محمد العرجوني
كاتب
(Mohammed El Arjouni)
الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 16:48
المحور:
الادب والفن
إسمُك …
ليس كلمة
إنه ارتجافةُ وترٍ تُقيمُ للحظةٍ كونًا
وتذيبُ في ثانيةٍ جليدَ القرون
إسمُك برقٌ يتيم
يكتب على السماء سطرًا واحدًا
فتقرأه الأرواحُ كأنها عرفتْ منذ البدء سرَّها
اسمُك هو الشكلُ الخفي للماء
يتسلّل بين أصابعي فلا أمسكه
لكنني أتشبّع به حتى العظم
إسمُك…
مرآةٌ لا تعكس وجهي
بل تعكس ما كنتُ أخفيه عن نفسي ....
إسمك لا أجرؤ على البوح به
ميريام
أ- مقدمة:
أول ما يثير انتباهنا ونحن نقرأ هذا النص للشاعرة اللبنانية ميريام حيدار، هو شكله الهندسي ووحدة موضوعه المتجلية في كلمة "إسمك".
فمن ناحية الشكل، أي التوزيع الهندسي للكلمات على البياض، فإنه مكون من أربعة مقاطع تبدو متساوية في عدد السطور. إلا أن هناك فرق بسيط على مستوى عددها، حيث المقطع الأول يتساوى مع المقطع الأخير، ليبقى المقطعان الثاني والثالث، متساويينٍ فيما بينهما. ونحن نتحدث عن التساوي، جرنا فضولنا إلى احتساب عدد الكلمات بكل مقطع، فوجدنا بأنها تقريبا متساوية، بفارق بسيط: 14-15-15-17. مع تسجيل الملاحظة الأساسية : كل المقاطع تترأسها نفس الكلمة : "إسمك". مع فارق بسيط أيضا، لكنه مهم، وهو أن هذه الكلمة تبدو وكأنها معلقة، سواء فوق المقطع الأول أو الأخير، خاصة وانها متبوعة بنقط الحذف، نقط لا نجد لها تعبيرا إلا ذلك الصمت المعبر عن التردد أو الحيرة في اختيار ما يمكن أن يفي بالتعبير الدقيق والصادق على هذا "الإسم" الذي يثير ملكة الشعر لدى الشاعرة. بينما تبدو هذه الكلمة ملتحمة بمكونات المقطع الثاني، وأكثر التحاما بالمقطع الثالث، لأنها تتكرر، فهي ترأس المقطع، وترأس السطر الأخير منه، لتشكل نوعا من الضم للشاعرة. سوف نتطرق إلى كل هذا بتفصيل أكثر في تفكيكنا للنص واقتراحنا بعض التأويلات.
ثانيا من ناحية الموضوع: وحدته كاملة ولو تعددت الاستعارات التي توحي به بفنية متفردة. بل ويشكل كما في الرياضيات مجموعة أحادية، حيث النص بأكمله يدور حول : "إسمك". وهكذا يبدو الإنتاج الفني وكأنه نتاج مُفاعل فردي لأن ديناميكته كلها مستلهَمة من هذه الكلمة المركز. كلمة قد نعتبرها أيضا بمثابة نواة ليصبح النص بدوره ذرة مشجعة. كل هذا يجعلنا، في تفاعلنا معه، وكأننا أمام شهب متلألة في سماء شعر ماورائي، لا يخضع للمتداول. شهب قد تحيلنا كذلك على كتلة غيمة من الإلكترونات وهي تدور حول نواته لننتقل من الماورائي إلى القصيدة الكمومية. وهو ما سنحاول توضيحه بحدسنا ونحن نلمس بحواسنا أحاسيس الشاعرة في أقصى التفاصيل.
فكل الكلمات إذن، وهي في تفاعل مع هذا المفاعل الفردي، تُنتج صورا مثيرة بفضل نورونات الشاعرة المتوهجة، فتبدو كما سبق الذكر بمثابة شهب وفي نفس الوقت، ونكرر ما قلناه لتقريب الفكرة أكثر، تشكل ما يسميه بعض الفيزيائيين في حديثهم عن الإلكترونات، غيمة تدور حول نواة : "إسمك". هذا الإسم الذي يصعب القبض عليه. وحينما نتلمس جسيمات/كلمات هذه الغيمة، للحظة وجيزة، بالكاد يختطف منها تفاعلنا، رغم تمرنه على ظاهرة الدوران المرهقة، كلما صادف نصوصا كمومية، بعضا من انبجاس الدلالات التي يختزنها كشحنات قوية، وهي التي تبدو لنا كشهب ملونة، بفضل الاستعارات، في سماء المعنى /المعاني، وهي استعارات تعزمنا على التخمين، وكأننا في لعبة "حزر فزر".
فنتوقف عند :
1- اول شهاب/الكترون/تخمين:" إسمك = ارتجافة وتر":
إن الإسم لم يعد كلمة، بل "ارتجافة وتر"، نتيحة لشحنة قوية ذات مفعول محدود جدا في الزمان، لكن بها يتشكل الكون ويحدث "ذوبان الجليد" الذي عمر طويلا. أما كون الارتجافة مستعارة عن "الوتر"، وتماشيا مع ما تقتضيه المقاربة التفكيكية من اختلاف وإرجاء للمعنى، فزيادة على أنه، أي الوتر، يحيلنا على الموسيقى، ليصبح هذا الإسم، يحمل في شحنته الدلالية، كل ما يثير طرب المستمع إلى نطقه، تماما كما يفعل وتر الآلة الموسيقية وهي تطرب الأذن، فهو يحيلنا كذلك على الفيزياء الكمومية حيث تتحدث عن "الأوتار الفائقة"، وهي كما عرفها الفيزيائي غرين براين[1]، "مجموعة جدائل من الطاقة المهتزة"، وبها يتكون الكون الكبير، فيصبح هذا الإسم عبارة عن هذا الكون، "تقيمه للحظة ارتجافتة كوتر/أو أوتار فائقة"، وهو تعبير يليق بهذا الإسم، حسب الشاعرة التي أبدعت في هذه الصورة. فالإسم في ارتباطه بالوتر الموسيقي أو الأتار الفائقة، وكما عبرت عنه نظريتها، حيث تنفي وجود فراغ في الكون الكبير باعتبارها صلة وصل بين كل الأكوان، فهذا الإسم إذن بدوره يملأ اي فراغ قد يعتري حياة الشاعرة ويضمن تلك الصلة اللامتناهية.
2- ثاني شهاب /الكترون/تخمين: "إسمك = برق يتيم":
نبقى دائما في فضاء الكون مع الشاعرة التي تحرك دهشتنا هذه المرة باستعارة "البرق اليتيم"، للتعبير عن هذا الإسم المجهول، وهي تواصل استمالتنا بلعبة "حزر فزر" لعلنا نقبض عليه. إنها صورة، نرى فيها قوة كهرومغناطيسية، ورغم ضآلتها، تجذبنا إلى هذه اللعبة. استطاع هذا البرق اليتيم/ الإسم، أن يكتب فقط سطرا واحدا، ومع ذلك فإن "الأرواح استطاعت أن تقرأه، وكأنها عرفت منذ البدء سرها". وهكذا من الارتجافة تمر بنا الشاعرة إلى الكتابة بما تحمله من معان للديمومة والقدسية في حالة الحديث عن السر المكنون. فما هو سر هذا الإسم، الذي ظل غامضا بالنسبة إلينا. نتوقف، وننتظر تخمينة أخرى من لعبة "حزر فزر".
3- ثالث شهاب /إلكترون/تخمين : "إسمك = شكل خفي للماء":
دهشتنا متواصلة مع لعبة "حزر فزر" هذه، وأمام تواتر هذه الشحنات الدلالية. وهكذا نتابع تحولات هذا الإسم المجهول، من "ارتجافة وتر" إلى "شكل خفي للماء" مرورا ب"البرق اليتيم". فمن الارتجافة إلى النار، إلى الماء، يبدو وكأن هناك نشوة ناتجة عن نطق هذا الإسم. لكنها نشوة صادرة عن "التخفي" وليس عن الظاهر، أي عن ما لا يمكن القبض عليه. تخفٍ، عبرت عنه الشاعرة ببراعة، حيث، رغم كون الماء في طبيعته، مرئي كشكل سائل معروف، ولا يمكن القبض عليه إلا بإناء مثلا، فما بالنا حينما يكون هذا الشكل خفيا. هكذا تجعل من القبض على الإسم، مسألة مستحيلة، وكأنها تقول للمتلقي: "واصل التخمين". لكن بالمقابل، وبما أنها تنتشي بالتخفي، فهي تقبض عليه بالإحساس. ويكفي هذا الإحساس كي يتم التشبع العميق. فنجد أنفسنا أمام عملية سقي، حيث يتسلل بين الأصابع لإنعاش الجسد في نشوة غامرة.
4- رابع شهاب /إلكترون/تخمين : إسمك = مرآة:
وأخيرا نقبض على آخر تحول للإسم، وآخر تخمينة، ليصبح مرآة. إلا أن دهشتنا لا تتوقف عند هذا التحول. فبعد ان استعبنا هذه الصورة التي اوحت لنا بأفق انتظار يتماشى والمرآة، حيث نعرف بأن المرآة قد تعكس لنا شيئا ملموسا، كوجه الساردة هنا، إلا أن دهشة ثانية زادت في دوران عقلنا ونحن نتابع دوران هذه الإلكترونات التي تدور حول نواة القصيدة الكمومية، فأصبحت المرآه تعكس ما تخفيه الساردة عن نفسها. لتصبح المرآة ذات وظيفة خيالية تذكرنا بدورها السحري في الحكايات الخرافية. فيصبح هذا الإسم مرآة الشاعرة التي من خلالها ترى ما تخفيه، ليصبح هذا الإسم هو العارف بخبايا نفس الشاعرة. ولهذا ربما توقفت عن لعبة التخمين الموجهة للمتلقي، وحسمت الأمر، وكانها تقول لنا:"واصلوا التخمين، ولا تنتظروا مني مساعدتكم !"، كما يحدث غالبا في هذه اللعبة، معترفة بأنها "لا تجرؤ على البوح بهذا الإسم". وهو ما يؤدي بنا إلى محاولة فهم هذا اللغز، حسب تخميننا النسبي بتساؤلنا: " من يعرف ما في خبابا النفوس؟".
ب- خلاصة القول :
إذا كنت انطلقت من هذه المماثلة بين النص الأدبي والفيزياء الكمومية التي تهتم بالجسيمات الصغيرة، و استعرت عنها ما نتصوره وهي تحدثنا عن الذرة، وهي مماثلة قد تبدو تعسفا للبعض، فلأنني أحاول القبض عن المعنى / المعاني النسبية وليست المطلقة، وانا تحت تأثير موجات النص التي تتقاذفني بشحناتها، تماما كما تتقاذف أبحاث الفيزياء الكمومية، علماءها، امام احتمالات موجات أو جسيمات الفوطون مثلا، وهو ما يعبر عن اللايقين حتى في ميدان العلم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لتستقيم المماثلة، فإذا كانت للذرة طاقة أو شحنة قد تنفجر بقوة سواء بالانشطار أو بالانصهار، فإن النص هو الآخر يبدو كذلك، حيث له طاقة أو شحنة دلالات قد تنفجر بالانشطار أو بالانصهار، الذي يمكن القبض عليه من خلال تفاعلات كيمياء الكلمات، إما من خلال التضاد أو التكامل، وإما على مستوى محور التركيب أو محور الاستبدال. وبما اننا حاولنا اعتماد المقاربة التفكيكية، فلأننا نؤمن بنسبية المعنى أو المعاني، ونؤمن بإخضاع النص الى آلية "الاخترجاء"، أي الاختلاف والإرجاء: différe/ance.
#محمد_العرجوني (هاشتاغ)
Mohammed_El_Arjouni#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟