سامي خاطر
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 09:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قراءةٌ في خلفيات الزيارة واستراتيجياتها
في أواسط أغسطس 2025، بدأ الأمين الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، جولة إقليمية مثيرة للانتباه، تضمنت زيارتين رسميتين إلى بغداد ثم بيروت في أول نشاط دبلوماسي له منذ توليه منصبه، ولعل ما يلفت الانتباه في هذه الجولة هو عبورها جسور الخوف: من التآكل الحاصل في النفوذ الإيراني إلى تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية الموجهة ضد "محور المقاومة".
يمكن تفسير هذا العنوان في إطار التوترات الإقليمية والضغوط الدولية التي تواجهها إيران على أن الخوف من انهيار النظام الإيراني هو الدافع الرئيسي وراء هذه الزيارات.. هذا الخوف لا ينبع فقط من التهديدات الخارجية بل أيضاً من التحديات الداخلية التي يواجها ملالي إيران مما يجعلهم يسعون إلى تحصين أنفسهم عبر تعزيز العلاقات الإقليمية.
خلفيات الزيارة
• تصاعد التوتر الإقليمي: تهدف إيران إلى تقوية تحالفاتها الإقليمية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة بالإضافة إلى التهديدات العسكرية المحتملة.
• الوضع الداخلي: يواجه النظام الإيراني تحديات داخلية كبيرة من بينها الاحتجاجات الشعبية والمطالب الاقتصادية.. لذلك تسعى قيادة النظام إلى تحقيق نجاحات في السياسة الخارجية لتعزيز شرعيتها الداخلية.
بغداد: تأسيس أمن “عابر للحدود” وسط أسئلة السيادة
في بغداد.. أعلن لاريجاني عن توقيع مذكرة تفاهم أمنية مع الحكومة العراقية تركزت على تنسيق الحماية على الحدود المشتركة في ظل تذبذب موقع إيران وتصاعد مطالب عراقية بحصر السلاح بيد الدولة، وقد جاءت هذه الخطوة أيضًا في ظل حديث واسع عن احتمال وضع قوانين لتقنين وضع الحشد الشعبي ضمن مؤسسات الدولة، وهو ما يثير القلق الإيراني من فقدان أدوات نفوذها في العراق، وبالتالي يمكن فهم زيارة لاريجاني إلى العراق على أنها محاولة استباقية لتعزيز وجود إيران الرمزي والأمني وإظهار استعادة الحضور الذي كان قد بدأ يتراجع.
بيروت: الردّ على ضغوط تمرير السلاح ومواجهة العبث بالسيادة
انتقل لاريجاني إلى بيروت بعد بغداد حيث التقى كبار المسؤولين بمن فيهم رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس البرلمان نبيه بري في أجندة مرتبطة بتوتر الداخل اللبناني وتدخل الخارج، في المقابل عبّر الرئيس عون بوضوح عن رفضه لأي وجود مسلح خارج سيطرة الدولة وعن رفضه التدخلات الأجنبية بما في ذلك تصريحات إيرانية سابقة اعتُبرت طائفية ومسيئة للسيادة اللبنانية.
ورحبت حشود مؤيدة لحزب الله بزيارة لاريجاني، وهو ما يُعد رسالة دعم داخلي مباشر لإيران وحلفائها.. بينما تصاعدت الانتقادات الرسمية اللبنانية ضد ما اعتُبر تدخلاً فاضحًا وغير مقبول.
باختصار قدمت بيروت أرضية مقاومة دبلوماسية لإعادة ترسيخ النفوذ الإيراني لكنها في الوقت نفسه عبّرت عن حدود صريحة لهذا النفوذ.
تحليل استراتيجي.. زيارة الخوف
تحمل هذه الجولة رسالة مزدوجة: مواجهة ما يمكن تسميته بـ"الخوف" من فقدان النفوذ إلى غلبة السيادة على الأدوات غير الرسمية، والخشية من انغلاق المنافذ الإقليمية، وتُعتبر هذه الجولة خطوة تكتيكية دفاعية، لا انطلاقًا من قوة وإنما من منطق النجاة السياسي.
في بغداد.. العملية "أمنية - رمزية" لإعادة تموضع العلاقات العراقية – الإيرانية، وفي بيروت عبارة عن مواجهة داخلية - إقليمية تُظهر أن إيران لم تتخلّ بعد عن حلفائها لكنها تواجه حدود التمدد خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمعايير السياسية الوطنية والميثاقية.
دوافع زيارة لاريجاني إلى بغداد وبيروت: جسور الخوف وإعادة التموضع
في خطوته الدبلوماسية الأولى بعد توليه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قام علي لاريجاني بزيارة إقليمية مثيرة للاهتمام شملت بغداد وبيروت في منتصف أغسطس 2025. لم تكن هذه الزيارة مجرد بروتوكول دبلوماسي بل كانت بمثابة إعلان واضح عن أولوية طهران في حماية نفوذها المتآكل وتوجيه رسائل حاسمة إلى حلفائها وخصومها على حد سواء.
إعادة تأكيد النفوذ في العراق: مواجهة التحديات الداخلية والخارجية
تُعد بغداد محطة حاسمة لأي مسؤول إيراني يسعى لترتيب أوراق النفوذ الإقليمي.. وتأتي زيارة لاريجاني في وقت تشهد فيه الساحة العراقية توترات متصاعدة:
• تآكل النفوذ السياسي: تواجه الفصائل السياسية الشيعية المقربة من إيران تحديات متزايدة من قوى سياسية داخلية تطالب باستقلالية القرار الوطني الأمر الذي يضعف قبضة طهران على المشهد السياسي.
• تصاعد الضغوط الأمريكية: على الرغم من الانسحاب الجزئي؛ ما تزال الولايات المتحدة تحتفظ بنفوذ اقتصادي وأمني مهم في العراق مما يشكل ضغطًا مستمرًا على الحكومة العراقية للحد من دور إيران.
• التصدي للنفوذ الخليجي: تتزايد مساعي دول الخليج خاصة السعودية نحو تعزيز علاقاتها مع العراق وتوفير بدائل اقتصادية عن الارتباط بإيران وهو ما يمثل تحديًا مباشرًا للمصالح الإيرانية.
من هذا المنطلق هدفت زيارة لاريجاني إلى تعزيز التنسيق مع القوى المتحالفة، وتقديم الدعم السياسي، وإرسال رسالة مفادها أن طهران لن تتخلى بسهولة عن نفوذها في بغداد.
دعم "محور المقاومة" في لبنان: رسالة تحدٍ في مواجهة الضغوط
انتقال لاريجاني من بغداد إلى بيروت يؤكد على ترابط المحور الإيراني وأهميته كجزء لا يتجزأ من استراتيجية الأمن القومي الإيراني، ويمكن تلخيص دوافع الزيارة إلى لبنان في النقاط التالية:
• تخفيف الضغط الدولي: يتعرض حزب الله الحليف الأبرز لإيران في المنطقة لضغوط دولية مكثفة بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تستهدف قدراته المالية والعسكرية، وتأتي زيارة لاريجاني بمثابة إشارة واضحة على أن طهران تقف خلف الحزب.
• تنسيق المواقف الإقليمية: مع تزايد التوترات على الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة وتصاعد خطاب التهديد المتبادل مع سلطات الاحتلال؛ تهدف الزيارة إلى تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى بين طهران وحزب الله لضمان استجابة موحدة لأي تطورات محتملة.
• استعراض القوة في وجه الخصوم: تعتبر بيروت واجهة مهمة لإيران لإظهار قدرتها على التأثير في صراعات المنطقة من خلال زيارة لاريجاني، وقد أرادت طهران توجيه رسالة إلى خصومها الإقليميين والدوليين خاصة إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن "محور المقاومة" ما زال قويًا ومستعدًا للمواجهة.
استراتيجيات الزيارة
• تنسيق المواقف: هدفت الزيارة إلى تنسيق المواقف السياسية والأمنية مع حلفاء إيران في بغداد وبيروت الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
• دعم الحلفاء: قدم لاريجاني خلال زيارته دعماً سياسياً واقتصادياً للحلفاء مما يعزز نفوذ إيران في المنطقة ويضمن استمرارية تحالفاتها.
• إرسال رسائل سياسية: حملت الزيارة رسائل سياسية موجهة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، مفادها أن إيران قادرة على الحفاظ على نفوذها في المنطقة رغم الضغوط الدولية.
الخلاصة: جسور الخوف وإعادة التموضع
زيارة علي لاريجاني إلى بغداد وبيروت بين 11 و13 أغسطس 2025 ليست مجرد تحرك دبلوماسي روتيني بل هي دلالة جديدة على أزمة نفوذ إيراني يواجه تحديات محلية ووطنية يسعى إلى تجاوزها عبر محاولات إضفاء الشرعية الأمنية في العراق والدفاع عن مواضعه في لبنان، وتقف إيران في مواجهة طريق مزدوج: الوحدة داخل المحور (بغداد وبيروت)، وكذلك مقاومة السلطة الوطنية المتزايدة، والنتيجة الأهم أنها تبيّن أن الخوف من الانزواء وتراجع الحلفاء كان المحرك الأساسي والدافع لهذه الجولة الإقليمية.
باختصار يمكن قراءة زيارة علي لاريجاني إلى بغداد وبيروت كخطوة استراتيجية متعددة الأوجه.. حيث كانت الزيارة تهدف إلى بناء جسور دبلوماسية فوق "مخاوف" طهران من تآكل نفوذها، وفي الوقت نفسه، كانت بمثابة إشارة على إعادة تموضع إيراني يركز على حماية مكتسبات الماضي وتوحيد حلفاء "محور المقاومة" لمواجهة موجة من الضغوط الإقليمية والدولية المتصاعدة.
#سامي_خاطر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟