مصطفى النبيه
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 18:29
المحور:
الادب والفن
نستيقظ كل يوم على لوحة سوداء مرسومة في قاموس الانتكاسات، حرب لا تهدأ، قصف لا يرحم، عتمة تبتلع الحياة، وبعوض ينخر أجسادنا حتى صار الليل نفسه مرضًا يفتك بنا. كل شيء من حولنا يصرخ في وجوهنا: أنتم وحدكم، قرابين العصر.
في هذا الصباح، سألتني زوجتي بصوت يختلط فيه الغضب بالدموع، متى سنخرج إلى الجنوب؟
كانت ترتجف قلقًا على الأبناء، على مستقبلهم المجهول، على المصير الذي يطاردنا منذ أكثر من سنة ونصف من النزوح. تخشى أن نبدأ من الصفر من جديد، أن ننام على الأرض بلا فراش، وأن نعيد جمع أدوات المطبخ والملابس والغطاء قطعةً قطعةً
من حقها أن تخاف، ومن حقي أن أبحث عن الأمان لهم، لكن الأبواب كلها مغلقة. نحن مستنزفون منذ 22 شهرًا، حتى صار بعض الناس من حولنا كذئاب، يمتصون دماء إخوتهم دون رحمة
ذهبت مع صديقي إياد القرشلي إلى مركز التضامن. قبل ذلك سألته عن حال صديقنا عبد المجيد الهسي الذي دمّر الاحتلال بيته. قال لي إياد: "وضعه كارثي". حين التقيت عبد المجيد، كان مكسورًا، يحكي بدموعٍ محبوسة كيف اتصلوا بوالده وطلبوا منه أن يخلي البيت خلال عشر دقائق قبل قصفه. تخيّلوا أن ترى أبناءك في الشارع يحملون بعض الملابس، بينما بيتك يُمحى من الوجود
لكن المأساة لم تتوقف هنا. حين بحث عن سيارة تنقله من الشيخ رضوان إلى النصر، استغله السائق وطلب 250 شيكلًا (70 دولارًا). ترجّاه عبد المجيد أن يترك له عشرين دولارًا فقط ليعيل أسرته، لكن قلب السائق كان أقسى من الحجر. دفع الرجل كل ما في جيبه حتى لا يرى دموع أطفاله
وصلنا بعد مسيرة أربعين دقيقة إلى مركز التضامن، ننتظر شحن البطاريات لنهاتف العالم من جديد. لكن الأخبار التي وصلت كانت أكثر وجعًا: خمسة من زملائنا الصحفيين استشهدوا بصواريخ الاحتلال الغادرة، بينهم صديقنا الصحفي حسام المصري، وقبل يومين فقط فقدنا الصديق المصور خالد المدهون.
أيها العالم الأعمى، أدركنا أننا جميعًا نقف على المذبح، لا فرق بين كاميرا وبندقية، بين قلم ورجل يبحث عن قوت أسرته.
ما يبكيني ليس القصف وحده، بل شعوري العميق أننا دائمًا وحدنا. مجرد صورة يتسلق فوقها المتطفلون الباحثون عن أضواء زائفة. إلى الذين لم ينتصروا لغزة لا بالمال ولا بالكلمة الطيبة، أقول لهم:
انظروا لأنفسكم في المرآة، سترون قبحكم الداخلي. صدّقوني، كل مساحيق التجميل لن تمنحكم رائحة طيب.
#مصطفى_النبيه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟