أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 684 - إنقاذ نتنياهو بين وهم -ما بعد الحداثة- والحسابات الجيوسياسية لترامب















المزيد.....

طوفان الأقصى 684 - إنقاذ نتنياهو بين وهم -ما بعد الحداثة- والحسابات الجيوسياسية لترامب


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 00:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

21 أغسطس 2025

مقدّمة

في مقال له يحمل طابعا فلسفيا نشر في موقع وكالة ريا نوفوستي بتاريخ 28 يونيو 2025 تحت عنوان «إنقاذ نتنياهو: صراع عصر ما بعد الحداثة»، يرى الكاتب الروسي ألكسندر ياكوفينكو** أننا أمام مرحلة سياسية جديدة لا تقوم على "الوقائع" بقدر ما تقوم على "إنتاج حقائق بديلة" تُفرض عبر الخطاب الإعلامي والقوة الرمزية. يظهر دونالد ترامب في قلب هذا المشهد بوصفه نموذجًا سياسيًا ل"ما بعد الحداثة"، ليس لأنه يملك حلولًا حقيقية للصراعات، بل لأنه يفرض سرديته الشخصية على الأحداث ويُجبر حلفاءه على التعامل معها كما لو كانت حقيقة مطلقة.

ترامب والإنجيليون – التحالف المقدَّس مع إسرائيل

يشكّل دعم ترامب المتكرر لنتنياهو إمتدادًا لتحالفه العميق مع القاعدة الإنجيلية في الولايات المتحدة. فهذه القاعدة ترى في دولة إسرائيل حدثًا دينيًا ذا طابع نبوئي، وتُمارس ضغطًا سياسيًا دائمًا لضمان دعمها بلا حدود. لذلك يقدّم ترامب نفسه كراعٍ لـ"إسرائيل التوراتية" لا لإسرائيل كحليف سياسي فحسب، ما يجعله في نظر الكثيرين "المنقذ" كلما واجهت حكومة نتنياهو أزمة داخلية أو خارجية. هذا البعد الديني– السياسي يعزز فكرة "الإنقاذ" حتى عندما لا يكون هناك إنقاذ فعلي على الأرض.

أولًا: التدخل المسرحي لإنقاذ نتنياهو

التصعيد الإيراني – الإسرائيلي الأخير شكّل فرصة لترامب لتقديم عرض سياسي أقرب إلى المشهد المسرحي، حيث يتم إعلان نهاية الأزمة حتى لو كانت مستمرة فعليًا. إستخدم ترامب إعتماد إسرائيل على الدعم الأميركي كورقة ضغط لإجبار نتنياهو على القبول بالرواية التي مفادها أن "المشكلة حُلَّت". يقول الكاتب: «بغض النظر عن الحقائق، تم حل المشكلة بنجاح، ويجب على نتنياهو أن يعترف بذلك». هذه الجملة تختصر جوهر المعالجة الترامبية: "الإنجاز لا يعني تحقيق الهدف، بل إعلان إمتلاكه."

ثانيًا: عصر ما بعد الحداثة و"حقائق متعددة"

يشير الكاتب إلى مفهوم محوري وهو أن عصر ما بعد الحداثة أعاد تعريف السياسة كمساحة لصناعة الحقيقة، لا لإكتشافها. يُعلّق قائلاً: «كل شخص لديه الحق ليس فقط في حقيقته الخاصة، بل أيضًا في حقائقه الخاصة، وحقائق بعض الأشخاص أكثر واقعية من حقائق آخرين». وهذا التحليل يعني أن حقيقة ترامب أقوى من حقيقة نتنياهو – بل حتى من تقارير المخابرات – طالما أنه يُمسك بمفاتيح الإعلام والشرعية الدولية.

ثالثًا: من غزة إلى أوكرانيا – إسقاط النموذج على أوروبا

ينتقل الكاتب من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا ليوضح أن المنطق نفسه يُطبّق في أوروبا: تخويف القارة من الروس كي تشتري السلاح الأميركي. وفي الوقت ذاته، إغلاق أي نقاش حول جذور الأزمة في أوكرانيا، أو حقوق سكانها الناطقين بالروسية. يشير الكاتب إلى إزدواجية واضحة: يُسمح لإسرائيل بكل شيء بحجة الأمن القومي، بينما يُحرم الروس في أوكرانيا حتى من حق التحدث بلغتهم أو الدفاع عن أنفسهم.


رابعًا: إنهيار خطاب "حقوق الإنسان" في الغرب

يرى ياكوفينكو أن الغرب قد تخلّى نهائيًا عن خطابه الإنساني حين تَعارض مع أجندته السياسية. كتب: «أنكر الغرب حق تقرير المصير للمناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا… مما يُظهر تراجعه الأخلاقي والفكري». الغرب الذي كان يتغنّى بحقوق الإنسان لم يجد غضاضة في دعم حملات قمع الهوية الروسية في خاركوف ودونيتسك ولوغانسك، طالما أن ذلك يخدم إستراتيجيته ضد موسكو.


خامسًا: أوروبا بين التبعية واللامعقول السياسي

يقول الكاتب بتهكّم إن أوروبا تُسلّح نفسها بطلب أمريكي بينما ترامب يقول لها في الوقت ذاته إن روسيا "لن تهاجم أحد أثناء رئاسته". ويشبّه ذلك بدعاء القديس أوغسطين: «يا رب إمنحني العفة والتقشف، لكن ليس الآن!». وهذا يعني أن أوروبا تتحدث عن السلام في المستقبل، بينما تُغرق نفسها في العسكرة في الوقت الحاضر. لذلك يعتبر الكاتب أن اللامعقول بات يتطلّب "أدلة لامعقولة"، أي أن ما يجري صار يتحدى المنطق السياسي التقليدي.


سادسًا: موسكو والمنطق الثابت – من فلسطين إلى أوكرانيا

يُبرز النص ثبات الموقف الروسي حين يتعلق الأمر بحق تقرير المصير: من دعم الفلسطينيين في إقامة دولتهم إلى دعم سكان الدونباس في الحفاظ على هويتهم. يرى الكاتب أن هذا الإتساق الأخلاقي يعارض تمامًا خطاب واشنطن الذي يدافع عن هوية طرف ويُنكر هوية طرف آخر. كما يؤكد أن موسكو ليست في عجلة من أمرها لتطبيع العلاقات إذا لم يُدرك الغرب أن الحوار طريق ذو اتجاهين وليس "سلاماً من خلال القوة".


خاتمة

ليست قصة "إنقاذ نتنياهو" سوى تجلٍّ صغير لمنطق أكبر يحكم السياسة الغربية اليوم: من يمتلك المنصّة يملك الحقيقة. ترامب لا يقدّم حلولًا، بل يقدّم "نصوصًا بديلة" على شكل حقائق سياسية جاهزة؛ وبذلك يستطيع أن يُعلن النصر في غزة، ويُعلن التهديد في أوروبا، ويُعلن العداء في أوكرانيا، ثم ينسحب تاركًا الجميع في ضباب روايته. إنها أقصى درجات ما بعد الحداثة: حيث الحقيقة مجرد إعلان رسمي، والأمن مجرد صفقة سلاح، والسياسة مجرد مشهد يحتاج إلى جمهور يصفّق.

ومثلما أنقذ ترامب نتنياهو من مأزقه عبر وهم الإنتصار، فهو يحاول اليوم إنقاذ الغرب من مأزق تراجعه عبر وهم القوة الدائمة. لكن المخاطر الحقيقية تتراكم في أوكرانيا وأوروبا، حيث قد يتحول هذا المسرح السياسي إلى صراع وجودي فعلي لا مجال فيه للعودة إلى العقل أو إلى "حقائق متعددة".


*****

هوامش

1) ألكسندر ياكوفينكو
هو دبلوماسي روسي بارز شغل منصب سفير روسيا لدى بريطانيا من عام 2011 إلى 2019، كما عمل سابقًا نائبًا لوزير الخارجية الروسي. يُعرف بتحليلاته الجيوسياسية وكتاباته في الصحافة الروسية حول النظام الدولي ودور موسكو في إعادة تشكيله.


2) ما بعد الحداثة (Postmodernism) هي تيار فكري وفني وفلسفي ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين، كردّ فعل على أفكار الحداثة التي ركّزت على العقل، والعلم، والتقدم، والحقيقة الواحدة.

ما بعد الحداثة تشكك في:
• وجود حقيقة واحدة مطلقة، وتقول إن كل شيء نسبي.
• الموضوعية في المعرفة، وتؤمن بأن كل رأي متحيز.
• السلطة المركزية (مثل الدولة، أو الكنيسة، أو العقل)، وتفضّل التعدد والفوضى.
• الأسس الكبرى (مثل القومية، الدين، أو الماركسية)، وتراها "سرديات كبرى" مشكوك فيها.

في الثقافة والفن:
• تستخدم السخرية، التهكم، المحاكاة الساخرة.
• تمزج بين الرفيع والهابط، وبين القديم والجديد.
• ترفض التصنيفات التقليدية وتحب الخلط بين الأساليب

3) الإنجيليون البروتستانت:
تيار ديني أمريكي يعتبر قيام دولة إسرائيل جزءًا من نبوءة توراتية، ويضغط سياسيًا لدعمها دون شروط.

4) التدخلية الليبرالية:
فكرة في السياسة الأمريكية تقوم على نشر الديمقراطية باستخدام القوة والتدخل العسكري، بدعوى حماية حقوق الإنسان.

5) حق تقرير المصير في الدونباس:
يشير إلى مطالبة المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا بالانفصال أو الحكم الذاتي بعد 2014، وهو ما رفضه الغرب قطعيًا.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمة ألاسكا وتحوّلات الخطاب الروسي: قراءة في ثلاثة مقالات لأل ...
- طوفان الأقصى 683 - بين خيار الإبادة وخيار الإحتلال – قراءة ف ...
- طوفان الأقصى 682 - لاهوت الإبادة في الفكر الصهيوني: قراءة تح ...
- الإنهيار المعنوي للجيش الأوكراني: من الخنادق الفارغة إلى الإ ...
- طوفان الأقصى 681 - تفكك الإجماع اليهودي العالمي حول إسرائيل
- «العقيدة الترامبية الجديدة» - بين الإنعزال والضربات السريعة ...
- طوفان الأقصى 680 - مشروع «إسرائيل الكبرى»: مخاطره الجيوسياسي ...
- «تحدّي ألاسكا»: قراءة تحليلية في أطروحة ألكسندر ياكوفينكو حو ...
- طوفان الأقصى 679 - من النيل إلى الفرات - الحلم الذي لم يمت: ...
- ألكسندر دوغين - أنكوراج** - توازن دقيق على حافة الهاوية (برن ...
- طوفان الأقصى 678 - أكثر من 100 طبيب عملوا في غزة يطالبون الع ...
- طوفان الأقصى 677 - أذربيجان وإسرائيل في قلب لعبة القوقاز الك ...
- -أسرار نووية وأحكام متناقضة: ثلاث قضايا تكشف إزدواجية المعاي ...
- ألكسندر دوغين بين ألاسكا وغورباتشوف: أخطاء الماضي وصراعات ال ...
- طوفان الأقصى 676 - يهود ضد الصهيونية
- روسيا والغرب… معركة تتجاوز حدود أوكرانيا
- طوفان الأقصى 675 - الكمين الأميركي: من الإستراتيجية الإقليمي ...
- قمة ألاسكا: بين ذكريات التاريخ ومقايضات الحاضر
- طوفان الأقصى 674 - إسرائيل وحرب المستقبل – نقطة التوتر بين ا ...
- ثلاث -بجعات سوداء- في أفق الحرب: ما الذي قد تغيّره الأشهر ال ...


المزيد.....




- أهلكت 140 مليون إنسان.. لماذا تصنع الدول الكبرى المجاعات الق ...
- جدل في لبنان بعد تصريحات البطريرك الراعي عن سلاح حزب الله
- تونس تشهد أسوأ مراحل الانقلاب
- واشنطن بوست: خلاف حول غزة يطيح بمسؤول إعلامي كبير في الخارجي ...
- الهجوم على مدينة غزة يدخل مرحلته الأولى.. حماس: عملية -عربات ...
- الناتو يبحث ضمانات أمنية لأوكرانيا في -مناقشة صريحة-
- رامافوزا يجري تعديلات على قانون تمويل الأحزاب السياسية
- فيديو منسوب لـ-ظهور مدفع الرعد الكوري في سيناء-.. هذه حقيقته ...
- واشنطن تعاقب 4 مسؤولين في الجنائية الدولية.. والمحكمة تستنكر ...
- رعب في قلب المكسيك... العثور على ستة رجال مقطوعي الرأس في حا ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 684 - إنقاذ نتنياهو بين وهم -ما بعد الحداثة- والحسابات الجيوسياسية لترامب