أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جاسم المعموري - غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!














المزيد.....

غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 17:35
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في عالمٍ تتباهى فيه البشرية بتقدّمها، بعلومها، بقوانينها، بمنظماتها، لا تزال أكثر الجرائم بدائيةً ترتكب على مرأى ومسمع الجميع، ولكن بأدوات حديثة وبلبوس قانوني موهوم. الجوع، هذه الكارثة التي كان يُفترض أن تُمحى من الوجود في القرن الحادي والعشرين، تحوّل إلى أداة قتل بطيئة، سلاح إبادة، وجريمة تُرتكب لا في الخفاء، بل في العلن، وتحت أعين المؤسسات الدولية التي وُلدت يومًا لتمنع مثل هذه الفظائع. الجوع اليوم ليس نتيجة لفقر طبيعي، ولا لعجز بيئي، بل نتيجة مباشرة لقرار سياسي، لنية مبيّتة، لاستراتيجية قتل محسوبة تستهدف الإنسان في جوهره: إرادته في البقاء.
ما يحدث اليوم في غزة لا يمكن وصفه بالكلمات المعتادة. إنها ليست مجرد أزمة إنسانية، وليست فقط كارثة ناتجة عن حرب، بل هي فعل إجرامي متعمد، مقصود، منهجي، يستهدف تركيع شعب بكامله عبر حرماته من ضروريات الحياة الأساسية: الطعام، الماء، الدواء، الكهرباء، وحتى الهواء النقي. في غزة، لم يعد الجوع حالة طارئة، بل سياسة مستمرة. لم يعد صرخة من طفل جائع، بل صمت قبور جماعية من أجساد ماتت ببطء، أمعاء فارغة، وعيون مفتوحة على موتٍ لا يحمل سوى الأسى.
الغذاء في غزة لا يدخل إلا بموافقة المحتل. كل شاحنة دقيق، كل قنينة ماء، كل حبة دواء تمر عبر "التنسيق"، وتخضع لحسابات أمنية باردة. لم يحدث في التاريخ الحديث أن خضعت السعرات الحرارية لحسابات عسكرية. وحدها إسرائيل فعلت ذلك. وثائق مسرّبة من عام 2008 تثبت بوضوح أن الاحتلال تعمّد تحديد كمية الغذاء التي تُسمح لغزة بالحصول عليها وفق "معادلة لا تبقيهم مكتفين، لكن تمنع المجاعة التامة". أي نوع من الوحشية هذا؟ أي عقل قانوني لا يرى في هذا الجرم انتهاكًا سافرًا لكل المعاهدات والمواثيق؟ وأي نظام دولي لا يزال يتحدث عن حقوق الإنسان وهو يرى غزة تُذبح من خاصرتها بالجوع والمرض والقهر؟
القرارات الأممية واضحة، لكن غائبة. اتفاقيات جنيف تحظر العقوبات الجماعية. البروتوكولات الدولية تُجرّم استخدام الجوع كسلاح. نظام روما الأساسي يعتبر التجويع جريمة حرب. ومع ذلك، تمرّ قوافل المساعدات ببطءٍ قاتل، ويُشترط في إدخالها الهدوء من الضحية، لا توقف العدوان من الجلاد. في غزة، تنقلب كل القيم، فيصبح الخبز مكافأة مشروطة، والماء تصريحًا خاصًا، والدواء عملًا بطوليًا.
أما المجتمع الدولي، فهو الغائب الحاضر. حاضرٌ ببيانات القلق، وغائبٌ عن الفعل. لا دولة رفعت يدها جديًا لوقف هذه المهزلة. مجلس الأمن بات مسرحًا لاستعراض الفيتو ضد المجوعين. الإعلام الغربي لا يرى المجاعة في غزة، لكنه يسلّط الضوء فورًا إن مسّت المجاعة "شعوبًا بيضاء" في دول أخرى. ازدواجية المعايير لم تعد خفية، بل باتت مفضوحة، مخجلة، وقاتلة. ما يحدث في غزة لا يحدث فقط بفعل الاحتلال، بل بصمت العالم، بصمت الأنظمة، بصمت المنظمات التي تعرف كل شيء ولا تفعل شيئًا. والأنكى، أن بعض الأنظمة العربية ساهمت وتساهم، بحصار المعابر، بإغلاق الحدود، بمنع الإغاثات، وبخطاب مزدوج يخوّن المقاومة ويُدجّن الشعب.
غزة لا تطلب صدقات، ولا استجداء. غزة تطلب حقها الطبيعي في الحياة. تطلب أن يُكفّ عنها الحصار، أن يُفتح لها باب الحياة، أن تُعامل كبشر، لا كأرقام. الجوع الذي ينهش أطفالها ليس من فعل الطبيعة، بل من صنع قرارات عسكرية مُقرّرة في غرف الحرب، تحت أنظار أنظمة ديمقراطية تصف نفسها بأنها "حامية للقانون الدولي". الجوع في غزة خيانة للعصر، وإهانة للعقل، وتدنيس لضمير الإنسانية.
الطفل الذي يموت جوعًا ليس ضحية حرب فقط، بل ضحية الصمت، ضحية البيانات الباردة، ضحية أولئك الذين يشاهدون ثم يقولون "الوضع معقّد"، ضحية نظام عالمي يُبقي على الأنظمة لا على الأرواح. الجائع الغزّي يُقتل مرتين: مرة بمنع الطعام، ومرة بتواطؤ العالم. والمجتمع الدولي، إن لم يخرج عن صمته، يصبح جزءًا من الجريمة، لا شاهداً عليها.
ومن المفارقة المخزية أن يموت الطفل في غزة لأن أمه لا تجد حليبًا، في الوقت الذي تهدر فيه الدول الكبرى ملايين الأطنان من الطعام. أن تُقصف المخابز ويُمنع إدخال القمح، بينما تُستخدم الأطعمة في الغرب لصناعة الوقود الحيوي. أن تتحوّل شحنات المساعدات إلى أوراق ضغط، ومفاوضات، ومقايضات سياسية، في أكبر سوق للنفاق الإنساني.
لا يحتاج العالم إلى مزيد من القوانين، بل إلى قليل من الشجاعة. لا نريد مؤتمرات، بل ممرات آمنة. لا نريد إدانات شكلية، بل إدانة حقيقية توقف الجريمة. لأن الجوع، في نهاية الأمر، لا يُفلسف. لا يُحل بالتحليل السياسي، ولا تُخفف وطأته بالاستنكار الأخلاقي. الجوع يُوقَف، أو يُدان من الجميع. ومن لا يدينه، يُشارك فيه، حتى وإن التزم الصمت.
إن كل يوم يموت فيه طفل في غزة من الجوع، هو يوم تنكسر فيه مرآة هذا العالم. هو صفعة في وجه القانون، وبصقة في وجه الأخلاق، ودمعة لا تجف في جبين الإنسانية. إن جريمة التجويع هذه ليست مجرد وضمة عار، بل وصمة لا تمحوها السنوات، ولا تغسلها الكلمات. هي جريمة تندى لها جباه الشياطين أنفسهم، جريمة لا يتخيّلها الشرّ في أقصى خيالاته.
وغزة، رغم كل ذلك، لا تموت. بل تقاوم بجوعها، بصبرها، بكرامتها. تقاوم بصمتها العنيد، ببطون أطفالها الخاوية، بأمهاتها اللاتي يطهون بقايا الدقيق تحت القصف، وبشبابها الذين يزرعون في أرض تُقصف كل يوم. غزة لا تستجدي الخبز، بل تستحق الحياة. وكل من لا يرى ذلك، إنما يُنكر إنسانيته، قبل أن يُنكر حق غزة.
فليكن واضحًا ان الجوع في غزة ليس أزمة، بل جريمة.. والسكوت عنها ليس حيادًا، بل خيانة.. والتاريخ لن يرحم الجلاد، ولا من مدّ له السكّين..



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين
- رسالة هامة الى حكومة لبنان والمقاومة .. السلاح كوسيلة للمقاو ...
- وجهان لواقع واحد .. بوتن وترامب في عالم مضطرب.. رؤية شاملة
- بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يل ...
- نداء عاجل للتحرك الدولي الفوري.. قتل الصحفيين جريمة كبرى
- ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تسبيح الملائكة
- مفاهيم قوى التحرر في العالم ونظرتها الى الحرية
- ضرورة صناعة طبقة وسطى من حيث الدخل في العراق
- بطاقة سكن في جهنم
- اللقب ومعضلة وزير الداخلية
- قبلَ أن ينشقّ القمر
- سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
- ال سعود والانقلاب العسكري التركي الفاشل
- ياداعشي أين المفرْ
- من مذكراتي عن اهل الفلوجة الكرام .. *
- ستورقُ في الرمال لنا نمورُ
- نداء الى جميع الاحرار والمثقفين في العالم لشجب واستنكار اعدا ...
- مشتاق لك – شعر شعبي عراقي
- لو كشف لي الغطاء ما ازددت وطنية
- المسلمون ألد أعداء الاسلام


المزيد.....




- في تركيا.. ما قصة البلدة المغمورة بالماء التي تتفتّح فيها ال ...
- لكل حادث حديث
- تصريح صحفي.. أوقفوا سياسة تكميم الأفواه
- اعتصام أمام البرلمان ووقفات احتجاجية بمدن مغربية دعما لغزة
- اشتباكات عنيفة بالفاشر وتحذير من أزمة إنسانية وصحية حادة
- خارطة طريق أممية جديدة هل توقظ ليبيا من سباتها السياسي؟
- بتصريح -الأنقاض-.. عراقجي يثير الجدل بشأن -مصير اليورانيوم- ...
- إقالة مسؤول أميركي بارز.. صاحب تصريح بشأن إيران -أغضب ترامب- ...
- الإمارات تدين الاستيطان والتصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة
- قتلى حماس.. تحقيق يكشف -فجوة- بين الحقيقي والمعلن


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جاسم المعموري - غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!