أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - اختبار الضمير














المزيد.....

اختبار الضمير


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 00:12
المحور: قضايا ثقافية
    


ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، التي يعاد فيها إنتاج المشهد ذاته: الدمار يملأ الشاشات، والدم ينضح من الشوارع، والأمهات يصرخن على الأبواب المهدّمة، فيما تواصل الثقافة، بصورتها العامة، لعب دور المراقب، أو الناقد البارد، أو في أحسن أحوالها المتأمّل الحائرالذي فقد الحس السليم للاشياء . فعلى الرغم من تكرار الصورة القديمة بتفاصيلها الحارقة مع كل أزمة أو نزاع في المنطقة، وكأننا ندور في حلقة مأساوية من الاستعادات: تبدو الثقافة ــ كمنظومة ومؤسسة وخطاب ــ عاجزة عن كسر حلقة العجز، كأنها رهينة حساباتها الضيقة، ومتاهات التأويل، وعقدة الحياد المصطنع.
ما نعيشه اليوم، في ظلّ انفجار المواجهة المفتوحة بين إيران والكيان الصهيوني، وقبلها المأساة المتطاولة في غزة، ولبنان، وسوريا.. ليس مجرد نزاع مسلح، بل زلزال يضرب وجدان الإقليم، ويهزّ تصوراتنا عن الأمن، وعن العدو، والحليف، وعن جوهر الصراع نفسه. وفي الوقت الذي تُقصف فيه المنشآت، وتُغتال الشخصيات، وتُقصف فيه العواصم وتُحاصر المدن، نجد الخطاب الثقافي يراوح مكانه بين الصمت، والتحفظ، أو المماحكة البلاغية التي لا تُدين قاتلًا ولا تُنصف ضحية.
المشهد مُثقلًا بانقسامات حادة، لا في الساحة السياسية فحسب، بل في جسد الثقافة ذاته. مثقفون يلوذون بالصمت تحت شعار "التحفظ" و"توخي الدقة في التحليل" وآخر الكي"اللهم أضرب الظالمين ...."، وآخرون يرفعون شعارات قديمة لا تلامس تفاصيل اللحظة الراهنة، وغيرهم ينكفئون إلى مرجعيات أيديولوجية تخذلهم أمام اختبار الضمير. وبينما العنف يضرب الأبرياء بلا تمييز، نجد البعض يُقايض دماء الضحايا بخطابات "التوازن"، و"النظر إلى الصورة من بعيد"، وكأن الضحية مجرد عنصر في مشهد رمادي قابل للتأويل.
ما نشهده اليوم ليس عارضًا، ولا ناتجًا عن ضغط اللحظة. بل هو كاشف لهزال أعمق، إلا وهو هشاشة البنية الثقافية العربية، بوصفها غير قادرة على بلورة موقف أخلاقي جمعي في اللحظات الفاصلة. فحين يغيب الموقف، يغيب المعنى..
فالثقافة التي لطالما عُوّل عليها كمحرّك للوعي، وكمصدر للتماسك الرمزي، لم تعد قادرة على إنتاج موقف يتجاوز الخلافات والانتماءات الضيقة. والمثقف العربي ــ في أغلبيته ــ لم يعد الحارس الأمين لذاكرة العدل، بل أسير سرديات متضاربة، ومصالح متشابكة، وحساسيات نخبوية أحيانًا تفضّل التماهي مع السلطة أو الهروب إلى "موضوعية" تُبرّر بها العجز.
الخيبة ليست فقط في تهاون – بل قد يكون تواطؤ- بعض المثقفين ، بل في أن الثقافة ذاتها ــ كمجال ــ باتت عاجزة عن الانتصار للإنسان، إلا بمقدار ما يتوافق ذلك مع الانتماء السياسي، أو السردية الطائفية، أو الاصطفاف الإيديولوجي. ومع كل عدوان، نكتشف أن الثقافة لم تعد مشروعًا جماعيًا بقدر ما غدت ميدانًا لصراعات رمزية، تتنازع فيه الأصوات على تفسير الألم، دون العناية بما يلزم لمواجهته.
في زمن الحرب، لن يكون من المجدي السؤال عمّا كتب المثقف، بل عمّا سكت عنه. والعدوان ــ أيًا كان مصدره ــ لا يمكن استقباله كفرصة لنقاشات لغوية، أو مراوغات فكرية. بل يجب أن يكون لحظة لانحياز واضح، صريح، للإنسان ــ قبل أي هوية، وقبل أي حساب سياسي. وللأسف ،هذا ما فشلت الثقافة في أدائه مرارًا.
الثقافة إذا لم تنجح في إنتاج خطاب رمزي موحّد، أو حتى شبه موحد، يُدين الظلم دون التباسات. وإن لم يكن المثقف شاهدًا للحق في لحظات كهذه، ، فهو بالتأكيد سيكون شاهد زور وإن كان ذلك بلغة أنيقة.
إن أخطر ما يواجه المثقف اليوم، هو وهم الحياد..
فالحياد في زمن المجزرة لا يمكن أن نعده نزاهة، أو تعقل في أخف الصفات، بل هو محض جبن..
فالثقافة، إذا لم تكن صوت الطفل تحت الركام، ونبض الأم التي تنادي ابنها تحت الأنقاض، فإنها ليست سوى زينة فارغة على جدران الخراب.. وإذا لم تستطع ــ بمنصّاتها ونُخبها ومؤسساتها ــ أن تتقدّم إلى الواجهة كجبهة أخلاقية، فسوف تظلّ مجرد تمثال هشّ من الطين، يتصدّع مع أول رصاصة.



#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتخاب.. أم تزكية
- المال والثقافة
- أمريكا وأيران.. والعرب بينهما
- (سيلفي) خلف النعش
- حديث الدراما
- معاوية..درامياً
- الإعلام العربي.. بين الفشل والتواطؤ
- صراع السرديات.. معركة وجود
- كتب بلا صور
- الديكتاتورية الخوارزمية
- مقدمات جديدة..لتاريخ قديم
- الخلاف والاختلاف
- موقعة ( الأم بي سي)
- مثقفو القصاع
- التاريخ المحكي..والتاريخ المكتوب
- السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
- الثقافة العربية.. والآخر
- فقه التكسب
- ثقافة تلامس الروح
- طيور المنافي


المزيد.....




- مباشر: دونالد ترامب يعلن موافقة إيران وإسرائيل على -وقف تام ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران لم تتلق أي مقترح لوقف إطلاق النار. ...
- ترامب يعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. ما التفاص ...
- سوريا: تفجير انتحاري يودي بحياة 23 شخصًا على الأقل في كنيسة ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على -وقف تام لإطلاق النار-
- لماذا يعارض مهندس -أميركا أولا- الحرب على إيران؟
- ترامب يعلن وقفا تاما وشاملا للحرب بين إسرائيل وإيران
- ترامب يشيد بأمير قطر ويعلق على الهجوم الإيراني
- الدوحة تؤكد استقرار الأوضاع وواشنطن تعلن إعادة فتح سفارتها ف ...
- ماذا نعرف عن قاعدة -العديد- الأميركية في قطر؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - اختبار الضمير