أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جمال الهنداوي - ما بعد (غزة).. ليس كما قبلها














المزيد.....

ما بعد (غزة).. ليس كما قبلها


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 02:06
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قد يكون أهم النتائج التي أفرزتها وقائع العدوان الصهيوني الغاشم على شعبنا الفلسطيني في غزة – رغم فداحة الخسائر المترتبة - هي أنَّ الحاكم لم يعد ربًا معبودًا، وأنَّ كل تلك السنوات الطوال من كسر إرادة الشعوب، وكل تلك السياسة المنظمة الأقرب إلى الروتين في تنمية الولاءات، وإقصاء الخصوم، وتجنيد أحزاب السلطة كميليشيات وعسس لحراسة الحكم العائلي، وكل الاستعارات الزائفة لشعارات التنمية والتطوير والتنوير والوعود بالاعتدال وسلطة الجماهير.. لم تعد كافيةً لإسعاف الأنظمة في الصمود أمام وقع الدم الفلسطيني المسفوك على شاشات العالم، وأمام صور الأمهات اللواتي يفتحن أعيننا جميعًا على هشاشة منظومة كاملة من الأكاذيب التي بنت شرعيتها على الاستكانة والخوف.
ما لم يفهمه الحكم العربي – وعليه أن يكابده الآن – أنَّ غزة قد غيّرت العالم، وإلى الأبد. لقد غيّرت معنى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وثلمت وصاية السلطان على عقول وضمائر الناس إلى غير رجعة.. فبفضل ثورة المعرفة والإعلام الجديد، لم يعد النظام يحتكر الخبر أو يتحكم في السردية.. إذ صور المجازر تتنقل بلا إذن ولا وسيط، وتضيء بكاشفاتها القوية معاقل القمع وآليات ترويض المعارضين، وتكشف بلا رتوش حجم الفجوة بين شعارات السلطة وواقعها.
الأهم أنَّ غزة لم تكتفِ بإعادة رسم المعادلة السياسية، بل دشّنت فضاءً ثقافيًا ثوريًا جديدًا أكثر التصاقًا بالدم والرماد، وأكثر جرأة في تسمية الأشياء بأسمائها. الأغنية الشعبية ارتفعت من حدود الترفيه إلى مستوى النشيد المقاوم، الكاريكاتير صار سلاحًا بيد الشعوب يسخر من الطغيان ويعريه، والمسرح وجد في غزة مشهده الأصدق: شعب يقف على خشبة العالم ليعيد تمثيل ملحمة الكرامة. إنَّ الثقافة هنا لم تعد مكمّلًا للسياسة، بل محركًا أصيلًا للوعي الشعبي، ولغةً تفضح المستور وتنحت في الضمير الجمعي إرادةً لا تُكسر.
إنَّ تباطؤ الأنظمة العربية في إدراك حقيقة التغيير الذي يتنامى في ضمير الشعوب تجاه ما يجري في غزة سيؤسس لمرحلة جديدة في علاقة الحكام بشعوبهم، وسيعجّل بتفكك الرعاية الغربية التي بدأت تتبرأ تدريجيًا من أنظمة هرمة فقدت بوصلتها. وسينتج عنه – بالحتم- ثقافة عربية جديدة تولد من تحت الركام، ثقافة شعبية صلبة تصوغ خطابًا جديدًا للكرامة والحرية والمقاومة، وتجعل من "فوبيا التغيير" شبحًا يطارد أنظمة الاستبداد من الخليج إلى المحيط.
وما زالت الشعوب – حتى اللحظة – تمنح الفرصة لمن تبقى من تلك الأنظمة، لكنها لم تعد تنطلي عليها وعود الإصلاحات الكاذبة ولا تبديل الوجوه البالية. فغزة كشفت عري الخطاب، وحوّلت الإصلاحات المزعومة إلى نكتة سمجة وجرعة تخدير زائفة.
إنَّ كل الأنظمة المتبقية مطالبة اليوم بإصلاحات جذرية حقيقية تبدأ من الاعتراف بدور الشعب في تقرير مصيره، مرورًا بفصل السلطة عن المال ووقف استغلال الثروات للتحكم في الناس، وصولًا إلى إطلاق تنمية ثقافية حقيقية تُعيد الاعتبار للإنسان كفاعل لا كموضوع للقمع.
فغزة لم تعد مجرد ساحة حرب، بل صارت مختبرًا ثقافيًا يكشف أنَّ زمن الوصاية انتهى، وأنَّ الشعوب قادرة على إعادة تعريف مصيرها. الإصلاحات ما زالت ممكنة، لكنها لن تُقاس بعد اليوم بالشعارات، بل بمدى احترام الدولة لمؤسساتها، وبقدرتها على الاعتراف بالثقافة والوعي الشعبي كقوة ضاغطة لا يمكن محوها.



#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام في الحداثة
- موسم الرياض لأهل الرياض.. ما الخطأ في ذلك؟
- اختبار الضمير
- أنتخاب.. أم تزكية
- المال والثقافة
- أمريكا وأيران.. والعرب بينهما
- (سيلفي) خلف النعش
- حديث الدراما
- معاوية..درامياً
- الإعلام العربي.. بين الفشل والتواطؤ
- صراع السرديات.. معركة وجود
- كتب بلا صور
- الديكتاتورية الخوارزمية
- مقدمات جديدة..لتاريخ قديم
- الخلاف والاختلاف
- موقعة ( الأم بي سي)
- مثقفو القصاع
- التاريخ المحكي..والتاريخ المكتوب
- السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
- الثقافة العربية.. والآخر


المزيد.....




- ترامب يلمح إلى أنه سيغير اسم -البنتاغون- إلى وزارة -الحرب-
- دمار وحرائق.. حصيلة الغارات الإسرائيلية على العاصمة اليمنية ...
- -سياساته تعرض إسرائيل للخطر-.. وزير خارجية هولندا المستقيل ي ...
- وسط تشدد إسرائيلي.. مصادر تكشف: قطر قدمت مقترحات جديدة لـ -ص ...
- مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يجتمع اليوم لمناقشة حرب غزة
- إسرائيل تواصل قتل شهود جرائمها بغزة لطمس الحقيقة
- الحرب على غزة مباشر.. تفاقم مأساة التجويع بالقطاع وأغلبية ال ...
- سلطان سوكوتو: العدالة في نيجيريا غدت سلعة قابلة للشراء
- الجفاف يدفع بنحو مليون شخص للنزوح في ملاوي
- جنوب أفريقيا تتولى دعم برنامج الإيدز بعد وقف التمويل الأميرك ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جمال الهنداوي - ما بعد (غزة).. ليس كما قبلها