أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى النبيه - المثقف اليتيم














المزيد.....

المثقف اليتيم


مصطفى النبيه

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


ذاكرة غزة الثقافية بين الركام والنجاة
في غزة، حيث يختلط الركام برائحة الموت، تظلّ الذاكرة الثقافية وحدها شاهدة على زمنٍ آخر؛ زمنٍ كان فيه المقهى ملتقى للشعراء، واللوحة نافذة للأمل، والكلمة فعل مقاومة. ومع تصاعد الخذلان واليُتم الثقافي، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى نماذج تُثبت أن الثقافة ليست ترفًا، بل جسرٌ للبقاء.
غزة اليوم تكبر في وجعها ، تلملم ما تبقّى من جسدها المثخن بالحرب، لكنها تظل تبحث في ذاكرتها عن صورٍ تمنحها الدفء والمعنى. حيّ الرمال، الذي تحوّل إلى ركام، لم يكن حيًا سكنيًا عابرًا، بل فضاءً ثقافيًا نابضًا بالحياة. هناك شهدنا في التسعينيات وبداية الألفية لقاءات وأمسيات وفعاليات تركت أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي.
وعلى مقربة من أنقاضه، تستعيد الذاكرة مقهى الكروان؛ ذلك المقهى الشعبي الذي كان أحد أبرز أماكن اللقاء الثقافي في غزة. بين جدرانه تعالت ضحكات الشعراء والفنانين، أقيمت معارض تشكيلية، وترددت نقاشات طويلة حول الرواية الفلسطينية، قبل أوسلو وما بعدها. كانت تلك اللحظات تشكّل فسيفساء حيّة من الإبداع والجدل الثقافي امتدت من عام 1995 حتى 2025، كخيط يربط الماضي المبهج والحاضر المرعب . لكن كل هذا البهاء تلاشى تحت أنقاض الحرب، وباتت المدينة أشبه بجسدٍ مثخن، بينما تقاوم الذاكرة وحدها، شاهدة على زمنٍ كانت فيه الكلمة واللوحة والضحكة أقوى من الركام.
ومع تغيّر الزمن وتحوّل النفوس، وجد المثقف نفسه في عزلة قاسية، كأنه يتيم بلا سند. كثيرون ممّن تصدّروا المشهد الثقافي تبيّن أنهم مجرد فقاعات، غابوا حين اشتدّت أوزار الحرب، وبخلوا حتى بكلمة تضامن أو اتصال. ولعل رسالة الروائي عبد الله تايه – الأمين العام المساعد لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين – لزملائه، تلخص هذا الشعور المرير:
"على المثقف أن يشعر بزملائه وألا يتنكر لهم ويخذلهم، فالإنسان موقف. أما آن لنا أن نتساءل أين دعمكم لزملائكم وأصدقائكم المادي والمعنوي؟ هناك سؤال خجول يبرز في الواجهة: هل كتاب غزة الذين قصفت بيوتهم ومكتباتهم وأولادهم وتشردوا إلى نزوحات عديدة من مكان إلى مكان مرات ومرات، ويعيشون في هذا الجو الخانق في خيام مع أطفالهم وليس لهم – في ظل هذا الغلاء الفاحش – من دخل يشترون به أقل القليل ليسد جوع عائلاتهم، أما آن لنا أن نتساءل أين دعمكم لزملائكم وأصدقائكم المادي والمعنوي؟ إنني أجزم بأن معظمكم لم يكلفوا أنفسهم مجرد رفع سماعة للاطمئنان، وأكثر من ذلك لم أسمع أن أحدًا منكم بادر إلى إرسال معونة مالية لكاتب في غزة. نأمل السلامة والحفظ للجميع."
هذه الكلمات ليست مجرد عتاب، بل صرخة تضع المثقف أمام مرآته: الثقافة موقف قبل أن تكون إنتاجًا.
ورغم هذا الفراغ، أثبتت بعض التجارب أن الثقافة يمكن أن تبقى حيّة إذا توفرت الإرادة. هكذا بدا الوزير والروائي الدكتور عاطف أبو سيف في لحظات قاسية كالفراشة التي تحلّق بين المثقفين والفعاليات، لا كوزيرٍ سجنه منصبه. لقد أعطى للمثقف شعورًا بوجود "أبٍ شرعي" في زمن يضاعف الإحساس باليُتم الثقافي.
لم يستعبده الكرسي، ولم يتحوّل إلى موظف في برج عاجي، بل ظلّ إنسانًا قريبًا من الجميع. أتذكر أنه بعد أيام قليلة من تعيينه وزيرًا، اتصل بي في السادسة صباحًا يسأل عن النصوص الأدبية والمشاريع المسرحية. كان ذلك مشهدًا استثنائيًا، يبرهن أن المنصب يمكن أن يكون وسيلة للبناء لا جدارًا للفصل.
في زمنه شهدت غزة حراكًا ثقافيًا ملموسًا: دعوات للمشاركة في معارض الكتاب، دعم للفنانين والكتّاب غير الموظفين عبر منح مالية تساعدهم على الاستمرار في الإبداع، ورعاية لمعارض الفن التشكيلي والأعمال المسرحية. حتى في بدايات الحرب، سعى إلى نشر كتب جديدة، وجمع المبدعين لتوثيق جرائم النزوح، ليحوّل الفعل الثقافي إلى جزء من معركة البقاء.
لقد أثبتت تلك المبادرات أن الثقافة، حين تُدار بروح المسؤولية، تتحوّل إلى فعل مقاومة ومجال للبقاء، لا إلى ترفٍ يُؤجَّل.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج غزة إلى استعادة هذا الدور. الثقافة ليست زينة للمدن ولا ترفًا يُقدَّم في أوقات الرخاء؛ إنها درع في وجه العدم. فالمثقف بلا سند يظل يتيمًا، والمدينة بلا فضاء ثقافي تتحوّل إلى جثة صامتة. وما بين الركام والذاكرة، تبقى الكلمة واللوحة والضحكة شهادة على أن غزة لم تُهزم، ولن تُهزم، ما دام في هذا العالم من يؤمن أن الثقافة فعل بناء جماعي ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنة أو لقبًا.



#مصطفى_النبيه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون والفنانون في غزة يحتضرون
- هل للمثقف اليتيم في غزة أب شرعي؟!
- ليس بعد هذا الموت موت
- فنانو غزة: هل تسمعوننا
- المحرقة
- السينما تنتصر على الموت- مبادرة من المسافة صفر- للمخرج العبق ...
- فرضيات الحرب والإبادة
- يوميات الحرب - مملكة المعلبات
- ظل طويل
- الفن أساسه المعرفة
- تشريع قانون جمهورية الأفكار الملكية المطلقة في بناء مؤسساتنا ...
- شكرا لمن يسرقون أحلامنا
- - الصامت - رواية استقصائية صنعها الأديب المبدع شفيق التلولي
- - بورتريه قديم- رواية تاريخية تحاكي جزءاً مهما من تاريخ الثو ...
- رواية -الهليون- ثورة إنسانية توثق مرحلة جذرية في تاريخ الشعب ...
- فيلم -ماجدة- عمل فني بنكهة إنسانية عالمية للمخرج المصري المت ...
- مسلسل -بوابة القدس- تجربة إنتاجية مميزة تعتمد على أسلوب التش ...
- مسلسل - ميلاد الفجر - خطوة رائدة في صناغة سينما فلسطينية
- جزائرياً بروح فلسطينية ... فلسطينياً بروح جزائرية
- - علي فضيل - أنت حياً يا أخي ، يا من حملت الوجع ..


المزيد.....




- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى النبيه - المثقف اليتيم