عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 16:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمثل ظاهرة ترامب المحاولة الاولى للاجابه الاقرب للاعتباطية على انقضاء زمن الدولة والمجتمعية الارضوية بظل انعدام الرؤية البديلة، وهيمنة الاستعارات التوهمية المنتهية الصلاحية، هذا وقد تكون الولايات المتحدة الاقرب الى التخلص من سطوة منظورات ومفاهيم الارضوية اليدوية، بحكم كونها كيانيه فكرة لامجتمعية، مرتكزها وعامل تحققها بالصيغة والشكل التي هي عليه "آلي" صرف، الا انها للاسباب المذكورة عن كينونتها الخاصة، ليست جديرة هي الاخرى مثلها مثل الاوربية قبلها، بان تحقق الانقلاب مجتمعيا بحسب مقتضيات التحول النوعي الالي، علما بانها قد اسهمت في نقل الاله من صيغتها الاولى المصنعية، الى الانتاجية التكنولوجية والعولمه المتعدية للكيانيه "الوطنيه" على مستوى المعمورة.
( والحال كان يجري استيطان امريكا منذ الاصل، في سياق ايديلوجي ثنائي القطبن فالمطلوب هو الاغتناء، وكذلك تمجيد الانجاز الالهي، بالمشاركة فيه، فاضاف المستوطنون الى "جوعهم للارض" وهشاشة ظروفهم، الارادة الصوفية لدى شعب يزعهم انه مختار: ارادة بناء مجتمع جديد واصيل صار بعد حين يوزع عبره على بقية العالم، كتب المؤرخ الامريكي دانيال بوستين في كتابه الضخم: لم يكن شعب اكثر يقينا من سيره على السراط المستقيم من " جمعية سكوربي"، التي استلهمت البارقة الاكثر اشراقا. فاعضاء هذه الجمعية هم اعضاء " طهرانية" نقية ومتشددة، رحلوا مابين 1608/ 1609، لاجئين الى هولاندا، كانوا " كافينيين" حملوا في حقائبهم مدونه عقيدية متشدده ورؤية متشائمه، مبنية على الاقتناع بالوجود الكلي للخطيئة، وايضا على اليقين بان احدا غير جدير بالانضمام الى متحدهم، حقا مالم يكن مصطفى لذلك، وفوق ذلك لايجاز احد بذلك قبل تقديم البرهان على تشدده. لامكان للمنشقين والريبيين او المفكرين الاحرار. ابحدروا يوم 16/9/1620، على متن " مايفلور" وفي 11/11، وصلوا الى كابكود. وفي 21 منه منه وضعوا "مايفلور كومباكت" ورسوا يوم 21/12 ، فالاغتراب في نظرهم هو "الهجرة" الى امريكا، وهي حملة منزله من الله، لبناء "صهيون الجديده" في اراض بعيده )(7) وثمه تراث ضخم من التعبيرية التاسيسية ومحاولة تحديد الهوية والذاتيه الامريكيه بلا تاريخ، كان وصار لازما تعيينه، لاجل التعرف على الكينونه الامريكية الفعليه المستقلة نوعا، وموضع الكيانيه المفقسة خارج الرحم التاريخي، لكي يصبح ممكنا متابعة مسارها التشكلي، ومالات وجودها من كيانيه منبثقة عند نهايات التشكلية المجتمعية ولحظة انقلابها التحولي الاعظم خارج الجسدية اليدوية، الى تهاوي مشروعها وحلمها المنصب على اقتلاع ماقبلها، باسم الرسالية والربانيه المتاخرة، وهو ماقد صار اليوم مازقا منذرا بالانهيار الاعظم، وباحتماليات الانتقال الى السياقات التدميرية الافنائية.
ولاينبغي باية حال اغفال الصلة الوثيقة بالصيهيونه، وبمفهوم الدولة الفكرة الالهية المستعادة، وهي علاقة عضوية في الحالة الامريكية، لاكما كان عليه الحال، وكما بدا عند التاسيس الغربي للانبعاث الصهيوني خاج اشتراطاته الوجودية، واذ تكون الصهيونيه ارتكازا يدويا مصطنعا ضمن اشتراطات هيمنيه غربية توهميه، نشأت متزامنه مع ميل الغرب للغلبة والاستعمار، اعتمادا على المتوفر من اسباب القوة المجرد بفعل الالة، بغض النظر عن التناقض بين الفكرة الجاري العمل على تجسديدها في غير اوانها، والانقلابيه المفهومية العصرية المناقضة لها جوهرا، بما يجعل ظواهر الابراهيمه المستعادة من قبيل مشروع التحقق المتاخر، بناء على وسائل نافيه له ومضاده جملة وتفصيلا.
ويختلف التجلي الغربي الاول الاستعماري البحت الموضوع لاسباب هيمنيه تخص الشرق الاوسط، عن الطور الثاني الامريكي حين تغدو الالة وسيلة تحقق الكيانيه المفتقرة للاسس البنيوية التاريخيه، بحيث تختلط موجبات الذاتيه الراهنه، مع تلك المستعادة المعتبرة مشابهه بحكم الهجرة والولادة الانية، مايضع امامنا نقص كبير على مستوى الرؤية والسردية التاريخيه الحديثة والمعاصرة باجمالها غير المبرر، ضمن طور ومرحله واحدة بلا تفريق ضروري جدا، بين تاريخ آلي توهمي اوربي غربي، واخر امريكي مفقس خارج الرحم التاريخي، وبلا سمات معلومه، او لها سابق تاريخي، غير ماقد صيغ كتوهمية ثانيه مرجعها الابراهيمه الاولى المتناقضة كينونه وزمنا واشتراطات مع اللحظة التاريخيه ونوع انقلابيتها، الامر الذي يزيد توهمية الغرب الاولى مضاعفا تهافتها من ضمن تازمها كحالة اجتماعية نوعيه، ماخوذه بديناميات الانقلاب وانتهاء الصلاحية، مايجعل من مهمة اعادة رسم المروية الانتقالية الاليه امرا فاصلا في غاية الضرورة اللازمة والواجبة لاجل اكتمال العملية التاريخيه ضمن لحظة كبرى تحولية، ماتزال مستمرة خارج الادراكية.
لم يثبت للعقل والاحساس الامريكي اخيرا، وبعد جهد، امكان الانغماس في التوهميه الرسالية النافية لماقبلها، وبعد تاريخ حافل من محاولات وسياسات السعي لالغاء الاخرين وافنائهم بالقدرات الذاتيه المتاحه، يتبين ان وجهه اخرى تبدا بالتبلور اليوم، محورها مرة اخرى الشرق المتوسطي، حيث البؤرة المجتمعية التحولية اللاارضوية النهرية، ومقابلها على الضفة الاخرى الاارضوية الطبقية اعلى المجتمعات الارضوية ديناميات، وتفاعليتها المنطوية على الصيرورة التاريخيه الانتقالية مابين اليدوية والالية ومجتمعيا من الارضوية الى اللاارضوية والمجتمعية مافوق الجسدية، حيث منطلق الانقلابيه الاخيرة الراهنه الالية ومعها العملية الاكتشافية للقارة الامريكية، وسياقات الهجرة اليها، وتكرار المروية اللاارضوية الاولى مجددا بصيغة الفرض البرانيه اولا، مع التوهمية القصوى وصولاالى الحال الحالي، حيث السعي الى رهن اللامجتمعية واللادولة عن طريق الامتداد الاباري الشرق متوسطي، وجعله رمزا لما هو بالاصل تعبيرية لاارضوية نهرية، تنتظر التعبيرية الثانيه مابعد اليدوية.
حين نشهد اليوم ماتقوم به اسرائل ومعها وفي ظهرها الولايات المتحدة الامريكيه، فاننا نكون في غمرة الانتقال الى "الابراهيمة منتهية الصلاحية"، مع التقاء جهود دول الابار والابادة الاسرائلية، ومنها اخضاع موضع المرور الامبراطوري الشامي باقامه حكم مرتهن للمخطط الاسرائيلي الامريكي، باعتبار ضرورة الاجهاز على العقبة الاخيرة الباقية شاخصة، وهو ماقد فعلته اسرائيل بايران ومعها امريكا، في حين تجد الصهيونيه الفاشية الحاكمه في اسرائل اعلى اشكال القبول وسعة مجال الفعل، لابل التحول الى ضرورة محور، لاجل الحضور مثالا نمطيا منسوبا للماضي الابراهيمي، بغض النظر عن انتسابه لتاريخ وزمن منته، فالابراهيمه ليست واحدة وحيده، مادامت المجتمعية ليست كذلك، ولاابراهيم نبوية حدسية الهامية اليوم، ومايتصل بالابراهيمة المذكورة الاولى مقترن اليوم بنوعه وبتاريخه الابتدائي اليدوي الذي ختم وانتهى مفعوله الضروري مع الختام المحمدي، ليغدو عالم اللاارضوية التاريخي من يومها على موعد مع التعبيرية اللاارضوية مابعد الابراهيمه اليدوية بانتظار " اللاارضوية العلية السببيه".
ـ يتبع ـ
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟