في حياتهم).. وقد كان لهم فيها تطبيب ووصفات علاجية اكتسبوها من تجربتهم الخاصة أو استمدوها من تجارب جيرانهم، وعلى هذا لا يمكن المجازفة بالقول أن طبهم هذا يرقى لعلم الطب.
تعود بدايات الطب العربي أو البحث فيه إلى العصر الأموي لاتصال العرب المباشر بالمراكز العلمية: "مدرسة الاسكندرية القديمة، وأنطاكية، والرها نصيبين، وجنديسابور"، غير أن مدرسة الإسكندرية هي التي نقل عنها العرب علوم اليونان إلى السريانية، وبدؤوا بترجمة "جوامع الاسكندرانيين" من السـريانية إلى العربية، ثـم انتقلوا بعد ذلك إلى ترجمة تراث جالينوس الطبي برمته، ثم ترجمة أعـمال ابقراط وديوسـقوريدوس، وزادت الترجمة في عصر العباسيين فعرفوا الطب الهندي أيضا، خاصة وأن الطب اليوناني قد احتوى على طب المصريين القدماء والبابليين، ولذا كان هو النبع الأعظم الذي نهل منه أطباء العرب واستقوا علومهم منه.
وقد ضم كتاب: "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة في صفحاته أسـماء عدد كبير من الأطباء الممارسين قبل زمن الرشيد، وقد استفاد العرب أيما استفادة من ازدهار عصر الترجمة فنقلوا الطبيْن: الفارسي، والهندي، بل امتدت معرفتهم الواسعة بالعدد الوافر من الأدوية المجلوبة من إفريقيا ومن حوض المحيط الهندي، الأمر الذي دعم تنوع مصادرهم الطبية واستفادوا منه كما استفادوا من المعارف الطبية المصرية واليونانية والشـامية والعراقية.
ربما كان من الأوفق أن أستعرض ما قدمه علماء الحضارة العربية الإسلامية من مساهمات ومنجزات تثبت أنهم ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية القديمة والمعاصرة، وأنهم لم يكونوا عالة على الأمم السابقة عليهم ولا عالة على الغرب بل أفادوه في نهضته، حيث كان الطب العربي هو الوريث الشرعي للتراث الطبي القديم المنقول عن حضارات العراق والشـام ومصر، والطب الهلنستي في جنديسابور والإسكندرية، ويرجع الفضل للعرب في ترجمة ما سبق من علوم طبية حفظوها من الضياع، حتى خطا الطب العربي أربعة قرون فسيحة، ووصل إلى درجة مرموقة، وهو دون نزاع أدق وأشمل من الطب القديم والمتوسط، وقد مهد للطب الحديث، وسبقه.
غير أن الدكتور إبراهيم مدكور في كتابه: "في الفكر الإسلامي" يرى أن الطب العربي احتفظ بتراث اليونان، وهذا نفسه عمل جليل، ولكنه لم يقف عند مجرد حفظه ونقله، بل عدله وصححه، وأضاف إليه ما لم تضفه ثقافة أخرى، فكشف عن أدواء لم تكن معروفة، وتفنن في وسائل الدواء والعلاج، وخطا في الجراحة خطوات لم تكن يسيرة في القرون الوسطى، وبقيت الجراحة في الغرب عالة عليه عدة قرون، واستحدث أدوات جراحية لم تكن معروفة من قبل.
استفاد الأطباء العرب من ترجمة شيخ المترجمين ـحنين بن إسحاق الذي كان يجيد السريانية والفارسية واليونانية والعربية، وقد درس الطب في جنديسابور، وترجم مجموعة ضخمة من مؤلفات "جالينوس" وغيره، وإليه يرجع الفضل في أن تتسم اللغة العربية بالصبغة العلمية، الأمر الذي سمح لأطباء وعلماء العرب أن يعكفوا على العلوم الطبية ويتقنونها، حتى برعوا في تبويبها وإعادة تصنيفها مما أدى إلى خروج العديد من كتبهم التي اعتنت بتاريخ الطب بشكل عام، وبتـاريخ الطب العربي على وجه الخصوص.
وقد نقل علماء الغرب علوم المسلمين الطبية وغيرها ومارسوها خلال خمسة قرون، بعد أن نجح المسلمون في ترجمة ونقل العلوم اللاتينية والفارسية خلال قرن واحد. ذلك أن علوم الحضارة الإسلامية قد جاوزت حدود أوروبا الجغرافية عن طريق احتكاك الغرب بالشرق أثناء قيام الحروب الصليبية، وعن طريق حركة الترجمة التي نشأت وبدأت في جزيرة صقلية، وكانت الأندلس أوسع الطرق وأقواها من حيث المواد العلمية الغزيرة والأطول زمنا والأوسع في المدى.
ومن الكتب الطبية العربية التي تم ترجمتها إلى اللاتينية: كتاب "القانون" لابن سينا، وكان أشبه ما يكون بموسوعة حَوْت علم الطب عند العرب والإغريق والهنود والسريان والأنباط، وكتاب "الحاوي" للرازي الذي صدر في ثلاثين جزءًا ويمثل موسوعة علمية طبية جمعت معارف الطب من زمن أبقراط وقبله إلى زمن الرازي، وقد بلغ من قيمة هذا الكتاب أن لويس الحادي عشر ملك فرنسا دفع ما يقرب من وزنه ذهبا أو فضة، وظل مرجعًا لأوروبا حتى القرن السابع عشر الميلادي، كما أمد أطباء الأندلس المسلمين قارة أوروبا بالمرجع الأكبر في الجراحة وتجبير العظام، وهو كتاب: "التعريف لمن عجز عن التصريف"، لأبي القاسم خلف بن العباس، وكان قد تم إصداره باللغة اللاتينية في القرن الخامس عشر الميلادي.
لقد توصل الأطباء المسلمين إلى الطب الوقائي الذي يحول دون وقوع المرض من خلال وضع قواعد تحفظ صحة البشر ووقايتهم من شر الأمراض والأوبئة، كما اهتموا بالطب العلاجي اللاحق على إصابة الإنسان بالمرض، فاهتموا بالتشخيص، والوقوف على الأعراض ثم وضع طرق العلاج، كما كانوا أول من أرسوا قواعد الطب الجراحي وجعلوا له أصولا وقواعد ثابتة، والجراحة لا تقوم إلا ومعها علم وفن التشريح الذي برع فيه العرب إلى الحد الذي نبهوا على كثير من الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم من علماء الحضارات السابقة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى دور الرائدات من النساء المسلمات العالمات في القرون الإسلامية الأولى اللواتي كان لهن دور مهم في علم الصيدلة والطب في التراث الإسلامي، ومنهن صحابيات مثل رُفيدة الأسلمية التي كانت أول ممرضة وداوت الجرحى بنجاح كبير، ومن غير الصحابيات: عائشة بنت الجيار، وأم الحسن بنت القاضي الطنجالي كن طبيبات وصيدلانيات بارزات وعملن في مجال تركيب الأدوية.
على الرغم مما قدمته الحضارة الإسلامية من علوم الطب المتنوعة، بات إصرار الأوروبيين على التمسك بالمركزية الغربية التي تعتبر الحضارة الغربية مركزًا للعالم، ويُقيّم الحضارات الأخرى بناءً على مدى توافقها مع القيم والمعايير الغربية، وكان من آثارها على التراث الطبي العربي الإسلامي يتمثل في تجاهل المساهمات الطبية العربية الإسلامية، وعدم الاعتراف بالمساهمات الطبية الهامة للعلماء العرب والمسلمين، بل تشويه تاريخهم الطبي من خلال تقديم صورة غير دقيقة عن التطور الطبي العربي الإسلامي، وادعاء تبعيتها للغرب.
وربما كان الدافع لمن يدافعون عن التراث العربي الإسلامي من العرب المسلمين وغير المسلمين المعاصرين، هو إبرازه ولفت الأبصار والبصائر والعقول إلى عطائه الوافر الزاخر منذ العصر الوسيط وحتى الآن، وتنكر بعض العرب المعاصرين لهذا التراث الرائع، الذي يرصد أسباب نكرانه الدكتور توفيق الطويل في كتابه: "في تراثنا العربي الإسلامي"، فيقول: (أما تنكر العرب للتراث العربي فمرده إلى أسباب ينفردون بها، منها شعور الجيل الحاضر بالضيق للتدهور الذي أصاب العرب في الآونة الأخيرة من تاريخهم، فداخله الشعور بمقت التفاخر بمجد الآباء والأجداد، ومنها افتتان الكثيرين بالمدنية الغربية مع جهل بماضي تراثهم، أو مجرد إلمام بقشوره، ومنها أن ما نشر من هذا التراث لا يزال بكرًا لم تتناوله دراسات علمية مفصلة).
لقد اعترف بعض علماء الغرب بفضل الحضارة العربية الإسلامية في مجال الطب، وسأكتفي بمقولة الدكتور غوستاف لوبون "Gustav Lebon": (إن أهم تقدم للعرب في عالم الطب هو ما كان في الجراحة وعلم الأمراض وأنواع الأدوية والصيدلة...، والطب مَدِين للعرب بعقاقير كثيرة...، والطب مَدِين ـ كذلك ـ بطرق طريفة في المداواة، عاد إليها على أنها اكتشافات حديثة، بعد أن نُسيت زمنًا طويلًا؛ وعلم الجراحة مَدين للعرب أيضًا بكثير من مبتكراته الأساسية، وظلَّت كتبهم فيه مرجعًا للدراسة في كليات الطب إلى وقت قريب جدًّا).
#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكلاب الضالة بين الأدب والدين والواقع ..
-
إدارة التنوع الثقافي في المنظمات: الآثار والتحديات..
-
-السرقات الأدبية: بين الأمانة العلمية الفكرية والإبداع المز
...
-
قراءة في كتاب: -بين الأبنودي والسويس: تجربة وطن-..
-
“في رحاب الهندسة والشعر والرواية: حوار مع الأديب سعيد يوسف”
-
موقع التراث العلمي العربي الإسلامي في الفكر الاستشراقي...
-
حين يكون الفكر رسالة... والقلم جسرًا للنور ..
-
البنية المكانية في رواية -من أجل ذلك- لِ: خالد الجمال..
-
سفراء المعرفة العرب بين المعاصرة والتراث..
-
القفلات المدهشة وجمالياتها في القصة القصيرة جدًا:-بدون إبداء
...
-
طهطاويون منسيون: -أَنْطُون زِكْرِي- أنموذجًا..
-
قراءة في ديوان -فوق ختم العودة- للشاعر عادل نافع..
-
استلهام التاريخ وتوظيفه في مسرحية: -يوم الطين- لخالد الجمال.
...
-
الأب: بين النفي الجندري.. وإشكالية الرجل/الأم..
-
تيار الوعي في رواية -الدخان- ل -أبا ذر آدم الطيب-..
-
الروائي السوداني بين التحديات والإنجازات..
-
-الإسراء والمعراج- في الفكر الاستشراقي ....
-
بعض قصائد السنوسي في ضوء -اللحظة الراهنة الممتدة- ...
-
رتوش -هزاع- على وجه الدين والوطن..
-
-الذات-: بين الاسترداد والحسرة الوجودية: قراءة في ديوان -درو
...
المزيد.....
-
3 مسؤولين إسرائيليين لـCNN: إسرائيل تدرس ضم أجزاء من الضفة ا
...
-
-القصة هنا هي فلسطين-.. ناشطون يبحرون نحو غزة في أكبر محاولة
...
-
السعودية..أسماء 8 مواطنين ومغربي كرمهم الملك سلمان بميدالية
...
-
المملكة المتحدة تغلق سفارتها في القاهرة بعد إزالة الحواجز ال
...
-
الحوثيون يشيّعون رئيس حكومتهم ومسؤولين قتلوا في ضربة إسرائيل
...
-
بن غفير يمنح سكان 5 بلدات إسرائيلية رخصًا لحمل الأسلحة النار
...
-
قطيع أبقار يقتل رجلا نمساويا ويصيب زوجته في هجوم -غير متعمد-
...
-
فورمولا 1: الفرنسي الجزائري إسحاق حجار.. انطلاقته الواعدة قص
...
-
-أغالب مجرى النهر-: رواية تحمل في طياتها تاريخ الجزائر الحدي
...
-
زيلينسكي يتوعد بالرد على هجمات روسيا وفون دير لاين تؤكد وجود
...
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|