أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى النبيه - يوميات الحرب - مملكة المعلبات














المزيد.....

يوميات الحرب - مملكة المعلبات


مصطفى النبيه

الحوار المتمدن-العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 22:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحلم أن نعيش بسلام، أن ننام بدون خوف أن نشرب ماء نظيف وطعام غير ملوث، أن نخرج من مملكة المعلبات أن نتحرر من ثقافة الموت ونعيش بسلام أنا وعائلتي الصغيرة .
كرهنا أن نحيا في مزرعة الأجساد وأن نكون قرابين. منذ بداية الحرب يراودني مليون سؤال، أيعقل أننا خلقنا لنموت ؟
إلى متى ستبقى أجسادنا مصعداً ؟
هل كتب علينا أن نكون مجرد وقود للمحرقة؟
أشعر بالغبن والقهر وأنا عاجز عن حماية أسرتي وعدم توفير الحماية لهم والنار تأكل الأخضر واليابس في جحيم غزة.. أقف مكسورًا وأنا أراقب خروج الآلاف من المواطنين أصحاب النفوذ وكأنهم في نزهة ونحن أبناء الطبقةً المتوسطة والفقيرة ننتظر موتًا مؤجلًا أعد لنا سلفًا .. أكره هذا الشعور المرعب المخيف.
اسمي مصطفى النبيه، كاتبًا ومخرجًا ، كنت أعيش في مدينة غزة حي النصر كان بيتي كبيرًا جميلًا به كل وسائل الراحة وكان الحي الذي أسكن به حي حيوي مليء بالمحلات ووسائل الترفيه .. ثم أتت الحرب عاصفة قوية اقتلعتنا من بيتنا وحينا ومدينتنا لتلقي بنا من نزوح إلى نزوح ثم نزوح آخر حتى وصلنا أخيرا إلى حدود رفح وعشت الكابوس الأعظم، أنا الآن يا سادة أعيش بخيمة غرب مدينة رفح ، أمامي الحدود المصرية أنظر إليها وأتشوق للحرية فهي بالنسبة لنا طوق النجاة. خلفي وحولي المقابر التي تحمل الوجع ..
في الليل تكسر العتمة الأضواء القادمة من الجانب المصري وفي الصباح نشعر بالحسرة والغربة ونحن نسمع النواح و الصراخ ونصغي لبكاء أهالي الضحايا الأبرياء القادمة من المقابر.
تغيرت ثقافتنا واختلطت مع تفاصيل الموت، تناسوا أولادي الأربعة ثقافتهم وطبيعة حياتهم مرغمين ،سرقتهم الحرب ،فمسحت من رؤوسهم معنى الحياة و أنهم كانوا يعيشون بسلام وأمان ، أصبحوا حفاة كأنهم بالعصور الوسطى يصارعون من أجل البقاء ..
ابني محمد الفتى المتفوق بدراسته .. الثالث على قطاع غزة …الملقب بالعبقري كانت أحلامه كبيرة ، حلم أن ينهي الثانوية العامة ويلتحق بجامعة خارج سجن قطاع غزة و أنا وأمه الروائية ديانا الشناوي شعرنا بالفرح واجتهدنا لنوفر له كل وسائل الراحة حتى يتفوق ويلتحق بأفضل الجامعات
لكن يا خسارة ضاعت السنة الدراسية مثلما ضاعت حياتنا، رغم أنني اجتهدت كي أخرجه من غزة ليواصل تعليمه وبحثت عن أكثر من طريقة ليدرس في مصر وللأسف فشلت.
ابني محمد الآن مريض محبط ،أصابته ضربة شمس ويعاني ارتفاع بدرجة الحرارة لأنه لم يستطع تحمل شمس الصحراء والسوافي الرملية البعيدة عن أي عمار والآن هو طريح الفراش وابني الكبير أحمد مصاب بمرض الكبد الوبائي ويتألم ويعاني وابني محمود نسى نفسه وانشغل بالبحث عن الحطب والماء ليساهم بمساندة العائلة وابني الصغير يوسف هوايته الرسم مازال يرسم رسومات تدعو للمحبة ، عبارة عن صواريخ من الورود تنفجر وتنتشر ويكتب أسفلها للعالم، نحن نحبكم فاغيثونا. أما زوجتي فهي لا زالت تصحو كل يوم وتتسائل هل ما يحدث حقيقة أم أننا نعيش كابوس طويل وتلح كي نجد طريقة ما للخروج من هذا المستنقع
ماذا أقول ؟ غرقنا بوحل الأمراض ونجتهد كي لا نغرق في حالة الإكتئاب التي تطاردنا بجنون.. حياتي أصبحت غريبة لا تشبهني … أعيش في خيمة حارة في النهار وكأنها جهنم وفي الليل باردة ترتعش أجسادنا التي تحاول استيعاب هذا الجو الغريب
أخرج كل يوم من خيمتي قبل شروق الشمس وأقف على بابها أتأمل المشهد أنظر أمامي وأقوم برفع القمامة التي ألقاها بعض المستهترين وأدفنها في حفرة حتى نحمي أنفسنا من الأمراض .. كما أقف ناطور لساعات لأراقب الناس الذين يلقون القمامة وأحاول توجيههم لآلية التخلص منها .. كي لا تحاصرنا الأمراض و تخنقنا الزبالة والروائح الكريهة المنتشرة بكثافة.
حياتنا تمر بمنحدرات صعبة، تجرنا للموت إن لم نمت من الحرب، فمن المؤكد أننا سنموت من الحر ومن الذباب والزواحف والبعوض ومن تلوث الطعام والمياه ، نموت من الحسرة لشعورنا بالعجز لعدم قدرتنا على حماية أولادنا بعد أن تحولوا لمتسولين أمام عربة المياه الملوثة والطعام الذي يغذي الجسم بالأمراض ،نجتهد لنغتسل بقليل من الماء "إن توفر"حتى نحمي أنفسنا من كوابيس الجرب والأمراض الجلدية. نحن نعيش خارج سياق الحياة
أصعب شيء في الكون عندما يصبح أقصى طموحك النوم بأمان، أستمع للأخبار كل يوم على أمل سماع خبر انتهاء الحرب ولكنها تطول وتطول ونغرق في وحل الاكتئاب وتغير الحال … في عقلي سؤال يتردد كل دقيقة متى سينتهي هذا الكابوس وأعود للعيش أنا وأسرتي حياة طبيعية بعد أن فقدت الأمان والبيت . نزحنا من غزة إلى النصيرات إلى خانيونس تحت وقع الانفجارات والصواريخ وقنابل الفسفور .. البيوت حولنا تحولت لركام الشوارع بلا ملامح … الجثث تملأ الطرقات… وصلنا إلى الحدود المصرية حتى نحمي أسرتنا ونوفر لها الأمان، وصلت عاريًا منتهك خارجيًا وداخليًا… واليوم أحلم أن تغمض عيني وأستيقظ على واقع آخر يحترم إنسانيتي ،ونتحرر من ثقافة الموت ومن ثقافة أسياد وعبيد
ماذا أقول ؟ غرقنا بوحل الأمراض الاجتماعية والنفسية ونجتهد لنبقى على قيد الحياة
الموت يحيط بنا ونحن الآن ننتظر حربا جديدة على آخر منفذ لنا وهي الحدود المصرية فإلى أين نتجه؟ نهرب من موت إلى موت ونحن ضحايا ما يحدث
حاولت أن أترجم هذا الوجع والنزيف الذي لا يندمل من خلال فيلم " قرابين" الذي يوثق كافة تفاصيل المعاناة ويحمل رسالة على لسان الروائية ديانا الشناوي وهي ترفض أن نكون قرابين الإله وترفض أن نكون مجرد أرقام وتصرخ بالعالم وتقول نحن بشر لنا حكايتنا وذكرياتنا لنا أحلامنا وما نحب وما نكره ، نحن أحرارًا لسنا عبيدًا ولا أرقاماً.. تنهض من الوجع رغم أنها فقدت أعزاء على قلبها وتقول:
الجميلات قرابين الاله ونحن قرابين العصر الجديد ثم تصرخ بأعلى صوتها وهي تقول:
أخرجنا يا الله من مزرعة الأجساد، نريد أن نعيش بسلام .
ونحن جميعًا نقول نريد أن نخرج من مزرعة الأجساد لنحيا بسل



#مصطفى_النبيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل طويل
- الفن أساسه المعرفة
- تشريع قانون جمهورية الأفكار الملكية المطلقة في بناء مؤسساتنا ...
- شكرا لمن يسرقون أحلامنا
- - الصامت - رواية استقصائية صنعها الأديب المبدع شفيق التلولي
- - بورتريه قديم- رواية تاريخية تحاكي جزءاً مهما من تاريخ الثو ...
- رواية -الهليون- ثورة إنسانية توثق مرحلة جذرية في تاريخ الشعب ...
- فيلم -ماجدة- عمل فني بنكهة إنسانية عالمية للمخرج المصري المت ...
- مسلسل -بوابة القدس- تجربة إنتاجية مميزة تعتمد على أسلوب التش ...
- مسلسل - ميلاد الفجر - خطوة رائدة في صناغة سينما فلسطينية
- جزائرياً بروح فلسطينية ... فلسطينياً بروح جزائرية
- - علي فضيل - أنت حياً يا أخي ، يا من حملت الوجع ..


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يشكل لجنة لمكافحة سرقة المساعدات الغربية في ...
- الأردن.. حريق كبير بأشجار حرجية في عجلون (فيديو)
- كييف ستطلب بيانات حول سحب توقيعي العراق والأردن من بيان -قمة ...
- لابيد: كان على نتنياهو حل الحكومة بدلا من مجلس الحرب
- بسبب ارتفاع الحرارة.. إيقاف تفويج الحجاج إلى الجمرات في الذر ...
- عائلة نائبة رئيس كولومبيا تتعرض لإطلاق نار
- الاحتلال يعلن إصابة 16 جنديا ويحرق صالة المغادرين في معبر رف ...
- انطلاق حملة انتخابات البرلمان الفرنسي ومخاوف من أقصى اليمين ...
- إذاعة الجيش الإسرائيلي: تأسيس فرقة جديدة لجنود الاحتياط
- إعلام إسرائيلي: يجب التحقيق بشفافية في أسباب تدمير مدرعة الن ...


المزيد.....

- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى النبيه - يوميات الحرب - مملكة المعلبات