|
همساتي : ثمر وثمار الروح
ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 12:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ثمر وثمار الروح
ايليا أرومي كوكو
أما ثمرٌ الروح فهو محبةٌ فرحٌ سلامٌ طول أناةٍ لطف صلاح إيمان وداعة تعفف غلاطية 5 : 22 – 23 وأما ثمار الروح فهو عطاءُ صليبُ غفرانٌ قيامةٌ رجاءٌ وتسبيح
المحتويات الالجزء الاول الصفحة المقدمة 5 1 – محبة 8 17 2 - فرح 3 – سلام 25 4- طول أناة 35 5 – لطف 47 6 – صلاح 55 7– إيمان 64 8– وداعة 73 9 – تعفف 79 الجزء الثاني 10- عطاء 88 11 – غفران 102 12 – صليب 111 13 – قيامة 127 14 – رجاء 140 15 – تسبيح 148
الاهداء الي الطفولة المعذبة في كل مكان أزرف دمعة .... أرسل إبتسامة إلي أهلي في جبال النوبة الشماء أقول فأشدو وأصدح يا أرض .. يا أرض أحفظي ما عليك ِ وعلي الارض السلام وبالناس المسرة اليك ِأرفع الصلاة ... إلهج بالدعاء أدعو الله صلاة ودعء لأجل السودان الوطن الجريج يا الله أمنح السلام .
ايليا كوكو أغسطس 1994م الابيض
المقدمة الله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي ان يسجدوا ) يةحنا 4 : 24 تعجبني كثيراً كتابات أديب المهجر اللبناني الشاعر / جبران خليل جبران فهو القائل : ( ليس كل من يكتب بالحبر كما من يكتب بدم القلب ) . في هذه التجربة المتواضعة جداً احاول بمداد وحي روحي الذي قد لا يكون حبراً من الدم الاحمر القاني . لكن يكفيني ان يكون مدادي عرقاً ساخناً يتصبب من جبيني . فلحبر الدم أهله . وقد لا يكون دم جروحي النازفة من أعماق قلبي المكسور المكنسر حبراً أكتب به . و بالاحري يكفي ان يكون القلب المنسحق الدامي والروح المعذب المتألم ليس حبر ومداد لأكتب به بل شيئاً اخراً أداوي به جروح المنسحقين في الارض. أنني الان أحاول جاهدا أن أكتب ببعض من قطرات العرق النازفة المتصبب من الجبين عسي ولعلي . و مع ضعف القدرات اللغوية و قلة الامكانيات و القدرات الابداعية البلاغية الادبية . او مع ضحالة البيان الفني الادبي الفصيح ومع عثرات الركاكة اللفظية استميحكم عذراً فحسب المرء ان يدلو بدله وان يفصح معبراً عما يجيش بخواطره . أحاول أن أبدي او ان أفصح أحاول أن أخرج ما بداخلي وأحاول ايضاً المرة تلو المرة أن أخرج وأيقول ما يجيش بدواخل العميقة سابراً ‘ن غور أعماقي الدفينة . فان يقدم المرء علي الافصاح بما يدور في خلده بالاحرف والكلمات معبراً عن مكنوناته فهذه أحسب أقدام جرأة يستحق ثناء النفس للروح . وحسبي هنا ان أقدم علي هذا العمل الذي أحسب كبير في معناه الكلي راجياً ان لا تخونني المفردات دون ايصال الفكرة تخطر في خواطري وتكمن في ثنايايا . وثمر الروح هي ثمار كثيرة ومتنوعة أتمني ان يجد فيه كل من تصله ان يجد فيها ما يشتهي وتطيب له نفسه وتلذ . ولا شك ان ثمر وثمار الروح طيبة شهية بل لذيذة حلوة المذاق تفوح بعطرة الشذي الفواح لذلك هي بهجة للعيون ساحرة للقلوب أسرة للنفوس . ليت الانسان من خلال تجربة ثمار الروح يتمكن من التعبير عن محبة الله و لطفه و امحاله . يقول النبي أرمياء ( ليت رأسي ينبوع ماء فأبكي نهاراً و ليلاً خطيئتي و ذنبي امام عطاء الله ومحبته و غفرانه . اني بجملتي مديون لله ، كل أيام حياتي المستمرة ووجودي الي يوم الله هذا فلو لا رحمة الله ما كنت اوجد واتحرك و استمتع بهذا الكون من ابداع وصنعه العظيم الرائع جداً لكل الذين اختبروا الله بالايمان ليس بالعيان . احياناً تنتاب المرء الهواجس و الهموم و تتنازعه الكأبة و الاحزان . تاكله وخزات الضمير حين يفكر ملياً في مألات الاوضاع من حوله . في الآن الوقتي القاسي و ما وراء المجهول الساكن في غياهب مقبل الايام والمستقبل المجهول . حين تلتفت يميناً و يساراً و تبصر الاطفال القصر في برائتهم مشردين . مطرودين بلا مأوي يهيمون في الطرقات علي وجوههم بلا معين بلا أمل او رجاء بلا مصير لا حاضر ومستقبل . تعذبك جداً صور تلك الامومة المغتصبة من الطفولة المسروقة خاصة الفتيات الصغيرات اللائي صرنا امهات قبيل النضج اللائي خطف منهن الطفولة حياة قبل الاوان . وانت تري تلك الامومة المشردة تهوم هي حائرة محتارة تزحف لاهية في الازقة و الطرقات أن تري طفلة تحمل في جحرها طفلاً . قاسية جداً ان نري ألأمهات الاطفال تحملن علي اكتافهن أطفالاً اخرين . هذه الصور الكئيبة المتشحة بحزن الوجوه تكسوها رث الثياب مرتدية الخرق البالية المتسخة بالاوساخ و القاذورات التي تكاد تزكم الانوف . يستفزك عجزك وانت تري تلكم الامومات المبكرة أتت قبل اوانها تحمل همومها الطفولية بجانب هموم اطفال اخرين كتبت لهن دون أرادة او بجرم غصباً عنهن . ان تحمل طفلة طفلاً كأم وهي لاتدري كيف اتي او من الذي جاء به لها ولا كيف جاء هذا وتم وصار ؟ عندما تجد نفسك تقف امام عجزك وقلة حيلتك اذ لا حول لك . فقدرة يديك مشلولة مقصرة عن مد العون حتي و لو بمسح تلك الدموع المنسابة علي الخدود و الوجنات المشوهة بالالام و المرارات جراء البؤس و الشقاء و التعسف . يحرجك نداءات الاطفال المتسولين الشحادين يجرون خلفك يمسكون بتلابيبك وانت تحاول الفكاك منهم زجراً و تعيفياً و قسوةً . يبكيك ضميرك الصارخ داخلك في صمت وتخونك العبرات والعواطف العصية تتبلد فيك تحاول مسرعاً وضميرك يأنبك . فتقف وأنت عاجز تجاه اصرارهم الصارخ في وجهك منتظراً ان ينال منك شيئاً ما . هذا المسكين الجائع وهولاء الذين باتو ليلتهم ربما دون عشاء الان بطونهم الخاوية تتنظر الرحمة و تتوسل اللطف او العطف و انت عاجز حتي من الرحمة واللطف فتزجر الله كريم يا ولدي يا بنتي ات أستعطت ان تكرمهم بها . لكنك في كثيرة من الاحايين تبخل حتي بقول كلمة قد تمسح بها دمعة من خد او خدود تائهة تبحث عن كلمة من أب ما او أم تجود بكلمة أبني او بنتي حبيبي حبيتي او حتي أي كلمة من هذا القبيل يفتقرونها كما يفتقرون الخبز والماء . كم يؤلمك جروحهم تنزف في وجهك و انت جامد كالجلمود لا تحرك ساكن . لا حول لا قول و لا طول فتقول الله كريم . نعم الله كريم وحقاً الله كريم يحب الكرام الذي يكرمون الاخرين .وهذا ما جعل يخلق الانسان ليكون هو الاخر كريماً مع إخيه الانسان . و في هذه و تلك كلها تتعزي كثيراً و تتشدد في الروح المعذبة حين تتذكر بعض كلمات و ايات المعلم الاعظم يقول فيها ( انا هو هو الامس و اليوم و الي الابد لا أهملك لا اتركك عيني وقلبي عليك ... أميييين بهذه الكلمات الايات المشجعة المعزية تسترد بعض من أمالك الضائعة وتتشبث ببعض رجائاتك الخائبة الغائبة . فتستجمع بعض من قواك المنهار و فكر قلبك المشلول مستدركاً ما يقوله : انا هو خبز الحياة للجياع .. دعوا الاطفال يأتون اليي و لا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله .. هذا هو الذي عاش كطفل برئ محروماً في بعض الاحيان ليعرف جيداً معني الحرمان في قلوب الاطفال المشردين في كل مكان . فيه وحده تهون كل الصعاب و تتلاشي الالام والاوجاع و تنداح الضعفات والاحزان كلها. فهو حملها كلها علي منكبيه بنفسه في الجلجثة فاتحاً قلبه مفرداً يديه ليحتوي كل العالم بمحبته الابدية الكافية الشافيه الشافعة. كما هو الذي عنده السلوي والسعادة و النصرة الاكيدة . فمعه و في معيته لامكان للقنوط و اليأس او للبؤس والجحود . و كل الذين يأتون اليه لا خوف عليهم و هم لا يحزنون لأنه هو روح الله المعزي . فعلي الضعيف ان يستجمع قواه مستمعاً القول : لا تخف نعمتي في الضعف تكمل ... و للمتشرد التائه في الحق والحياة والروح اسمعه ينادي : في بيت ابي منازل كثيرة والا فأنا أمضي لأعد لكم مكاناً . وفي هذه كلها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا له كل المجد من الان و الي الابد الابدين . أمييين صلاتنا الي الله ان يزيل كل لبس و ان يتم كل ناقص .. ان يفك كل عقدة ويفسر كل كلمة مبهومة و جملة غامضة في المعني الغير مفهوم .. لا شك توجود هنالك اخطاء لاهوتية فلسنا هنا لتفسير علم اللأهوت ... وقد توجد بعض الجلطات الفنية او الركاكة الفنية في اللغة العربية . و هذا ليس ميداناً للتباري و التنافس اللغوي . فحسبنا ان تصل المعني المقصودة من الجملة المفيدة فان تم ذلك تكون الرسالة قد وصلت و القصد عرف و الغاية تحققت بهذا والهدف أنجز . وتلك هي البساطة التي فينا ونحن بالأولي نريدها ان تكون في غيرنا وسوانا كما لنا . بالنعمة المعطاة بالعطية المجانية الموهوبة لكم جميعاً من الله في الرب يسوع المسيح له المجد . أمين. .
الجزء الاول محبة اما انا فاقول : ( لكم أحبوا اعدائكم باركو لآعنيكم ،أحسنوا الي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ) متي 5 : 44 في البدء كانت المحبة في الله ، و كانت المحبة عند الله ، بل كان الله هو المحبة . الله محبة و حين نطق الله بمحبته و عبر عنها عند بدء الكون و الخليقة قال الله : ( نعمل الانسان علي صورتنا كشبهنا ) . فأبدعت القدرة الالهية المحبة ، تلك القدرة المتفردة المتناهية في المجد العظمة . ابدعت في صنع الانسان و تتويجه ملكاً ورأساً علي كل الخليقة . اذ يقول الكتاب المقدس بهذا الصدد : ( فخلق الله الانسان علي صورته ، علي صورة الله خلقه ذكراً و أنثي خلقهم . ثم باركهما الله ) . لقد تشكلت المحبة الالهية السامية حباً سرمدياً تجلت في خلق الله للأنسان في البداية العظمي للكون كله . فبالمحبة خلق الانسان في أسمي وابهي بل أجل واعظم صورة حب ، وهذا التقدير الخاص من الله المحب الذي يعبرعن المحبة الخاصة جداً للأنسان . تلك هي المحبة التي تجلت وأختص بها الأنسان بالتفرد والتمييز في العقل الفكر و المنطق . فبالحب الالهي جبل الرب الاله أبينا أدم من التراب ، و بالمحبة الالهية المتناهية صنع الرب الاله أبينا أدم من طين الارض . وبالمحبة مزج الرب الطين و خلطه بأيادي الحب الماهرة المتقنة وصور الانسان في أبهي وأوجه أجل صور الجمال والكمال . نعم بتلك الروح المحبة السرمدية الازلية الابدية نفخ الله من روح المحبة الكائنة فيه في عذا الكائن الذي اسماه الانسان . بتلك المحبة ايضاً نفخ الله من روحه القدوس نفساً وأخرج من فيه نسمة الحياة التي سكبها في نفس الانسان و صار الانسان نسمة حية . بعد ذلك ظهر أدم في الكون لأول مرة وهو يخطو بخطواته الاولي مجسداً ومظهراً ابداعاً رائعاً جسدته قدرة الله المحبة الفائقة السمو . وكان أبينا أدم الانسان صورة لله يبدو وهو بين باقي الخلائق قمة في الحب والخير بل دليلاً حياً معبراً عن اسمي تجليات تلك المحبة الالهية السامية ابداً لهذا الكائن الفريد المسمي بالانسان. اذاً بالمحبة وحدها خلق الله اوجد هذا الكائن المسمي بالانسان ، وهو الكائن المتفرد والمتميز دون سائر الخلق والكائنات جميعاً . نعم فبالحب والمحبة خلق الله أبينا أدم ليعيش بالحب و للحب وبالاحري ان يعيش ويحيا في ظل دوحة الحب الالهي السرمدي . خلق أدم ليكون نذبراً لله مبشراً ناشراً لقيم المحبة وأول من يدعو لها .أراد الله أن يري أدم دائماً وهو يتغني بالحب و يتباهي سعيداً فخوراً شكوراً جزلاً كما ان يراه وهو رجلاً عظيماً محباً لذات الله. وتلك كانت اولي ايات الله و احساناته للأنسان . و تلك كانت ايضاً اول البيانات التي اذاعها الله عن أعظم المراحم والبركات الكثيرة الجديدة في كل صباح . فمع أشراقات شمس كل يوم جديد يشرق الله بضياء انوار المحبة لهذا الكائن الانسان . واستمرت هذه العلاقة القوية التي لا ولم تفصم عراها القوية القائمة بين الله والانسان أي محبة الله للانسان ومحبة الانسان لله . واستمر الحب الالهي المتبادل بين الله والانسان في جنة عدن . لكن في وقت من الاوقات أخطأ الانسان في حساباته الخاصة لهذه المحبة الالهية الازلية ولم يعطي الانسان حق التقدير لله فيما بعد استهان الانسان بهذه المحبة وقلل من شأنها وأخذ يخطو خطوات متباعد عن الله وعن المحبة يوما بعد يوم . والانسان سمي بالانسان لأنه كان ينسي ويسهو فهو كثير النسيان وربما فيما بعد قليل الاحسان . وهذا كانت بداية الطريق الخطأ الذي سلكه وسار فيه ابوينا الاولين أدكم وحواء وكانت تلك نطة البداية التي بدأت اولاً بخطوات الابتعاد عن محضر الله والسير بعيداً الطيق القيم المستقيم . وهذا هو ايضاً نقطة الضعف التي استغلها الشيطان للايقاع بالانسان في براثنه . فالابتعاعد عن الله ونسيان الانسان لمراحم الله يعد شراً وبالتالي فالاعتماد علي النفس والذات ينسي المرء الاتكال علي الله . ومن محاسن الله اننا لم نفني وبفضل تلك الاحسانات الكثيرة التي يزدريها الانسان هي التي تؤدي احياناً وشيئاً وشيئاً تبرد المحبة في قلب هذا الانسان الي أن يفقدها او يفتقدها . ذلك لأن بكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين !. كان الانسان الاول في الفردوس او في جنة عدن انيساً لله الذي كان يحبه حباً شديداً قوياً عظيماً . لأن الانسان كان في فكر الله الأب منذ البدء بمقدار ما أعطاه ما أختص به من مكانة أعلي وأسمي بل أرفع من الملائكة بمقدار . لأنه لمن من الملاكة قال قط : ( أنت أبني أنا اليوم ولدتك ؟ ) . وايضاً : ( أنا أكون له أباً ، وهو يكون لي ابناً ) ؟ العبرانيين 1 : 5 هذا هو الانسان الذي كان دائماً في فكر الله قبل الخليقة . كان الله الكلمة الذي هو الرب يسوع كلمة وروح من الله الذي كان في الله قبل بدء كل شيئ . كان هذا الانسان الذي أسمه الرب يسوع المسيح في الله وبه كون الله وخلق الكون. وكان هذا الكون خاضعاً له وسيظل دائماً كذلك تحت أمره وسيطرته . فأنه لملائكة لم يخضع الله العالم العتيد الذي نتكلم عنه . لكن شهد واحدُ في موضع قائلاً : ( ما هو الانسان حتي تذكره أو أبن أدم حتي تفتقده . وضعته قليلاً عن الملائكة بمجد وكرامة كللته ، وأقمته علي أعمال يديك . أخضعت الكل له . لم يترك الله شيئاً في العالم غير خاضعاً له أي للانسان . علي أننا الأن لسنا نري الكل مخضعاً له . ولكن الذي وضع قليلاً عن الملائكة ، يسوع ، نراه بنعمة الله لأجل كل واحد . كان الله الأسان الاول أدم عدن وهو في وحدته و غربته ، وكان الله يسلوه و يطيب عشرته و يعزي وحشته بوجود ه وحضوره الدائم معه . الجنة كانت موطن الحب الاول للانسان و مسكن الله معه حيث يقيم و يعيش للحب و بالحب . و كانت الجنة ايضاً موطن القداسة وسماء الحب الذي كان يفيض بعرفان الله لأدم وحواء حتي يعرفوا كل معاني الحب و يقدسونها ، لأن الله محبة . هذا هو الناموس الاول الذي وهبه الله للانسان الذي خلقه الله و اختصه بصفات مختلفة ميزه بها . و مع ان هذا الانسان كان في صور الله نفسة كان أقل درجة وادني مرتبة من الملائكة ، فقد أحبه الله اكثر منها و تلك كانت ارادة الله . الملائكة هم خدام الله المسبحين له في هيكل قدسه . الا ان الانسان قد حظي عند الله بمقدار أسمي من الملائكة بمكان ما جعل له من مكانةً في شحص الرب يسوع المسيح. هذا هو الامر الذي جعل الابليس الذي كان ملاكاً او رئيساً للملائكة الذي تمرد علي الله بحسب كبريائه و تطلعه للرقي والارتقاء الي مكانة الله . اما محبة الله للأنسان فهي التي حركت الغيرة في نفس الابليس و دفعته للعمل جاهداً في سعي حثيث للنيل من مكانة الانسان و زحزته منها . الشيطان الذي اسمه ابليس لم يهدأ له بال ابداً مقتنصاً كل الفرص الممكنة و غيرها حتي يسقط الانسان او يجعل يخطيئ فينزله الله من الجنة ويهينه معه في الدرك الاسفل حيث يقيم الان . و كانت الحية أحيل المخلوقات في الجنة . و كانت المرأة أمنا حواء في وقت من الاوقات تذهب لوحدها بعيداً عن الله وعن أدم رجلها . وهذه هي نقطة الضعف التي استغلها الابليس الشرير . بينما كان ابليس الذي عاش بعيداً عن الله قد تميز بالدهاء والمكر وابتكار كل الأساليب الماجنة في الغش و الخداع و النفاق . تلك كانت سمات الابليس و مهاراته . ولا غرابة انه كرسها بجملتها للأيقاع بالانسان في الشر . عمل الشيطان جاهداً علي اقتناء واقتناص الفرص المواتية للنيل والثأئر لنفسه من هذا الانسان الذي أحبه الله وكرمه عليه . فكان يقتنص فرصة الانقضاض علي الانسان و من ثم الاقتصاص منه وجره معه الي الهلاك وبئس المصير . في تلكم الايام كانت أمنا حواء تتتجول لوحدها وبمفردها ذات نهار بنواحي شجرة معرفة الخير و الشر . و شجرة معرفة الخير والشر هذه هي الشجرة التي قال الله للأنسان بالابتعاد عنها وعدم الاقتراب منها . وكلم الله الانسان بعدم أكلها محذراً أدم بقوله له بوصية مشددة تشبه القسم المغلظ : ( و أما شجر معرفة الخير و الشر فلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ) . تكوين 2 : 17 كانت الوصية اعلاه هي الأمر بالنهي والتحريم الاول والوحيد من الله للآنسان . وكانت بالاحري عبارة عن تجربة و اختبار او امتحان شفوي مكشوف لأثبات مدي خضوع و طاعة الانسان لأرادة الله . لكن من الجهة الاخري كان الشيطان علي أهبة الاستعداد لأنتهاز الفرصة الثمينة حتي يتمكن من أصطياد الانسان . وكان الابليس يترقب كل يوم ويراقب باحثاً عن الفرصة المواتية ولأجل هذا دأب علي التجوال ةبأستمرار وهو يراقب حواء من بعيد . ممنياً نفسه ان تكون حواء في يوم من الايام منفردة لوحدها . وفي ذات نهار كان الشرير يتمشي في تلك الأتجاهات القريبة من نواحي وسط الجنة وبالقرب من الشجرة المحرمة . وكانت حواء تسير بذات الاتجاه نحو شجرة معرفة الخير والشر . وفي يوم من الايام تقابل الاثين عند الشجرة وكان كل واحد منهما يتوجس خوفاً من الاخر . فدنت الحية بخبثها المشوب بالمكر من حواء بالتحية الشيطانية الغير محمودة العواقب . فأجابتها حواء بمثلها وهي تكاد تتراجع الي الوراء لتهرب من الشريرة الماثلة الان أمامها . الا ان الحية طمأنتها بأسلوبها الماكر لتتوقف حواء ومن ثم يدور بينهما حديث و حوار طويل انتهي بالسؤل التالي المباشر من الحية لحواء . وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله . فقالت للمرأة : ( أحقاً قال الله لا تأكلان من كل شجر الجنة ؟ ) . فقالت المرأة : للحية : ( من شجر الجنة نأكل ) . أما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلان منه و لا تمساه لئلا تموتا ) . فقالت الحية للمرأة : ( لن تموتا ! بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما و تكونان كالله عارفين الخير و الشر ) . تكوين 3 : 1 -5 لم تستنكر حواء كلام الحية ولم ترفضه لأول وهلة بل ذهبت بعقلها وتفكيرها بعيداً حول لماذا حرمهما الله من أكل هذه الشجرة بالذات دون سائر أشجار الجنة . وهذ ما جعلها تشك في نوايا الله بل ذهبت بتفكيرها بعداً أكثر وشوطاً اكبر و لم تعد تصدق كلام الله ولم تظل تتمسك به بشدو وصرامة . لذلك تقدمت حواء ببضع من الخطوات الجريئة نحو الشجرة وهي تتأملها بأعجاب . بينما كانت الحية تراقب عن كثب كل حركات حواء و تقرأ في عيونها مدي نجاح خطتها الجهنمية الشريرة . ضربت حواء بكلام الله أرض الحائط وصارت أكثر تجاوباً وأذعاناً لكلام الحية و صدقتها وبانت في وجهها ابتسامة شبه صفرا. لكن الحية تلقفت تلك الابتسامة بفرحة غامرة والنشوة تبدو علي محياها . وهنا ردت الحية علي ابتسامة حواء بأبتسامة أكثر اشراقاً تعبيراً منها علي ما أقدمت وأنجزت من خطوات في طريق نجاح خطتها . أرتاحت حواء تماماً من فكر وكلام الحية فأقتربت أكثر فأكثر من الشجرة حتي كادت ان تمد يدها لتلامس الثمار التي بدت جميلة شهية للنظر ، هذا لو لا انها شعرت بشيئ ما يسحب يدها الي الوراء . هنا توقفت حواء لبرهة من الزمن لكنها في هذه االلحظة بدأت أكثر حماسة وجرأة وبالتالي اقتربت كثيراً من الشجرة و أخذت تحدق فيه ملياً مأخوذة بجمال ولذة ثمارها التي جعلت لعابها تسيل ! يقول الكتاب القدس في سفر التكوين: فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل ، وانها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر . فأخذت من ثمرها و أكلت . وأعطت رجلها ايضاً معها فأكل . فأنفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين . فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مأزر . تكوين 3 : 6 – 7 في تلك الاثناء التي مدت فيها حواء يدها الي الشجرة لتقطف من ثمرها و تقربها من فمها وتقضم منها . توارات الحية خلسة و اختفت عن المشهد تماماً تاركة حواء لمصيرها المجهول . أخذت حواء من ثمر الشجرة وقامت بأكلها وكانت تشعر بالنشوة واللذة بأكل الثمرة المحرمة ضاربة بكلام الله أرض الحائط كما قلنا . كانت تلك اللحظات هي اللحظات التي توارت فهيا الحية من مسرح العبث كما كانت هي ذاتها اللحظات التي حضر فيها أدم الي مكان الشجرة حيث كان يبحث عن حواء ليجدها هنا . وصل أدم للتو ليجد حواء في قمة نشوتها وهي تقضم الثمرة الحلوة الشهية اللذيذة بلذة الشر والخطيئة . أحس أدم هو الاخر بالنشوة واللذة وسال لعابه ايضاً وأشتاق ان يأكل من الثمرة التي قال الله لهما : ( ان لا تأكلا منها ) . أنخدع أدم وضل وتاه هو الاخر ولم يتذكر وصية الله له حتي يعطي نفسه وقتاً كافياً يفكر فيه في كلام الله المشدد لهما بعدم الأكل من هذه الشجرة . فقد بدت حواء وهي تمد يدها لتقطف من الثمرة وثم تمده له بروح الحب من الحميمة والحنان والرقة بدت حواءفاتنة وأكثر سحراً وجمالا وسحرت حواء بسحر جمالها قلب أدم الذي بات ضعيفاً في وجه الاغراء الأثم . انجذب أدم أكثر من حواء وضمها الي حضنه وعانقها وقبلها قبلات الحب الاول لعريس وعرسته في ليلة الدخلة . وبدأ أدم المغرم بعروسته كما لو ان مس من الشيطان قد أصابه فجأة ليندفع نحو حواء مجددا وهي تقطف الثمرة الشهية من الشجرة بيدها اليمني وتمده له ويبدأ هو في أكلها بلذة الشهوة الأستمتاع بالخطيئة . ولم يكن أدم في الحالة التي كان فيها من سكرة الحب أحسن حالاً من حالة حواء وهي تنظر الي ثمرة الشجرة الشهية البهية للنظر، عندما سال لعبها وقطفت وأكلت . فقد بلع أدم لعابه وريقة وأخذ الثمرة من يد حواء وهو في سكرات المحبة والحب والجوي . وكما يقولون : (و من الحب ما قتل ! ) . بهذا كسر أدم وحواء أول قانون ووصية المحبة الالهية التي هي رباط الكمال . أختار أدم وحواء حرية الموت بمحض ارادتهما الحرة بالأنصياع الكلي الكامل لكلام الشيطان الذي جاء في صورة الحية الماكر عدوء الخير. بهذه الصور الملونة جاء الابليس متلبساً وهو يقول : ( لأدم وحواء أحقاً قال الله ؟ ) و بكسر أدم وحواء لوصية الله أصيبت محبة الله الابدية بسهم في صميمها . كما أصيبت العلاقة الناشبة الناشئة بين الله و الانسان في كبدها وجرحت تلك العلاقة الفريدة المتميزة في لب وعمق كيانها . ليصاب الانسان بالمكروه في قلبه وفؤاده ولتصاب قلب البشر من نسل أدم بداء الخطيئة ومن ثم تصاب كل هذه البشرية بجرثومة الخطيئة التي قام بها وأرتكبها هذا الانسان أدم المسمي بالانسان الاول . لا بل استطاع الشيطان ان يخرب ويدمرت المحبة تماماً بعد أن أصابها في مقتل الذي هو الحكم بالموت الابدي . وأوصي الرب الاله أدم قائلاً : ( من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ) . تكوين 2 : 16 - 17 وهنا نري أن حواء لم تكتفِ بالعصيان والتمرد ضد الله لنفسها لكنها ، اغرت بعلها وزوجها وحبيبها أدم و أعتطه من الثمر و أكل . كما أن أدم هو الاخر انخدع وانجذب نحو محبته وطاعته العمياء ، انخدع أدم وانجذب وراء كلام حواء أكثر من محبته وطاعته لكلام وأوامر الله . و بالتالي اكتمل عصيان الانسان وتمرده لكلام ووصية الله . وبهذا العصيان وعدم الطاعة والخضوع الكامل لأرادة لله استحق الانسان الدينونة والحكم بالموت . لأن أجرة الخطية هي الموت . وأما هبة الله فهي الحياة الابدية بالمسيح يسوع ربنا . من الباب الذي أخرج الشيطان الانسان الي خارج دائرة محبة الله . من هنا ومن هذا الباب جاءت وأتت هبة الله التي أظهرها في حبه ومحبته الازلية للأنسان . تلك المحبة التي أظهرها الله في ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا . شاء الانسان بكامل ارادته الحرة واختار ان يشتري ما اشتهي قلبه و تمني من تجارة و بضاعة الشيطان الكاسدة . و كان أكل الانسان للثمرة المحرمة الثمن الغالي و الكلفة الباهظة جداً . وكان الثمن الغالي هو ان الانسان رفض وصية الرب الاله و استجاب لهوي الشيطان و انخدع لكلام و حكمة الحية الرقطاء و خبثها . وبتلك الخطية و الشر و الاثم الاول ورفض الانسان لكلام الله الذي يعني رفضه لمحبة الله . سار الانسان و ذهب بعيداً عن الطريق الذي خطه الله ورسمه له . وكان الانسان يسير في هذا الطريق الخاطيئ يوم بعد الاخر مبتعداً من الله يوماً بعد يوم ليصير في نهاية المطاف اكثر قرباً بأتجاه الشيطان عدوه عدو الله وعدو كل خير . ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين هم تحت الناموس لننال التبني . وازاء فشل الانبياء في تحقيق أرادة الرب الاله ولكونهم بشر ومن نسل أدم . كان كل الانبياء خطأة كسائر البشر من ابناء أدم كانوا معرضين للخطئية والسقوط في المعاصي ايضاً . وهذا ما جعل الله ان يختار الحضور بذاته الالهي الي العالم اختار الله بنفسه ان يأتي الي العالم في شخص ابنه الوحيد الرب يسوع المسيح الفادي والمخلص .وأختار الله مريم العذراء الام العفيفة الطاهرة النقية الوفية اناءاً وأماً للرب يسوع . هذا بحسب وعد الله ان يأتي المسيح المخلص من نسل المرأة . وفي مريم ومن خلالها تمت عملية التجسد كما يقول يوحنا البشير . في انجيله عن المسيح ( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله . هذا كان في البدء عند الله . كل شيئ به كان ، وبغيره لم يكن شيئ مما كان فيه كانت الحياة ، والحياة كانت نور الناس ، والنور يضيئ في الظلمة والظلمة لم تدركه ) يوحنا 1 : 1 – 4 . ويمضي يوحنا قدماً ليبين كيف تواضعت الكلمة وتنازلت صارت الكلمة انساناً . قائلاً : ( والكلمةُ صار جسداً وحلَ بيننا ، ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الأب مملوءاً نعمةً وحقاً ) . يوحنا 1 : 14 نعم ، فالله الاب لم يره أحد قط ولكن الأبن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خبر . ففي المسيح كملت وأكتملت وعود الله الصادقة الامينة لكل الجنس البشري. وفي المسيح ايضاً تمت وعود وعهود الله الصادقة الوفية التي تكلم بها بالانبياء والرسل قديماً وهذا ما جاء في سفر العبرانيين : ( الله بعد ان كلم الاباء بالانبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الايام الاخيرة في أبنه ، الذي جعله واثاً لكل شيئ ، الذي هو بهاء مجده ، ورسم جوهره ، وحامل كل الاشياء بكلمة قدرته ، بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الاعالي ، صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم . سفر العبرانين 1 : 1 – 4 وبالمسيح فاضت محبة الله الازلية وغطت كل أرجاء المعمورة من أقصي الكون الي أقصاها . لتعم كل الامم في كل العالم دون استثناء وتمييز . فالمسيح هو النبع الحي ومصدر الحياة الابدية الاول والاخير . وقد جسد يسوع هذا الحب والمحبة الالهية في حياتة الارضية بكل حذافيرها وهو طفل صغير يعمل مع يوسف النجار زوج أمه مريم في دكان نجارته . وحين صعد به مريم ويوسف الي الهيكل وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره . نراه كيف جلس بين الفرسيين والكهنة والمعلمين والقادة ومعلمي الشريعة والناموس يحاضرهم ويحاورهم ويفتي لهم . وكان أبواه يذهبان كل سنة الي أورشليم في عيد الفصح . ولما كانت له أثنتا عشرة سنة صعدوا الي أورشليم كعادة العيد . وبعدما أكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم ، ويوسف وأمه لم يعلما . واذ ظناه بين الرفقة ، ذهبا مسيرة يومٍ ، وكانا يطلبانه بين الاقرباء والمعارف . ولما لم يجداه رجعا الي أورشليم يطلبانه . وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل ، جالساً في وسط المعلمين ، وهو يسمعهم ويسألهم . وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته . لوقا 2 : 41 – 47 ولما أكمل يسوع هذه الأقوال بهت الجموع من تعليمه . لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة , متي 7 : 28 – 29 وخلاصة تعاليم الرب يسوع المسيح التي جسدها وكرسها في ن الموعظة علي الجبل . فكيف لا يتعجبوا ويندهشوا مستغربين ! . لذلك كانت الجموع تتبعه والحشود الاف ربوأت ربوات كانت تسير خلفه لتسمع تعاليمه . تلك التعاليم التي ظلت وستظل وتبقي واحدة من أعظم التعاليم التي سمعتها الاذان البشرية علي الاطلاق . لأن المسيح في الموعظة علي الجبال عالج بالمحبة كل القضايا البشرية الأكثر أثارة للنزاعات و الصدامات والعداوات والحروب . كما عالج خلالها مشاكل الافراد والجماعات وصالح بها مشكلة الانسان الشخصية مع نفسه ومع أخية الانسان . وتطرق وولج الي لب المشاكل الاسرية بين الازواج وبين الاباء والابناْ وكل ما يتعلق بها . وهنا نري كيف تمت وأكتملت وعود الله التي أخبر بها الأباء والانبياء قديماً . لآنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً وتكون الرياسة علي كتفه ن ويدعي عجيباً مشيراً ، إلهاً قديراً ، اباً ابدياً ، رئيس السلام ، لنمو رياساته ، وللسلام لا نهاية علي كرسي داود وعلي مملكته ، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر غيرة رب الجنود تصنع هذا . اشعياء 9 : 6 – 9 حسب هذا الوعد العظيم جاء الرب يسوع المسيح أبن الله الاب ليعلن مجدداً ان محبة الله لا تسقط ابداً . وهذا اشبه بذاك و حين أتي الله المحبة و نادي بصوته العذب الشجي عند هبوب ريح النهار ، كانت الحية قد اختفت عن مسرح الحدث . تركت الحية الانسان المتمثل في أدم و حواء يواجهان لوحدهما المصير المجهول . واكتشف ابوينا الاولين لأول مرة بأنهما عريانيين خجلين من انفسهما الواحد من الاخر . لم يكتشف أدم و حواء بأن أعينهما قد انفتحت و انهما قد صارا عالمين كالله عارفين الخير و الشر . لكنهما نظرا الي بعضها بعيون مختلفة اظهرت عورتهما و تبينت القباحة و الشناعة في منظر الواحد منهما امام الاخر . بهذا الشكل الجديد العاري السافر المخجل خجلت حواء من أدم و استحي ادم من حواء . بل ان عري المحبة التي كانت سائدة بينهما من قبل فضحت وتعرت وتغيرت و احتاج كل منهما الي غطاء و حجاب وسترة يستره من عريه وقبحه في وجه الاخر . أحتاجوا الي ستر الله وغفرانه . وهذا ما تم بموت الرب يسوع المسيح الكفاري علي عود الصليب . هكذا أحب الله العالم حتي بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية . يوحنا 3 : 16 . ( هل تنسي المرأة رضيعها فلا ترحم أبن بطنها . حتي هؤلاء ينسين ، وانا لا انساك ) . اشعياء 49 : 15 و بالمحبة الغنية جداً في المجد صلي الرب يسوع المسيح الي الله الاب صلاة المحبة . تلك الصلاة التي طلب فيها من أبيه السماوي بأن يحفظ أحبته الذي أحبهم في العالم ان يحفظهم من الشرير . وهذا هي صلا الرب يسوع لأجل المؤمنين في كل العالم وفي كل الازمنة قائلاً : ( أيها الاب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا . لينظروا مجدي الذي أعطيتني ، لأنك أحببتني قبل أنشاء العالم . أيها الاب البار ، إن العالم لم يعرفك ، أما أنا فعرفتك ، هؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني . وعرفتهم أسمك وسأعرفهم ، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به ، وأكون أنا فيهم ) . يوحنا 17 : 24 – 26
فـرح أفرحوا في الرب كل حينِ وأقول ايضاً أفرحوا . فيلبي 4 : 4 أفرحوا لأن فرح الرب هو قوتكم ويسوع المسيح سر نصركم . الانسان مدعو من الله للفرح والابتهاج ، لأن الفرح صفة انسانية بحتة بل هي من أميز العطايا التي ميز بها الله الانسان . وعطية الفرح تعبر عن الشكر والحمد والرضي وهي حالة السرور والانتشاء . وللتعبير عن الفرح اشكال والوان وطرق كثيرة متعددة تختلف من شخص الي أخر . ابتسامتك في وجه أخيك ليست صدقة فقط بل هي فرحة تغمرك أنت أولاً ومن تفيض لغمر الاخرين بفيضه . الضحك كأعظم مظهر وأقوي تعبير عن الفرح انا أضحك ، اذا انا أنسان لأن الحيوانات لا تضحك . أنتم هنا مدعون للفرح ، فأضحكوا تشفوا وتصحوا وتعمروا في الارض كثيراً لا بل طويلاً ! . حين فرح الله وأبتهج في ملكوته السماوي أتته فكرة خلق الكون والطبيعة والانسان ... وخلق الله الانسان وأوجده في جنة عدن بعد ان أعد وجهز له كل الاسباب والمعينات التي تساعدة تدعوه للفرح والابتهاج والانشراح . فجنان الفردوس وحدائقها الغناء بسحر جمالها من الاشجار الخضراء الورود والزهور الزاهية الجميلة بطيف الوانها المتنوعة . السماء الصافية بلونه الازرق ، السحب والغيوم والامطار . الانهار والبحار والمحيطات ، الجبال والتلال والروابي السهول والوديان . الماء والخضرة والوجه الحسن كلها أشكال وأسباب لفرح الله الذي أعده ليفرح بها هذا الانسان . فقد عمل الله وأعد كل هذه الاشياء وغيرها الكثير المثير الخطرة ، كلها أوجدها لأسعاد أدم وابتهاج وفرح كل ابناء أدم . وهذه كلها أوجدت ليجد أدم نفسه فيها وليعملها يستمتع بها ويسعد ويفرح ويتغني ويبتهج . الا ان كل هذه واكثر منها لم تسر او تفرح قلب أدم ولا اسعدته تماماً . وظلت فرحة أدم ناقصة ولم يجد ضالته حتي يكتمل سروره تماماً . ظهر هذا جلياً عندما استعرض الله الحيوانات البرية في مهرجان ومحفل وكرنفال كبير جداً وشهير . ذلك حين جعل الله تلك الحيوانات تسير أمام أدم وكل حيوان ذكر كان يسير مع أنثاه جنباً الي جنب أمام أدم . وطلب الله من أدم أن يسمي الحيوانات بأسمائها ، وكان أدم بمثابة أب ورأعي ومالك لكل هذه المخلوقات التي خلقها الله وأوجدها خصيصاً له . وبالتالي كرم الله أدم خير تكريم وطلب منه بأن يشاركه وأن يكون شريكاً له في الكون . دعا الله أدم وطلب منه بأن يختار الاسماء لكل الكائنات والمخلوقات . فسمي أدم ودعي كل حيوان بالاسم الذي دعاه وأطلقه عليها أدم . فهل يمكن ان تري وتتخيل الغزلان المختلفة تسير مع أناثها وهي تغازلها بحميمة أو تري الحمائم مع الحمامات تهدل والخيل تصهل والضفادع تنيق والعصافير وبلابل الطيور تشقشق وتغرد . وكذا كل الحشرات الطيور والحيوانات المختلفة تعانق أناثها برقة ولطف وتنسجم الاناث مع الذكور وتتبادل الحميمية والغزل في شراكة تتناغم فيها الالفة وعشقاً و حباً ومحبة معبرة عن الفرح والسرور والسعادة والانسجام. وظل أدم الذي بدأ مضطربأ حيران وهو يطلق الاسماء والنعوت علي الحيوانات والطيور وحتي علي الحشرات . السنوسة وجدت لها زوجا ، حتي الفراشات الهائمة فوق زنابق الحقول تمتعت برفقة أناثها . لكن أدم ظل وحده وحيداً بلا رفيق ولا أنيس من جنسه يسامر وحشته . ظل أدم منذ الصباح الباكر هكذا يدعو الحيوانات بأسمائها في ذاك الكرنفال الذي كان بهيجاً وسعيداً مبهجاً للكل . فكل الذكور كانوا يعتزون بأناثهم فخراً ، زهواً ، يتبخترون أنظر كيف سارالطاؤوس ومشي بجانب زوجته بكبر وخيلاء . وهذا ما زاد من حنق وغيظه وأثاره أكثر وابتدأ أدم يكتئب فأغتم وحزن وتغيرت ملامح وجهه . أخترقت الغيرة جدار قلب أدم ونفذت الي روحه وكادت ان ترديه صريعاً قتيلاً . نعم أكتئب أدم جداً وحزن قلبه لسوء حاله وحال مأله لأنه كان وحيداً في جنسة وبين سائر المخلوقات أنيساً يناجيئ غربته ولم يجد بجانبه يسره ويأسر قلبه في وحشته او يأنس وحدته . وفي المساء نظر الله الي أدم ووجده كئيب حوين مغتم بأئس يأس اذ صار أدم الان ليس بأدم الامس ولا أدم أول الامس . ذاك الذي كان منفتح القلب لله أضحي اليوم أنسان كئيب حزين مكفهر الوجه مكسور الخاطر. عرف الله العارف والعالم بالسرائر والمعلنات عرف كل ما كان يدور في خاطر وفكرأدم وكل ما كان يجول في خلده ويخطرفي باله . وقال الرب الاله ( ليس جيداً ان يكون أدم لوحده ، فأصنع له معيناً نظيره ) . فدعا أدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية . وأما لنفسه فلم يجد معيناً نظيره . فأوقع الرب الاله سباتاً علي أدم فنام أخذ واحداةُ من أضلاعه وملأ مكانها لحماً . وبني الرب الاله الضلع التي أخذها من أدم أمرأة وأحضرها الي أدم . فقال أدم : ( هذه الان عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تدعي أمرأة لأنها من أمرءٍ أخذت . لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرته ويكون الاثنين جسداً واحداً . تكوين : 18 - 24 رأي أدم أمرأته حواء الحسناء الهيفاء الجميلة وفرح قلبه وسرت نفسه بها وأبتسم في وجهها أبتسامة عريضة اعادت له الروح والحياة . لحظتها أنداحت عن أدم روح الكأبة والحزن والأسي، ومن ثم فاضت نفسه وقلبه بأيات الحب والعشق والهوي الاطمئنان والرضي . وكان ذلك اليوم وذاك الحدث بمثابة عقد أول قرأن بين أول رجل وأول أمرأة . بل كان أول أعلان واشهار من الله بأن أدم وحواء قد صارا زوج وزوجة . وتلك المراسيم الغير مسبوق جرت علي يدي الله الاب الكاهن الاعظم الله الخالق والمبدع الرائع فاطر السماوات والارض . كان فرح أدم بحواء فرحاُ غامراً طاغياً فرحت به كل الاكوان وصفت بالتهليل مسبحة الله معه . ولاشك أن الملائكة كانوا حضوراً مشاركة في تلك الافراح ، هذا لآن الملائكة خدام تفرح دائماً بفرح الانسان . كانت مناسبة زواج وعقد قرأن أبينا أدم وأمنا هواء أول بداية لبدايات الافراح والمسرات كلها . وظل فرح أدم بحواء فرحاً كاملاً غامراً طاغياً اثارت في نفسه الشجون واللوائج الكامنة وكل الاحاسيس والمشاعر المكبوته . كما أيقظت فيه العواطف والغرائز الساكنة فيه وهذا ما استنطقه قائلاً : (هذه الان عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تدعي أمرأة لأنها من أمرءٍ أخذت ) . وهذه أول بيت شعر غزلي من قصيدة حب طويلة نظمها وأنشدها أبينا أدم المجنون الأول بكؤوس الغرام والعشق والهيام والحب السرمدي والفرح الابدي. وقدس الله فرح أدم بارك اول سر للزواج ذاك الزواج تم اولاً في جنة عدن ، قبل ان يدخلها الابليس في صورة الحية فيلطخها بوزر الشر والخطيئة . فأرداة الله للأنسان وقصده الازلي هو ان يكون الانسان دائماً أنساناً محباً وفرحان . أرادة الله هي ان تدوم للانسان المسرة والبهجة والسلامة بطول الايام . ومشيئة الله فيما بعد ان يكون للناس فرح دائم مع الله الاب الخالق السماء والارض . وأن تكون الافراح المستدامة هي القاسم المشترك في هذا الكون بين جميع بني الانسان دون من او أذي وبلا زيف وكذب ورياء . عملت مشيئة الله جل جلاله وعلت قدرته علي انماء تلك المقاصد العظمي وعمل دائماً لأجل مسرة هذا الانسان وفرحه. لأن بفرح الانسان يسرالله وفي فرح الله تكمن قوة الانسان . والله لا يسر ابداً ان يري الانسان في شقاء وبؤس كما لا يسره موت هذا الانسان في الخطيئة وبؤس المصير . لأن الله يصرح معلنا في مكان ما قائلاً : ( لذتي مع بني أدم ). وستظل دائماً كل مناسبات ودعوات الاعراس والزواج هي أعظم مناسبات الفرح لدي الانسان . فلا فرح بين البشر أعظم من العرس والزواج كما اشرنا . فتقاليد الاعراس ومراسيم الزواج تكاد تتشابه وتتطابق عند كل البشر في كل زمان ومكان . فمناسبات الأعرس والزواح تعد لها اعدادأ مبكراً ويكرس لها كل الجهود المادية والمعنوية . لابل يتم استنفار كل الطاقات وتوجه وتصب في قالب وماعون اتمام أفراح عقد الزواج فكل شاب وفتاة يحب ويتمني أن تكون مناسبه عرسه وزواجه وعقد قرأنه من أجمل المناسبات الي تخلد ذكرياتها في الوجدان . ولا فرق في الشعور والاحساس بافراح الاعراس بين طبقات المجتمعات من فقراء وأغنياء لأن قاسم المناسبة المشترك هو الفرح . الفرح أحساس وشعور عاطفي عام ولا فرق في التعبير عن فرح الانسان الفقير المعدم من أحاسيس ومشاعر أخيه الانسان الغني الثري الموسر . ذلك لأن ألأحاسيس والمشاعر بالاساس نابعة من القلوب والافئدة وليس من الامكانيات المادية والمظاهر الخارجية . وقد تلعب الموارد البشرية دوراً ايجابياً او سلبياً ويبقي معني الفرح والاحساس به واحد . فليس للفرح لون معين من الناس والبشر خصصت لهم الافراح حصرياً . الفرح عطاء الهي وهبة ربانية قسمت بين الكل ليتمتعوا بها وفق ظروفهم وأوضاعهم وأحوالهم في الزمان والمكان المحددين . ودعوة الله بان يتوب الناس ويرجعوا اليه هي الدعوة الي الفرح والمسرة بين الله والناس كما بين الناس فيما بينهم . الله هنا يدعو وينادي البشر لحياة الصفاء والنقاء ويتكلم الينا ويدعونا الي الخير فالكل مدعوين ان يأتوا الي وليمة الفرح الكبير العظيم في عوالم الله ودنياواته الجميلة . يريد الله ان يقبل اليه جميع الباحثين عن السعادة والبهجة والسرور والفرح . وأما كل الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطاناً ان يصيروا أولاد الله أي المؤمنين بأسمه . يوحنا 1 : 12 . والدعوة لقبول الله هي دعوة المفتوحة والمتاحة للجميع في وقت مناسب كما في كل الأوقات الغير مناسبة . فهل تسمع ما يقوله الروح القدوس للجميع وأنت واحد منهم ؟ تعالوا اليئ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال ، وانا أريحكم , أحملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم . لأن نيري هين وحملي خفيف . متي 1 : 28 30 هذه هي فرح الروح والنفس انها الفرحة الراحة النفسية الروحية الوجدانية التي يجدها الانسان في الله هي الراحة الكاملة الشاملة للمحبة والفرح والسلام مع الله . والفرحة مع الله هي التي تغذي العقل والفكر والضمير فيعيش الانسان في رضي الله مرتاح قريرالعين هانيئها .وبالتالي يستطيع المرء ان علي ما يحتاج اليه من اسباب الفرح و السعادة و السرور هو السلام الدائم مع الله ذاك السلام والفرح الحقيقي الذي يفوق كل عقل . والله هو الفرح وكل من يقبل الله سيجد الفرح وسيفرح في كل حين . يقول بولس الرسول في رسالته الي أهل فيلبي : (أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً أفرحوا . ليكن حلمكم معروفاً عند جميع الناس . الرب قريب . لا تهتموا بشيئ ، بل في كل شيئ بالصلاة والدعاة مع الشكر ، لتعلم طلباتكم لدي الله . وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع . فيلبي 4 : 4 - 7 منذ القديم وقبل الاف السنين أرسل الله الرسل والانبياء وأوفدهم يدعون الناس الي ولائم ومناسبات الأفراح مع الله . تلك المناسبات التي يدعو الله فيها الانسان كانت ولا تزال تحمل في طيأتها ان يعيش الانسان في الفرح الكامل مع الله و مع إخية الانسان في سلام . والسلام هو أس واساس الافراح جميعها وحيث لا سلام يتراجع الفرح الي الوراء ويتقهقر ويتلاشي . كما ان الخطيئة وألأثم ايضاً تعد من أكبر منخثات الفرح لأنها تسبب الحزن والاسي والندم وهذه تقتل الافراح في النفوس وتوؤدها في مهدها . الان نعرف وندرك جيداً ان أرادة الكاملة لهذا الانسان كانت مغاييرة ولا تزال مغايرة لأرادة الانسان في الحياة . هذا لأن أرادة واتجاه قلب الانسان كان دائماً ضد أراده الله ومشيئته . أراد الانسان ان يعيش وفق مزاجه الخاص مستجيباً لأهوائه الطائشة ملبياً رغبات قلبه وغرائزه البهيمية الحيوانية المتفلتة والغير منضبطة . فالانسان دائماً ما يوجه بوصلته ضد الاتجاه الذي يسير وفق ومع قلب الله وفكره وأرادته الصحيحة . وستظل البون دائماً واسعاً شاسعاً بين الاثنين الله و الانسان . فطرق الانسان وأرادته لا تقارن بأفكار الله ونياته . فالانسان دائماً رجل ذو رأيين ومتقلق في كل طرقه ، قلب الانسان قلب مضطرب وأرادته متأرجحة قلقة وغير مستقرة ابداً . فأذا قدر ان تقاس فكر الله وطرق مع أفكار ونيات الانسان ، اذا قيست بتلك فسوف لا توجد مقارنة ابداً ولا حتي أن قستها بالسنين الضوئية ان شئت. وهذا ما عبر عنه الرسول بولس قائلاً : ( لآن افكاري ليست كأفكاركم ولا طرقي كطرقي فكما بعد السماء عن الارض هكذا أفكاري عن افكاركم . وكبعد المشرق عن المغرب بعدت طرقي عن طرقكم ) . وكل يزرعه الانسان اياه يحصد ولا يزال الانسان يزرع الزوان في حقول قمح الله فيحصد الزوان . لأن قلب الانسان وجد شريراً كل يوم . اما الرب يسوع المسيح فقد جاء ليكون للناس الفرح بل الفرح الكبير لأنه هو مصدر كل فرح ومسرة وابتهاج . أن دعوات مناسبات الاعراس والزواج هي أسمي أعظم وأعلي قمم الأفراح عند الانسان والناس جميعاً . فقد حرص المسيح علي تلبية كل الدعوات التي قدمت اليه دون استثناء الا من رفضوا ان يدعوه ، فتلك شأنهم ومشكلتهم . كان عرس قانا الجليل أول دعوة قدمت للرب يسوع المسيح وهو في بداية مشوار خدمته الكرازية. وقد لبي الرب يسوع المسيح هذه الدعوة وحضور العرس في قانا الجليل بكل سرور وحبور وشكرا للداعيين . ذلك لآنها كانت فرصته الاولي امام الجمهور . وقد حضر وجاء الناس من شتي البقاع والمناطق المختلفة للمشاركة في هذه المناسبة الكبيرة . وهذا ما جاء عن العرس في قانا الجليل بحسب الرسول يوحنا . وفي اليوم الثالث وكان عرس في قانا الجليل ، وكانت أم يسوع هناك ودعي ايضاً يسوع وتلاميذه الي العرس.ولما فرغت الخمر ، قالت أم يسوع له : ( ليس لهم خمر ) . قال لها يسوع : ( ما لي ولكِ يا أمرأة ؟ لم تأت ساعتي بعد ) . قالت أمه للخدام : ( مهما قال لكم فأفعلوه ) . وكانت ستة أجران من حجارةً موضوعة هناك ـ حسب تطهير اليهود ، يسع كل واحدٍ مطرين أو ثلاثة . قال لهم يسوع : ( أملأوا الاجران ماء ) فملأوها الي فوق . ثم قال لهم : ( أستقوا الان وقدموا الي رئيس المتكأ ) فقدموا . فلما ذأق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً ، لم يكن يعلم من أين هي ، ولكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا ، دعا رئيس المتكأ العريس . وقال له : ( كل انسان إنما يضع الخمرة الجيدة أولاً ، ومتي سكروا فحينئذٍ الدون . أم أنت فقد أبقيت الخمرة الجيدة الي الأن ! ) . هذه بداية الايات فعلها يسوع في قانا الجليل ، وأظهر مجده فأمن به تلاميذه . يوحنا 2 : 1 – 11 وقد شكل حضور الرب يسوع المسيح الي العرس في قانا الجليل أحدي أعظم المعجرات التي قام بها الرب يسوع المسيح ودشن بها كل المعجزات التي قام بها فيما بعد . عندما قامت مريم العذراء بزيارة قريبتها البصابات فرحت اليصابات فرحاً عظيماً وأبتهجت جداً . فرحت اليصابات وغبطت بزيارة مريم المطوبة من قبل الله . وكانت اليصابات المدعوة عاقرة حبلي بيوحنا وهي في شهرها السادس . سبب زيارة مريم الي اليصابات كانت مناسبة لفرح كبير جداً في بيت الكاهن الشيخ العجوز زكريا ففي لحظة دخول مريم علي اليصابات . وهذا وصف الطبيب لوقا البشير لهذه الزيارة المفرحة والمباركة معاً . فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الي الجبال الي مدينة يهوذا . ودخلت بيت زكريا وسلمت علي اليصابات . فلما سمعت أليصابات سلام مريم أرتكض الجنين في بطنها ، وأمتلأت أليصابات من الروح القدس ، وصرخت بصوتٍ عظيم وقالت : ( مباركة أنتٍ في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك ! فمن أين لي ان تأتي أم ربي اليئ ؟ فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني أرتكض الجنين بأبتهاج في بطني . فطوبي للتي أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب ) . لم يقتصر فرح لقاء السيدتين مريم واليصابات عليهن فقط بل أمتدت نشوة الفرح الكبير لتشمل الجنين الصغير في بطن أمه . وكان يوحنا جنيناً صغيراً يتكون ويتشكل في الرحم لكن الفرح لم تسعة الا ان يرتكض ابتهاجاً وفرحاً . فبلقاء العذراء مريم بأليصابات تم اللقاء الاول بين الطفلين يسوع ويوحنا الذين لم يزلا بعد في بطن مريم واليصابات . وكان هذا هو اللقاء التمهيدي للقاءات ستحدث في المستقبل القريب بموجبها سيتم تشكيل وأعادة كتابة كل التاريخ البشري من جديد . فما الذي قاله يسوع فيما بعد يسوع عن يوحنا . وبينما ذهب هذان أبتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا : ( ماذا خرجتم الي البرية لتنظروا ؟ . أقصبة تحركها الريح ؟ . لكن ماذا خرجتم لتنظروا ؟ أإنساناً لابساً ثياباً ناعمة ؟ . هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك . لكن ماذا خرجتم لتنظروا ؟ أنبياً ؟ نعم ، أقول لكم ، وأفضل من نبي . فأن هذا هو الذي كتب عنه : ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك . الحق أقول لكم : لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ، ولكن الاصغر في ملكوت السماوات أعظم منه . متي 11 : 7 - 11 هذا ما قاله الرب يسوع المسيح عن يوحنا المعمدان فما الذي قاله يوحنا المعمدان عن الرب يسوع المسيح . وهذه هي شهادة يوحنا عن الرب يسوع المسيح ، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه : ( من أنت ؟ ) . فأعترف ولم ينكر ، وأقر : ( أني لست انا المسيح ) . فسألوه : ( أذاً ماذا ؟ إيليا أنت ؟ ) فقال : ( لست أنا ) .( النبي أنت ؟ . فأجاب : ( لا ) . فقالوا له : ( من أنت ، لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟) . قال : (انا صوت صارخ في البرية : قوموا طريق الرب ، كما قال اشعياء النبي ) . وكان المرسلون من الفريسيين . فسألوه وقالوا له : ( فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا ايليا ، و لا النبي ؟ ) . أجابهم يوحنا قائلاً : ( انا أعمد بماءٍ ، لكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه . هو الذي يأتي بعدي ، الذي صار قدامي ، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه ) . يوحنا 1 : 19 – 26 والرب يسوع المسيح هذا هو مصدر الفرح الكبير لكل الناس في كل مكان وزمان . وكان يسوع يجول وينادي بالفرح من خلال المعجزات التي قام بها خلال الثلاثة سنين التي قضاها مع التلاميذ كان يصنع وينتج ويصدر للناس الفرح . وكانت كل ألأعمال التي صنعها تتكلم عن نفسها وتعبر عن نفسها فرحاً لا ينطق بها ومجيد . جاء الرب يسوع المسيح بدعوة بالفرح لكل الذين لم يفرحوا يوماً واحداً في حياتهم . لاسيما عندما أطلق تلك الدعوة المفتوحة لكل الجماهير الظامئة لكلمة الحياة قائلاً : ( تعالوا اليئ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال ) وهذه الدعوة هي الدعوة التي فتحت الباب واسعاً لكل الناس من الفئات والطبقات من النساء والرجال والاطفال والشباب والشيب الكهول والعجزة . الجميع هم الان مدعون بلا استثناء من أطفال و شباب وشيببة وكبار السن . وكان كل واحد يحمل مشكلته الي الرب يسوع المسيح لينظر فيها ويحلها له . وقد وجد الجميع كل حاجاتهم واشواق قلوبهم التواقة الي الفرح . وعندما قدموا اليه الاطفال ليلمسهم انتهرهم التلاميذ وابعدوهم حتي لا يقتربوا اليه ويزعجوه . فقال لهم الرب يسوع المسيح : ( دعو الاطفال يأتون اليئ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء الحياة الابدية . واردف قائلاً لهم : ( لا تستطيعوا ان تدخلوا الي الملكوت حتي تصيروا مثل هؤلاء الاطفال ) . وكان المعلم الفريسي الكبير نيقوديموس يعيش حالة من الكأبة والحزن الشديد والشرود الذهني والقنوط وهو اشبه بالانسان اليأس . فجاء نيقوديموس الي الرب يسوع المسيح ليلاً ليجد عنده الراحة والفرح والسلام الذي كان يفتقده . وهكذا رجعت المرأة الزانية التي قدموها اليه حسداً حتي يحكم عليها بالرجم حسب شريعة موسي . رجعت الزانية بعد ان نالت من الرب يسوع المسيح الغفران والفرح والسلام . لأنه قال لها أذهبي بسلام ولا تخطيئ ايضاً . وخير مثال للذين تقابلوا مع الرب يسوع المسيح وهم من المرضي النفسانيون ومن المجانين والمهوسين المتطرفين . من هؤلاء شاول الطرسوسي الذي غير الرب يسوع المسيح ليس اسمه فقط بل حياته كلياً . فبلقاء شاول بالرب يسوع المسيح تغيرت صورتة من انسان متزمت وأرهابي ينشر الخوف الرعب والذعر والهلع بين الناس . لكن شاول وبعد ان تقابل مع شخص يسوع المسيح تحول الي انسان جديد مختلف جداً ، تغير بولس المتسامح مع نفسه والاخرين وخرج لينادي بالغفران وينشر رسالة المحبة والفرح والسلام بين الناس . فلا تستغرب عندما تسمع بأن بولس تلميذ الرب يسوع الجيدد المتجدد يدعوك الي الفرح الذي كان يتلفه قبلاً قائلاً : ( أفرحوا كل حين وأقول ايضاً أفرحوا . ليكن حلمكم معروفاً عند جميع الناس. الرب قريب .لا تهتموا بشيئ بل في كل شيئ بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدي الله . وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم في المسيح يسوع ) . فيلبي 4 : 4 – 7 وقال يسوع عن نفسه انا هو نور العالم . ثم كلمهم يسوع قائلاً : ( انا هو نور العالم . من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل تكون له نور الحياة ) . هذا هو النور العظيم الذي جاء الي العالم وابصره الناس جميعاً لأنه هو نور الله الذي ينير دياجير الظلام والظلمات في كل الكون . هذا هو الذ قال عنه النبي اشعياء : ( ولكن لا يكون ظلام للتي عليها ضيق . كما أهان الزمان الاول أرض زبلون وأرض نفتالي ، يكرم الاخير طريق البحر جليل الامم . الشعب السالك في الظلمة ابصر نوراً عظيماً . الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور . أكثرت الامة ، عظمت لها الفرح . يفرحون أمامك مالفرح في الحصاد . كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة ) . اشعياء 9 : 1 : 3 لكن فرح الله الذي هو قوتنا لا يمكن ان يكون فراحاً كاملاً الا بمولد الفرح العظيم الذي الذي هو الرب يسوع المسيح نفسه. لأن الرب يسوع المسيح هو الفرح ذاته . وسوف لن يبصر الناس ولن يجدوا الفرح الدائم الا في الرب يسوع المسيح . وقد تم وأكتمل هذا الفرح عندما تحققت نبؤة اشعياء التي قال فيها :( لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً ، وتكون الرياسة علي كتفه ، ويدعي أسمه عجيباً ، مشيراً ، الهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام ) .
ســــــــــــــــــــلام ( سلامي اترك لكم سلامي أعطيكم ، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب ) يوحنا 14 : 27 لا يمكن التطرق والكلام او الحديث عن السلام دون ان يخطر ببالك مفردة الحرب . فهل السلام يعني ببساطة عدم الحرب او حالة الهدوء والسكون واللا عراك بالمفهومة العام والعكس صحيح ؟ وهنا يتبادر الي الذهن سؤال مهم جداً لكل انسان كيف نعيش في سلام ؟ . ومن ثم يقفز الي السطح سؤال أخر . وهذا السؤال لا يخرج في جوهره من سياق السلام والحرب اوحالة اللاسلام او اللأ حرب . وفي نفس هذا السؤال الذي يحمل في طيأته الاجابة الشافية قائلاً : ( من أين الحروب والخصومات بينكم ؟ ليأتي الجواب فوراً . أليست من هنا : من لذاتكم المحاربة في أعضائكم تشتهون ولستم تمتلكون . تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون ان تنالوا ، تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون , لأنكم لا تطلبون . تطلبون ولستم تأخذون ، لأنكم تطلبون رديئاً لكي تنفقوا في لذاتكم ) . يعقوب 4 : - 3 . اذا فالسلام ان شئنا ينبع من داخل نفس الانسان ونياته وافكار وأفعاله . عليه قد لا يقتصر مفهوم السلام فقط عند المعني المبسط للسلام كونه حالة اللأ حرب . حتي في حالات السلم والسلام يعيش الكثيرين في حروب مستمرة يشعلونها داخل أنفسهم وقلوبهم . وفي نفس الانسان العمارة بالسوء تنشب نزاعات داخلية في اشكال محتلفة ليس أقلها الغيرة والحسد والحقد والبغضة والكراهية . وعندما تتبلور هذه النزاعات في النفس تفور وتخور وتموج وتثور كالبركان الساكن لتطفح علي السطح نعرات وصراعات من خصومات وعداوت تنتهي الي حروب لا يحمد عقباها . وهذا ما يطالب به كاتب الرسالة الي العبرانيين بأن يتبع جميع الناس السلام قائلاً : ( إتبعوا السلام مع الجميع ، والقداسة التي بدونها لن يري أحدٌ الرب . سفر العبرانيين 12 : 14 كان قايين وهابيل وههما أول ولدين ولدا لأبوينا الاولين أدم وحواء . وما لا شك فيه هو ان أدم وحواء كانا مسرورين فرحين شاكرين الله علي نعمة البنين . رأي ووجد أدم وحواء في قايين وهابيل تعويضاً كبيراً للخسارة التي منيا به بعد الطرد من الجنة . هذا وقد نشأ وتربي الابينين وعاش الأخوين في المودة التي وجدوها من أبويهم وتبادلا المحبة التي رضعاها من ثديي أمهم حواء . تقاسم قايين الاخ الاكبر الفرح والمرح في اللعب واللهو مع أخيه الشقيق هابيل الصغير . في هذا البيت نما وساد جو جميل من الالفة والاحترام المتبادل ومن المودة والصدق والانسجام والاخاء الراسخ . كل ذلك حدث في بيئة وأرض صالحة في تلك الأرض الطيبة والبيت السعيد الذي عاشا فيه مع أبوين كريمين محبين . اسدل الأبوين علي ابنيهما الخير والمعروف وحسن التربية علي الحب والاحترام المتبادل بين الاخوين الشقيقين . وكان الاخوين يخرجان معاً الي الحقول وجدوال المياه حيث المروج الخضراء والزنابق والطيور والعصافير تشدو وتغرد والبلابل تشقشق وتغني وتزقزق والكناري تصدح . وكانا يستمتعان بخرير المياه المنسابة المتدفقة من التلال القريبة ورؤية الشلالات تتدفق كالفنار. تعزي الاخوين كثيراً بشدو الطيور وحفيف الاشجار قبيل ساعات الغروب ، والشمس تودع الكون بقرصها الذهبي الساحر . وفي أناء الليل كانت أسرة أدم وحواء مع ابنيهما قايين وهابيل يقضون الليالي في السمر والأنس وهم يشاهدون القمر والنجوم والكواكب السيارة ليلاً . ولا يفوتنا هنا ان نذكر خروج الاخوين باكراً بمعية الاسرة السعيد عند الفجر مع أشراقة أنوار الصباح والشمس تخرج من حجلتها وهي خجلي فيحيي كل الاخر بتحية الصباح متمنيين الخير لبعضهم بعضاً . فما أبهي الصباح وما أجمل بداية اليوم الجديد حين يجتمع الاسرة معاً بحضورالابوين أدم وحواء عندما يكونا حضوراً برفقة الابناء هابيل وقايين في ألأستقبال والترحيب بكل يوم جديد لبدء الحياة الجديدة معاً . علي هذه الوتيرة السلسة من الالفة والمحبة دأب هابيل وقايين قضاء أوقاتهم وهما طفلين صغيرين ثم صبيين يافعين . وكانت أمور قايين وهابيل واضحة تكاد أن تكون أشبه بالسمن علي عسل ان جاز هذا التعبير . وكان قايين لا يزال يوقر أخيه هابيل ويحبه وبالتالي يحترم هابيل قايين الذي يحترمه ويوقره ويحبه . لكن حدث ذات غروب في يوم من الايام ان تأخر الاخوين كثيراً في الخارج فقال قايين لهابيل : ( هلم يا أخي هيا بنا نسرع الي البيت فقد غربت الشمس ، وها الظلام أخذ في أخفاء معالم الاشجار وأحتواء ظواهر الاشياء من حولنا . هيا بنا قبل ان يقلق ابوينا علينا ! ) . نما وشبا الولدين وكبرا الي ان صار كل من قايين وهابيل رجلين يعتمد عليهما . وبالتالي صار لكل منهما مشغولياته وأهتماماته بل وأعماله الشخصية . الان ها هما قد اضحا رجلان مسئولان ويستطيع كل منهما أن يشق طريقه وان يرسم خططة و يدبر ملامح مستقبله بمفرده . أختار قايين ان يكون مزارعاً يعمل في الزراعة وبذر البزار وفي جني وجمع الحصاد والمحاصيل . وربما الاعتناء بالبساتين وغرس الاشجار والزهور والورود وسقيها . بينما اتجه هابيل الصغير واحترف حرفة الرعي وتربية المواشي من الماغز والاغنام والابقار وسائر الانعام . وكان كل واحد منهم منكب علي عمله مجتهداً مكافحاً باذلاً نفسه في سبيل تحقيق النجاح والتقدم والازدهار لنفسه وأسرته الصغيرة . الي هنا تمكن كل من الاخوين من اتخاذ القرارات المهمة الصعبة في طريق الحياة بالتضحية والكفاح في سبيل النجاح وتحقيق الذات. لاسيما ان الحياة التي حكم بها الله علي أدم وحواء بعد الخطيئة كانت تتطلب منهما التعب والعناء والبذل والاخذ كما تتطلب أيضاً منهما الاستمرار في العمل المضني بالعرق لتوفير الاحتياجات الاساسية لحياة الانسان من مأكل ومشرب وكساء . ولا يخرج هذا من سياق الكلام الذي قاله الله لأدم بعد أن طرده من الجنة بسبب الخطئية . قال الله لأدم : ( لأنك سمعت لقول أمرأتك وأكلت من الشجرة ألتي أوصيتك قائلاً : ( لا تأكل منها ، ملعونة الارض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك . شوكاً وحسكاً تنبت لك ، وتأكل عشب الحقل . بعرق وجهك تأكل خبزاً حتي تعود الي الارض التي أخذت منها . لأنك تراب ، والي التراب تعود ) . وهذا ما رأه قايين وهابيل في أبيهما أدم . كيف كان أدم يخرج من الصباح الباكر الي الحقول والزروع والكروم والبساتين ليتعهدها ويعملها طول النهار . من مشرق الشمس الي مغربها كان أدم يقضي اليوم كله يكد ويعمل بالتعب وهو يتصبب عرقاً علي جبينه ووجهه مغبر معفر بالتراب والغبار . وكان أدم يبدو أحياناً متعباً مجهداً غائر الهمة والعزم ، لكنه مضطراً لبذل المزيد من الجهد والاستمرار في العمل . وبجانب العمل في الزراعة كان أدم يرعي بعض الحيوانات الاليفة كالماعز والضأن والابقار والجمال ومن هذه الحيونات كان يحصل علي ما يريد من اللحم و اللبن والسمن وكل ما يحتاج من النعم والخيرات . قلنا أختار قايين العمل في الزراعة وكان فلاحاً يفلح الارض ومزارعاً نشطاً مجتهداً يبذر البزار . وكان قايين رجلاً ناجحاً في عمله وموفقاً في كل ما أمتدت اليه يديه من عمل فهو ينجح فيه . وفي أحدي الاعوام أصاب قايين في الزراعة نجاحاً منقطع النظير . وهنا يحضر الي ذهني مثل الرجل الغني الذي سماه الكتاب بالرجل الغبي . وضرب لهم مثلاً قائلاً : ( انسانُ أخصبت كورته ، ففكر في نفسه قائلاً : ( ماذا أعمل ، لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري ؟ . وقال أعمل هذا : أهدم مخازني وأبني أعظم ، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي ، وأقول لنفسي : يا نفس لكِ خيرات كثيرة . أستريحي وكلي وأشربي وأفرحي ! فقال له الله : يا غبي ! هذه الليلة تطلب نفسك منك ، فهذه التي أعدتها لمن تكون ؟ . هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله ) . لوقا 13 : 16 - 21 قلنا في أحدي الاعوام أصاب قايين نجاحاً منقطع النظير في الأرض وفلاحتها فقد عمل عملاً باهراً وحقق ناجحاً كبيراً جداً . فأراد قايين ان يشكر الله وان يكرمه وأن يقدم أجزل آيات الشكر عرفانا لما أصابه من نجاح وتوفيق . فقدم قايين لله من ثمار الارض وغلاتها بحسب مزاجه وفكره الخاص . الا ان تقدمة قايين لم ترضِ الله والرب الاله لأنها لم تكن بحسب مشيئته . وطلب الله من قايين بأن يفعل مرضاته لكن قايين رفض ولم يفعل وسار عكس مشيئة الله وعمل ضد أرادته . وفي الجهة الاخري عمل هابيل في الرعي وكان راعياً ممتازاً جداً وحارساً أميناً علي رعيته . فهل يجوز لي ان أصف هابيل هنا بالراعي الصالح الذي هو الرب يسوع المسيح هذا مه الاخذ في الاعتبار الفارق والبون الشاسع بين هابيل والرب يسوع المسيح . لكن علي سبيل المثال والايضاح وتبسيط الشرح وليس علي سبيل المقارنة كمقارنة قد لا تجوز ابداً . عليه يمكننا ان نأخذ نموذج الرب يسوع المسيح الذي قال عن نفسه : ( انا هو الراعي ) وعلي هذا الانموذج يمكنننا تعريف معني كيف يمكن ان يكون الانسان راعياً صالحاً . انا هو الراعي الصالح ، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف . أما الذي هو أجير ، وليس راعياً ، الذي ليست الخراف له فيري الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب ، فيخطف الذئب الخراف ويبددها . والاجير يهرب لأنه أجير ولا يبالي بالخراف . أما انا فأني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني . يوحنا 10 : 11 14 علي هذا المبدأ سار هابيل في الاهتمام والاعتناء برعيته فأتسعت مراعيه . هذا ما جعل هابيل يذكر فضل الله ويحمده بتقديم ذبائح الشكر أكراما لله ومجداً له . وكانت طريق هابيل في تقديم الذبائح هي الطريقة المثلي في عمل مشيئة الله وتمجيد أسمه القدوس . قبل الرب الاله تقدمات هابيل وذبائحه وكان الله راضياً عن هابيل بعكس عدم رضاه عن أخيه الاكبر هابيل . ودونكم قصة ابناء أدم قايين وهابيل كما جاء في الكتاب المقدس في سفر التكوين . وعرف أدم حواء أمرأته فحبلت وولدت قايين ، وقالت : ( أقتنيت رجلاً من عند الرب ) . ثم عادت فولدت أخاه هابيل . وكان هابيل راعياً للغنم ، وكان قايين عاملاً في الارض . وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من ثمار الارض قرباناً للرب ، وقدم هابيل أيضاً من ابكار غنمه ومن سمانها . فنظر الرب الي هابيل وقربانه ، ولكن الي قايين وقربانه لم ينظر . فأغتاظ قايين جداً وسقط وجهه . فقال الرب لقايين لماذا أغتظت ؟ ولماذا سقط وجهك ؟ إن أحسنت أفلا رفع ؟ وأن لم تحسن فعند الباب خطية رابطة ، واليك أشتياقها وأنت تسود عليها ) . تكوين 4 : 1 - 7 فما الذي حدث لأول أخوين في الارض ؟ منذ الساعة التي قبل فيها الرب تقدمة هابيل ورفض تقدمة أخيه الاكبر قايين تسارعت الاحداث بين الاخوين العزيزين واتخذت منحاً أخر . فقد نشبت في قلب قايين روح من الحسد والغيرة ونمت واستفحلت الي خصومة وعدوان وثأر وانتقام ضد أخيه الاصغر هابيل . رأي الله الشر في قلب قايين الذي انعكس شرراً علي وجهه فأراد الله ان يرد قايين الي صوابه . الآ ان قايين رفض ان ينصاع وأبي ان يتراجع عن قراره وحمو غضبه ليصنع مشيئة الله وأختار ان يسير قدماً في ضلال الشيطان الرجيم . هذا مع ان الله قد سبق وأنذره حذره من المضي قدماً في الطريق الخطأ الذي أختار ان يسير فيه . ( فأغتاظ قايين جداً وسقط وجهه . فقال الرب لقايين لماذا أغتظت ؟ ولماذا سقط وجهك ؟ إن أحسنت أفلا رفع ؟ وأن لم تحسن فعند الباب خطية رابطة ، واليك أشتياقها وأنت تسود عليها ) وحدث ان كان الاخوين الشقيقين هابيل وقايين في الحقل . ودون سابق انذار هجم قايين علي أخوه هابيل من الخلف منقضاً عليه بكل ما أوتي من قوة . أنقض هابيل هلي أخيه وأرداه علي الارض روحاً هامدة تاركاً اياه صريعاً قتيلاً مضجراً في دمائه . وبهذا الحدث الجلل الأثم سجل قايين أول حادثة لأراقة الدم بالتالي أول جريمة قتل وأهدار للروح ونسمة الحياة التي نفخها الله في نفس أدم . وجبل الرب الاله أدم تراباً من الارض ، ونفخ في أنفه نسمة حيوةٍ . فصار أدم نفساً حيةُ . تكوين 2 : 7 ومن وقتها الي تاريخ يومنا الحاضر لم تعرف الارض طريقاً سالكاً للأمن والسلام والأطمئنان ولم يعد الانسان مطمئناً علي نفسه حتي من أقرب أهل بيته . قج صدق يسوع بقول اعداء الانسان أهل بيته او كما يقول الرب يسوع المسيح . فقال لهم : ( علي كل حال تقولون لي هذا المثل : أيها الطبيب أشفِ نفسك ! كم من سمعنا أنه جري في كفرناحوم ، فأفعل ذلك هنا أيضاً في وطنك ) . وقال : ( الحق أقول لكم : انه ليس نبئ مقبولاً في وطنه ) . لوقا 4 : 23 - 24 بمقتل قايين لأخيه هابيل فقدت الارض أمنها وأمانها وسلامها واستقرارها . وفقد الناس كل شيئ لآن السلام وهو الضمان الوحيد لحياة الانسان وكل البشر وبدون السلام تفقد الحياة أسمي معانيها . نعم بدون السلام تنعدم بين الناس الطمئنينة بعضهم بعضاً وتتوالد فيهم روح الحسد والحقد والخصام والكراهية والعداوت لأتفه الاسباب . وبالتالي تنتشر الفوضي ونزوة التعالي علي الاخرين وأخذ القانون باليد وتتلاشي قيم العدل والقانون وتندلع الحروب التي من أقل نتائجها الدمار والخراب والموت والتشريد واليأس وفقدان الأمل . أحتار الانسان في أمره وذهب بعيداً عن الله وتعمق في فكره مفضلاً الاستقلال عن الله ، شق الانسان طريقه مفضلاً تقرير المصير لنفسه . ليس هذا فحسب بل ذهب الانسان بعيداً تاركاً الله خلفه باحثاً عن نفسه في الخيارات التي أختارها لنفسه بغية تحقيق رغباته . وتاه الانسان في غيه وضلاله المبين وفيما بعد أدرك الناس أنهم مرضي لا بد لهم من البحث عن الدواء الناجع لعلاج الداء الذي اصابهم . فخرجوا للبحث عن الدواء لدرء أفة الخصام الذي تفشي بينهم ، لكنهم فشلوا ولم يجدوا لأنهم لم يطلبوا بصدق وايمان . أدرك الانسان في حقيقة نفسه انه انسان ضعيف لا حول ولا قوة له وهو يحتاج عون وقوة من فوق أكبر من قوته . فرفع هذا الانسان بصره الي السماء من حيث يأتي العون من رب الكون .وكانت يد الله العليا الممدودة دائماً وأبداً نحو هذا الانسان الشقي البائس الضال منتظراً متي يري الانسان يد الله وهي تحمل في يمينها حمامة السلام وترفع وتلوح له بغص الزيتون رمز السلام . وسلام الله الذي يفوق كل عقل هو السلام والضمان لكل الناس في كل مكان وزمان . سلام الله هو ذاته السلام الذي تغني به جمهور الملائكة وجند السماء منشدة ومرنمة في ليلة الميلاد : ( المجد لله في الاعالي ، وعلي الارض السلام ، وبالناس المسرة ) . والناس كل الناس كل صاروا يحبون السلام ويتمنونه بالكلام فيرددونه بأفواههم بكذب ونفاق ورياء بينما هم يضمرون في قلوبهم كل المعاول التي تحطم وتدمر السلام . وبينما هم يتبادلون السلام قائلين : ( السلام عليكم وعليكم السلام ) . تنفصم عري السلام بينهم وتنتشر الحروب . فكيف نفسر تداول البشر لكلمة السلام في أحاديث مجالسهم وخطباً فوق منابرهم . أنهم يتكلمون عن السلام في اجتماعاتهم العامة في موائدهم المستديرة والبضاوية او المستطلية . هذا بينما هم يعملون قليلاً جداً لأجل تحقيق من السلام من أعلي ققم المنظمات الدولية ابتداءاً من مجالس الأمن الدولي ومنظة العدل الدولية وكل هيئاتها القانونية العدلية ومنظماتها وهيئاتها الانسانية وغيرها . فكل هذه الهيئات والمنظمات تقف في كثير من الاوقات عاجزة عن تحقيق السلام في العالم . ويظل العالم يتخبط في بؤر الفوضي والحروب والاقتتال هنا وهنالك ولا سلام ولا أمان ولا يحزنون . ويحكي ان ملوك الارض ورؤسائها والسلاطين والحكام والامراء قديماء في غابر الأزمان وتداعوا لأجتماع و لقاء جمع شملهم . عقد الاجتماع الدولي الكبير في مدينة شاوري عاصمة جمهورية الريكا العليا في قارة الدفينيكان القطبية . وكان الامر الهام الذي دعوا اليه عو التباحث والتداول حول الحرب الحامية الوطيس التي تدور حالياً بين سلطنة الأرطجستان ومملكة البرشستمان في منطقة ترانجيفاي السفلي . تباحث السادة أصحاب الجلالات والفخامات من الرؤساء والسادة والسيدات العزيزات والاعزاء بأنفاس حارة وساخنةً جداً . أخرجوا كل المرارات المتراكمة في بطونهم وفشوا الغبائن في الهواء الطلق مباشرة . فتكلم صاحب الفخامة ملك بلاد فوجا عن حب شعبه للسلم وألامن والسلام واصفاً استقرار بلاده بالنموذج الامثلي . فطلب من المجتمعين ان يحظوا حظوه حتي يمكنهم ان يبنوا وينشروا السلام في بلدانهم وباقي بلدان الكون وختم حديثه بأنه غير معني بتلك الحروب التي تدور رحاها في تلك المناطق البربرية بين وسط الشعوب الغوغائية البربرية . وعندما جاء دور رئيس جمهورية الامورنجا تطرق من بعيد وقريب الي ألأزمات العالمية والحروب المستفلحة الناشبة بين تلك الدول . وفي نهاية كلامة طالب من المؤتمرين ببناء اسوار وجدران عالية بينية تفصل كل دولة عن الاخري وان تغطي سماء الدول بالقبب الواقيه لتحميها من الصواريخ البالستية ويا دار ما دخلك شر . وعندما جاء دور ملك البرشستمان ليتحدث تفوه وتكلم كلاماً استفزازياً ساخطاً عن سلطنة الأرطجستان واصفاً اياها وشعبه بالقوم الغجر الرجعيين الواطيين المنحدرين في الدرك الاسفل من السفالة والنزالة وانهم يستخدمون الجنس سلاحاً ضد شعبه والاخرين . الي هنا لم يستطع ملك البرشستمان كظم غيظه فأستشاط غضباً وأخذ حجراً كبيراً كان يخفيه تحت سترته ليلقم سطان الأرطجستان في نافوجه وليرديه صريعاً قتيلاً . والي هنا سادت القاعة الكبري حالة من الهرج والمرج والفوضي العارمة أمتدت لنحو الساعتين بين الملوك والأمراء والسلاطين والرؤساء . وعلي هذا الشاكلة تحدث جميع الحاضرين والموفودين و أبدوا بأرائهم ومقترحاتهم وايضاً وفي الختام كتبت التوصيات. حدث كل تلك الفوضي الرياسية في قاعة مؤتمرات السلام الكبري في مدينة شاوري عاصمة جمهورية الريكا العليا . وبالكاد تم فض المؤتمر بعد تدخل القوات الخاصة بفك الاشتباكات واسكات وتهدئة الشخب . ومن بعدها أنفض سامرهم ليذهب كل واحداً منهم مهرولاً الي بلاده علي جناح السرعة مستغلاً اول طائرة تقله الي هناك . ومنذ ذاك الحين ظل الرؤساء والملوك والسلاطين يجتمعون وينفضون ويصدرن ضجيجاً كثيراً لكن بلا طحين ! . ولا يزال حال العالم حتي اليوم يشبه حاله بحال البحر و المحيط تتصارع فيه الاسماك الكبيرة كالقرش والسلمون والدلافين لتأكل الاسماك الصغيرة ولا حسيب ولا رقيب . والامم الكبيرة تستخدم وتستغل قوتها ونفوذها لتفرض سيطرتها علي الشعوب الصغيرة الضعيفة ومن ثم تستغل مواردها وتوجهها لصالحها . تقوم الدولة الجارة الشقيقة والصديقة علي جارتها وتستولي عليها بين ليلة وضحاها لتنهب مواردها . أما عن القبائل والعشائر والبطون فحدث ولا حرج فهم يتنادون بالمثل الذي يقول : ( انا وأخي ضد أبن عمي وأنا وأبن عمي ضد الغريب ! ) . في النهاية لم يتبقِ للكل أخ ولا أبن عم بل أضحي الكل غريب في دياره . هنا يصدق ما قاله الرب يوماً : ليس لنبي كرامة في وطنه ... والانسان عدو نفسه وما يحدث الان في عالمنا هو تأكيد لكلام الرب يسوع المسيح . ثم قال لهم : ( فاذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا ، لأنه لابد ان يكون هذا أولاً ، لكن لا يكون المنتهي سريعاً ) . ثم قال لهم : ( تقوم أمة علي أمةٍ ومملكة علي مملكة ، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ، ومجاعات وأوبئة . وتكون مخاوف وعلامات عظيمة في السماء . وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ، ويسلمونكم الي مجامع وسجون ، وتساقون أمام ملوك وولاةٍ لأجل أسمي . فيؤول ذلك لكم شهادةُ . فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا ، لأني أنا أعطيكم فماً وحكمةً لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها او يناقضوها . وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ، ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل أسمي . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم أقتنوا أنفسكم ) . لوقا 21 : 9 – 19 أخطأ الناس جميعاً وضلوا الطريق وهدي السبيل . لم يطلبوا الله ولم يجدوا في طلبه بل زاغوا عن السراط المستقيم . وبحسب شهواتهم طلبوا هوي أنفسهم لأرضاء لذاتهم وأقاموا لأنفسهم أصنام وتماثيل بمظاهر شتي تمثلت في المال والغني والشهرة والمظاهر الخداعة وفي مظاهر السباق لتحقيق الشهرة والسلطة والجاه ونسوا الله . ليت البشر جميعاً يتواضعون ويرجعوا عن التيه والضلال ويطلبون الرب يسوع المسيح ما دام يوجد . وليتهم أخلصوا النية وطلبوا الحق والنصح والارشاد وتصالحوا مع الله وأنفسهم بالمحبة التي تدعوا للخير حتي مع العدو. فأسمع هذا القول واتبعه : ( فأن جاع عدوك فأطعمه . وأن عطش فأسقه . لأنك ان فعلت هذا تجمع جمر نار علي رأسه ) . لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير . روميه 12 : 20 - 21 والسلام الفردي الحقيقي يا عزيزي هو السلام الذي يقوم علي السلم والسلام الاجتماعي الكلي ويمتد الي السلام الشامل . وهذا السلام الحقيقي هو السلام الذي يبدأ من عندك كفرد . يتم هذا عندما يسلم الجميع من لسانك وفاحش كلامك وكل أفكارك وأقوالك وأفعالك الأثمة الشريرة فينداح علي الجميع خيراً وبراً وسلام . لأننا بالسنتنا نبارك الله الاب وبهذه الالسنة ايضاً نلعن الناس الذين تكونوا علي صورة الله . ومن الفم الواحد لا يمكن ان تخرج البركة واللعنة معاً وفي آن . وعلي الحكيم الراشيد بينكم أن يري ويراعي أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الروح وحكمة الكلمة . ولكن من أطلع علي الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعاً ناسياً بل عاملاً بالكلمة فهذا يكون مغبوطاً في عمله . إن كان أحد فيكم يظن أنه دين وهو لا يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة . الديانة الطاهرة النقية عند الله الاب هي هذه أفتقاد اليتامي والارامل في ضيقهم وحفظ الانسان نفسه بلا دنس من العالم . الكتاب المقدس يحرضنا ويشجعنا دائماً علي ترك كل صنوف الحسد والغيرة والحقد وحب الانتقام . كما يطالبنا بالحاح بالتخلي عن التحزب والانشقاق والطائفية والتشويش وترك كل أمر ردي لا يصنع مشيئة الله . والله يدعونا لننهل ونشرب من ينابيع الحكمة الالهية الغنية التي يقول عنها الرسول بولس كما يلي : ( أما الحكمة التي من فوق فهي أولاً طاهرة ثم مسالمة مترفقة ، مملؤة رحمة وحقاً ، وأثمار عديمة الريب والرياء . وثمر البر الذي يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام ) . ليسكن سلام الله الذي يفوق كل عقل في قلوبكم بغني . بيسوع المسيح الذي هو السلام وهورئيس السلام . فعيشوا دائماً في سلام . هذا هو السلام الذي تغني به الكاهن الشيخ زكريا النبي عندما أمتلأ من الروح القدس . وكان زكريا يترجل الكلمات القوية بعد صمت وخرس أصابه لمده يقارب العام ، لأن لم يصدق كلام ملاك الله جبرائيل . فقال زكريا للملاك : ( كيف أعلم هذا وانا شيخ وأمرأتي متقدمة في أيامها ) . فأجاب الملاك وقال له : ( أنا جبرائيل الواقف قدام الله ، وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا . وها أنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم ، الي اليوم الذي يكون فيه هذا ، لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته ) . وتكلم زكريا أخيراً وقال : ( بأحشاء رحمة ألهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء ، ليضي علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت ، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام ). لو قا 1 : 78 - 79
طول أناة فقال لها : ( تتكلمين كلاماً كإحدي الجاهلات ! أألخير من عند الله الشر لا نقبل ) في كل هذا لم يخطيئ أيوب بشفتيه . أيوب 1 : 11 طول الاناة تعني القوة في الصبر والمثابرة في الشدائد والاناة في مواجهة الضغوطات والتكيف معها دون استسلام او يأس وبلا تزمت وتذمر . وقد أشتهر نبي الله أيوب بالصبر وطول الاناة ، وأقترن أسم أيوب بالصبر . وجري صبر أيوب مجري الامثال مثلاً ً سياراً في السنة الناس لا سيما عند السودانيين عندما يبالغون في صبرهم وقوة أحتمالهم وأناتهم في المصائب قائلين : ( صبرت صبر أيوب علي قليل ). سمي أيوب بنبي الصبر لأنه صبر صبراً جميلاً في تحمل النكبات والكوارث والشدائد القاسية القوية التي ألمت به في أوقات متزامنة متسارعة ومتتالية . لكن أيوب أستطاع بالصبر ان يتجاوز كل الازمات الصعبة القاهرة بصبر وجلد وثبات حسد عليها . وهذا ما جعل الله يشهد للشيطان بكمال نبيه أيوب . فقال الرب للشطان : ( هل جعلت قلبك عل عبدي أيوب ؟ لأنه ليس مثله في الارض . رجل كامل ومستقيم ويتقي الله ويحيد عن الشر . والي الان هو متمسك بكماله ، وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب ) . أيوب 2 : 3 فيا لها من شهادة عظيمة وأعظم الشهادات التي نطق بها الله متكلماً عن أمكانية كمال الانسان . بل قل قل ان يحظي الانسان بهذه الشهادة القوية فحتي الكثيرين من الانبياء الكبار لم يسطيعوا الصمود كثيراً عندما تلم بهم الكروب والشدائد . فالانسان العادي الضعيف عندما تلم به المصائب والمحن والاحن ينهار سريعاً وييأس ويفقد ألامل . فعندما يقول الله للشيطان : بأن أيوب رجل كامل ومستقيم فهذا دليل وبرهان قوي وأكيد علي ثبات أيوب وقدرته علي مواجهة تجارب الشيطان والتغلب عليها بعزم وثباته الوطيد الثايت فهذا هو الايمان القوي بالله والاتكال الكامل عليه . بالاحري فهذا يشير الي ان الشيطان قد مني بهزيمة نكراء أمام قوة وصلابة أيمان أيوب بالله . وهذا الدليل يعني قوة رسوخ صبره وطول أناته وقدرته علي التحمل . تأملت ملياً في الرجل أيوب ووجدت فيه ذاك الرجل الذي تكلم عن النبي الملك داود في مزمور الاول قائلاً : ( طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الاشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس . لكن في ناموس الرب مسرته ، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً . فيكون كشجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المياه ، التي تعطي ثمرها في أوانه ، وورقها لا يذبل ، وكل ما يصنعه ينجح ) . مزمور 1 : 1 – 3 يتطابق وصف المزمور الاول أعلاه وصفاً حياً ودقيقاً ، كأنه كتب خصيصاً وحصرياً ليعكس لنا رجل الله الكامل أيوب . فقد سار أيوب مع الله لأنه رجل الله . سلم أيوب أمره لله وكان كل أيام حياته يسير في طريق الله وسبله المستقيمة . ولم يحيد عن الاستقامة يميناً او يساراً ولم يخرج من السراط المستقيم يمناً ويسراً بل سار واستمر في السير في الطريق الحق الكامل . لأنه حفظ ناموس الله الكامل سلك وفق وصايا الرب الكاملة التي قال عنها ايضاً داود النبي في المزمور : ( ناموس الرب كاملُ يرد النفس شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيماً . وصايا الرب مستقيمةُ تفرح القلب . أمر الرب طاهر ينير العينين . خوف الرب نقيُ ثابت الي الابد . أحكام الرب حق عادلة كلها . أشهي من الذهب والابريز الكثير ، وأحلي من العسل وقطر الشهاد . ايضاً عبدك يحذر بها ، وفي حفظها ثواب عظيم . السهوات من يشعر بها ؟ من الخطايا المستترة أبرئني . أيضاً من المتكبرين أحفظ عبدك فلا يتسلطوا عليَ . حينئذٍ أكون كاملاً وأتبرأ من ذنب عظيمٍ . لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب ، صخرتي ووليي . مزمور 19 : 7 – 14 اختبر أيوب رجل الله التقي أختبر الله جيداً وعرف وأدرك مدي لذة العيش والحياة قرب الرب الاله . فقد تمتع أيوب زماناً من التمتع بلذة الحياة بجوار الخالق المهوب وذاق طعم الوفاء والاخلاص لعهود ووعود الله الازلية الابدية . وبالاختبار كانت حياة أيوب مرأة تعكس صورة الله الغير منظورة وتشع عن سماته الربانية . فسارت حياة أيوب في يسر وهناء . لأن كل معاملاته ومعاشراته كانت تنمو وتتقدم وتزداد وبالتالي ازداد أصدقائه وكثر المعارف في محيطه وخارجه فذاعت شهرته . كان أيوب معروفاً كرجل مشهور ومشهود له بالجود والسخاء في الكرم والعطاء . فذاع صيته وحسن سمعته في كل بقاع الارض وقتذاك . فقدم وجاء اليه الناس من كل حدب وصوب وصوت يبتغون ان تشملهم مراحمه الكثيرة وان ينعموا بفيض غناه الكثير الجزيل الوفير . ولم يكن من بين الناس من أتي أيوب الا و نال حظه ولبي أيوب طلبه واستوفي غرضه وحاز قصده ونال مراده. وكل الذين طرقوا أبوبه فتحت لهم الابواب علي مصراعيها ونالوا ما أرادوا من غايات الغني والثراء . حقق أيوب أمنيات كثيرين وأجاب تسألات كل قلوب الذين سألوه وحقق رغبات قلوب كانت تشتهي النعم فأنعم عليها بالبركات الكثيرة الجزيلة . كان أيوب قلباً للمنكسري القلوب وبلسماً للمجروحين وعزاءاً للحزاني و دواءاً وللمرضي . كما كان فيه من آيات الشفاء للنفوس والاروح البائسة اليائسة فوجدوا فيه المسرة والسرور. لذلك سر الله بأيوب ووجد فيه لذته . فقال الرب للشيطان : ( هل جعلت قلبك عل عبدي أيوب ؟ لأنه ليس مثله في الارض . رجل كامل ومستقيم ويتقي الله ويحيد عن الشر ) . وهذا ما أغاظ الشيطان ضد أيوب أكثر . فأعلن الشيطان عدوانه الصريح وحربه المفتوح ضد أيوب خصمه وعدوه اللدود . ولأن الله كان حصناً حصيناً وحارساً أميناً وجندياً وفياً لأيوب استشاط الشيطان غضباً وسخطاً وثارت ثائرته ضد أيوب لكنه لم ينحج. و في كل مرة كان الشيطان يعد الكرة المرة تلو المرة فتعود كرته مرتدة عليه . وتعددت المرات التي هاجم فيها الشيطان أيوب وأنهزم . ذلك لأن أيوب كان كاملاً في الرب وفشل الشيطان فشلاً ذريعاً ولم ينجح وغضب ولم تشفع له غضبة . . لكن الشيطان لم يستسلم للهزيمة والفشل بل كان يعاود تجاربه الشيطانية المرة بعد الاخري . وفي النهاية أصيب الشيطان بنوع من اليأس والحزن والكأبة من ايقاع أيوب في الخطيئة وأنهزم أشر هزيمة . وهذه الهزيمة هي الهزيمة التي يجوز لنا نطلق عليها او أن نسميها بالهزيمة النكراء ! وحين خرج أبناء الله ليمثلوا أمام الرب جاء الشيطان بكأبته المعهودة وعبوس وجهه المشهود ليمثل هو ايضاً أمام الرب ! . ورأي الرب الاله علامات الغضب والتذمر والقلق في تقاسيم وجه إبليس عدو كل خير وصلاح . رأيالله الشرر يتطاير من عيون الشرير الملتهبة ، كما رأي السموم الخارجة من جوف الملعون تتقاذق كالهمم البركانية فيه . وكان ذات يومٍ أنه جاء بنو الله ليمثلوا أما الرب ، وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم . فقال الله للشيطان : ( من أين جئت ؟ ) فأجاب الشيطان الرب وقال : ( من الجولان في الارض ، ومن التمشي فيها ) . فقال الرب للشيطان : ( هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب ؟ لأنه ليس مثله في الارض . رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر ) . فأجاب الشيطان الرب وقال : ( هل مجاناً يتقي أيوب الله ؟ . أليس أنك سيجت حول بيته وحول كل ما له من كل ناحيةً ؟ . باركت أعمال يديه فأنتشرت مواشيه في الارض . لكن أبسط يدك الان ومس كل ما له ، فأنه في وجهك يجدف عليك ) . فقال الرب للشيطان : ( هوذا كل ما له في يدك ، و إنما اليه لا تمد يدك ) . ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب . أيوب 1 : 6 – 12 رأي الله كل الانفعال والانزعاج والضغط والخوف والاذلال بل والانهزام وخيبة الامل الذي أصاب الشيطان . ومن جانب رأي الله الايمان والثقة والثبات في الكمال والاستقامة والسير في طريق الله بنقاء السيرة وصفاء السريرة الذي تمسك به عبده أيوب . فأدرك مغزي الانزعاج والانفعال والارتباك الذي أصاب نفس الشرير في مقتل . ذلك لأن قلب الشرير لا يسر الا بموت البار بينما الله لا يسر بموت الانسان في الشر .ولأن روح الشيطان لا تستقر ولا تهدأ أو تستكين الا برؤية اولاد الله في الحضيض والدرك الاسفل . بل يسعي الشيطان جاهداً لأن يرأي المؤمنين وهم ساقطين في براثن خبثه واقعين ومقبوضين بأشراك مكره وأسري تحت نيره ملطخين بأوزار الاثام والخطايا . فهلاك البشرية وموتها هي من اسباب بهجة الشيطان وسر سعادته القصوي دائماً . كما أن دمار الكون وفناء المسكونه الابدي معه في نار وأتون جهنم الابدي وهي أحدي أمنياته التي يسعي جاهدا لتحقيقها . فأسمي وأغلي وأعظم غاية بعلزبول و أهدافه وخططه الاستراتيجية العليا وغاية مراميه التي لا يهدأ ولا يحيد ابداً عن فعلها . هو أن يري هذا الانسان ساقطاً وكل الناس ساقطين . سأل الله الشيطان قائلاً: ( ما بالك تبدو منزعجاً هائج ومتزمر ؟ ) . هل جعلت قلبك الغير سليم علي عبدي أيوب صاحب القلب السليم ؟ لأن ليس في كل الارض انسان كامل مثله . وهنا بان علي وجه الشيطان أبتسامة الخداع والمكر . ونظر في الافق البعيد ليسترد بعضاً من بقايا قواه وكرامته التي أهدرت في الهزيمة التي مني بها في صراعه المستميت والطويل مع أيوب . جال الشيطان بخاطره في الظلمات فرأي نفسه ينزلق في ظلاماً ممتداً وهو يهوي في هاوية منحدرة الي قاع بلا قرار . رأي الشيطان نفسه يتمرغ في قاع عميق ينتهي في حضيض تنتشب منها السنة من اللهيب الرهيب . لكنه في لحظة استدرك نفسه ليجيب الرب بخبثه ايضاً قائلاً : ( هل مجاناً يتقي أيوب الله ؟ أليس لأنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية ، وباركت أعمال يديه فأنتشرت مواشيه في الارض . الي هنا تستطيع أن تدرك قدر الحقد وحجم البغض وكمية الكره الذي يكنه الشيطان ليس لأيوب وحده بل لكل أنسان يتقي الله ويصنع مرضاته ويحب ان يسير في كمال الله . كما أنك بفطنتك تستطيع ان تعرف الاساليب الملتوية من الدهاء الشيطاني ووسائل المكر والخداع التي يستغلها الشرير ويضمرها او يدسها الشيطان لأيقاع الابرار في الخطايا والشرور والاثام . وهنا يمكنك أن تعلم جيداً سوء نياته وشناعة أفاعيله التي يفعلها سراً وجهراً ليلاً نهاراً حتي يسقط ابناء الله ليشقوا معه . وتستطيع ان تقدر بنفسك حجم العداء السافر الساخر الذي يكنه لك . فهو يستخدم كل أنواع الاسلحة الروحية الفتاكة القاتلة التي يختزنها في حربه ضدك أنت شخصياً . لأنه يسعي الي تدميرك نفساً وجسداً وروح وتدمير كل ما فيك من طهر وعفاف او وداعة وصلاح ومن ثم يتركك علي قاع الطريق يتبعك الخزي والعار والاندحار شامتاً بك كل من يسوي ولا يسوي . الشرير لا يتواني في محاربتنا في فرصة مواتية او غيرها فيستخدم الاغراء ان نفع في الايقاع او الشهوة ان أمكن ذلك فهو لا يدخر شيئاً او سبباً . فهو ايضاً يصطادنا بكل صنوف الألام والعذابات وضغوطات الحياة . فيقيس مدي قوة ومتانة ولائنا لله بمقدار حب الله لنا في تلك الاحوال والظروف التي تصيبنا . وهو بالتالي يحاول أن يثبت لنا من خلال المعاناة التي تواجهنا ليثبت بالتجربة ان الله لا يحبنا . كما يعمل بجد ويجاهد وهو يزن ثقل ثباتنا وصمود أيماننا وشدة وفائنا بمعيار ما يمنحنا الله من نعم وخير الحياة والبركات في الوفرة و الرغد والرفاه . فالبعض منا لا يحتمل الخير الكثير فيجحد وأخرين لا يقدرون النعم فيفترون وكثيرين مستجدي البركات فيتكبرون علي من دونهم . الشيطان شاطر كما يقولون والانسان ضعيف وهذا سمته فهو تراب وطين وربما رماد ودود . أمكانيات الانسان لوحده بعيداً عن الله محدودة وقدراته متواضعة جداً ، ونهايته قريب ولا ثبات له فهو متأرحج ومؤاشرات ثقتة متذبذب . اذ وجد في أعضاء الانسان أعداء تتحارب في داخله حتي ينهزم كلياً . فالصحة تاج علي رأسه ، وللمرض سلطان عليه عذاباً وشقاء ، فرح وسعاده شبع وجوع ، فقر وثراء بلاء حسن وابتلاء . ولك أيها الأنسان يوم وعليك ، ويوم عليك ستدور الدوائر ان عشت كثيراً ستعرف كثيراً وستتعلم من الايام . فأجاب الشيطان الرب وقال : ( هل مجاناً يتقي أيوب الله ؟ فأستجاب الرب الاله وسمح للشيطان أن يجرب أيوب في ابنائه وبناته وأمواله وأملاكه وكل المقتنيات التي كان يقتنيها في كل حياته . لم يترك الشرير عدو الخير شيئاً في حربه لأيوب لم يمسه ويخربه ويدمره تماماً كما تفعل الحروب البشرية الحديثة بالناس هذا الايام . حيث يخرج الانسان من نيران العدو وينجو فقط بنفسه ان نجا بعد ان تسوي ألة الحرب في لحظة كلما تعب فيه الانسان وشيده وبناءه بالارض تماماً . لم يترك الشيطان لأيوب شيئاً الا نفسه وأمرأته لأن الله أمره بأن لا يمسه في نفسه وروحه وكانت التجربة قوية جداً شكلت صدمةُ كبري لأيوب . لكنه تمكن بفضل طول اناته وقوة صبره ويقين ايمانه ان يفشل خطة الشيطان بأقتناء رحمة الله فأنهزمت قوي الشر مجدداً . استطاع أيوب ان يغلب الشيطان وينتصر عليه بفارق كبير جداً في النقاط في معرك لم تكن متكافئة . واستطاع أيوب ان يفوت الفرصة الغالية التي انتظرها الشيطان كثيراً ، تم كل ذلك بصبر أيوب وقوة الارادة والصمود والتحدي بالرغم صعوبة الاختبار . فقد أجتاز أيوب الامتحان والتجربة الصعبة والضربة القوية القاسية القاضية البالغة الاثر . نعم ا أجتازها أيوب وتفوق فيها علي نفسه وعلي العدو بدرجة أمتياز بل ممتاز جداً . في حياة البعض من البشر قد نجد أناس يتحملون فقد او موت واحد او أثنين من ابنائهم وبناتهم فلذات أكبادهم في وقت واحد ، ويمكن لبعضهم ان يتجلدوا متظاهرين بالصبر عندما تضيع جزء من أموالهم وأملاكهم وممتلكاتهم أو حين يخسرون بعض من أسهمهم في المضاربات التجارية وأسواق البورصة . والمرء ايضاً قد ينسي ويسلو بمرور الزمن والوقت فراق صديق اوقريب وموت حبيب عزيز . لكن نادراً ان تجد من شخصاً يصبر ويتحمل هول الصدمات المتتالية الواحدة تلو الاخري كالتي تلقاها أيوب في يوم واحد . كان أيوب رجل مجد وغني وعظمة وشهرة واسعة في كل بلاد المشرق كما يقول الكتاب ويصفه فيما يلي : كان رجل من أرض عوص أسمه أيوب . وكان هذا الرجل كاملاً ومستقيماً ، يتقي الله ويحيد عن الشر . وولد له سبعة بنين وثلاثة بنات . وكانت مواشيه سبعة الافٍ من الغنم ، وثلاثة الافِ جملٍ ، وخمس مئة فدان بقر ، وخمس مئة أتانٍ ، وخدمه كثيرين جداً . فكان هذا الرجل أعظم كل بني المشرق . وكان بنوه يذهبون ويعملون وليمةً في بيت كل واحد منهم في يومهِ ، ويرسلون ويستدعون أخواتهم الثلاث ليأكلن ويشرين معهم . وكان كلما دارت أيام الوليمة ، أن أيوب أرسل فقدسهم ، وبكر في الغد وأصعد محرقاتٍ علي عددهم كلهم ، لأن أيوب قال : ( ربما أخطأ بني وجدفوا علي الله في قلوبهم ) . هكذا كان أيوب يفعل كل الايام ) . أيوب 1 : 1 – 5 بهذه الصورة تتبلور لديك الفكرة وتتكون عندك بوضوح مشاهد ومعالم تجربة أيوب كلها وتكون واضحة جلية في ذهنك . وكان الشيطان الشرير عدو كل خيرعلي اضطلاع كامل بكل تفاصيل حياة أيوب الصغيرة والكبيرة وحياة أسرته أولاده ، ويعرف مقدار عظمته ومجده وغني ثراه بل كل شاردةُ وواردة وصادرة عن أيوب . لم يكن شيئاً مهما كان او لا يسوي دقيقاً وصغيراً يختص بأيوب مخفياً عن أعين تجسس وتلصص الشيطان الرجيم . كان كل شيئ مرئياً ومكشوفاً بيناً معلوماً للشيطان حتي الاسرار والسرائر الداخلية وراء الجدران لأن هذان الشيطان كان يقيم ويسكن في سكون وصمت الحيطان والجدار يتربص بأيوب ! . وهذا ما جعل الشيطان أكثر جرأة وشجاعة وهو يحاول ان يبتز الله ويستفزه بأمكانية قدرته علي جعل أيوب يخطيئ ان سمح الله له بأن يجربه في كل ما له. فأجاب الشيطان الله وقال هل مجاناً يتقي أيوب الله فقال الرب للشيطان ( هوذا ما له في يدك ، وأنما اليه لا تمد يدك ) . فدعونا نتابع معاً فعله الشيطان من أعماله وأفاعيله الشيطانية برجل الله أيوب الذي وصفه الله بطول الأناة وقوة الروح والصبر بل بالرجل الكامل حسب قول الرب . وكان ذات يومٍ وأبناؤهُ وبناتهُ يأكلون ويشربون خمرأً في بيت أخيهم الأكبر ، أن رسولاً جاء الي أيوب وقال : ( البقر كانت تحرث ، والاتن ترعي بجانبها ، فسقط عليها السبئيون وأخذوها ، وضربوا الغلمان بحد السيف ، ونجوت أنا وحدي لأخبرك ). وبينما هو يتكلم إذ جاء آخر وقال : ( نار الله سقطت من السماء فأحرقت الغنم والغلمان وأكلتهم ، ونجوت أنا وحدي لأخبرك ) . وبينما هو يتكلم اذ جاء آخر وقال : ( الكلدانيون عينوا ثلاث فرق ، فهجموا علي الجمال وأخذوها ، وضربوا الغلمان بحد السيف ، ونجوت انا وحدي لأخبرك ) . وبينما هو يتكلم ، إذ جاء آخر وقال : ( بنوك وبناتك كانوا يأكلون ويشربون خمراً في بيت أخيهم الأكبر ، واذا ريحُ شديدةُ جاءت من عبر القفر وصدمت زوايا البيت الأربع ، فسقط علي الغلمان فماتوا ، ونجوت أنا وحدي لأخبرك ). فقام أيوب ومزق جبته ، وجزء شعر رأسه ، وخر علي الارض وسجد ، وقال : ( عرياناً خرجت من بطن أمي ، عرياناً أعود الي هناك . الرب أعطي والرب أخذ ، فليكن أسم الرب مباركاً ) . وفي كل هذا لم يخطيء أيوب ولم ينسب لله جهالةً ). أيوب 1 : 13 – 22 اللأٌ ان الشيطان لم يستسلم جراء الهزيمة المجلجلة الذي هزم به شر هزيمة أمام الصلابة والقوة والأستقامة التي أبداها أيوب بصبر لم يلين وطول أناة لم يتزحزح قيد أنملةً . ولأن الشيطان لا يستحي ولا يعرف الخجل وهو معروف بقوة العين وتخانة الجلد والوجه فقد أنحني أمام عواصف رياح الفشل الذي مني به بكمال أيوب واستقامته . وكادت عاصفة أيوب ان تقتلعه من جذوره وتقذفة بعيداً في بحر النسيان الا أن مشيئة الله قالت : بما يفيد بأن أوان الحكم الابدي للشيطان بالرمي في بحيرة النار الابدية المتقدة لم يحن بعد . وهذا ما مكن الشيطان من ان يصول ويجول في الهامش الذي سمح الله له بأن يجول فيه . وللمرة الثانية أعاد الشيطان الكرة الاخري . فقال الرب للشيطان : ( من أين جئت ؟ ) فأجاب الشيطان الرب وقال : ( من الجولان في الارض ، ومن التمشي فيها . فقال : ( للشيطان هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب ؟ لأنه ليس مثله في الارض . رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر. والي الان هو متمسك بكماله ، وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب ) . فأجاب الشيطان الرب وقال : ( جلدُ بجلدٍ ، وكل ما للأنسان يعطيه لأجل نفسه . ولكن أبسط الان يدك ومس عظمهُ ولحمهُ ، فأنه في وجهك يجدف عليك ) . فقال الرب : ( للشيطان ها هو في يدك ، ولكن أحفظ نفسه ) . فخرج الشيطان من حضرة الرب ، وضرب أيوب بقرح رديءٍ من باطن قدمه الي هامته . فأخذ لنفسه شفقةً ليحتك بها وهو جالس في وسط الرماد . فقالت له أمرأته أنت متمسك بعد بكمالك ؟ بارك الله ومت ! ) فقال لها : ( تتكلمين كأحدي الجاهلات ! أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل ؟ ) في كل هذا لم يخطي أيوب بشفتيه . أيوب 2 : 2 – 10 لم يسمح الرب بالتجربة الثانية لأيوب الا لأنه كان يعلم بأن أيوب سيجتازها ايضاً بقوة الايمان وصمود الروح فيه. فالله لا يجربنا فوق طاقتنا أو أكثر مما نقدر و نحتمل وأن شاء ذلك فهو يمنحنا القوة اللآزمة لأتجتيازها والانتصار عليها . كان أيوب دائماً وسيظل ابداً نموذجاً حياً لأحتمال المشقات والتجارب والصعاب . هذا ما يأكده يعقوب بقوله : ( طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة ) .، لأنه اذا تزكي ينال : ( أكليل الحياة ) الذي وعد به الرب للذين يحبونه . يعقوب 1 : 2 أتت التجربة الشيطانية الثانية اشد وقعاً وأكثر أيلاماً وقسوة علي أيوب اذ أصابة في جسمة وبدنه في جلده ولحمه وعظامه . لكن أيوب ظل أميناً لله ولم يخطي بفكر او قول وفعل ضد الله ولم ينسب لله جهالة او جماقة . فالله العالم العارف بالاسرار والخفايا كان يدرك جيداً صلابة معدن أيوب وقوة أرادته فأراده أن يكون له مثالاً في الكمال وقوة الاحتمال . فصبر أيوب علي الجروح والقروح التي ضربت سائر أجزاء جسده الضعيف من هامة الرأس الي أخمص القدم . أحتمل أيوب طعنات الدود ووخزاته وهي تأكل وتمزق بدنه ولحمه وتلحس وتشرب دمه لتخرج من تلك الجروح والقروح المنتنة الديدان وكانت الجروح والقروح تفوح منها العفن . وكانت الديدان تخرج من جسم أيوب وتتساقط علي الارض بصورة مقززة تبعث علي الاشمئزاز والاستياء والغثيان . ومن سوء حالة أيوب المتردية الميئوس منها علي الشفاء أشمئزت منه زوجته وأستأت جداً منه . فطلبت زوجته منه ان يلعن الله وان يجدف علي الروح القدوس ويكفر بالله العلي القدير ويموت وهذا أفضل له من الحياة بحسب ظنها وفكر قلبها . بل أقدمت زوجة أيوب علي هجران زوجها والتخلي عنه في أصعب لحظاته وساعة محنته وتركته هذه المرأة التي كانت تدعي بأنها زوجته وحبيبة القلب تركته في اللحظات الصعبة المذلة المهينة . شمتت منه جداً كما لو انها لم تكن هي التي بادلته كأسات الحب والمودة الغرام الليالي الطوال لكنها نسيت سريعاً أن الحياة لا تستقر علي حال ومنوال ، فالحلو يتبعه المر والمتعة تعقبا التعاسة . تناست تلك المرأة الغير وفية ونست أن دورات الحياة تتبدل والمواسم تتغير بتغيرات المناخ وتلك هي سنن الطبيعة وقوانينها المعروفة التي لا تستقر علي حال ووتيرة واحدة . فدفء جمال الربيع ونضارتها تعقبها برودة الشتاء وقسوتها او حرارة الجو وسخونته . استائت أمرأة أيوب تلك المرأة الرفيقة والشريكة التي تعهدت يوم ساعة توقيع عقد زواجها بأن تكون زوجة أمينة وفية لبعلها في الظروف والاحوال كلها . وقسم الزوج وعهده يلزم كلا الزوجين بأن يظلا أمناء أوفياء لبعضهم البعض في السراء والضراء في الفقر والغني كما في الصحة والمرض ايضاً . وهذا ما يفعله الكثيرين منا كل يوم وساعة ولحظة . فالانسان يتغير سريعاً ويتبدل ويتحور ويعجز عن الصمود والتحدي فيستسلم ويتقهقر الي الوراء ويفر هارباً في ساعة التجربة . والكتاب يستمر في تذكيرنا بأن نتبع خطوات أيوب كأعظم مثال لقوة الصمود والتحدي والغلبة والانتصار قائلاً لنا : ( فتأنوا أيها الاخوة إلي مجيئ الرب . هوذا الفلاح ينتظر ثمر الارض الثمين ، متأنياً عليه حتي ينال المطر المبكر والمتأخر . فتأنوا أنتم وثبتوا قلوبكم ، لأن مجيئ الرب قد أقترب . لا يئن بعضكم علي بعضٍ أيها الاخوة لئلا تدانوا . هوذا الديان واقف قدام الباب . خذوا يا أخوتي مثالاً لأحتمال المشقات والأناة : الأنبياء الذين تكلموا بأسم الرب . ها نحن نطوب الصابرين . قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف . يعقوب 5 : 7 - 11 وعندما سمع بعض أصدقاء أيوب الامناء الاوفياء بالكوراث و النكبات وكل الازمات والمشاكل التي حلت به و الحالة الرديئة السيئة التي حاقت ولحقت به . هرع الاصدقاء وأتوا اليه : اسرعوا مهرولين الي ايوب من كل حدب وصوب . فلما سمع أصحاب أيوب الثلاث بكل الشر الذي أتي عليه ، جاءوا كل واحد من مكانه : اليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر نعماني ، وتواعدوا أن يأتوا ليرثوا له ويعزوه . ورفعوا أعينهم من بعيدٍ ولم يعرفوه ، فرفعوا أصواتهم وبكوا ، ومزق كل واحدٍ جبته وذروا تراباً فوق رؤوسهم نحوا السماء . وقعدوا معه علي الارض سبعة أيام وسبعة ليالٍ ، ولم يكلمه أحدٌ بكلمةٍ ، لأنهم رأوا أن كأبته كانت عظيمةً جداً . أيوب : 11 – 13 قدم وحضر أصحاب وأصدقاء أيوب الثلاث مجتمعين وقلوبهم مملوئةُ من الحزن والاسي والأسف الكبير . بل كانت أفكارهم مشحونة بالحيرة والحسرة منفوخة بشتي الخواطر المضطربة القلقة . ومن هول الصدمة القوية التي لم يتوقعوها ابداً كما لم تخطر في خيالهم لحظة بكوا بكاءاً مراً وناحوا كما لم تنوح الناحيات قبلاً وبعد ! . زري الرجال الحلماء الحكماء الاشداء أصحاب البأس والساس زروا الرماد فوق رؤوسهم والتراب نحو السماء . بكوا بأعلي أصواتهم بكاء عويل ونحيب. وبكاء اصدقاء أيوب ا هنا يذكرني ببكاء ألأم راحيل زوجة يعقوب علي أولادها أطفال بيت لحم الذين أبادهم هيرودس . حينئئذٍ لما رأي هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً . فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها ، من أبن سنتين فما دون ، بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس . حينئذٍ تم ما قيل بأرميا النبي القائل : ( صوت سمع في الرامة ، نوح وبكاء وعويل كثيرٌ .راحيل تبكي علي أولادها ولا تريدٌ أن تتعزي ، لأنهم ليسوا بموجودين ) . وظل اصحاب أيوب الثلاث لسبعة ايام بنهاراتها ولياليها المديدة وهم يتفرسون في وجه صديقم بعيون ظلت دامعة تبكي اللوعة والحزن الاليم النبيل . وكانوا يزرفون الدموع السخينة رثاءاً ومناجأة وأسي لما آل اليه من مآل وما أصاب صديقهم وحبيبهم أيوب . سعبة أيام لم يستطع أحدهم منهم ان ينبش ببنت شفاة او ان يقدروا من النطق بكلمة او حرفاً واحداً فالصدمة كانت فوق الطاقة واللياقة وفوق كل قدرة تحتمل مهما كانت أناة الاحتمال . فظلوا مصدومين صامتين ساكتين مفجوعين تنتابهم الاحزان والموجع كمن مسهم مساً من الجن او صقعة من تيار كهربائي ذو الضغط العالي . وهو الذي جعلهم يبدون، كالخرس البكم والصم الطرش . الجمت الصدمة الكبيرة جداً قدرة الاصدقاء علي استيعاب ما حدث لصديقهم العزيز وكان الصمت هو أبلغ الكلام و التعبير الفصيح البليغ . لكن حين فك الله رباط ألسنتهم ليعزوا صديقهم ويواسوه عجزت حكمتهم وفشلت كلماتهم ورجاحة عقولهم وأفكارهم عن الاتيان بأقوال وكلمات يمكن ان تكون ذات جدوي يفيد في التعزية والسلوي . لم يستطيعوا بكل ما خرج منهم من الكلام الكثير المثير الخطر لم يستطيعوا ان يخرجوا أيوب من دوامة الألام او يخففوا من وطء الجروح المبرحة والاذي والانين المستمر . فقد ذهبوا بأفكارهم وتخميناتهم بعيداً كما لو كانوا يخمدون النيران بأضرامها بالمزيد من الحطب او بالاحري بصب الزيت في النار ! وهذا ما زاد من حزن وأسي أيوب . فما الذي قاله أيوب وما الذي قاله أصحابه له وعنه ؟ أيوب : بعد هذا فتح أيوب فاه وسب يومه . وأخذ يتكلم فقال : ( ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه ، والليل الذي قال قد حبل برجل . ليكن ذلك اليوم ظلاماً . لا يعتني به الله من فوق ، ولا يشرق عليه نهار . ليملكه الظلام وظل الموت . ليحل عليه سحاب . لترعبه كاسفات النهار . أما ذلك الليل فليمسكه الدجي ، ولا يفرح بين أيام السنة ، ولا يدخلن في عدد الشهور . هوذا ذلك الليل ليكن عاقراً ، لايسمع فيه هتاف . ليلعنه لاعنو اليوم المستعدون لأيقاظ التنين , لتظلم نجوم عشائه . لينتظر النور ولا يكن ، ولا ير هدب الصبح ، لأنه لم يغلق أبواب بطن أمي ، ولم يستر الشقاوة عن عيني ، لِمَ لمْ أمت من الرحم ؟ لماذا أعانتي الركب ، ولِمَ الثدي حتي أرضع ؟ . لأني قد كنت الأن مضطجعاً ساكناً . حينئذٍ كنت نمت مستريحاً . أيوب 3 : 1 - 13 اليفاز التيماني : فأجاب اليفاز التيماني وقال : ( إن أمتحن أحد كلمةً معك ، فهل تستاء ؟ ومن من يستطيع الامتناع عن الكلام ؟ ها أنت قد أرشدت كثيرين ، وشددت أيادي مرتخيةُ . قد أقام كلامك العاثر ، وثبت الركب المرتعشة ! والان إذ جاء عليك ضجرت ، إذ مسك آرتعت , أليست تقواك هو معتمدك ، ورجاؤك كمال طرقك ؟ . أذكر من هلك وهو بريءٌ ، وأين أبيد المستقيمون ؟ كما قد رأيت : أن الحارثين إثماً ، والزارعين شقاةُ يحصدونها . بنسمة الله يبيدون ، بريح أنفه يفنون . أيوب 4 : 1 – 9 بلدد الشوحي : فأجاب بلدد الشوحي وقال : ( الي متي تقول هذا ، وتكون أقوال فيك ريحاً شديدةً ؟ هل الله يعوج القضاء ، أو القدير يعكس الحق ؟ إذ أخطأ اليه بنوك ، دفعهم الي يد معصيتهم . فأن بكرت أنت الي الله وتضرعت الي القدير ، أن كنت زكياً مستقيماً ، فأنه الان ينتبه لك ويسلم مسكن برك . وإن تكن أولاك صغيرةُ فأخرتك تكثر جداً . أيوب 8 : 1 – 7 صوفر النعماتي : فأجاب صوفر النعماتي وقال : ( أكثرة الكلام لا يجاوب ، أم رجل مهذار يتبرر ؟ أصلفك يفحم الناس ، أم تلخ وليس من يخزيك ؟ إذ تقول ـ تعليمي زكيُ ، وانا بار في عينيك . ولكن يا ليت الله يتكلم ويفتح شفتيه معك ، ويعلن لك خفيات الحكمة ! إنها مضاعفة الفهم ، فتعلم أن الله يغرمك بأقل من أثمك . أيوب 11 : 1 – 6 هنا نري كيف كان أيوب مفجوع وغضبان وهو يرث لحاله متمنياً لو أنه لم يولد ولم ير النور. لعن أيوب وسب يومه ولعن اليوم الذي ولد فيه مفضلاً لو أنه مات في رحم أمه . وكان أيوب في حالة يرثي لها وكان بحاجة الي من يقف بجانبه ويعينه ويساعده علي الخروج من من الكأبة والاحباط والحالة النفسية السيئة التي كان يعيش فيها . وتمني ان يجد في معاودة أصدقائه العزاء والسلوي . الآ ان هؤلاء الاصحاب الاصدقاء بدلاً من يكونوا بلسماً وعزاء زادوا الطينة بلة وأثاروا اللوائج وفتحوا الجروح المفتوحةُ أصلاً ليزداد ألآم أيوب ألماً . ذهب أصحاب أيوب بعيداً بأفكارهم ومنطقهم في التأويل والتفسير والقاء اللوم علي أيوب وعلي أولاده . قائلين بوجود ذنوب وخطايا وأثام خفية مستترة في حياة أيوب هي الاسباب الرئيسية فيما وصل اليه من حال لأن الله اله عادل وهو لايبري المذنب ولا يستر الخاطيئ . وقالوا بما لا يدع مجالاً لل شك ان ايوب والاولاده قد اقترفوا الموبقات والمعاصي والان فهو يحصد استحقاق افعاله الشريرة . قالوا له عهدناك تقوي وتشد أزر الضعفاء وترفع الساقطين وتقوم المعوجين وكنت ترشد الخطاة وتردهم الي الهدي . فأين ذهبت تقواك وقوة أيمانك وأحتمالك ؟ وأين أنتهت وذهبت استقامتك وكمالك ؟ أين كل ما كنت تنادي به الناس ؟ فنحن لم نسمع عن انسان برئ وصالح عاقبه الله بمثل هذا العذاب الذي أنت فيه . فالعقاب والجزاء والعذاب ، جزاء الخطأة المجرمين الأثمين المنافقين الفاسقين . وهذه هي عدالة الله والسماء . وطلبوا منه يرجع عن ضلاله وان يتوب عن شره وان يتوب عن ذنوبه وسوء افعاله . وهذ ما جعل أيوب يصفهم بأنهم معزون متعبون : فأجاب أيوب وقال : ( قد سمعت كثيراً مثل هذا , معزون متعبون كلكم ! هل من نهايةُ لكلام فارغ ؟ او ماذا يهيجك حتي تجاوب ؟ أنا ايضاً استطيع أن أتكلم مثلكم ، لوكانت أنفسكم مكان نفسي ، وأن اسرد عليكم أقوالاً وأنغض رأسي اليكم . بل كنت أشددكم بفمي ، وتعزية شفتي تمسككم . الرب يتكلم : فأجاب الرب من العاصفة وقال : ( من هو الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة ؟ أشدد الان حقويك كرجل ، فأني أسألك فتعلمني . أين كنت حين أسست الارض ؟ أخبر إن كان عندك فهم . ومن وضع قياسها ؟ لأنك تعلم ! أو من مد عليها مطماراً ؟ علي أي شيئٍ قرت قواعدها ؟ أو من وضع حجر زاويتها ، وعندما ترنمت كواكب الصبح معاً ، وهتف جميع بني الله ؟ أيوب 38 : 1 – 7 وأفتقد الله أيوب في نهاية المطاف لآنه ثبت وسار في طريق الله بالاستقامة والكمال ولم يحيد عنه يميناً ولا يساراً . فطوبي الرب الاله أيوب لأنه وجد فيه رجل حسب قلبه ويصنع مشيئته . كان أيوب حقاً رجل من رجال الايمان الذين عرفوا بالصبر الجميل وقوة احتمال المشقات وطولة الاناة . وفي النهاية رد الله واستعاد لأيوب .وأرجع الله لأيوب بنيه وبناته ، وضاعف الرب من أموال أيوب وأكرمه جداً في الغني والمجد أضعافاً . وكانت أخرة أيوب أفضل كثيراً اوائله . هذا لأن الصبر مفتاح الفرج ، وبطول الاناة تكمل مشيئة الله في الانسان وينال ما يريد ويبتغي . فذهب أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماتي وفعلوا كما قال الرب لهم ورفع الرب وجه أيوب . ورد الرب سبي أيوب لما صلي لأجل أصحابه وزاد الرب علي كل ما كان لأيوب ضعفاً . أيوب 42 : 9 - 10 الله لنا ملجأ وقوة . عوناً في الضيقات وجد شديداً . لذلك لا نخشي ولو تزحزحت ، الارض وأنقلبت الجبال الي قلب البحار . مزمور 46 : 1 - 2
لــــــــطف كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض ، شفوقين ، متسامحين كما سامحكم الله ايضاً في المسيح . أفسس 4: 32 ساد العالم القديم والعصور السابقة لاسميا التي عاصرت تاريخ مجيئ المسيح بعض الأمبروطوريات الكبري ان صح هذا التعبير. وهي الامبرطوريات الاغريقية او اليونانية والامبرطوريات الرومانية والامبرطورية الاشورية . كانت الامبروطورية الاغريقية التي كانت عاصمتها مدينة أثيناء اليونانية . هذه الامبروطورية الشهير التي عرفت بالحضارة والثقافية والعليمة والفلسفة الادبية والفنون الشتي . من أعظم مشاهير أثينا البلابل او الثلاثي الثقافي ألأدبي أفلاطون ، أرسطو و سقراط . أما الامبرطورية الرومانية التي عاصمتها روما فقد أشتهرت بالفن والعمارة والقانون وبسط قيم ألامن والسلام والطرق المعبدة التي تشق كل أرجاء الامبروطورية العظمي. ومن هنا جاء مضرب المثل الذي يقول : ( كل الطرق تؤدي الي روما ) . وقد شهد هذه الامبروطورية قبل أفول مجدها وغروب شمسها مولد او ميلاد الرب يسوع المسيح عندما كان أغسطس قيصر هو الحاكم الوالي بأمر القيصر في روما بينما كان هيرودس هو الملك . أما عن الامبروطورية الاشورية التي كانت عاصمتها نينوي فقد أنغمس أهل وسكان نينوي في الشر واللذة والشهوات الجنسية الاباحية. كان أهل نينوي أشرار فجار وفاقوا في شرهم وجورهم ومجونهم أهل سدوم وعمورة من قوم لوط . حيث كثر شرهم وصعد رائحة ذنوبهم وأثامهم الي السماء . وكان حال أهل نينوي يشبهون الي حد كبير ايضاً حال الناس في أيام نبي الله نوح .كما جاء في سفر التكوين الأصحاح السادس كما يلي : ( وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون علي الارض ، وولد لهم بنات ، أن بناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات . فأتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما أختاروا . فقال الرب : ( لايدين روحي في الانسان الي الابد ، لزيغانه ، هو بشر . وتكون أيامة مئة وعشرين سنةُ ) . كان في الارض طغاة في تلك الايام . . وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنو الله علي بنات الناس وولدن لهم أولاداً ، هؤلاء هم الجبابرة منذ الدهر ذوو أسمٍ . ورأي الرب أن شر الانسان قد كثر في الارض ، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم . فحزن الرب أنه عمل الانسان في الارض ، وتأسف في قلبه . فقال الرب : ( أمحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته ، الانسان والبهائم ودباباتٍ وطيورالسماء ـ لأني حزنت أني عملتهم ) . وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب . تكوين 6 : 1 - 4 هذه هي قصة الله مع الانسان والخطيئة منذ البدء . يخطيئ الانسان ويسيئ التقدير ليسامح الله ويصفح ويغفر . فيعود الانسان الكرة بعد الكرة الي الشر والخطيئة فيتحنن الله عليه ويلطف ويتغاضي عن الشر والأثم فيكفر عن الأثم والخطيئة . لكن أحياناً يغوص هذا الانسان عميقاً جدأ في وحل الشر والخطيئة ويسبح في حضيض الاثم درجةٌ وبعداً يستحيل معه عدالة الله التعامل والتسامح او التغاضي عن شر هذا الانسان والمضيئ معه قدماً في طريق زوغانه . وهذا بالضبط ما حدث في ايام نوح وهي المرة الاولي والاخيرة التي قال الله فيها : ( فحزن الرب أنه عمل الانسان في الارض وتأسف في قلبه ) . لكن الامر تكرر في أهل مدينة نينوي في ايام النبي يونان . فقد حبلت نينوي بالخطايا وأكتمل حبلها بالاوزار والأثام وصار ذنبها كاملاً . وعندما تكتمل اركان وعناصر الشر في الناس وتستفلح لا يتبقي لله من طريقة الا انزال العقوبة وتحقيق قيم ومبادئ العدالة . فيصدر الله أحكامه الناجزة ضد الشر و الخطية . واحياناً تكون الاحكام والعقوبات التي يقررها الله ضد الانسان قاسية جداً . كأن يقرر الله أن يمحو الانسان من الارض بالمياه والطوفان كما حدث في ايام نوح. او الحرق بالكبريت والنار في حالة مدينتي سدوم وعمورة اذ قرر الله أن يبيد أؤلئك البشر ويزيلهم وعارهم من الكون . أما عن الحالة التي نحن بصددها هنا وهذه الحالة نجدها حالة مغايرة جداً فالله كان مستعد ان يغير رأيه في حكمه الصادر عندما يتوب الانسان التوبة النصوحةً ويتراجع عن الاستمرار في شر أفعاله وأعماله ويترك معاصيه وتمرده ضد الله . وصار قول الرب الي يونان بن أمتأي قائلاً : ( قم أذهب الي نينوي المدينة العظيمة وناد عليها ، لأنه قد صعد شرهم أمامي ) . يونان 1 : 1- 2 كان كلام الله واضحاً جداً للنبي يونان اذ قال له : (قم وأذهب الي نينوي ) . فما كان علي يونان الا القيام فوراً بتنفيذ أوامر الله الجادة الصارمة التي لا تحتمل الجدال او النقاش ولا الاستفسار والاستفهام . لكن ماذا كانت ردة فعل يونان تجاه أمر الله . أنتم تعرفون نظرة اليهود العام للأمم حتي الانبياء منهم مثل يونان الذين يصفونهم بالحثالة والكلاب والخنازير . أما نينوي عاصمة أمبروطورية أشور التي كانت بمثابة العدوة الاولي لبني اسرائيل علي الاطلاق لانها جارتها وكانت من حين لأخر تعتدي عليها وتحتلها وتستعمرها . وبالتالي كانت نينوي في نظر بني اسرائيل عدوة تستحق عقاب الله الشديد الصارم القاسي . وهذا هو العقاب الذي انتظره اليهود طويلاً جداً . لم يستطع يونان ان يتجاوب او ان يستوعب ويفهم فكر وكلام جيداً في البداية . قال يونان في نفسه وقلبه لعلي الله في رسالته هذه المرة ينوي ويريد حقاً ان يعاقب أهل نينوي . وفكر يونان في عقله جاداً مفترضاً أن الله لا يريد حقيقة أن يرسله الي نينوي المدينة الشريرة قائلاً : ( ان الله يريد ان يختبرني ويجربني ويمتحنني ليعرف فكري وطريقي ! ) . فرفض يونان أمر الله رفضاً باتاً جملةً وتفصيلاً . وكان يونان يحاجج في مخزئ قصد الله بأرساله الي نينوي هذه المدينة الأثمة الشريرة المتمردة النجسة العاهرة الرذيلة العدوة اللئيمة. ونينوي في نظر يونان تستحق عذاب الله والمحو من الارض كما فعل الله قديماً بمدينتي سدوم وعمورة . وكانت نينوي تقع جغرافياً الي الشرق من اليهودية بمسافة ثمانيمئة ميل . فأختار يونان ان يقول لله : ( ان كانت نينوي هي بالنسبة لك يالله هي قبلة الصلاة فسأصلي هذه المرة غرباً اذا كان اليهود يصلون شرقاً! فأرجوك يالله أرجوك ان تسامحني وتغفر لي . أرجوك أرجوك يا الله فضلاً أن ترسل بيد من ترسل من أنبيائك الكثر عليك الله يا ان تبحث عن شخص اخر بدلاً مني تتوفر فيه الاستعداد او مستعداً أكثر مني للذهاب الي نينوي . أما انا يا الله فهذا من عاشر المستحيلات فأعذرني وأعفو عني وسامحني . والا فأقتلني فالموت أهون بالنسبة لي من الذهاب الي نينوي والمنادة عليها بالتوبة ومن ثم تغفر لها وتسامحها بطيبة قلبك ولطفك ورحمتك . أنت تريد يا الله أن تسامح أهل نينوي من العقوبة الصارمة التي تريد ان تنزلها عليهم . اما انا وكل شعبك اسرائيل فنحن نريد ونتمي ان تحرق نينوي بالكبريت والنار كما سبق ان فعلت بأهل مدينتي سدوم وعمورة قديماً ) . فقام يونان ليهرب الي ترشيش من وجه الرب ‘ فنزل الي يافا ووجد سفينة ذاهبة الي ترشيش ، فدفع أجرتها ونزل فيها ، ليذهب معهم الي ترشيش من وجه الرب . فأرسل الله ريحاً شديدة الي البحر ، فحدث نوءُ عظيم في البحر حتي كادت السفينة تنكسر . فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد الي الهه ، وطرحوا الامتعة التي كانت في السفينة الي البحر ليخففوا عنهم . وأما يونان فكان قد نزل الي جوف السفينة وأضجع ونام نوماً ثقيلاً . فجاء اليه رئيس النوتية وقال له : ( ما لك نائماً ؟ قم وأصرخ الي إلهك عسي أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك ) . وقال بعضهم لبعض : ( هلم نلقي قرعاً لنعرف بسبب من هذه البلية ) . فألقوا قرعاً فوقعت علي يونان . يونان 1 : 3 – 7 هنا نري كيف أختار يونان أن يهرب حتي يكون بعيداً عن الله وفي الاتجاه المعاكس تماماً لخطة ومشيئة الله . حدث هذا الشيئ الامر الغريب المريب في نفس يونان فكره ما دفعه وجعله يعمل ضد الارادة الالهية . فقط لسبب البغض والكره وروح التمييز العنصري الذي كان ولا يزال اليهود يتميزون بها ضد كل من سواهم من البشر . فعقيدة وأيدولوجية الاستعلاء القومي المغروسة في كيان يونان وكل يهودي هي التي حركته ودفعته الي رفض دعوة الله له بالذهاب الي نينوي . هذا لأن أهل نينوي لا يستحقون الحياة ابداً حسب فكره وما كان المفرض من الله ان يتعب نفسه مع هكذا أناس هم عبارة شرزمة ورعراع البشر . فلماذا يريد الله ان ينقذهم ويخلصهم من الموت لأنهم فعلاً لا يستحقون ان يحيوا . ذلك لأن قيمة الحياة وقدسيتها كثيرة عليهم جداً وهولاء لا يستحقون الحياة ابداً . وكان يونان يتمني من قرارة قلبه ويصلي الي الله طالباً من الله ان يقلب مدينة نينوي وان يحرقها بالنار اليوم قبل الغد ! . تغلبت الروح العنصرية البغيضة علي يونان وفرح فرحاً عظيماً وأنتشئ لمجرد ان الله سيهلك نينوي . لم يتهم يونان ابداً بهؤلاء القوم الكثيرين الغافيلن عن معرفة الله التائهين في دروب الحياة حسب اهوائهم المنغمسين في الشرور والخطايا . بالاحري سيطرت علي يونان النزعة القبلية وسيطرت عليه عصبية الجنس والنوع وشوشت علي فكره وأنتصرت فيه روح الكبر وغريزة الانتماء العرقي الضيق . وهذا ما نمي فيه حب الانتقام والثأئر فأختار يونان الهروب متمنياً دمار وخراب نينوي الي الابد ، أشتهت نفسه أن يري الدمار يحل بأهل نينوي جزاء شرهم وفجورهم وفساد أخلاقهم المتأصل . وسادت في نفس يونان الغيرة المستعرة والحقد الدفين . فتهللت روحه فيه وهو لا يكاد يصدق قرب نهاية نينوي لأنه لن يذهب لمناداة أهلها حتي يخلصوا من الشر المعد لهم . كان يونان في تلهف للحظة التي يصب فيه الله جام غضبه علي نينوي أعداء الله وأعداء اسرائيل لتنتهي وتنقضي مملكة الظلم والاستبداد وتزول دولة الكفر والالحاد بحد زعمه . ولم يجيش بخاطر يونان ابدأ أن الله أله رؤوف رحيم بطيئ الغضب وكثر الرحمة والاحسان والله دائماً نادمٌ علي الشر وغافر للذنوب . بعث الله بريح وعاصفة شديدة هوجاء لتحدث نوءٌ عظيم في البحرالشيئ الذي أخاف الملاحين وأرعبهم . بل جعلهم يطرحون جل أمتعة السفينة وبضائع التجار الي عرض البحر عسي ولعل أن يهدأ البحر عنهم . لكن هيهات هيهات فقد كان البحر يرخي ويزبد ويزداد عصفاً ونوء . فأحتار الربان والملاحون في أمرهم فطلبوا من كل ركاب السفينة بالرجوع الي ألهتهم والصلاة اليها طلباً للنجأة لأن السفينة وكل من بداخله بات مهدداً أنً أستمرت الامواج علي حالها تتقاذف السفينة يمناً ويسراً من موج لموج . حدث ضجيج وحالة ومن الهرج والمرج علت الاصوت دعاءاً وأرتفعت الاصوات بالصلوات والادعية . صراخ عويل وصياح وبكاء بحالة هستيرية غير مسبوقه . لأن الكل كان يصرخ بكل ايمانه لألهه عسي يفتكرهم واحد من تلك الالهة ويفتقدهم ومن ثم ينقذهم من الموت والهلاك المحقق الذي صار أقرب اليهم من حبل الوريد. وهذا يذكرني ايضاً بنبي الله ايليا وأنبياء البعل علي جبل الكرمل . فقال ايليا لأنبياء البعل : ( أختاروا لأنفسكم ثوراً واحداً وقربوا أولاً ، لأنكم أنتم الاكثر ، وأدعوا بأسم ألهتكم ، ولكن لا تضعوا ناراً ) . فأخذوا الثور الذي أعطي لهم وقربوه ، ودعوا بأسم البعل من الصباح الي الظهر قائلين : ( يا بعل أجبنا ) . فلم يكن صوت ولا مجيب . وكانوا يرقصون حول المذبح الذي عمل . وعند الظهر سخر منهم ايليا وقال : ( أدعوا بصوت عال ، لأنه الهٌ ! لعله مستغرق ٌ في نوم أو في سفرٍ ! أو لعله نائم فينتبه ! ) فصرخوا بصوت عالٍ ، وتقطعوا حسب عاداتهم بالسيوف والرماح حتي سال منهم الدم . ملوك الاول 18 : 25 - 29 ظل الربان وقضبان السفينة من الملاحون وكل الركاب يدعون يصلون ويصرخون الي ألهتم لمدة طويل لكن دون جدوي . وظل الخطر المهدد لحياة الجميع مستمر بسرعة . وعندما جاء رئيس النوتية الي يونان وجده في جوف السفينة مضجعاً وهو يغط في نوم عميق ثقيل . وهذا ما حدث للتلاميذ فيما بعد رغم وجود الرب يسوع المسيح معهم . فحدث نوء ريح عظيم ، فكانت ألامواج تضرب الي السفينة حتي صارت تمتلئٍ وكان هو في المؤخر علي وسادة نائماً فأيقظوه وقالوا له : ( يا معلم ألا يهمك أننا نهلك ؟ ) فقام وأنتهر الريح وقال للبحر : ( أسكت ! أبكم ! ) فسكنت الريح وصار هدوءٌ عظيمُ . وقال لهم : ( ما بالكم خائفين هكذا ؟ كيف لا أيمان لكم ؟ ) فخافوا خوفاً عظيماً ، وقالوا بعضهم لبعض : ( من هو هذا ؟ فإن الريح ايضاً والبحر تطيعانه ! ) . مرقس 4: 37 - 41 نعم كان يونان نائماً في مؤخرة السفينة وهو يغط في نوم ثقيل وعندما أيقظوه سائلين أياه مستغربين كيف تنوم هكذا ونحن في خطر ؟ . فقالوا له : أخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ؟ ما هو عملك ؟ ماهي أرضك من أي شعب أنت ؟ ؟ ) وعندما أخبرهم بأنه عبراني وخائف من الرب إله السماء الذي البحر والبر له ) خاف الرجال أكثر اذ أخبرهم بأنه هو سبب هذه البلية عليهم لأنه هارب من وجه الله فطلبوا منه ان يخبرهم ماذا يفعلوا به حتي يسكن البحر عنهم . فالبحر كان يزداد في أضطرابه لحظة بلحظة . فطلب منهم ان يطرحوه في البحر . تم قذف يونان في لب البحر العميق فسكنت الريح وهدأ البحر وعادت الامواح المضطربه الي حالتها الطبيعية من الهدوء والسكينة . فرح كل من كان في السفنية وتعبيراً عن فرحهم وشكرهم لأله يونان الذي أنقذ حياتهم من الهلاك قدموا القرابين والذبائح والنذور فرحاً وأبتهاجاً . أما الرب فأعد حوتاً ليبتلع يونان . فصلي يونان الي الرب إلهه من جوف الحوت وقال : ( دعوت من ضيقي الرب ، فأستجابني . صرخت من جوف الهاوية ، فسمعت صوتي . لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار ، فأحاط بي نهر . جازت فوقي جميع تياراتك ولججك . فقلت قد طردت من أمام عينيك . ولكنني أعود أنظر الي هيكل قدسك . قد أكتنفتني مياهٌ الي النفس . أحاط بي غمرٌ . ألتف عشب البحر برأسي . نزلت الي أسافل الجبال . مغاليق الارض عليَ إلي الابد . ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب ألهي . حين أعيت في نفسي ذكرت الرب ، فجاءت أليك صلاتي في هيكل قدسك . الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم . أما أنا فصوت الحمد أذبح لك ، وأوفي بما أنذرته للرب الخلاص . وأمر الرب الحوت فقذف يونان الي البر . يونان 2 : 1 - 10 بقي يونان في بطن الحوت ثلاث أيام وثلاث ليالِ وهذا أقل عقاب أراد الرب ان يعطي من خلاله درساً ليونان المعاند المتعنت . وهذا جزاء كل الذين يرفضون طاعة الله ويريدون السير بحسب أفكارهم وأن يسلكوا بأهوائهم وشهوات قلوبهم . وكانت الايام الثلاث التي قضاها يونان في بطن وهو في أعماق البحر السحيق تكتنفه المياه الي النفس وتحيط به الغمر وتلتف حول رأسه عشب البحر . فأدرك يونان وتذكر الرب فرفع صلاته الي هيكل الله القدوس. واتخليه وهو في جوف الحوت في وادي ظل وظلال مردداً مزمور داود الثالث والعشرون وهول يقول : ( الرب راعي فلا يعوزني شيءٌ . في مراعٍ خضر يربضني . الي مياه الراحة يوردني . يرد نفسي يهديني الي سبل البر من أجل اسمه .أبضاً اذا سرتٌ في وادي ظل الموت لا أخافٌ شراً لأنك أنت معي . عصاك وعكازك هما يعزيانني . ترتب قدامي مائدةٌ تجاه مضايقي . مسحت بالدهن رأسي كأسي ريا . إنما خير ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي ، وأسكن في بيت الرب الي مدي الايام . مزمور 23 ولا يكتفي يونان القابع في الظلمات والتيارات التي جازت فوقه في اللجج البعيدة بتريد آيات المزمور 23 . لكن يونان كان يسترد شريط محاولة الهرب من أعين الرب رفضاً الارسالية التي كلفه بها الرب . لانه لا ينوي لأهل نينوي التوبة والخلاص بل تمني لهم العقاب والعذاب والفناء . هذا جعله يفضل الذهاب الي ترشيش هرباً . فقد استأجر يونان السفينة ليهرب الي ترشيش . وكانت الخطة التي خططها يونان لتنفيذ عميلة الهروب من أسوأ خطط الهروب التي خطها الانسان للهروب من وجه وعيني الله . عندما ننسي نشيد داود في المزمور 139 . وعندما استدرك يونان حقيقة حمقه وغبائه وبلادة تفكيره المركب بالبلادة المزدوجة رجع يونان الي الرب بقلبه تائباً منشداً المزمور المئة والتاسع والثلاثون : ( يا رب ، قد أختبرتني وعرفتني . أنت عرفت جلوسي وقيامي ، فهمت فكري من بعيدٍ . مسلكي ومربضي ذريت ، وكل طرقي عرفت . لأنه ليس كلمةٌ في لساني ، إلا وأنت يا رب عرفتها كلها . من خلف ومن قدامٍ حاصرتني وجعلت عليِ . عجيبة هذه المعرفةٌ ، فوقي أرتفعت ، لا استطيعها . أين أذهب من روحك ؟ ومن وجهك أين أهرب ؟ أن صعدت الي السماوات فأنت هناك ، وأن فرشت في الهاوية فها أنت . إن أخذت جناحي الصبح ، وسكنت في أقاصي البحر ، فهناك ايضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك . فقلت : ( إنما الظلمة تغشاني ) . فالليل يضيئ حولي ! الظلمة أيضاً لا تظلم لديك ، والليل مثل النهار يضيءٌ . كالظلمة هكذا النور . مزنور 139 : 1 – 12 قذف الحوت يونان الي البر . وأعاد الرب أمر تكليفه ليونان بالذهاب الي نينوي : ثم صار قول الرب الي يونان ثانيةً قائلاً : ( قم وأذهب الي نينوي المدينة العظيمة ، وناد لها المناداة التي انا مكلمك بها ) . فقام يونان وذهب الي نينوي بحسب قول الرب . أما نينوي فكانت مدينةً عظيمةً لله مسيرة ثلاث أيام . فأبتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ، ونادي وقال : ( بعد أربعين يوماً تنقلب المدينة ) . فأمن أهل نينوي بالله ونادوا بصوم . ولبسوا مسوحاً من كبيرهم الي صغيرهم . وبلغ الامر ملك نينوي ، فقام عن كرسيه وخلع رداءهُ عنهُ وتغطي بمسحٍ وجلس علي الرماد . ونودي وقيل في نينوي عن أمر الملك وعظمائه قائلاً : لا تذق الناس والبهائم ولا البقر ولا الغنم شيئاً . لا ترع ولا تشرب ماءً . وليتغط بمسوح الناس والبهائم ، ويصرخوا الي الله ويرجعوا كل واحدٍ عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم ، لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك ) . يونان 3 : 3 - 9 وفي فترة وجيزة استطاع يونان ان ينادي بمنادة الرب لأهل نينوي بأنقلاب مدينتهم خلال أربعين يوماً ان لم يرجعوا الي الله ويتوبوا اليه توبة نصوحةً . وكان لمناداة يونان صداه السريع والرد الايجابي في أذان أهل نينوي الذين أخذوا المناداة محمل الجد فلبوا النداء . نعم أستجابوا الدعاء من ملكهم العظيم الي أصغر البواب الواقف عند باب الملك . لبس جميع الشعب المسوح وجلسوا تواضعاً علي الرماد وزروا التراب في السماء مظهرين الندم الكامل والتوبة الحقيقة . وكان الملك في مقدمة الشعب وكله توبة وخضوعاً لله اذ انزل الملك التاج الذهبي من رأسه وترك الصولجان جانباً ولبس مع سائر الشعب مسوح الحزن تعبيراً عن الندم والتوبة . ونادي الملك في كل الامبروطورية بالتوبة والرجوع الي الله بكل القلب وأمر بالصوم والصلاة وأعلن الحداد ونكص الاعلام . وأبدوا استعدادهم الكلي الكامل للسير فيما بعد في طريق الله وسراطه المستقيم . فتطلع الله من السماء ليري هل حقاً ندمت نينوي وتاب أهلها عن الشر ورجعت اليه بكل قلبها . عندما رأي الله الملك والملكة والامراء والوزراء وكل الشعب بل حتي البهائم من الابقار والاغنام صائمين وقد أنقطعوا عن الأكل والشراب وهم جالسين في التراب والرماد لآبسين المسوح وهم يزرفون الدموع . عندما رأي الله كل ذلك رجع الله عن حمو غبضه وسخطة وتعاطف بسمو لطفه مع أهل نينوي المدينة العظيمة . ورفع الله الشر والعقاب الذي قال به بأنقلاب نينوي خلال أربعين يوماً . أوقف الله سيف ملاك الهلاك الذي كان يجوب سماء نينوي شاهراً بسيفه علي الاعناق . ولم يفعل الله الشر الذي أعده لأهل نينوي لأنهم تابوا . هذا بعكس ما حدث قديماً مع مدينتي سدوم وعمورة اللتان قال الرب عنهما : ( واذ أشرقت الشمس علي الارض دخل لوط الي صوغر ، فأمطر الرب علي سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من السماء . وقلب تلك المدن ، وكل الدائرة ، وجميع سكان المدن ، ونبات الارض . وهذا ما يؤكد دعوة الله الصادقة الامنية . أما في قصة يوسف الواردة في سفر التكوين فالله يعطينا يوسف نموذج العفة والطهر والصدق والامانة لحياة الفرد الذي يعيش ويسير مع الله . لذلك عندما أراد أخوته وتمنوا له الشر كتب له الله خيراً كثيراً جزيلاً . بل كان حارساً ليوسف في غربته وعوضه بأمانته عن السنين التي أكلها الجراد عمراً حافل بالنجاحات والانجازات الكبيرة . أظهر الله لطفاً وعطفا كبيراً ليوسف في كل الاعمال التي قام بها رغم كل المؤامرات والدسائس التي حيكت بخبث في الظلام للتغرير به واشانتة سمعته . لكن يوسف تمكن ان يتجاوز كل أزمة بقوة وبسالة ونخوة ورجولة وشهامة وفية نادر ان تجدها في الشباب الذين في عمره . فقد كان يوسف في مكتمل النضج والرجولة متألق في الوسامة والجمال ونضارة الشباب الوجيه . كان يوسف ممتليء الجسد نابضاً بالحيوية والألق والتألق . وهذا جعل كل يراه من الجنس اللطيف يهواه ويشتهيه ويمناه ويرغب فيه . هذا كما نراه وما حدث ليوسف مع أمرأة سيده فوطيفار . وحدث بعد أن أمرأة سيده رفعت عينيها إلي يوسف وقالت : (أضجع معي ). فأبي وقال لأمرأة سيده : ( هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت ، وكل ما له قد دفعه إلي يدي . ليس هو في هذا البيت أعظم مني . ولم يمسك عني شيئاً غيركِ ، لأنكِ أمرأته . فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطي الي الله ؟ ) . وكان إذ كلمت يوسف يوماً فيوماً أنه لم يسمع لها أن يضجع بجانبها معها . وبهذا أعطي يوسف للناس مثلاً حياً معبراً وللشباب علي وجه الخصوص أسمي وأعظم معاني العفة والشرف والطهر والنقاء . ( فتدعونني وتطلبونني وتصلون اليً فأسمع لكم . وتطلبونني فتجدونني أذ تطلبونني بكل قلوبكم ) . أرميا 29 : 12 – 13
صـــــــــــــلاح أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف 10 : 11 كان يسوع المسيح رجل حكنة ومنطق في ضرب الأمثال وكانت الامثال تجري من فمه ولسانه في كل تعاليمه مجري الدم في الشريان . وأمثال يسوع كلها كانت مأخوذه من حياة الناس اليومية وتجاربهم العملية التطبيقية في كل شئون حياتهم . هذا لأن الرب يسوع المسيح الذي هو رب الخلقية كلها فالارض والطبيعة من صنع يديه الماهرتين . وهو العالم العارف بكل حوانبها ، فيما يختص بالحقول والزراعة والتربة الجيدة، ومع أنه لم يرعي الاغنام والانعام الا انه هو الرعي الصالح فهو يعرف المراعي الجيدة . وهو رب البحار والأنهار والمحيطات خبير بالصيد و الاسماك وكل الاحياء في البحار ملم بالأمواج والعواصف والرياح وأجواء المخاطر التي تكتنفها . في الهندسة والبناء والمعمار والتشييد ركز علي أهمية القاعدة والاساس الذي تقوم عليه عمبية البناء والتشييد كله مراعياً أهمية الاساس في البناء وحجر الزاوية . وتكلم الرب كثيراً في تعاليمه متناولاً كل تفاصيل الحياة اليومية وما يدور حولها خاصة أعمال الناس ومصادر الأرزاق وأكل العيش . في التجارة والكسب الحلال كما في الوظائف العامة في الدواوين الحكومية الادارية . هذا فقد لفت نظر الرب يسوع المسيح انظار العشارين وجباة الضرائب والشرطة وطلب منهم أن يخافوا الله في الناس . ولم يستثني رجال الدين في تعاليمه بل كان أكثر تشدداً تجاه ممارساتهم الخاطئة في تطبيق مبادئ الدين والشريعة والناموس . وقال لقوم واثقين من أنفسهم أنهم أبرار ، ويحتقرون الاخرين هذا المثل : ( انسانان صعدا الي الهيكل ليصليا ، واحد فريسي والاخر عشار . أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا : اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ، ولا مثل هذا العشار . أصوم مرتين في الاسبوع ، وأعشر كل ما أقتنيه . وأما العشار فوقف من بعيدٍ ، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء ، بل قرع علي صدره قائلاً : ( اللهم أرحمني ، أنا الخاطيئ ) . أقول لكم : أن هذا نزل الي بيته مبرراً دون ذاك ، لأن من يرفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع ) لوقا 17 : 9 14 جاء الرب يسوع المسيح ليصلح ويجري أصلاحات لكل ما خربه الشيطان في الانسان فأن صلح هذا الانسان أمكن أصلاح كل شيئ وأن فسد الانسان فسدت الارض كلها بما فيها ومن عليها . ولأجل الصلاح والاصلاح كانت الفطرة الانسانية التي خلق الله الانسان عليها قانوناً طبيعياً غير مكتوب بحبر علي الورق لكنه ناموساً موضوعاً في القلوب بالفطرة الطبيعية . فكل أنسان يولد وينشأ ويتربي وهو يميز ويعرف تلقائياً مبدأ الخطأ والصواب فالطفل الصغير يعرف بأن أخذ ما ليس له هو سرقه وهذا حرام . كما يعرف بأن التعدي علي الاخرين وضرب الاطفال الصغار مثله هو خطأ يمكن ان يؤدي الي الاذي والالم وهذا جريمة . فالاطفال الصغار مولودون ومجبولون علي البرائة والنقاء في قلوبهم وسرائرهم . وكل النواميس والقوانين والشرائع السماوية والعرفية المتكوبة وغيرها كلها الموحية تصب في خانة أصلاح هذا الانسان وتقويم سلوكه وكل حياته حتي يكون انساناً سوياً يعرف قدر نفسه ويحترم الاخرين . فحياة البشر مشتركة ومتداخلة تتخللها شعاب متفرقة يحتاج فيها الانسان لأخيه الانسان في مشتراكات كثيرة تتقاطع مع بعضها ولا تتجزأ . تحذير الرب من رياء رجال الدين وتكلم الرب يسوع المسيح عن القدوة الحسنة والقيادة الرشيد والأصلاح والصلاح موبخاً زيف ورياء رجال الدين من الكهنة والكتبة والفريسيين . محذراً تلاميذه والجموع وكل الذين كانوا يمشون ورائه من أتباع سلوكهم السيئ او السير وراء طريق ضلالهم . وهذه هي كلمات الرب يسوع المسيح عن القادة والرؤساء في كل زمان ومكان . حينئذٍ خطاب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً : ( علي كرسي موسي جلس الكتبة والفريسيين ، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فأحفظوه وأفعلوه ، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا ، لأنهم يقولون ولا يفعلون . فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلةً عسرة الحمل ويضعونها علي أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم ، وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس : فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم ، ويحبون المتكأ الاول في الولائم ، والمجالس الاولي في المجامع ، والتحيات في الاسواق ، وأن يدعوهم الناس : سيدي سيدي ! وأما أنتم فلا تدعوا سيدي ، لأن معلمكم واحدٌ هو المسيح ، وأنتم جميعاً أخوةٌ . ولا تدعوا لكم أباً علي الارض ، لأن أباكم واحدٌ الذي في السماوات ، ولا تدعوا معلمين ، لأن معلمكم واحدٌ المسيح . وأكبركم يكون خادماً لكم . فمن يرفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع . متي 23 : 1 – 12 يقول الكتاب المقدس : ( أن ما يزرعه الانسان اياه يحصد ، لأن من يزرع لجسده يحصد فساداً ، ومن يزرع للروح يحصد حياة أبدية ) . وفي مثل الرجل او الشاب الغني الذي تقدم الي السيد يسوع المسيح قائلاً : ( أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الابدية ؟ ) فقال له : لماذا تدعوني صالحاً . ليس أحدٌ صالحاً الا واحد وهو الله . أنت تعرف الوصايا : لا تزن ، لا تقتل ، لا تسرق . لا تشهد بالزور . أكرم أباك وأمك ) . فقال : ( هذه حفظتها منذ حداثتي ) فلما سمع يسوع ذلك قال له : ( يعوزك أيضاً شيءٌ : بع كل مالك ووزع للفقراء ، فيكون لك كنز في السماء وتعال وأتبعني ) . فلما سمع ذلك حزن ، لأنه كان غنياً جداً . فلما رأه يسوع قد حزن ، قال ما أعسر دخول ذوي الاموال الي ملكوت الله ! لوقا 18 : 18 – 26 لقد جاء هذا الرجل الي يسوع المسيح بدوافع شخصية منها الفضول والغرور وحب الظهور أمام الجمهور والتباهي أمامهم مظهراً نفسه بما يملك من غني . لأنه كان صاحب أموال وغني وجاه ومجد ، فقد سأل يسوع في نطاق دائرة أهتمامته وكيفية توظيف المال واستخدمه مركزاً السؤال حول ما ينبغي أن يعمله حتي يرث الحياة الابدية . وفهم الرب ما كان يقصده الشاب الغني عندما تملقه واصفاً أياه بالمعلم الصالح فتكلم معه بأنه لا يوجد أحد صالح الا الله وحده . هذا لأن الرب يسوع المسيح عرف من كلام الشاب بأنه كان يدعي لنفسه الصلاح بحسب غناه وما كان ينفقه من أموال للفقراء والمساكين والايتام والارامل . فقد كان الشاب يريد ان يتباهي أمام الناس باعماله الصالحة ، بينما أراد الرب يسوع أن يكشف للشاب الجوانب الايمانية العملية التي كان يجهلها لضحالة أيمانه العملي وفذكره بالمزمور الرابع عشر . قال الجاهل في قلبه : ( ليس إله ) . فسدوا ورجسوا بأفعالهم . ليس من يعمل صلاحاً . الرب من السماء أشرف علي بني البشر ، لينظر : هل من فاهم طالب الله ؟ الكل قد زاغوا ، فسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحدٌ. مزمور 14 : 1 – 3 كما اراد الرب يسوع المسيح أيضاً أن يذكره بما جاء في المزمور 119 بم يزكي الشاب طريقه . بحفظه حسب كلامك . بكل قلبي طلبتك . لا تضلني عن وصاياك . خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطي اليك . مبارك أنت يا رب . علمني فرائضك . بشفتي حسبت كل أحكام فمك . بطريق شهاداتك فرحت كما علي كل الغني . بوصاياك ألهجٌ وألاحظ سبلك . بفرائضك أتلذذ . لا أنسي كلامك. مزمور 9 : 9 – 15 الشاب الغني وسأله رئيس قائلاً : ( أيها المعلم الصالح ، ماذا أعمل لأرث الحياة الابدية ؟ ) . فقال له يسوع : ( لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحدٌ صالحاً الا واحد وهو الله . أنت تعرف الوصايا : لا تزن . لا تقتل . لا تسرق . لا تشهد بالزور . أكرم اباك وأمك ) .فقال : ( هذه كلها حفظتها منذ حداثتي ) . عندما سأل الرب الشاب أن كان يحفظ الوصايا العشر كان الشاب متحمساً متسرعاً في الاجابة ومتعجل . فأبدئ الرب استحساناً وأشاد به مادحاً اياه لكنه طلب منه ان يتخلي عن كل أمواله ويترك كل شيئ ورائه وان يأتي ويتبعه . هنا فقط نري كيف صدم الشاب وأحبط جداً وحزن أكتأب من كلام الرب يسوع المسيح وفأنصرف ولم يعد فيما بعد يطلب الرب يسوع المسيح . فلما سمع يسوع ذلك قال له : ( يعوزك أيضاً شيئ : بع كل ما لك ووزع علي الفقراء ، فيكون لك كنز في السماء ، وتعال أتبعني ) . فلما سمع ذلك حزن ، لأنه كان غنياً جداً . فلما رأه يسوع قد حزن ، قال : ( ما أعسر دخول ذوي الاموال الي ملكوت الله ! من هنا نفهم بأن غني هذا الشاب وماله الكثير لم يكن نتاج عن عمل وكفاح وبذل وعطاء لكنها كانت وراثة ورثها من أبيه او أمه وأحد أجداده الأثرياء . ظن الشاب بأن كل شيئ في هذه الحياة هين وسهل لا يستحق التعب والجهد والعناء للحصول عليه وتحقيقه فطلما أتته الاموال والشهرة والمجد عن طريق الوراثة . فما الذي يمنعه من نيل الحياة الابدية بنفس الطريقة أي بالوراثة . اذ قال ليسوع مباشرة : ( ماذا أعمل لأرث الحياة الابدية ) لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمراً ردياً ، ولا شجرةٌ ردية تثمر ثمرأ جيداً . لأن كل شجرةٍ تعرف من ثمرها . فأنهم لا يجتنون من الشوك تيناً ولا يقطفون من العليق عنباً . الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح ، والانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر . فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه . لوقا 6 : 43 – 45 خاب ظن الشاب في الرب يسوع المسيح ، لأنه كان يفتكر في نفسه أن يسوع سيتملقه ويمتدحه شأنه شأن كل الاخرين ويرفع من شخصته أمام تلك الحشود التي كانت تسير معه . فالجموع حين رأته قادماً من بعيد أسرعت وأفسحت له المجال وفتحت له الطريق فسار بخيلاء وكبر ومرح وارتياح الي أن وصل الي حيث كان المعلم جالساً . تفحص المعلم في مظهر الشاب وطريقة وأسلوب كلامه جيداً وسبر الرب العارف القلوب والفاحص الكلي سبر أعماق هذا الشاب . لذلك فضل الرب يسوع المسيح أن يعطي لهذا الشاب درساً في الادب والاحترام والاتزان . فضح الرب المسيح غرور الشاب وأنب شكله الذي ينم عن الانفة والاذدراء . أرجع المسيح الشاب المتفاخر بالمال والجاه والي مدرسة الوداعة والتواضع حيث يعرف المرء قدر نفسه ولا يتعالي علي الاخرين . فقد كان هذا الشاب كما يبدو معجباً كثيراً بنفسه ومغروراً بكثرة ماله أو أمواله وغناه فأدرك الرب ضحالة فكره وقلة معرفته حتي أن أدعي بأنه حفظ الوصايا العشر منذ ان كان طفلاً في مدارس الأحاد . عرف الرب سر الغرور ومكمن الكبرياء . والاعتزاز بالنفس ورؤية الناس من طرف الانف . فقال له الرب : ( أذهب وبع كل ما لك ووزع للفقراء والارامل والايتام وتعال وأتبعني أن كنت حقاً تريد وراثة الحياة الابدية . المسيح صالحنا مع الله بموته يقول بولس الرسول بخصوص المصالحة مع الله التي تمت بواسطة الرب يسوع المسيح . فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار . ربما لأجل الصالح يجسر أحدٌ ايضاً أن يموت . ولكن الله بين محبته لنا ، لأنه ونحن بعد خطاةٌ مات المسيح لأجلنا . فبالأولي كثيراً ونحن متبررون ألأن بدمه نخلص به من الغضب ! لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت أبنه ، فبألألي كثيراً ونحن مصالحون بحياته ! وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً بالله ، بربنا يسوع المسيح ، الذي نلنا به ألأن المصالحة . رومية 5 : 7 – 11 يجدر بنا الاشارة هنا الي عملية الاصلاح التي جاء بها الرب يسوع المسيح حتي لا يفوتنا ما قام به يوحنا المعمدان . فيوحنا المعمدان هو الذي جاء في مقدمة ركب المسيح حتي يعد له الطريق ويجعل سبله مستقيمة ويقوم كل معوج ويصلح كل مخرب ويبني كل مهدم . وأن جاء المعمدان والمسيح في عهد الامبروطوبة الرومانية التي كانت تحكم بيد من حديد وبقوة مفرطة لا تتساهل في أعمال القانون والسلطة . لكن كانت ايضاً توجد ثغرات كثيرة في النظام والسلطة الرومانية فكثر الفساد الاداري في الدواوين الحكومية . كما استشرت المحسوبية والمحاباة بين الناس وبرز أنف النعرات الاثنية والتمييز العنصري بين الجنسيات . وكان لليهود تمييز ايجابي في ممارسة بعض السلطات الديينة في وسط اليهود وحق لهم ممارسة الشرائع والطقوس الدينية . كما أتيح لرجال الدين والقادة من الكتبة والفريسيين نفوذ كبير في أطار الهيكل . كما كان لهم بعض من السلطان المحدودة في توجيه الاتهام والامر بالقبض علي المجرمين وفي أصدار بعض الاحكام الدينية التي لا تتعارض مع القانون الروماني العام. وهذا ما نراه في محاكمة الرب يسوع المسيح من القبض عليه وتقديمة لبيلاطس الحاكم الرماني بتوجيهات منهم . وهنا نري مدي تأثير اليهود في توجيه السلطات وتحريك بوصلتهم في تحقيق رغباتهم حتي أن كانت هذه الرغبات تتعارض مع القانون الروماني . وكان الفساد المالي مستشرياً بصورة كبيرة مبالغ فيه من أعلي هرم القمة والسلطة الدينية المتمثلة في رؤساء الكهنة سوا أكان قيافا او حماه حنانيا . فقد رشي هؤلاء الحراس في صبيحة القيامة التي شهد الحراس أحداثها لكنهم رشوهم ليقولوا بأن التلاميذ أتوا ليلاً وسرقوا جسد الرب يسوع المسيح وهم نيام . وإذا قوم من الحراس جاءوا إالي المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان . فأجتمعوا مع الشيوخ ، وتشاوروا ، وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين : ( قولوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام . واذا سمع الوالي فنحن نستعطفه . ونجعلكم مطمئنين ) فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم ، فشاع هذا القول عند اليهود الي هذا اليوم . متي 28 : 11 - 15 يوحنا المعمدان قائد المصلحين قلنا أن يوحنا كان صوتاً قوياً منادياً للجميع بالحق والعدل والاستقامة ولم يكن يخشي في قول الحق لومة لائم . وقد واجه الشر في كل مكان حتي في قصر الملك هيرودس الذي لم يكن يتخيل او يتوقع ان ينتقده أي كائناً كان في أدق تفاصيل حياته وممارساته الاجتماعية الشنيعة الشريرة . وكان هيرودس الملك يمارس الرذيلة والفاحشة في قصره مع هيروديا زوجة أخيه فيلبس . فهاجمه يوحنا بشره في عقر داره . لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا أمرأة فيلبس أخيه ، اذ كان قد تزوج بها . لأن يوحنا كان يقول لهيرودس : ( لا يحل أن تكون لك أمرأة أخيك ) . كان يوحنا وهو في البرية محاربا شرساً لقوي الشر وأعوان الشيطان وكان يهاجمهم بشدة وصلابة وبعناد قوي هو مؤيد بقوة الله والروح القدس ليعد طرق الرب المستقيمة . كان يجاهر ويتكلم بصوت الله بحسب ما هو مكتوب في سفر اشعياء النبي القائل : صوت صارخ في البرية : أعدوا طريق الرب ، أصنعوا سبله مستقيمة . كل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض ، وتصير المعوجات مستقيمة ، والشعاب طرقاً سهلةً ، ويبصر كل بشرٍ خلاص الله ) وهذا ما دفع كل الناس في كل أورشليم واليهودية والسامرة يخرجون جمعات جمعات الي البرية يطلبون يوحنا . وكانوا يستمعون اليه بأذان صاغية ونفوس راغبة وبقلوب واجفة وكانت ضمائرهم تبكتهم كما يقول لنا البشير لوقا . شاهد الناس أعمال يوحنا المعمدان وشاهدوا ما كان يتحلي به من التواضع في المظهر والصرامة في القول الحق . فقد ترك يوحنا بيت أبيه زكريا الكاهن وكل ما كان ما يتمتع به ابناء الكهنة من الامتيازات الكهنوتية . فقد كان الكهنة يحسبون من الطبقة الارسطقراطية الذين يحسب لهم الكل حساب . فهم مفرزين في كل شي من العيش يأكلون أطيب الأطعمة المأخوذة من الذبائح التي كانت في تقدم الهيكل . وكانوا ولا زالوا مميزين في اللبس والرغد والرفاه الاجتماعي من العز والتنعم . ويجوز هنا أن نشير الي نوعية حياة الكهنة بما جاء في انجيل لوقا القائل : ( كان أنسان غنيٌ وكان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفهاَ . لوقا 16 : 19 . ترك يوحنا المعمدان هذه الحياة التي يتمناها كل إنسان وأختار الحياة الخشنة في البرية حيث كان يأكل الجراد وعسل البرية . ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الجمال بدلاً من البز والاجوان ، وكان علي حقويه منطقةٌ من جلد . وكان طعامهٌ جراداً وعسلاً برياً . متي 3 : 4 . هذا الاشياء هي التي كانت الأكثر جذباً للناس الي يوحنا وهذا أمالهم اليه من كلمات كلامه وخطبه النارية . أدرك الناس حقيقة الصلاح والاصلاح التي جاء بها المعمدان وكانوا كلهم يرددون ماذا نعمل لأصلاح حالنا الذي لا يعجبنا وهو بالتبع حال لا يعجب الله رب السماوات والارض ! أو ماذ نفعل لنكون أناس صالحين في نظر الله . فعلمهم يوحنا المعمدان وعمدهم بالماء قائلاً : ( لأغنيائهم أن يشاركوا إخوانهم وإخواتهم الفقراء المساكين في أموالهم وان يتكفلوا بهم . وعلي كل من له ثوبان فليعط من ليس له . وكل من فاضت مائدته بالطعام فلا يبخل به علي أولاد جيرانه الجياع الذين تتقطع أمعائهم بالجوع . وعندما أتي اليه العشارين وجباة الضرائب محتارين في أمرهم ، أرشدهم بأن لا يستوفوا اكثر مما فرض لهم . وهذا هو نفس الامر الذي طلبه من الجنود طالباً منهم بأن يراعوا حقوق الناس وان لا يظلموهم ) . وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه : ( يا أولاد الافاعي ، من أراكم أن تهربوا من الغضب الاتي ؟ فأصنعوا أثماراً تليق بالتوبة . ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً . لأني أقول لكم : أن الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم . والأن قد وضعت الفأس علي أصل الشجرة ، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقي في النار ) . لوقا 3 : 7 – 9 فأقبل اليه كل شرائح المجتمع وفئاته المختلفة وهم يتسألون كلِ حسب ما كان ينتابه وينخس ضميره ويشعر به من ذنوب وخطايا وأثام . كان الكل يتقدم الي يوحنا بعقدة ذنبه متسائلاً : قل لي يا يوحنا ماذا أفعل انا ، لأنني عبد شرير أقترفت الكثير الكثير من المعاصي والشرور والذنوب . وجاءه العشارون وجنود الهيكل وكثيرين من الاغيناء المؤسرين وكافة طبقات المجتمع وسأله الجموع قائلين : ( فماذا نفعل ؟ ) . فأجاب وقال لهم : ( من له ثوبان فليعطي من ليس له ، ومن له طعام فليفعل هكذا ) . وجاء عشارون أيضاً ليعتمدوا فقالوا له : ( وماذا نفعل نحن ؟ ) . فقال لهم : لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم ) . وسأله الجنود أيضاً قائلين : ( وماذا نفعل نحن ؟ ) فقال لهم : ( لا تظلموا أحداً ، ولا تشوا بأحدٍ ، وأكتفوا بعلائفكم ) . وعندما جاء الواحد الكامل الرب يسوع المسيح وهو الراعي الصالح الباري . جاء مثال للكمال وأنموذج شامل لكل ما ينبغي ان يتبع في هذه الحياة . أعطي الخطوط العريضة فيما يختص بالصلاح والأصلاح لكل ما أفسده الدهر . و ما علي البشر الا بأتباع خطوات الرب يسوع لبناء المجتمع ألأمن والمسالم الصالح الذي ينعم بالاستقرار والرخاء والاذدهار . قدم يسوع حياته مثالاً حياً لما يجب أن يكون عليه حياة الفرد في البذل والعطاء والتضحية بالنفس لأجل الاخرين . وقد دفع حياته وسفك دمه الثمين ضريبة غالية لفداء الناس وأصلاحهم . وبهذا صار يسوع المسيح نفسه أعظم قوة دفعت من الله الي العالم من أجل الصلاح والاصلاح منذ بدء الخليقة والي الان والي أبد الابدين بل الي دهر الداهرين. يسوع هذا هو حمل الله الكامل وهو الوحيد بين كل بني البشر الذي كان بلاعيب ولا وجد في فمه غش . وقد قدم حياته ومات علي عود الصليب ليهب الحياة الابدية . وهذ هو الاستحقاق الذي فرضته خطية أدم وحواء وبموجبه حكم عليهما بالموت عندما خالفا وصية الله . القائلة : ( وأوصي الرب الاله أدم قائلاً : ( من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل منها ، موتاً تموت ) . أخطأ أدم وأكل من الشجرة التي أوصاه الله أن لا يأكل منها وبذلك أستحق الموت .لأن أجرة الخطيئة هي الموت . الجندي الصالح للمسيح بهذا يناشد ويطلب الرب يسوع المسيح من الذين قبلوا أسمه القدوس بأن يكونوا كالجنود الصالحين في الانضباط والانصياع وأتباع الاوامر الصارمة التي تصدر لهم من قادتهم . وهذا ما نصح به الرسول بولس تلميذه تيموثاوس بأن يكون قدوة للأخرين قائلاً له : ( لا يستهن أحدٌ بحداثتك ، بل كن قدوة للمؤمنين : في الكلام ، في التصرف ، في المحبة ، في الروح ، في الايمان ، في الطهارة . الي أن أجيء أعكف علي القراءة والوعظ والتعليم . لا تهمل الموهبة التي فيك ، المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة ، أهتم بهذا ، كن فيه ، لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيئ . لاحظ نفسك والتعليم وداوم علي ذلك ، لأنك إذا فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً . تيموثاوس الاولي 4 : 12 – 16 طاعة السلطات لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ، لأنه ليس سلطانٌ إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله . حتي من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله ، والمقامون سيأخذون لأنفسهم دينونة . فان الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة . أفتريد أن لا تخاف السلطان ؟ أفعل الصلاح فيكون لك مدح منه ، لأنه خادم الله للصلاح ! ولكن إن فعلت الشر فخف ، لأنه لا يحمل السيف عبثاً ، إذ هو خادم الله ، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر . رومية 13 : 1 – 4 عليه علي الرجل الصالح الذي يجب و يحب الخير وهو يسعي أن لعمل الصلاح عليه أن يكون خاضعاً للرئاسات والسلاطين الخاضعة. علماً بأن السلطات الكائنة ليست عبثاً بل هي من عند الله فهو الذي أوجدها لترتيب وتنظيم وتقويم شئون البشر . وعلي هذا الاساس يجب علي الجميع الخضوع لها وطاعتها فيما يصنع مشيئة الله في الارض . هذا ما يطالب به الرسول بولس تلميذه تيطس بأن يعلم الجميع ويذكرهم بوجوب السير في طريق الصلاح وان لا يحيدوا عن الاصلاح والتصالح مع الله والناس . ذكرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين ، ويطيعوا ، ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح . ولا يطعنوا في أحدٍ ، ويكونوا غير مخاصمين حلماء ، مظهرين كل وداعة لجميع الناس . تيطس 2 : 1 – 3 صراع الروح والجسد في حياة الأنسان الداخلية توجد قوي تتصارع في جسده وروحه . فالنزاع الدائر بين الروح والجسد هو معركة الضمير اليقظ الذي يريد أن يطيع الله وان يفعل الصلاح بينما تنازعه القوي الشريرة الكامنة في الرغبات والشهوات الجسدية الانية . تلك التي تتمثل في الاشتهاء لفعل ما هو ضد أرادة الله وهنا يواجه الانسان نفسه بضغوطات هائلة وتجاذبات تشده في الاتجاهات المتعاكسة . بين الاستجابة والاذعان للشر والرفض والخضوع للخير . هذا ما جسده لنا الرسول بولس ايضاً الذي عاني نفس المعاناة التي يواجهها كل أنسان حتي يفعل ما لا يريد الله منه ان يفعله . فإني أعلم أنه ليس ساكن في ، أي في جسدي ، شيئ صالح . لأن الارادة حاضرة عندي ، وأما إن أفعل الحسني فلست أجدُ . لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لا أريده فأياه أفعل . فأن كنت أفعل ما لست أريد ، فلست بعد أفعله أنا ، بل الخطية الساكنة فيَ . إذ أجد الناموس لي حينما أريدٌ أن أفعل الحسني أن الشر حاضر عندي . فإني أسر بناموس الله بحسب الانسان الباطن . ولكني أري ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ، ويسبيني الي ناموس الخطية الكائن في أعضائي . ويحي أنا الإنسان الشقي ! من ينقذني من جسد هذا الموت ؟ أشكر الله بيسوع المسيح ربنا ! إذاً أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ، ولكن بالجسد ناموس الخطية . رومية 7 : 18 – 25 ويقول بولس بخصوص ضعف الجسد النزوع الي الافتخار بصلاح الذات . ولئلا أرتفع بفرط الاعلانات ، أعطيت شوكة في الجسد ، ملاك الشيطان يلطمني ، لئلا أرتفع . من جهة هذا التصرف تضرعت الي الرب ثلاث مراتٍ أن يفارقني . فقال لي : ( تكفيك نعمتي ، لأن قوتي في الضعف تكمل ) . فبكل سرورٍ أفتخرٌ بل بالحري في ضعفاتي ، لكي تحل علي قوة المسيح . لذلك أسرُ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح . لأني حينما انا ضعيفٌ فحينئذٍ أنا قوي . كورنثوس الثانية 12 : 7 – 10
إيـــمان وأما الأيمان فهو الثقة بما يرجي والأيقان بأمور لا تري . العبرانيين 11 : 1 يقول أحد الفلاسفة المؤمنين : ( أمن فأن كان هنالك حياة أبدية فستربحٌ وأذا لم يوجد فسوف لن تخسر شيئاً ) . وقال الرب الأله لأبراهيم : ( أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلي الارض التي أريك . فأجعلك أمة عظيمةٌ وأباركك وأعظم آسمك ، وتكون بركة . وابارك مباركيك ، ولاعنك ألعنه . وتتبارك فيك جميع قبائل الارض . تكوين 12 : 1 - 3 لقد أمن ابينا إبراهيم بالله فحسب له براً . صدق ابرهيم كلام الله وقبل وعد الله الصادق الأمين ولملم أطرافه وتوكل علي الله وخرج تاركاً موطنه ووطنه أرض أجداده وأبائه . حسم ابراهيم الامر ولم يدخل مع الله في أي نقاش او جدال لأن أمر الله كان أمراً واضحاً لا غموض ولا لبس فيه . أمن إبراهيم بأن الله سيهبه وطنٌ أفضل ، فتطلع الي المستقبل البعيد ليري بعيون الايمان ذاك الوطن السعيد الذي يفيض لبناً وعسلاً . وبالايمان ايضاً ضحكت ساره وصدقت كلام الله الذي قال به الملاك . أمنت ساره أنها ستحبل وستلد لإبراهيم ولداً بعد سن الشيخوخة وتقدم العمر وأنقطاع عادة النساء فتمم الله إيمانها بولادة أسحاق وليس إسماعيل لأن إسحاق هو أبن الوعد الالهي . اما اسماعيل فهو أبن هاجر الجارية المصرية ووعد كان وعداً لسارة البارة . وبالايمان لم يتأخر إبراهيم عن تقديم أبنه الوحيد الحبيب إسحاق ذبيحة وقرباناً لله . فأرسل الله حملاً وكبش الفداء من السماء . وبالايمان نظر إبراهيم الي الامام وعبر القرون فرأي أورشليم مدينة الله الفاضلة السماوية ، مسكن الله مع الملائكة والقديسين الاباء والانبياء وكل المؤمنين جيلاً بعد جيل . ومع انه لم يدخلها بعد الأ انه صدق الوعد وحسب له ذلك براً . فهؤلاء كلهم ، مشهوداً لهم بإلأيمان ، لم ينالوا المواعيد ، إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل ، لكي لا يكملوا بدوننا . العبرانيين 11 : 39 هكذا حتم علي الناس العيش والايمان بالله والايقان او الثقة بأمور الله الأزلية في الكون ، والثبات في عهود ووعود الله السرمدية الصادقة الامينة . لأن الله هو الحق والحقيقة الكاملة وهو الوعد والعهد الدائم النافذ الثابت الذي لا يتزعزع ولا يتغير ولا يوجد فيه الدوران او ظل التغيير . فالله الرب الأله القدير القدوس البار هو حامل كل الاشياء بكلمة قدرته . وبالايمان ايضاً نؤمن ونصدق ونثق في كلمة الله . بالايمان نؤمن بأن المسيح هو أبن الله الحي الذي جاء الي العالم في ملء الزمان ليهب الخلاص المجاني ويعطي الحياة الافضل أملاً ورجاء . وهذه وتلك الايمانيات المبنية علي الاساس الثابت الراسخ في الله الأب والله الأبن والله الروح القدوس الذي كان وهو الكائن منذ البدء والازل وسيبقي أبد الدهر. الله بعد ما كلم الاباء والانبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرةٍ ، كلمنا في هذه الايام الاخيرة في ابنه ، الذي جعله وارثاً لكل شيئ ، الذي به أيضاً عمل العالمين . الذي هو بهاء مجده ، ورسم جوهره ، وحامل كل الاشياء بكلمة قدرته ، بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الاعالي ، صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم . العبرانيين 1 : 1 – 4 فبهذا الأيمان القوي المنقطع النظير نعلم ونعرف وندرك جيداً ، أن يسوع المسيح ، المسيا . هذا هو الأبن الوحيد الحبيب الذي هو الان في حضن الأب . والمسيح قد جاء الي العالم مولوداً بقوة الروح القدس من مريم العذراء حسب وعد الله السابق وقبل الاف السنين علي فم النبي اشعياء . ثم عاد الرب وكلم أحاز قائلاً : ( أطلب لنفسك آيةً من الرب ألهك . عمق الطلب أو رفعهٌ الي فوق ) . فقال آحاز : ( لا أطلب ولا أجرب الرب ) . فقال : ( أسمعوا يا بيت داود ! هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتي تضجروا إلهي ايضاً ؟ ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةٌ ها العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعو أسمه ( عمانوئيل ) . اشعياء 7 : 10 – 14 هذا هو الرب يسوع المسيح الذي أسمه ( عمانوئيل ) الذي تفسيره الله معنا . جاء المسيح الي هذا العالم الذي ولد فيه وترعرع طفلاً صغيراً ونشأ فتي صبياً في شبيبته وشاباً يانعاً كسائر الشباب ثم صار رجلاً مكتملاً مثل كل أبناء البشر في كل شيئ ما عدا الأثم والخطيئة . لأن أصل المسيح القدوس البار لم يكن بذرة من بذور ابينا أدم الخاطيئ . بل أبن الله الاب وروحه القدوس او كلمة منه أن شئت . وعاش المسيح بين الناس وعمل بينهم المعجزات والعجائب كاشفاً عن القوة والقدرة الالهية بيده السلطان والجبروت الألهي الكلي . وبهذه القوات شفي المرضي فتح أعين المولودين بالعمي بلمسة او مسحة من يديه . بل أحياء الأموات وأقامهم باعثاً اياهم أحياء وأعلن بذلك أنه رب الحياة وللموت عنده مخارج اشبع الجياع خيرات بخمس خبزات وسمكتين أشبع به أكثر من خمسة الاف رجل ما عدا النساء والأطفال وفاض الأكل عن الأكلين وزاد عنهم الطعام وفضل منه الكثير جداً . وبإلأيمان ايضاً نعترف أن الطبيعة كلها تحت سلطانه وأخضعت وتخضع له وهو الوحيد الذي مشي علي الماء . وعندما طلب تلميذه بطرس أن يأمره أن يمشي علي الماء مثله أمره ومشي بطرس مثل الرب يسوع المسيح سيده علي الماء . الا أن بطرس لم يكن كامل الايمان بيسوع وعندما أبصر يميناً ويسارا وابعد عينيه وفكر قلبه عن الرب يسوع وحين غامر بطرس الشك أبتدأ يغرق . كان يأمر العواصف والرياح وأمواج المياه الهائجة المتلاطمة وبكلمة منه يزجرها فتطيعه وتهدأ وتسكن ! . وبالايمان نستطيع أن نقول مع بولس الرسول : ( فأن كلمة الصليب عند الهالكين جهالةُ ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله . لأنه مكتوبٌ : ( سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء ) أين الحكيم ؟ أين الكاتب أين مباحث هذا الدهر ؟ ألم يجهل الله حكمة هذا العالم ؟ لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة ، أستحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة . كورنثوس الاولي 1 : 18 – 21 وفي الصليب الذي يسخر منه هذا العالم الجاهل ويستفزون المؤمنين ، في الصليب تكمن قوة وقدرة الله التي فاقت وتفوق كل تصور فكر الانسان للخلاص والحياة الافضل . وبالايمان نعلن ونشهد أن المسيح مات وقبر ودفن وبهذا الايمان ايضاً نعلن ونشهد أن المسيح قد قام من بين الأموات في اليوم الثالث . قام الرب يسوع المسيح من بين الأموات بجسده المحسوس الملموس وشهد له تلميذه يوحنا الذي كان يحبه قائلاً : ( الذي كان في البدء ، الذي سمعناه ، الذي رأيناه بعيوننا ، الذي شاهدناه ، ولمسته أيدينا ، من جهة كلمة الحياة . فإن الحياة أظهرت ، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب وأظهرت لنا . الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به ، لكي يكون لكم أيضاً شركةٌ معنا . وأما شركتنا نحن فهي مع الاب ومع ابنه يسوع المسيح . ونكتب اليكم لكي يكون فرحكم كاملاً . يوحنا الاولي 1 : 1 – 4 بهذا الايمان المسلم لنا من الاباء والانبياء ورسل المسيح الاتقياء بهذا الأيمان نتكلم و نذيع ونخبركم معلنين . بهذا الايمان الذي لا يعبر عنه نشهد أن المسيح الان قائم عن يمين الاب حيث صعد وذهب ليعد لنا المكان في السماء . وبالايمان نقر أن المسيح سيأتي عن قريب وستراه كل عين وأننا نحن المؤمنين به سنراه في مجده الأتي فوق السحاب وجهاً لوجه . وهذا تأكيداً لقول الملاك للتلاميذ الذي قال لهم عند صعود الي السماء من فوق جبل الزيتون . ولما قال لهم هذا أرتفع وهم ينظرون . وأخذته سحابة عن أعينهم . وفيما هم يشخصون إلي السماء وهو منطلق ، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض ، وقالا : ( أيها الرجال الجليليون ، ما بالكم واقفين تنظرون الي السماء ؟ إن يسوع هذا الذي إرتفع عنكم الي السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً الي السماء ) . أعمال الرسل 1 : 9 - 11 هذا ايضاً ما أكده بولس الرسول وهو يقول لنا : ( ثم لا أريد أن تجهلوا أيها ألاخوة من جة الراقدين ، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم . لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام ، فكذلك الراقدين بيسوع سيحضرهم الله ايضاً معه . فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب : أننا نحن الأحياء الباقين الي مجيئ الرب ، لا نسبق الراقدين , لأن الرب نفسه بهتاف ، بصوت رئيس ملائكةٍ وبوق الله ، سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون أولاً . ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحاب لملاقاة الرب في الهواء ، وهكذا نكون كل حين مع الرب . لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام .تسالونيكي الاولي 4 : 13 – 18 فيا له لروعة هذا المشهد العظيم العجيب والرائع جداً عندما يلتقي والاموات والاحياء في السحاب وهم يستقبلون الرب يسوع الاتي من الملكوت والمجد العتيد أن يستعلن فينا . لذلك علينا ان نعض علي هذا الايمان بالنواجذ لأنه هو الايمان الذي لا يضاهيه أي إيمان أخر ما في السماوات ولا ما علي كل ارض فهذا هو لإيمان الذي لا يسبر غوره . فيا له أيمان فائق الوصف في الكمال الرباني في الطول والعرض في والعمق والارتفاع في العلو والسمو . وهذا الايمان يظهر لنا أكثر بجلاء ووضوح في مناشدة الرسول بولس لأبنه في الايمان تيموثاوس الذي يصفه بالابن الصريح في الايمان . فبولس يطلب من تيموثاوس ان يكون أكثر ثباتاً ورسوخاً في الايمان ، لأن بولس نفسه كان مثالاً حياً لنا جميعاً في الثبات والرسوخ في إيمانه بالرب يسوع المسيح . بولس الذي أمن وتأكد من حقيقة هذا الايمان الذي كان في يوم من الايام يتلفه ويخربه ويقتل الذين يؤمنون به يقول لأبنه تيموثاوس : أما أنت يا أنسان الله فأهرب ، من هذا ، وأتبع البر والتقوي وألايمان والمحبة والصبر والوداعة . جاهد الجهاد الحسن وأمسك بالحياة الابدية التي دعيت اليها ايضاً ، وأعترف الاعتراف الحسن أمام شهودٍ كثيرين . أوصيك أمام الله الذي يحي الكل ، والمسيح يسوع الذي شهد لدي بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن : أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لومٍ إلي ظهور ربنا يسوع المسيح ، الذي سيبنه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد : ملك الملوك ورب الارباب الذي وحده له عدم الموت ، ساكناً في نورٍ لا يداني منه ، الذي لم يرهٌ أحد، الذي له كل الكرامة والقدرة الابدية . أمين تيموثاوس الاولي 6 : 11 - 16 اما عن بولس نفسه فهو يقول لنا مخبرأ عن عظائم القوات التي صنعها الرب معه ويناشدنا بأن نتمسك بهذا إلأيمان الذي قبلناه الي النهاية كما فعل هو . فهو يوصينا بالحاح ان لا نفرط في الايمان الذي نذر نفسه لأجله واستحق تطويب الرب واستحسانه . فأني انا الان أسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر . قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الايمان ، وأخيراً قد وضع لي إكليل البر ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم ، الرب الديان العادل ، وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً . تيموثاوس الثانية 4 : 6 – 8 فهل تحب أيها القاري العزيز ظهور الرب يسوع في مجيئه الثاني ، وهو المجيئ الذي سيأتي فيه الرب ليس كطفل وديع متواضع يولد في مذود حقير كما جاء قبل نحو من الفين والربع قرن من الزمان . لا ... لا فالمجيئ الثاني المنتظر سيكون مختلفاً كلياً لأنه سيأتي كرب ألأرباب وملك الملوك وسيأتي بالقصاص ليدين العالم . عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في أخر الايام قوم مستهزئون ، سالكين بحسب شهوات أنفسهم ، وقائلين : ( أين هو موعد مجيئه ؟ لأنه من حين رقد الاباء كل شيئ باقٍ هكذا من بدء الخليقة ) . لأن هذا يخفي عليهم بإرادتهم : أن السماوات كانت منذ القديم ، والارض بكلمة الله قائمة من الماء بالماء ، اللواتي بهن العالم الكائن حينئذٍ فاض عليه الماء فهلك . وأما السماوات والارض الكائنة الان ، فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها ، محفظوة للنار الي يوم الدين وهلاك الناس الفجار. بطرس الثانية 3 : 3 – 7 بالايمان شرع نوح في بناء الفلك عندما طلب منه الله ذلك . فقال الله لنوح : ( نهاية كل بشر قد أتت أمامي ، لأن الأرض أمتلأت ظلماً منهم ، فها أنا مهلكهم مع الأرض . إصنع لنفسك فلكاً من خشب جفر . تجعل الفلك مساكن ، وتطليه من داخل ومن خارج بالقار . وهكذا تصنعه : ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعاً عرضه ، وثلاثين ذراعاً أرتفاعه , تصنع كواً للفلك ، وتكمله إلي حد ذراع من فوق . وتضع باب الفلك في جانبه . مساكن سفليةٌ ومتوسطة وعلوية تجعله . فها أنا أتٍ بطوفان الماء علي الأرض لأهلك كل جسدٍ فيه روح حياةٍ من تحت السماء . كل ما في الأرض يموت . ولكن أقيم عهدي معك ، فتدخل الفلك أنت وبنوك وأمرأتك ونساء بنيك معك ) . وبالإيمان عندما طلب الله من موسي أن يخرج بشعبه من أرض العبودية مصر أطاع موسي أمر الله . وبهذا الايمان ذهب موسي وأخيه هارون الي فرعون ملك مصر وطلبا منه ان يطلق الشعب ليذهب الي البرية ليعبد الرب الهه . وبعد ذلك دخل موسي وهارون وقالا لفرعون : ( هكذا يقول الرب اله اسرائيل : أطلق شعبي ليعبدوا لي في البرية ) فقال فرعون : ( من هو الرب حتي أسمع لقوله فأطلق اسرائيل ؟ لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه ) . ورينا كيف قسي الرب قلب فرعون وجعله غليظاً قاسياً حتي لا يستجيب لكلام الرب ويطلق شعبه ليعبده في البريه . كانت الضربات العشرة المتتالية علي فرعون والمصريين مؤلمةٌ وشديدة الوقع عليهم بل قاصمة لظهر فرعون والمصريين . تلك الضربات التي لم تنتهي بتلوث مياه النيل التي تحولت الي الدم ولا بالضفادع التي هجمت علي المصريين في غرف نومهم او حتي بالحشرات من البعوض والذبان و لا بأهلاك المواشي ، وضربة الدمامل والبرد والجراد . فبهذا الضربات الكبيرة الموجعة ظل فرعون عنيد وظل قلبه سميك غليظ لا يستجيب لكلام الله بلسان عبديه موسي وهارون رغم وضوح الرسالة وقوة الضربات . فقال الرب لموسي : ( انظر ! أنا جعلتك إلهاً لفرعون . وهارون أخوك يكون نبيك . أنت تتكلم بكل ما أمرك ، وهارون أخيك يكلم فرعون ليطلق بني إسرائيل من أرضهِ . ولكني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في مصر . ولا يسمع لكما فرعون حتي أجعل يدي علي مصر ، فأخرج إجنادي ، شعبي بني إسرائيل من أرض مصر بأحكامٍ عظيمةٍ . فيعرف المصريين أني أنا الرب حينما أمد يدي علي مصر وأخرج بني إسرائيل من بينهم ) . ففعل موسي وهارون كما أمرهما الرب . هكذا فعلا .وكان موسي أبن ثمانين سنةً ، وهارون أبن ثلاث وثمانين سنة حين كلما فرعون . خروج 7 : 1 - 7 وبعد الضربات التسعة التي أصابت المصريين في مقتل لم يلن قلب فرعون الحجري ابداً بل كان يزداد صلابة وقسوة بعد كل ضربة تلو الاخري . وهذا ما جعل المصريين يحتجون بمرارة الي فرعون وهم في قمة اليأس وفقدان الأمل . فقال عبيد فرعون له : ( الي متي يكون هذا لنا فخاً ؟ أطلق الرجال ليعبدوا الرب ألههم , ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت ؟ ) . خروج 10 : 7 ضربة موت الابكار ثم قال الرب لموسي : ضربةٌ واحدةٌ أيضاً أجلب علي فرعون وعلي مصر . بعد ذلك يطلقكم من هنا . وعندما يطلقكم يطردكم طرداً من هنا بالتمام . تكلم في مسامع الشعب أن يطلب كل رجلِ من صاحبه ، وكل أمرأةٍ من صاحبتها أمتعةُ فضة وأمتعة ذهبٍ ) . وأعطي الرب نعمةً للشعب في عيون المصريين . وأيضاً الرجل موسي كان عظيماً جداً في أرض مصر في عيون عبيد فرعون وعيون الشعب . خروج : - 3 وتعرفون ما الذي حدث لفرعون وكل الشعب المصري في تلك الليلة الحاسمة عندما ضرب الرب مصر وشعبها بذراع القوة ضربه بيدٍ قوية قاضية . تلك الضرب التي ضرب بها الرب كل بيت في مصر . من بيت فرعون الجالس علي العرش الي بيت الخفير الواقف أمام باب قصره . فما الذي حدث في مصرفي تلك الليلة الظلماء ؟ فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكرٍ في أرض مصر ، من بكر فرعون الجالس علي كرسيه الي بكر الاسير الذي في السجن ، وكل بكر بهيمةٍ . فقام فرعون ليلاٍ هو وكل عبيده وجميع المصريين . وكان صراخٌ عظيم في مصر ، لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميتٌ . خروج 12 : 29 - 30 وأصبح المصريين في صباح اليوم التالي لموت الأبكار في صدمة وذهول غير مسبوق . وأقيمت في مصر في ذاك اليوم اكبر خيمة عزاء في التاريخ البشري لم يكن قبله ولن يكون بعده . فقد كان كل بيت في مصر يبكي وينوح ويولول بألمٍ وضيق شديد موت الأبن البكر اذ مات كل ابكار المصريين عن بكر أبيهم كما يقولون ! . وهذا ما جعل فرعون يعجل بطرد وأخراج الاسرائيليين من مصر علي جناح السرعة . نعم بعد خراب مصر بموت الابكار أخرج فرعون شعب الله من أرض مصر بعد ان كان يماطل ويسوف في أخراجهم ويتفرعن . بالايمان خرج شعب الله من مصر بقوة وعزة كرامة وسؤددٍ . فبعد اربعمئة عام عاشوها في العبودية تلك العبودية الغير مشهودة علي مر التاريخ . من الاضطهاد والاذلال والتسخيرة والضرب المبرح والتنكليل اخيراً استطاع شعب الله ان ينتصر بقدرة الله وان يتحرر بجبروت القدرة الالهية المنتصرة دائماً حتي ان تأخرت كما نفتكر ونظن احياناً . وبالايمان ايضاً عبر الشعب في وسط البحر الاحمر وهم يسيرون علي اليابسة . لكن عندما شرع المصريين ان يفعلوها غرقوا جميعاً وماتوا عن بكر أبيهم . لكن بدون إيمان ظل الشعب يسير في البرية لأربعين سنة حتي قضي كل الجيل الذي خرج من مصر . فبدون ايمان لم يتمكن هؤلاء من دخول أرض الموعد التي قال عنها الرب أنها أرض تفيض لبناً وعسلاً . هذا مع العلم أن الله كان يسير معهم نهارا في سحابة كانت تظللهم من ضربة الشمس . كما كان الرب يسير أمامهم وفوقهم في عمود نور تحرسهم وتحميهم من كل شر وضربة الاقمار والنجوم ليلأً . وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحابةٍ ليهديهم في الطريق ، وليلاً في عمود نارٍ ليضيء لهم . لكي يمشوا نهاراً وليلاً . لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب . خروج 3 : 21 – 22 بالايمان سار يشوع وواصل رحلته الي الأرض مع الشعب الي أرض كنعان وكان الله مع يشوع . هذا بعد ان أخذ الله عبده موسي ونقله . اذ قال الرب ليشوع : لا يقف أحد في وجهك كل أيام حياتك . كما كنت مع موسي أكون معك . لا أهملك ولا أتركك . تشدد وتشجع ، لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الارض التي حلفت لأبائهم أن أعطيهم . أنما كن متشدداً ، وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمر بها موسي عبدي . لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب .لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك ، بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما مكتوب فيه . لأنك حينئذٍ تفلح . أما أمرتك ؟ تشدد وتشجع ! لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب الهك معك حينما تذهب ) . يشوع 1 : 5 – 9 وهذا ما يقوله كاتب الرسالة الي العبرانيين : أما الايمان فهو الثقة با يرجئ الايقان بأمور لا تري . وعلي أساس هذا الإيمان عبر يشوع والشعب نهر الاردن الذي قيل بأنه كان ممتلئ الي جميع شطوطه كل أيام الحصاد . لكن المياه المنحدرة وقفت من فوق سداً منيعاً كحائط وجدار . بالايمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام . بالايمان رحاب الزانية لم تهلك مع العصاة إذ قبلت الجاسوسين بسلام . العبرانين 11 : 30 - 31 وبالايمان المطلق ذهب فيلبس الي البرية ورافق المركبة التي كانت تحمل الخصي الحبشي وزير كنداكة وبشره عن يسوع المسيح . فقال الروح لفيلبس : ( تقدم ورافق هذه المركبة ) .فبادر إليه فيلبس ، وسمعهٌ يقرأ النبي اشعياء ، فقال : ( العلك تفهم ما أنت تقرأ ؟ ) . فقال : ( كيف يمكنني إن لم يرشدني أحدٌ ؟ ) . وطلب إلي فيلبس أن يصعد ويجلس معه . وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا : ( مثل شاةٍ سيق الي الذبح ، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه . في تواضعه أنتزع قضاؤهٌ ، وجيله من يخبر به ؟ لأن حياته تنتزع من الأرض ) . فأجاب الخصي فيلبس : ( أطلب اليك عن من يقول النبي هذا ؟ عن نفسه أم عن واحدٍ اخر ؟ ) . ففتح فيلبس فاه وأبتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع . أعمال الرسل 8 : 29 – 35 قبل الخصي هذا الايمان المعلن به في يسوع المسيح وأمن وعمده فيلبس . ومن ثم ذهب الخصي راجعاً الي بلاده ليعلم الكثيرين عن كم أحبه الرب يسوع المسيح وكم صنع معه وبه . وبذلك كتب أسم الخصي الحبشي في قائمة الايمان في سفر أعمال الرسل . والقائم تطول وتطول بالمؤمنين الذي قبلوا الرب يسوع المسيح رباً مسيحاً مخلصاً لهم جيلاً بعد جيل . وانا ولا استطيع هنا ان اسرد لكم كامل قائمة الايمان علي مدي الدهر ذلك كما قال الرسول يوحنا بأن العالم كله لا ولن يستطيع يسع اسمائهم المدرجة في أسفار الايمان . وأنت بكل تأكيد سيكتب أسمك في قائمة الشرف الخاص بالايمان والمؤمنين نعم سيكتب اسمك بمداد من نور ونار هذا ان قبلت هذا الايمان وثبت في فيه الي النهاية . بكل تأكيد أنت قد تكون واحد من هؤلاء الذين كتبت او ستكتب أسمائهم في سفر الحياة مع كل الاوائل الذين جاء ذكرهم في سفر اعمال الرسل وفي قائمة وسجل القديسين . وأنت بالتالي مدعو عزيزي وعزيزتي الي قبول هذا الايمان لتحيا به ليس لنفسك فقط بل لتكون من الداعيين الي هذا الايمان الحق الألهي الرباني الأزلي السرمدي . أنت بهذا الايمان ستكون أضافة حقيقة في حقل الرب يسوع لأعمال سبق وأعدت لك حتي تعملها . وأنت بالايمان تستطيع أن تسير في طريق المسيح لتخبر عن العجائب والعظائم التي سبق الرب وأعدها لتخبر عنها . كم أحبك الرب وكم صنع معك الرحمة . لأنه يقول لك محبة أبدية أحببتك لذلك أدمت لك الرحمة . أردد هذا في قلبي من أجل ذلك أرجو : إنه من أحسانات الرب أننا لم نفن ، لأن مراحمه لا تزول . هي جديدة في كل صباح . كثيرة أمانتك . نصيبي هو الرب ، قالت نفسي ، من أجل ذلك أرجوه . طيب هو الرب للذين يترجونه ، للنفس التي تطلبه . جيد أن ينتظر الانسان ويتوقع بسكوتٍ خلاص الرب . جيدُ للرجل أن يحمل النير في صباه . ان يجلس وحده ويسكت ، لأنه قد وضعه عليه . مراثي أرمياء 3 : 21 : 28 وخلاصة الكلام عن الايمان هو ما يقوله يعقوب في رسالته . هكذا الايمان أيضاً ، أن لم يكن له أعمال ، ميت في ذاته . لكن يقول قائل : أنت لك إيمان ، وانا لي أعمال . أرني إيمانك بدون أعمالك ، وأنا أريك بأعمالي إيماني ) . أنت تؤمن أن الله واحد حسناً تفعل . والشياطين يؤمنون ويقشعرون ! . ولكن هل تريد أن تعلم أيها الانسان الباطل ، أن الايمان بدون أعمال ميت ؟ ألم يتبرر إبراهيم أبونا بألأعمال ، إذ قدم إسحاق إبنه علي المذبح ؟ . فتري أن إلايمان عمل مع أعماله ، وبألاعمال أكمل الايمان . وتم الكتاب القائل : ( فأمن إبراهيم بالله فحسب له براً ) ودعي ابراهيم خليل الله . يعقوب 2 : 17 – 23
وداعـــــــــــــــــــــةٌ تعالوا اليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا أريحكم . إحملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لأني وديع ونواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم . لأن نيري هين وحملي خفيفٌ ) . متي 11 : 28 - 30 سيظل أبن الانسان وهو الرب يسوع المسيح مثلنا الاعلي في الحب والسلام ، في الطاعة وطول الاناة والصبر والايمان والرجاء. وسبيقي الأنسان الكامل يسوع هو المعيار الحقيقي والمقياس الدقيق لوزن كل القيم والمبادئ الانسانية علي الاطلاق . هذا إن أمكن أن نقيس به او عليه عمق رجائنا ومدي ثبات أيماننا فيه . أن الرب يسوع المسيح هو الفرح ليس هذا فحسب بل نبع ومصدر الفرح العظيم الذي لا ينطق به ومجيد . وهو السعادة الغامرة لكل من يبغي ويريد ان يكون سعيداً في هذه الحياة الدنيا والحياة الاتية في الابدية المنتظرة . انه حمل الله الوديع الذي تنبأ النبي اشعياءعنه في الاصحاح الثالث والخمسون قائلاً : ( من صدق خبرنا ، ولمن استعلنت ذراع الرب ؟ نبت قدامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة ، لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ، ولا منظر فنشتهيه . محتقر ومخذول من الناس ، رجل أوجاع ومختبر الحزن ، وكسمترٍ عنه وجوهنا ، محتقر فلم نعتدَ به . لكن أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها . ونحننا حسبناه مصاباً مضروباً من الله مذلولاً . ومجروح لأجل معاصينا ـ مسحوق لأجل أثامنا . تأديب سلامنا عليه ، وبحبره شفينا . اشعياء 53 : 1 - 5 كان مفرطاً في الوداعة والتواضع وصغر النفس مع أنه رب ومخلص وفادي وهو أبن الله الحي. وتلك كلها كانت علامات تشير الي الهدف الكبير . ذلك الهدف الأسمي الذي جاء من أجله هو الاعداد لتقديم ذاته ونفسه ذبيحة علي صليب الجلجثة تكفيراً لأثامنا وغفرانا لخطايانا . وفوق وعلي تلك الرابية المرتفعة التي تطل علي أورشليم مدينة الله الملك العظيم رفع رب المجد لأجل ذنب شعبي . ويبقب ان لتك البقعة والمكان الرمزية الخالد والدلالات الكبري عبر التاريخ والجغرافية وستظل كذلك . وهنا يطفح علي السطح وتظهر فداحة الشر وفساد أذهننا فيطفو ثقل جرم الانسان وأثمه . وهذا ما تطلب قدراً كبيراً من الودعة الالهية وتنازل الابن لتقديمه نفسه في اتضاع وخشوع ذبيحة وعربون صفح الله وغفرانه لخطايانا . كان يسوع المسيح هو حمل الله الوديع المتواضع . هو الذي قال عنه يوحنا عندما راه مقبلاً اليه . وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً اليه ، فقال : ( هوذا حمل الله الذي يغفر خطية العالم ! يوحنا 1 : 29 أنكم بوعيكم وأدراككم تستطيعون أن تتصوروا أيها الناس يمكنكم برجاحة عقولكم ، وأن تتخيلوا بنقاء اذهانكم وأفكاركم . وأن تصدقوا بمنطق ذكائكم الفطري ما فعله الرب يسوع المسيح لأجل خلاص الجنس البشري . أنظروا الي ما فعله هذا الرب الناصري الوديع قبل العيد مع تلاميذه الاثني عشر . وكان المسيح يعلم ما ينتظره من اليهود لآن ساعته قد أقتربت ودنت ليغادر هذا العالم الذي أتي اليه لغرض وحيد وسامي . فبعد ثلاث أعوام طوال قضاها مع هؤلاء الذين أحبهم وصار جزء من حياتهم او صار هو بالأحري كل حلمهم ومشروعهم الاستراتيجي المستقبلي. كما صاروا هم جزء من مشروعه الخلاصي العظيم الذي أعدهم للقيام به بعد رجعوه الي الله الاب في السماء . لم يكن التلاميذ بعد كل تلك المدة قد فهموا معني تعاليم الرب يسوع المسيح بل كان أكثرهم يفكر في نفسه بأنانية في المصلحة المادية او الكسب السياسي . فقد كانت جل تفكيرهم منصب في الوظائف او المقاعد الامامية المهمة التي سيتولونها في مملكة هذا المعلم الملك اليهود العظيم . بينما كان شغل يسوع الشاغل هو ان يعدهم لتقديم التضحيات الكبري لأجل الاخرين وخدمتهم وبذل ذواتهم لأجل كل الشعب . وعندما طلب منه أبني زبدي يعقوب وإخيه وأمهم سالوما إخت مريم العذراء ان يقيم أحدهم عن يمينه والاخر عن يساره . عند هذه النقطة والمنحي والمنعطف الخطير جداً تأكد الرب من ضألة تفكير التلاميذ وسطحية معرفتهم و استيعابهم للتعاليم والايات وكل المعجزات التي صنعها قدامهم . وهذا ما دفعه الي أهمية أعطاء التلاميذ درساً أخيراً في الوداعة والتواضع في خدمة الاخرين ليذكرهم مجدداً بأنه جاء ليخدم وليس ليخدم . مأكداً لهم مجدداً أن أكبر القوم خادمهم . وجاء الي كفرناحوم . وأذ كان في البيت سألهم : ( بماذا كنتم تتكلمون فيما بينكم في الطريق ؟ ) . فسكتوا ، لأنهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعضٍ في من هو أعظم . فجلس ونادي الأثني عشر وقال لهم : ( إذا أراد أحدٌ أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادماً للكل ) . فأخذ ولداً وأقامه في وسطهم ثم أحتضنهٌ وقال لهم : ( من قبل واحداً من أولادٍ مثل هذا بأسمي يقبلني ، ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني ). مرقس 9 : 33 - 37 لم يكن يسوع المعلم العظيم يعطي فقط الدروس النظرية ويكتفي بذلك لكنه كان ينزل بنفسه مطبقاً كل ما يقوله عملياً علي أرض الواقع . وهذا ما فعله الرب يسوع لتلاميذه ليعطيهم النموذج العملي الكامل ويعلمهم حقيقة ومعني ان يكون السيد عبداً يعمل لصالح الجميع والمعلم خادماً مطيعاً والرئيس عاملاً . وكان الخادم والعبد عند اليهود هو الذي يقوم طوعاً بتقديم كل الخدمات الضرورية والغير مهمة لجميع أفراد الاسرة وهو لا ينتظر شكراً او حمداً ولا مدحاً . والصغير هو من يوقر الكبير ويحترمه ويقدم له واجب الولاء والطاعة والخضوع دون تذمر ولا رفض او ابداء أي نوع من عدم الرضي والاستياء . وكان الاطفال دئماً هم الي مضرب المثل في أعطاء النموذج الافضل بالنسبة ليسوع في الحب والطاعة والبرائة والخضوع والولاء . كان واجب الخدام في البيوت ايضاً هو أكرام الضيوف والعمل علي راحتهم وتقديم واجبات الضيافة اللازمة . لما كان الضيف غالباً ما يأتي من مكان بعيد مسافراً علي الاقدام راكباً علي ظهور الدواب من الحمير او الخيول والجمال وغيرها . فالعبد والخادم هو من يقف بنفسه علي أهبة الاستعداد بتهيئة الجو الملائم للضيوف اولاً بغسل أرجلهم وتنظيفها من التراب والغبار. وهذا أوجب الواجبات عند الشعب اليهودي التي تأكد للضيف بأنه موضوع قبول وترحيب وأهتمام لدي مضيفه في البيت الذي نزل فيه . ومن ثم يأتي الدور لتجهيز مكان الضيافة في المنزل واعداد الطعام من الأكل والشراب والراحة النفسية للضيوف او الضيف الكريم . ولا ينتهي عمل العبد والخادم عند هذا الحد لكنه يتابع بأهتمام أكبر ما يلزم الدواب من الجمال والخيول والحمير من مكان أمن وعلف وعليقة . تلك كانت أقل الوجبات اليومية التي يقوم بها ويقدمها العبيد والخدام الي اسيادهم وكل من بالبيت والضيوف وعلي مدار ساعات اليوم . وبهذا الصدد كلمهم الرب يسوع المسيح عن واجبات العبد والخادم . العبد والواجب ( ومن منكم له عبدٌ يحرث أو يرعي ، يقول له إذا دخل من الحقل : تقدم سريعاً وأتكي . بل ألا يقول له : أعدد ما أتعشي به ، وتمنطق ,اخدمني حتي أكل وأشرب ، وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت ؟ فهل لذلك العبد فضلُ لإنه فعل ما أمر به ؟ لا أظن . كذلك أنتم أيضاً ، متي فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا : أننا عبيد بطالون ، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا ) . لوقا 17 : 7 – 10 هذا هو الدرس العملي الجيد المفيد والمستفاد منه الذي أراد الرب يسوع المسيح ان يعلمه لتلاميذه في تلك الليلة الاخيرة قبل عيد الفصح اليهودي . وتلك كانت الليلة الفاصلة التي كانت تبعد بساعات قلائل من الايام الاخيرة ومن ثم التقدم الي المحاكمات الظالمة الجائرة . أراد الرب يسوع في هذا الليلة بالذت أن يكون أكثر قرباً وداً وحباً وحميميةً لكل تلميذ بصورة شخصية خصوصية جداً لكل واحدٍ منهم علي انفراد وبمفرده . ولم يستثني يسوع أياً من التلاميذ من هذا الحب الرباني والخدمة الخصوصية الفريدة المميزة حتي يهوذا الاسخريوطي مسلمه. و كان يسوع يعلم جيداً بكل مخططات يهوذا التي كانت تجري في الخفاء علي قدم وساق بينه وبين ورؤساء الكهنة وسلطة الشعب لتسليمه لهم وتقديمه للمحاكمة والصلب . يقول القديس يوحنا الرسول بهذ الخصوص . يسوع وهو عالم أن الاب قد دفع كل شيئ الي يده ، وأنه من عند الاب خرج ، والي الله يمضي ، قام من العشاء ، وخلع ثيابه ، وأخذ منشفةً وأتزر بها ، ثم صب ماءاً في مغسلٍ ، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها . فجاء الي سمعان بطرس فقال له ذاك : ( يا سيد ، أنت تغسلُ رجلي ! ) . أجاب يسوع وقال له : ( لست تعلم أنت الان ما أنا أصنع ، ولكنك ستفهم فيما بعد ) قال له بطرس : ( لن تغسل رجلي ! ) . أجابه يسوع : ( إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب ) . قال له سمعان بطرس : ( يا سيد ، ليس رجلي فقط بل يديَ ورأسي ) . قال له يسوع : ( الذي قد أغتسل ليس له حاجة إلا الي غسل رجليه ، بل هو طاهر كلهٌ . وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم ). لأنه عرف مسلمهٌ ، لذلك قال : ( لستم كلكم طاهرين ). يوحنا 13 : 3 - 11 غسل الرب يسوع المسيح المعلم العظيم أرجل تلاميذه وعلي ما أعتقد هنا أنه بدأ بغسل أرجل أصغرهم سناً وهو التلميذ الي كان يحبه . وثم الاكبر ثم الاكبر هكذا دواليك . ولا أعرف الترتيب العمري لباقي التلاميذ فما نعلمه هو أن بطرس كان أكبرهم عمراً وسناً ويوحنا أبن زبدي هو الاصغر . لكن دعونا نقول هكذا أبتدأ الرب في غسل أرجل يوحنا ثم نثنائيل ومن بعده توما ثم يعقوب الذي جاء بعده وتقدم وغسل أرجل يهوذا مسلمه . بدأ يهوذا موشوشاً قلقاً ومضطرب وربما كانت أرجله تهتز وترتجف بشدة بين يدي الرب يسوع . فهمس يسوع في أذني يهوذا : ( أثبت يا راجل وأفعل ما تريد أن تفعله سريعاً لأن ساعتي قد دنت وأقتربت ! ) . لم يتفوه يهوذا ببنت شفةً لكنه كظم غيظه الذي كان ظاهراً للجميع في بطنه الغريق . ومن ثم غسل يسوع أرجل اندراوس ويهوذا الاخر ثم متي وباقي التلاميذ الاخرين منهياً عمله الكبير كعبد وخادم وليس كرب مسيح مخلص . غسل المعلم أرجل التلاميذ جميعاً الي ان انهي الرب عمله بغسل أرجل التلميذ الذي كان يحبه يوحنا . وكان بطرس هذا هو أكبرالتلاميذ سناً وعمراً وأكبرهم أثارة للجدل وهو المعرف بينهم بلا منازع بالتسرع في الكلام والانفعال والارتباك وربما ايضاً في الشك والخوف والنكران . عجيب جداً أنت أيها المعلم الرب يسوع المسيح أنت المدهش بل أنت الدهشة حقاً فأن لم تكن أبن الله الحي فمن تكون ! . لست أدري لكنك أنت حقاً أبن الله الحي وهذا لا يحتاج الي أدني دليل وبرهان . أنت الذي شهدت عن نفسك وشهادتك حق وعادل . كما جاءت الشهادة الكبري لك من الله أبيك السماوي وهذ خير شهادة وبرهان ودليل . وقد شهد لك يوحنا المعمدان قائلاً : ( أني رأيت الروح نازلاً مثل حمامةٍ من السماء فأستقر عليه . وانا لم أكن أعرفهٌ ، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ، ذاك قال لي : الذي تري الروح نازلاً عليه ، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس . وانا قد رأيت وشهدت أن هذا هو أبن الله ) . يوحنا 1 : 29 – 34 و كتب متي البشير في انجيله في الاصحاح الثالث يشير الي معمودية يسوع بالقول . حينئذٍ جاء يسوع من الجليل إلي نهر الاردن الي يوحنا ليعتمد منهٌ . ولكن يوحنا منعهٌ قائلاً : ( أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي ! ) . فأجاب يسوع وقال لهٌ : ( أسمح ألأن ، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برَ ) . حينئذٍ سمح له . فلما أعتمد يسوع صعد للوقتِ من الماء ، وإذا السماوات قد أنفتحت له ، فرأي روح الله نازلاً مثل حمامة وأتياً عليهِ . وصوت من السماوات قائلاً : ( هذا هو أبني الحبيب الذي به سررتُ ) . متي 3 : 13 – 17 ونعود بدأً علي بدء الي الليلة الاخيرة حيث أن المسيح الناصري وهو في ذلك الاحتفال الوداعي أحب خاصته وأحبهم الي والنهاية حتي الي الختام . كان الحزن مخيماً علي جميع التلاميذ الذين كان الرب يتحدث معهم مشجعاً ومعزياً مططباً عليهم جميعاً لكن الحزن والاسي ظلا سيد الموقف . بدأت مظاهر الاعداد والاحتفال بالفصح علي عكس العادة هذه المرة كئيباً وتغلب الحزن الذي كسا ألأوجه علي الفرحة التي حاولوا أن يعبروا عنه . وظل في المكان سحابة كاتمة من البؤس كما لو كانوا في سرداق مأتم لصديق حبيب أنتقل . فحتي مذاق الطعام والعشاء الذي تشاركوا فيه فقد لذته المعتادة اذ تم كسر الخبز بنوع من الفتور وبودلت الأكواب بأيدي شبه مرتجفة . وبدأ الكل يحدق في وجه الاخر متفرساً بتوجس وأرتياب وشك عندما باغتهم المعلم وهو يتكلم معهم . ولما كان المساء آتكا مع الاثني عشر . وفيما هم يأكلون قال : ( الحق أقول لكم : إن واحداً منكم يسلمني ) . فحزنوا جداً ، وآبتدأ كل واحد منهم يقول له : ( هل أنا هو يا رب ؟ ) . فأجاب وقال : ( الذي يغمس يده معي في الصفحة هو يسلمني ! أن أبن الانسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه ، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم إبن الانسان . كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد ) . فأجاب يهوذا مسلمه وقال له : ( هل أنا هو يا سيدي ؟ ) قال له : ( أنت قلت ) . متي 26 : 20 – 25 هذا هو يسوع المسيح أبن الله الحي الذي يعرف أعمق أعماق أفكار الناس لأنه فاحص القلوب والكلي وكاشف السرائر والخفايا والخبايا . كان الرب يعرف كيف يتعامل جيداً مع أحبائه والمريدين والأصدقاء وان كانوا فيهم الخائن فكان يعامل حتي الخائن بروح محبة الله . وبنفس روح الله كان أبن الله يتعامل مع الجميع بنفس درجة المعاملة هذا مع أن أبن الانسان عرف الرجل الذي سيسلمه . لكن ظل يتعامل بالمحبة حتي مع الخصوم والاعداء الالداء . وهذا بالضبط ما فعله الرب يسوع المسيح في الايام الاخيرة مع تلميذه الخائن يهوذا ومع تلميذه الناكر بطرس ومع باقي كل تلاميذه الجبناء الذين خذلوه وفروا هاربين وتركوه لوحده . ولم يكن السيد المسيح لوحده وان تركة الاب في لحظة وهو علي الصليب حاملاً لخطايا كل العالم ، لأن الأب يكره الخطية ولا يتعامل معها بتاتاً ابداً قط .
تـــــــعـفـف ليس في هذا البيت أعظم مني . ولم يمسك عني شيئاً غيرك ، لأنك أمرأته . فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطي الي الله ؟ ) تكوين 39 : 9 يقولون : أقبل علي النفس وأستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالنفس أنساناً ويقول الكتاب المقدس وهو شريعة الله وقانونه ، الذي بموجبه يحيا البشر وفق قانون الله وينجون من شرور الشيطان وتجاربه. ( الله روح والذين يسجدون له بالروح والحق ينبغي أن يسجدوا ) . يوحنا 4 : 24 . الله جميل يجب الجمال . علي هذا الاساس خلق الله الانسان تاج الخليقة آية من الابداع الرئع في الالق والتألق خلقه الله آيةٌ في أبهي صور الجمال والكمال . أذ أودع الله في هذا الانسان أسمي الصفات الي الكمالية ، كل هذا ليكون الانسان هو الأروع وفوق قمة الابداع الألهي المتناهي لخالق هو الرب العظيم . أشتهي الله أن يري الانسان علي صورته في كمال العقل والفكر وتمني أن يري فيه صورته الالهية دائماً تنعكس من هذا الكائن الجميل الذي يبدو منه السحر الساحر للعيون والالباب . هذا كله لأن الانسان هو الرمز الوجودي الالهي الذي يعبر عن حضور الله الدائم في هذا الكون وكل ما فيه . فأودع الله في نفس الانسان روحه ونسمته وأسمي الصفات التي ميزته عن سائر المخلوقات في الحلم والحكمة والمنطق والفكر والحب لأن الله محبة . أن بحثنا في الكتاب المقدس نجد أن يوسف أبن يعقوب ذاك الفتي الساحر الجميل وهو واحد من أجمل الرجال الذين جاء ذكرهم في الكتاب المقدس بهذا الفهم الواضح . وهذا ما جعل ابيه يحبه بصفة خاصة أكثر من كل إخوته الاخرين بتمييز إيجابي أختصه به وأن أخذ التمييز منحي سلبي فيما بعد كما نري . فمع ان يعقوب كان يحب كل ابنائه الآ انه كان يعامل يوسف بخصوصية ويستثنه في بعض الاشياء لحاجة في نفس يعقوب كما جرت مضرب المثل . أما إسرائيل ( يعقوب ) فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه أبن شيخوخته ، فصنع له قميصاً ملوناً . فلما رأي إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته أبغضوه ، ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام . تكوين 37 : 3 – 4 . وما زاد من غيرة وغيظ وغضب أخوة يوسف عليه هو أن يوسف كان صاحب أحلام غريبة . فكان كلما حلم حلماً حكاه لأبيه وأمه وجميع أخوانه . شكلت أحلام يوسف المحبوب مصدر غيرة وحسد وحقد شديد في قلوب إخوته المبغضين الكارهين له لأصلاً . وهذه هي أصل الحكاية والرواية كلها التي تراكمت في نفوس ابناء يعقوب علي إخوهم يوسف . نمت واستفحلت تلك الاحقاد ضد إخيهم الصغير بمرور الايام وتحولت الي غلة في قلبوهم استعرت وأشتعلت وتأججت الي نقمة انتقام بطول الزمن . علي فكرة كان يوسف يحب أخوته حباً شديداً جداً وكان يحترمهم ويعمل كثيراً علي طاعتهم والخضوع لهم وتنفيذ كل أوامرهم . وكان يوسف حليم حكيم يسعي دائماً جاهداً لنيل رضي ابيه وأمه وإخوته ايضاً . الا ان هذا لم يشفع له بسبب الحقد الدفين الذي أضمروه له في قلوبهم الملتهبة غيرة وحسد شديدين . وكان كلما حلم يوسف حلماً في الليل أسرع فرحاً منتشياً في الصباح الباكر الي قصه الي أبيه وإخوته . لم يكن يوسف الذي كان يتحدث الي إ خوته كل صباح بالاحلام التي يحلمها كل ليلة يفكر بالشر . لكنه كان ببراءة الأطفال الشقية يتلذذ ويتمتع بالتلاعب بمشاعر إخوانه بروح الطفولة . ولم يدرك يوسف ولم يعلم او يفكر بأن هذه الاحلام التي كان يحلمها ويحكيها لإخوانه علي سبيل الدعابة والفكاهة ستسبب له المتاعب وتعرض للموت اوالبيع والتخلص . كما لم يخطر في باله بأنهم يمكن ان يفكروا يوماً ويقدمو الي محاولة قتله والتخلص منه ومن هذه الاحلام التي تحولت الي كوابيس حقيقية أقلقت مضاجعهم وأطارت النوم من عيونهم ! . ولأن يعقوب كان يدرك ويعرف مدي أحتقان الغيرة والحقد والحسد الذي كان يخبئة ابنائه الكبار لإخيهم يوسف . لم يكلف يعقوب نفسه جهداً لرأب الصداء بين بنيه الكبار وإخيهم الصغير يوسف او ان يحاول أثنائهم عن كرههم الغير مبرر ليوسف . هذا مع أن يعقوب كان يلاحظ ويراقب بغضهم ضد يوسف الذي كان يحبه أكثر منهم حباً غير متوازن بين الابناء الاشقاء في الاسرة الواحدة . بل عمل يعقوب بصورة أكثر استفزازاً وأثارة بين لأولاده الكبار مما أثارهم أكثر فهو يتعامل مع يوسف بلين وعطف ودلال . وفي الجانب الاخر يتعامل مع أولاده الكبار بقسوة وخشونة وفظاظة. وكان يقعوب يرسل ابنائه الكبار ليرعوا الاغنام بعيداً الي شكيم ودوثان بينما كان يبقي ابنه العزيز يوسف المدلل وحده معه بالبيت . وهنا نري كيف سار يعقوب في نفس طريقة المهابة بين الابناء وهي الطريقة التي تعامل بها أبيه أسحاق معه وأخيه عيسو . وهذه هي أحدي الاساليب الخاطئة التي يتبعها بعض الاباء في تربية الابناء بالتمييز والتفرقة بينهم فينشأ فيهم روح الحقد والكره والحسد عوضاً الاحترام والمودة والمحبة والانسجام . وحلم يوسف حلماً وأخبر إخوته ، فأزدادوا ايضاً بغضاً له . فقال لهم : ( أسمعوا هذا الحلم الذي حلمت : فها نحن حازمون حزماً في الحقل ، واذا حزمتي قامت وأنتصبت فأحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي ) . فقال له إخوته : ( ألعلك تملك علينا ملكاً أم تتسلط علينا تسلطاً ؟ ) . وأزدادوا ايضاً بغضاً له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه . ثم حلم أيضاً حلماً أخر وقصه علي إخوته ، فقال : ( أني قد حلمت حلماً أيضاً ، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدةٌ لي ) . وقصه علي أبيه وإخوته ، فأنتهره أبوه وقال له : ( ما هذا الحلم الذي حلمت ؟ هل نأتي انا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلي الارض ؟ ) فحسده إخوته وأما أبوه فحفظ الامر . في قصة يوسف الواردة في سفر التكوين يعطينا الله صورة للشاب يوسف كنموذج للعفة والطهر والصدق والامانة لحياة الفرد الذي يعيش ويسير مع الله . لذلك عندما أراد أخوته وتمنوا له الشر كتب له الله خيراً كثيراً جزيلاً . بل كان حارساً الله ليوسف في غربته وعوضه بأمانته عن السنين التي أكلها الجراد عمراً حافل بالنجاحات والانجازات الكبيرة . أظهر الله لطفاً وعطفا كبيراً ليوسف في كل الاعمال التي قام بها رغم المؤامرات والدسائس التي حيكت في الظلام للتغرير به واشانة سمعته . تمكن يوسف من تجاوز كل أزمة بقوة وبسالة ونخوة ورجولة وشهامة وفية ندر ان تجدها في الشباب الذين في عمره . فقد كان يوسف في مكتمل النضج والرجولة ومتألق الوسامة والجمال ونضارة الشباب ممتليء في الروح والجسد معاً . وهذا جعل كل يراه من الجنس اللطيف يهواه ويشتهيه ويتمناه ويرغب فيه . كما نري ما حدث ليوسف مع أمرأة سيده فوطيفار . وحدث بعد أن أمرأة سيده رفعت عينيها إلي يوسف وقالت : (أضجع معي ). فأبي وقال لأمرأة سيده : ( هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت ، وكل ما له قد دفعه إلي يدي . ليس هو في هذا البيت أعظم مني . ولم يمسك عني شيئاً غيركِ ، لأنكِ أمرأته . فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطي الي الله ؟ ) . وكان إذ كلمت يوسف يوماً فيوماً أنه لم يسمع لها أن يضجع بجانبها معها . تكوين 39 : 7 – 10 كانت زوجة فيطفار الشريرة تراود الفتي يوسف لفعل الشر والخطية معها بشتي الاساليب والمغريات العاطفية وتقترب منه بعشق وتودد . وكان يوسف شاباً عفيف النفس والروح والبدن فلم يطلق العنان لغرائزه وشهواته بل كان يكبتها بعزم الايمان محصناً نفسه الابية الكريمة بكلمة الله . فاستطاع يوسف أن يتغلب علي الشر وتمكن أن يقاوم ويقهر الشهوات الشبابية التي تهزم كل الشباب وتوقع بهم في دائرة الأثم وأرتكاب فاحشة الزني وثم تتركهم في دائرة العقد النفسية والاحساس بالذنب . وهذا ما ناشد به بولس ابنه في الايمان ثيموثاوس قائلاً : ( أما الشهوات الشبابية فأهرب منها ، وأتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي ) . تيموثاوس الثانية 2 : 22 كان يوسف الشاب الجميل الوسيم الملوح يمشي علي هدي وصية الحكيم سليمان الذي كان رجلاً عالماً خبيراً بكل جوانب الحياة لاسيما حياة النساء. عرف سليمان بعشق وحب النساء وهذا ما أكسبه فهماً وحكمة لاسيماء بالنساء الغوايات الماجنات . وبالرغم من حكمة سليمان وكلامه الكثير عن المرأة الاجنبية موصياً الشباب بالابتعاد عن طرقها او سماع كلامها المعسول الملق . الا ان سليمان نفسه وقع في حبائل النساء لأنه أطلق العنان لغرائزه الحيوانية وهذا ما جعله يسقط في نظر الله . زوجات سليمان الملك وأحب الملك سليمان نساء غريبةً كثيرةً مع بنت فرعون : موأبياتٍ وعمونياتٍ وأدمياتٍ وصيدونياتً وحثياتٍ من الامم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل : ( لا تدخلوا اليهم وهم لا يدخلون اليكم ، لأنهم يميلون قلوبكم وراء الهتهم ) . فألتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة . وكانت له سبع مئةٍ من النساء السيدات ، وثلاث مئةٍ من السراري ، فأمالت نساؤهٌ قلبه . فكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساؤهٌ أملن قلبه وراء آلهةٍ أخري ، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه . ملوك الاول 11 : 1 – 4 فما الذي تركه الملك الحكيم سليمان للشباب من وحكم وخبرات وتجارب مفيدة يمكن الافادة والاستفادة منها بغية السير علي هدي وسراج كلمة الله الصريحة . يقول الحكيم : ( يا أبني أحفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك .بل أربطها علي قلبك دائماً . قلد بها عنقك . إذا ذهبت تهديك وإذا نمت تحرسك ، وإذا أستيقظت فهي تحدثك . لأن الوصية مصباحٌ ، والشريعة نورٌ وتوبخيات الادب طريق الحياة . لحفظك من المرأة الشريرة , من ملق لسان الاجنبية . لا تشتهين جمالها بقلبك ، ولا تأخذ بهدبها . لأنه بسبب أمرأةٍ زانيةٍ يفتقرالمرء الي رغيف خبزٍ ، وأمرأة رجلٍ أخر تقتنص النفس الكريمة . أيأخذ أنسانٌ ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه . او يمشي أنسانٌ علي الجمر ولا يكتوي رجلاه ؟ هكذا من يدخل علي أمرأة صاحبه . كل من يمسها لا يكون بريئاً ) . أمثال 6 : 20 – 29 يذكرنا قصة حياة يوسف وما تحلي به من الحلم والحكمة والصبر وطول الاناة بقصة نبي الله أيوب الذي قال عن الله للشيطان : ( من أين جئت ايها الشيطان الوقح الشرير؟ وهل جعلت قلبك وتفكير عقلك في عبدي أيوب ) . وتكلم الرب الاله عن أيوب كلاماً عظيماً مادحاً أياه كما لو كان أيوب ملاكاً من نور وليس انساناً من تراب . فقال الرب للشيطان : ( هل جعلت قلبك علي عبدي أيوب ؟ لأنه ليس مثله في الارض . رجل كامل ومستقيم ، يتقي الله ويحيد عن الشر ) . أيوب 1 : 8 وأظن أن صفات الحلم والحكمة والرشد التي وجدها الله في نبيه أيوب لم تتوفر في سائر الاباء الانبياء . و لم توجد هذه الصفات والمؤهلات بين كل الاباء والانبياء ابتداءاً من نوح و ابينا ابراهيم واسحاق ويعقوب ولا حتي في موسي كليم الله ، اوإيليا النبي الذي صعد الي السماء في تلك المركبة النارية التي فصلت بينه وخادمه اليشع . ولا كانت صفات أيوب المميزة به حصريا متوفرة عند داود الذي قال عنه الله وجدت في قلب داود أبن يسي رجل مثل قلبي الذي يصنع مشيئتي . ولا كان سليمان الحكيم رجلاً مستقيماً وكاملاً في نظر الله . وكذا الامر باشعياء ودانيال وزكريا وكل الاخرين. لم تكتمل كمال الله في سائر رجال الله الاتقياء تلك الصفات المتمثلة في صفات الاستقامة والكمال والحيدان عن الشر. لكن تلك الصفات وجدت في عبد الرب أيوب . وبالاحري ايضاً أي وجدت هذا الصفات الكمالية الالهية وجدت بحذافيرها في عبد الرب الضعيف المستضعف يوسف أبن اسحاق أبن يعقوب أبن إبراهيم خليل الله . سار يوسف مع الله منذ بكوريته الاولي وظل يمشي مع الله ويحيد عن الشر ويسلك ويتبع الطريق المستقيم ولا يخرج عنه قيد إنملة . تعرض يوسف للتجارب المريرة مع إخوته ورأهم يلقونه في البئر ويتركون وهو يبكي ويستعطفهم بالدموع يرجوهم ان يرحموه . وكان ينظر الي عيونهم والشر والشرر تتطاير منها وتحرقه وتقتله وهو لا يزال حياً . وعندما باعوه للمصريين كان يوسف ايضاً يناجيهم منادياً صارخاً : يا أخواني الاحباء لا تتخلوا عني فأنا أخوكم أنا أحبكم وأريد أن أكون معكم لأنني أخوكم أبن أبيكم انا ابن أبيكم الكبير يعقوب الذي يحبني ويحبكم . فضلاً يا أخوتي الاحباء الكرام أرجوكم ليس لأجل نفسي لكن من أجل أبي وأبيكم الشيخ الكهل لا تتركوني للمصريين . فما الذي ستقولوه لأبيكم عندما يسألكم عني قائلاً : ( أين أبني الصغير يوسف الذي أحبه ؟ ) . يا أخوتي الكرام يا يهوذا وشمعون ويساكر أين أخي الكبير رأوبين أريد ان أراه قبل أن افارقكم الي الابد . وظل يوسف يصرخ بكل صوته مستنجداً إخوته بكل قوته وبكل ما أعطي من آيات التوسل والاسترضاه والاستنجاد راجياً عطف ولطف او رحمة من أخوته . لكن وللأسف الشديد لا حياةٌ لمن تنادي . فقد كان إخوة يوسف وهم ابناء اسرائيل قساة وغلاظ القلوب والرقبة كما وصفهم الله . أختفت قافلة الاسماعلين المتجه غرباً في الافق البعيد ويوسف لا يظل ولا يزال يحدق وهو يلوح بكلتا يديه الي أخوته عسي ولعلي . لكنهم أختفوا عنه ولم يعد يرأهم مع انه ظل دائماً يفكر فيهم ويتمني ان يراهم وان يلتقي بهم عن قريب ان شاء الرب وبمشيئه ! ومع كل هذا الا ان الله مكن الله يوسف في مصر أي تمكين وصار يوسف بفضل معرفته لله و الرفعة والكمال والاستقامة وجد نعمة في عيني كل من عرفه . هذا حتي عندما زج به ووجد نفسه في السجن أحبه رئيس الشرط من بين كل المحبوسين وأقامه رئيساً علي المساجين حلم فرعون وتفسير يوسف وحدث من بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأي حلماً : وإذا هو واقف عند النهر ، وهوذا سبع بقرات طالعةٍ من النهر حسنات المنظر وسمينة اللحم ، فأرتعت في روضةٍ . ثم هوذا سبع بقراتٍ أخري طالعةٍ وراءها من النهر قبيحة المنظر ورقيقة اللحم فوقفت بجانب البقرات الاولي علي شاطيئ النهر ، فأكلت البقرات القبيحة المنظر والرقيقة اللحم البقرات السبع الحسنة المنظر والسمينة . واستيقظ فرعون . تكوين 41 : 1 – 4 في الليلة التالية تكرر نفس الحلم وأن بصورة مختلفة هذه المرة سبع سنابل سمينة وحسنة وسبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية . وحدث كيف قامت البقرات الضعيقة ابتلعت السمينة و السنابل الملفوحة بالريح ايضاً ابتلعت السنايل الحسنة المنظر . و استيقظ فرعون منزعجاً فزعاً مرتاعاً من الحلمين . الامر الذي جعله يستدعي جميع سحرة مصر والحكماء ويقص لهم قصص وحكايات أحلامة وكوابيسه الليلة المزعجة . لكن كل حكماء مصر والسحرة والمجوسن والكلدانين لم يكن بينهم من أستطاع ان يفسر أحلام فرعون . وهنا تذكر رئيس السقاة يوسف الذي كان معهم في السجن وكان يوسف لم يزل مسجوناً في بيت السجن . فعندما حلم فرعون أخبره رئيس السقاة الذي كان حبسياً مع يوسف في بيت السجن . كلم رئيس الساقة فرعون وأخبره بأن يوسف الشاب العبراني هو رجل حكيم ومؤيد بقوة روح الله القدوس وهو يستطيع أن يفسر له أحلامه . فأرسل فرعون ودعا يوسف ، فأسرعوا به من السجن . فحلق وأبدل ثيابه ودخل علي فرعون . فقال فرعون ليوسف : ( حلمتُ حلماً وليس من يعبره . وانا سمعت عنك قولاً ، إنك تسمع أحلاماً لتعبرها ) فأجاب يوسف فرعون قائلاً : ( ليس لي . الله يجيب بسلامة فرعون ) . تكوينن 41 : 14 – 16 فسر يوسف أحلام فرعون ، فسر فرعون بحكمة يوسف وحلمه وأقتنع تماماً بتفسيره وتأويله لأحلامه . فحسن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده . فقال فرعون لعبيده : ( هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله ؟) ثم قال فرعون ليوسف : ( بعدما أعلمك الله كل هذا ، ليس بصير وحكيم مثلك . أنت تكون علي بيتي ، وعلي فمك يقبل جميع شعبي إلا إن الكرسي أكون فيه أعظم منك ) . تكوين 41 : 37 – 40 لصدق يوسف واستقامة قلبه بل لكماله في عينيي الله والناس . وجد مكاناً ومقاماً عند فرعون وكل شعب مصر فرقاه فرعون قائم مقام الرجل الاول في مصر ماعدا الكرسي الذي يجلس فيه فرعون شخصياً فهو كرسيه . وتقدم يوسف وعظم شأنه علي نطاق العالم في تلك الايام لاسيما عندما حدثت المجاعة الكونية الاولي ولم توجد قمح وشعير وخبز الا في مصر . فكان كل الناس يتوافدون علي مصر من لكل أنحاء وارجاء الارض لشراء القمح والدقيق حتي لا يهلكوا بالفاقة و الجوع والمسبغة الكبري . فكان جوع في جميع البلدان بما فيها اسرائيل وفلسطين وسوريا ولبنان نعم كان الجوع علي وجه كل الارض ما عدا مصر . ذلك لأن رجل الله يوسف هو الذي قرأ و كشف المستقبل بعيني الله وعمل اللأزم لمواجهة تداعيات السبع سنين الجوع التي ستتلي السبع سنين الشبع . قام يوسف بشراء كل القمح والشعير الفائض من شعب مصر وخزنه كمخزون استراتيجي لمواجهة السبع السنين الجوع القادمة . فلماء رأي يعقوب أنه يوجد قمح في مصر ، قال يعقوب لبنيه : ( لماذا تنظرون بعضكم الي بعض ) . وقال : ( أني قد سمعت انه يوجد قمح في مصر . أنزلوا الي هناك وأشتروا لنا من هناك لنحيا ولا نموت ) . فنزل عشرة من إخوة يوسف ليشتروا قمحاً من مصر . وأما بنيامين أخو يوسف فلم يرسله يعقوب مع إخوته ، لأنه قال : ( لعله تصيبه أذيةٌ ) . تكوين 42 : 1 – 4 سافر إخوة يوسف علي جناح السرعة الي مصر ليشتروا القمح حتي لايموتوا كما قال لهم يعقوب ابيهم . وعندما وصلوا كان أول من قابلهم من المسئولين المصريين هو إخوهم يوسف . والغريب في الامر برمته هو أن جميع إخوته الذين باعوه عبداً للإسماعيلين لم يتمكن ولا واحد منهم ان يتذكر يوسف ولا حتي يشك ان في الرجل الماثل أمامهم ذات الدم الذي يسري في دمائهم . فقد أغلق الله النظر والبصر من عيونهم وأعمي البصيرة من بصائر قلوبهم حتي يعرفوا أخوهم . بينما عرفهم يوسف فرداً فرداً من كبيرهم الي أصغرهم متذكراً اسم كل واحدٍ منهم . وجال يوسف ملياً بخاطره ذاك اليوم الاخير الذي باعه فيه أخوته كيف كان يتوسل اليهم بالدموع ان لا يتركوه للأسماعيليين صارخاًوباكياً لكن دون جدوةٌ . ولماء نظر يوسف الي أخوته عرفهم ، فتنكر لهم وتكلم معهم بجفاء ، وقال لهم : ( لهم من أين جئتم ؟ ) فقالوا :(من أرض كنعان لنشتري طعاماً ) .وعرف يوسف إخوته وأما هم فلم يعوفوه . تكوين 42 : 7 – 8 تلك هي الايام يتداولها الله بين الناس ، ويتداولها الناس فيما بينهم ، يوم لك ويوم لأخيك . فليتك تكون أنساناً حسناً عندما تبدوا لك الأيام سمن علي عسل بلبن . وتذكر دائماً مقولة : لمن دامت ! فدعونا نتذكر كلام الرب يسوع المسيح عن كل من ينكره في وقت من الاوقات في هذه الحياة . لأن الكثيرين منا دائماً علي أهبة الاستعداد لأنكار الرب يسوع المسيح في أتفه المواقف وأمام ابسط الناس . وسوف لن يكون بطرس دائماً هو أخر الناكرين للرب يسوع المسيح ابداً . وأقول لكم : كل من أعترف بي قدام الناس ، يعترف به أبن الانسان قدام ملائكة الله . ومن أنكرني قدام الناس ، ينكر قدام ملائكة الله . وكل من قال كلمة علي أبن الإنسان يغفر له ، وأما من جدف علي الروح القدس فلا يغفر له. لوقا 12 : 8 – 10 أما يوسف فقد كان دئماً وظل هكذا جميلاً لطيفاً بديعاً شفاف الروح نقي طاهر السر والسريرة . عفيف الحس والحواس عفيف في كل حواسه الخمسة كما في الحاسة السادسة عفيف في اللمس والذوق والسمع . عفيف وثاقب النظر فقد راي يوسف بعيون روح الله ما لم يكن يبصره إخوته بعيونهم البشرية المادية . نظر يوسف ورأي في البعيد ما هو أفضل الان وفي المستقبل لشعب الله ولكنعان . كان يوسف عفيف شفيف القلب و الفم واللسان ليس في الذوق فقط بل في طيب القول والكلام . وكان كسيده المسيح وديع ومتواضع القلب . عطوف رحيم ومتسامح غافر الذنوب مكفراً عن الخطايا كما فعل الرب يسوع وهو علي خشبة الصليب . وكان يوسف صاحب الرؤي الحقيقة والاحلام الصادقة وأمتاز بالشجاعة والمنطق والجرأة . كان واثقاً فيما يؤمن به ويصدقه وكان مستعدا للدفاع والتضحية في سبيل ما يؤمن به حتي لو كانت أحلاماً . أخير وليس أخراً هذا هو الرجل الكبير القلب والعقل والفكر يوسف الحلو الجميل . كان يوسف جميلاً ليس في الوجه فقط لا بل في كل الخصال والصفات والخصائص والميزات كلها . كان جميلاً في السماحة الجسدية البدنية كما كان جميلاً في السماحة النفسية الروحية . كان رجلاً عرف باتساع الصدر والافق ، في الكمال والاستقامة والحيدان عن الشر . يوسف يطمئن أخوته وأتي إخوته أيضاً قالوا : ( ها نحن عبيدك ) . فقال لهم يوسف : ( لا تخافوا . لأنه هل أنا مكان الله ؟ أنتم قصدتم لي شراً ، أما الله فقصد به خيراً ، لكي يفعل كما اليوم ليحي شعباً كبيراً . فالان لا تخافوا . أنا أعولكم وأولادكم ) . فعزاهم وطيب قلوبهم . تكوين 50 : 18 - 21 أما العذراء مريم البتول والدة الرب والمخلص يسوع المسيح فهي بين النساء المستقيمات . وقد عرفت مريم من بين بنات أروشليم بالأسم عرفت بالعفاف والطهر والنقاء . ولدت مريم وتربت علي ان تكون مختلفة عن سائرالاطفال من بنات جنسها وجيلها وكل الاجيال اللاحقة من البنات . عرفت بكونها كريمة الاصول شريفة في صون الجسد وحفظ النفس والروح من الاهواء والشهوات البشرية . فقد تميزت مريم بالعفة منذ صغرها او منذ ان قال عنها النبي اشعياء قبل الاف السنين من مولدها ها العذراء تحبل وتلد أبنا وتدعو أسمه عمانوئيل . فأكتملت صورة العفة والعفاف بزيارة الملاك جبرائيل الذي بشرها بالمخلص . فدخل إليها الملاك وقال : ( أيها المنعم عليها . الرب معك مباركة أنت في النساء ) . فأستحقت مريم لقب أول أمرأة قديسة من بين كل النساء . وكان حياة مريم كلها تسبيح وترنيم حمداً لله وهي صاحبة أجمل وأعظم وأحلي قصيدة او ترنيمة أنشدتها أمرأة في التاريخ البشري قديمه وحديثه . فما المانع الذي يمنعنا هنا من الاتسماع والاصغاء الي العذراء وهي تنشد نشيدها بكلمات حلوةُ عذبة مليحة . فدعونا نختم بهذه العفة والعفاف ، عفة اللسان وعفاف الجسد والروح والنفس وعفة الاحرف والكلمات التي تغنت بها العذراء في حضرة الله أو في حضرة من تهوي فقالت : ( تعظم نفسي الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي ، لأنه نظر الي أتضاع أمته . فهوذا جميع الاجيال تطوبني ، لأن القدير صنع بي عظائم ، وأسمه قدوس ، ورحمته إلي جيل الاجيال للذين يتقونه . صنع قوة بذراعه . شتت المستكبرين بفكر قلوبهم . أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين . أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الاغنياء فارغين . عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة ، كما كلم أباءنا لإبراهيم ونسله الي الابد ) . لوقا 1 : 46 - 55
الجزء الثاني عــــــطاء
( أعطوا تعطوا ، كيلاً جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يعطون في أحضانكم ، لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم ) . لوقا 6 : 38 بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم أيها السامعون الاطفال والاولاد من البنين والبنات واحدة من فضائل الله للبشر وبدونهم تكون حياة البشر من الرجال والنساء ناقصة ويشعرون بعدم السعادة وعدم رضي الله عنهم . فالذرية بركةٌ عظيمةٌ ونعمة من نعم الله الجزيلة ، بل هي من أعظم العطايا التي يسعي الأنسان للحصول عليها من الزواج المبارك . هذا هو وعد الله لهذا الانسان من بداية الخليقة وبدون بركة الزواج والتكاثر والولادة تتوقف دورة عجلات الحياة عن الاستمرار. وهذا علي ما يبدو انها عكس أرادة الله ومشيئه الربانية التي من خلالها خلق الانسان وأوجده في الارض ليعملها ويستثمرها ويعمرها . وقال الله : ( نعمل الانسان علي صورتنا كشبهنا ، فيتسلطون علي سمك البحر وعلي طير السماء ، وعلي البهائم ، وعلي كل الارض ، وعلي جميع الدبابات التي تدب علي الارض . فخلق الله ألإنسان علي صورته . علي صورة الله خلقه ذكراً وأنثي خلقهم . وباركهم الله وقال لهم : ( أثمروا وأكثروا وأملأوا الارض ، وأخضعوها ، وتسلطوا علي سمك البحر وعلي طير السماء وعلي كل حيوان يدب علي الارض ) . تكوين 1 : 26 اذا فقد خلق الله كل الكون وبوجه خاص الارض ما فوق الارض وتحت الارض . كل ما في البحار والمحيطات من الكائنات الحية والجمادات وكل ما خلقه وأوجده كانت عطية مجانية وهدية من الله رب كل المخلوقات والكائنات الكلية التي خلقها وأوجدها حصريا في كل الكون وعلي الارض للانسان وليس غيره. بعد هذه الامور صار كلام الرب الي ابرام في الرؤيا قائلاً : ( لا تخف يا ابرام . أنا ترس لك . أجرك كثير جداً ) . فقال ( أيها السيد الرب ، ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيم ، ومالك بيتي هو أليعاز الدمشقي ؟ ) . وقال أبرام ايضاً : ( أنك لم تعطني نسلاً ، وهوذا أبن بيتي وارث لي ) . فإذا كلام الرب اليه قائلاً : ( لا يرثك هذا ، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك ) . تكوين 15 : 1 - 4 كان وعد الرب لإبراهيم بأنه سيعطية الأرض الخصبة له ولنسله الذي سيأتي بعده . تكلم الله مع ابراهيم عدة مرات ولأوقات كثيرة عن نسله الذي سيعطيه الارض كلها . مع العلم أن ابراهيم وساره لم ينجابا اولاداً ولا بنات وقد تقدما في عمريهما وصار الي حد ما من العمر ما يمكن وصفه بأرذل العمر . وفي وقت من الاوقات يأس ابراهيم ويسئت سارة وملا من كلام الله المتكرر بأنه سيعطيهم نسلاً دون تحقيق الله لهذا الوعد . وهذا جعل ساره تفقد الأمل وتشك في وعد الله وتجتهد بنفسها للحصول علي النسل الذي سيرثهما . فقالت ساراي لأبرام : ( هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة . أدخل علي جاريتي ، لعلي أرزق منها بنين ) . فسمع ابرام لقول ساراي . تكوين 16 : 2 . وهذا هو حال الانسان في كل زمان ومكان في كل التاريخ ومنذ بدء الخليقة نجده عجول في كل أموره الوقتية مستعجل لنيل كلما يطمح فيه. فالانسان بطبعه ضعيف ومتسرع ومستعجل جداً وهو فلف ميال أكثر الي الظنون والشكوك عندما لاتسير الامورفي صالحه ووفق طموحاته يشكالانسان ويعتقد بأن الله غير صادق معه في وعوده . وبالتالي يقوم الانسان بأتخاذ قراراته الفردية الخاطئة ضد أرادة الله وفكره وتدبيره . كما نري كيف كان الرجال دائماً محبين لنسائهم خاضعين لأرائهن وأفكارهن دون الرجوع الي فكر الله والحيدان عن أفكار النساء التي في أغلب الاحيان ربما تكون خاطئة ومضللة عن سبل وسبيل الله المستقيم . هذا ما رأيناهو في أبوينا الاولين أدم وحواء . وهذا الامر تكرر ايضاً في أبينا إبراهيم وأمنا سارة . كيف انحاز إبراهيم الذي دعي خليل الله لأفكار أمرأته سارة واستجاب لرغبتها التي لم تكن تتمشي او تصنع مشيئة الله . وقع ابراهيم في الفخ بسبب أمرأته ساره . وكان لهذا الخطأ الغير مبرر ابداً أثر كبير في داخل أسرة ابراهيم وتضررت منه ساره وابراهيم أولاً . ومن ثم أمتدت أثار الخطأ ليشمل الاولاد من نسل ابراهيم وهم إسحاق أبن الموعد ونسل اسماعيل أخيه أبن الجارية المصرية هاجر . ولم يقتصر هذه المشكلة الاسريه في بيت ابراهيم فقط لكنه أمتدد لبيت يعقوب المسمي اسرائيل ليصير نزاعاً وصراعا تاريخياً محتدماً مريراً وممتدداً عبر كل الحقب من القرون والعصور الي يومنا هذا . وكان يوحنا المعمدان أعظم هدية وعطيةٌ وهبةٌ منحهها الله وأعطاه للكاهن زكريا وأمرأته اليصابات التي كانت عاقرة . فقد أكرم الله هذين الشيخين البارين الكبيرين والطاعنين في السن بأبن الشيخوخة بركةٌ لهما لأنهما سارا في طرق الرب بالكمال والأستقامة والحيدان عن الشر . هذا تأكيداً لقول الله الذي يقول فيه انه يكرم من يكرمونه والذين يبكرون اليه في الصلاة يجدونه . أستجاب الله لصلوات زكريا واليصابات وأعطاهما ولداً سماه يوحنا ، وكان يوحنا يعني الرب حنان نعمة وبركة وسبب لفرحة كبير لأبويه والجيران وكل اليهودية . ميلاد يوحنا المعمدان وأما أليصابات فتم زمانها لتلد ، فولدت أبناً . وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ، ففرحوا معها . لوقا 1 : 57 – 58 كانت فرحة زكريا عظيمة جداً بل كانت فرحتهٌ طاغية وغير مسبوقة . ولما رفض الجيران فكرة تسميه المولود بأسم يوحنا وهو الاسم الذي أختاره وأطلق عليه الملاك جبرائيل عندما بشر الكاهن زكريا في الهيكل . فقد دار جدال وسجال طويل بين الجيران وأليصابات بخصوص أسم المولود أذ ان أمه اليصابات كانت تصر علي أسم يوحنا . بينما أصر الجيران والأهل جميعاً وأجمعوا علي تسمية المولود بأسم أبيه زكريا لأنه الابن الوحيد وهو أبن شيخوخته ووريث عرشه ومقامة . وكان زكريا الاخرس يراقب الموقف هو يستمع الي الحوار والنقاش او الجدال المحتدم الذي صار فيه الأهل والجيران قاب قوسين او أدني من أقناع اليصابات وتسمية المولود بأسم أبيه زكريا . فقالوا لها : ( ليس أحد في عشيرتك تسمي بهذا الأسم ). لوقا 1 : 61 . الي هنا نري ان كل الحضور الذين جاءوا ليشاركوا اليصابات وزكريا في الختان و السماية فضلوا ان يسمعوه بأسم أبيه . و في النهاية رأوا ان يستشيروا الأب زكريا وما الاسم الذي يريد ويفضل أن يطلقه علي أبنه . وكان زكريا العاجزعن الكلام مشحوناً بالغبطة والفرحة لا تسعه وهو يريد ان يتكلم لكنه غير قادر . فأومأوا واشاروا اليه ماذا يريد ان يسمي أبنه فطلب منهم قلماً لوح او ورقة . وعندما قدموا له الورقة والقلم كتب فيه : ( أسمه يوحنا ) فأندهش كل الأهل والجيران وتعجبوا جداً . وفي الحال انحل عقدة لسان زكريا وأنفتح فمه وبارك ومجد اسم الله العلي القدير . وهذا الامر جعل كل الحاضرين يقعون في رهبة وخوف غير قليل . وأنتشرت تلك الاخبار في الجبال واليهودية وفي أورشليم الكبري وكان كل من سمع عن الابن المولود الذي سمي يوحنا كان يقول في قلبه : ( يا تري ماذا يكون هذا الصبي في المستقبل ؟ ) . لأن ولادته بحد ذاته كانت معجزة وأيضاً كل الحوادث التي صاحبت هذا الميلاد منذ ظهور الملاك جبرائيل لزكريا في الهيكل قبل أكثر من تسعة أشهر الي زيار مريم العذراء ! الي هنا لم ينتهي الامر لينصرف المحتفلين كل واحد الي بيته ومكانه بسلام لكن حدث طارئ أخر زلزل المكان مجدداً بصورة لم تكن متوقعة أبداً . يقول لنا الطبيب المدقق لوقا واصفاً الحدث الجامع بين التراجيدي والدراماتيكي المدهش قائلاً : ( وأمتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ ) . نعم وتنبأ الكاهن زكريا قائلاً : ( مبارك الرب إله إسرائيل لأنه أفتقد وصنع فداءٍ لشعبه ، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه . كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر ، خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا . ليصنع رحمة مع أبائنا ويذكر عهده المقدس ، القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا : أن يعطينا إننا بلا خوف ، منقذين من أيدي أعدائنا ، نعبده بقداسة وبرً قدامه جميع أيام حياتنا . وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعي ، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه . لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم ، بأحشاء رحمة إلهنا التي بها أفتقدنا المشرق من العلاء . ليضي علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت ، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام ) . وتلك اخر النبوءات الي تم فيها اسدال الستار علي كل انبياء العهد القديم ومن فتح الباب واسعاً لبداية العهد الجديد بولادة يوحنا المعمدان . وقد سمعنا كل ما قاله الشيخ الكاهن زكريا عن الطفلين يوهنا المعمدان والطفل الرب يسوع المسيح . وهذين أكتملت كل نبوءات العهد القديم في العهد الجديد . وأما الصبي فكان ينمو ويتقوي بالروح ، وكان في البراري إلي يوم ظهوره لإسرائيل . لوقا 1 : 80 يسوع الخبز والماء الحي أما يسوع فهو النبع ووعاء الجود والعطاء الفائق جداً فأن سألتم عن الكرم الفياض يوما فقولوا بل أبحثوا عنه فستجدوه في وعند الرب يسوع المسيح . لأنه هو خبز الحيتة والماء الحي ايضاً هكذا تكلم يسوع المسيح عن نفسه كما لم يتكلم أحد قبله قط بهذه الكلمات . لذلك تجده يحرض علي العطاء أكثر من الاخذ . فيسوع هو القائل : ( الحق الحق لكم : من يؤمن بي فله حياة ابديةٌ . أنا هو خبز الحياة . أباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا . هذا هو الخبز النازل من السماء . إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا الي الابد . والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذلهٌ من أجل حياة العالم ) . يوحنا 6 : 47 – 51 كما تكلم يسوع عن نفسه بأنه هو خبز الحياة هكذا تكلم ايضاَ بأنه ينبوع ماء الحياة الحي . وفي اليوم الاخير من العيد وقف يسوع ونادي قائلاً : ( إن عطش أحدٌ فليقبل إليَ ويشرب . من أمن بِي ، كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماءٍ حيِ ) . يوحنا 7 : 37 : 38 ولا يتكفي الرب يسوع بتحريض المؤمنين به علي السير في طريقه فقط بل يطلب منهم أن يكونوا مثله في الطاعة والمحبة والبذل والعطاء . ويدعوهم أن يطلبوا منه بالفرح والايمان والثقة فيه . لأنهم ان طلبوا فأنهم سينالون كلما يريدون في حينه لأنه هو دائماً مستعدٌ أن يعطيهم كل شيئ أن طلبوا ذلك وبهذ الصدد يول : ( فأنتم كذلك ، عندكم الان حزنٌ . ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ، لا ينزع أحد فرحكم منكم ، وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً . الحق الحق أقول لكم : إن كل ما طلبتم من ابي بأسمي يعطيكم . الي الان لم تطلبوا شيئاً بأسمي . أطلبوا تأخذوا ، ليكون فرحكم كاملاً ) . يوحنا 16 : 22 – 24 كان المسيح معتاد علي الذهاب الي البرية عند نهاية تعاليمه وخدمته ، وبعد كل عمل كبير ومضني كان يعمله مع تلاميذه . فهو يذهب بهم بعيداً حتي يتثني لهم قضاء وقت أكبر منفردين في التأمل والصلاة . الا أن الجموع كانت تتبعهم إينما ولوا وأدبروا او ذهبوا . كانت الجموع تلاحقهم حيثما كانوا ليسمعوا مزيداً من الكلمات التي كانت تنعش قلوبهم وأفئدتهم المشتاقة والولهانة لكلام الحياة . كما كان بعضهم يأتون لنيل الشفاء والعلاج من الامراض والاهات المختلفة في أجسامهم . فكثيرين كانوا يعانون من تشوهات خلقية أصابتهم في ابدانهم منذ ولادتهم او وهم أطفال صغار . وأخرين كانوا يتابعون يسوع وهم مرسلين من الفريسيين لتجسس علي المسيح وتلاميذه . وقليلين منهم كانوا يسألونه عن الاشياء الروحية او الغذاء الروحي الباقي للحياة الابدية . بينما الاكثرية كانت تحضر مأخوذة بحب الاستطلاع واشباع الفضول ليس الا وفي ظهيرة أحد الايام قال التلاميذ للمعلم هيا بنا نذهب الي البرية بعيداً من أزعاج الناس وصخب مدينة أورشليم وضجيجها . فأستجاب الرب يسوع سريعاً للفكرة لأنه كان قد أحس وشعر بالأعياء والتعب الذي أصابهم وذا الارهاق الذي كان باينٌ في وجوههم من الارهاق والاعياء الشديدين . كان التلاميذ بحاجة ماسة لبعض الوقت من الراحة والاستجمام . وبالاحري كانوا يريدون الانفراد بصحبة الرب والاختلاء به والانعزال معه ومع أنفسهم . فقد كانت كل الاسابيع الماضية مزدحمة ومشحونة بالعمل المتواصل وبكثرة الجموع والحشود حول يسوع مما ضيق عليهم الخناق . وكان المعلم مجهداً تماماً فهو منذ الامس الفائت لم يحظ ولو بقدر يسير من الاستراحة . فطلبات الناس المحتاجين لم تنقطع ليل نهار . فكلما قضي البعض حاجته وذهب جاء أخرين بالعشرات بل بالمئات وهم أكثر حاجةً والحاح . فقبل قليل تم شفاء الرجل المشلول ومعه أخرين من العميان وأتي بعدهم فوراً الرجل المقعد الذي كان يحمله أربعة من أصدقائه . وبعدها جاء التلاميذ المرسلين من يوحنا المعمدان الذي كان وقتها في السجن . جاءوا من طرف يوحنا المعمدان وهم يسألون يسوع المسيح سؤالاً بدأ غريباً ومربكاً للتلاميذ . أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال الرب يسوع المسيح ، فأرسل أثنين من تلاميذه ، وقال له : ( أنت هو الاتي أم ننتظر أخر؟ ) فأجاب يسوع وقال لهم : ( أذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران : العمي يبصرون ، والعرج يمشون ، والبرص يطهرون ، والصم يسمعون ، والموتي يقومون ، والمساكين يبشرون . طوبي لمن لا يعثر فيً ) متي 11 : 2 – 6 وبعد ان ذهب تلميذا يوحنا أضطر يسوع ان يمكث مع الجموع والتلاميذ وقتاً أخر ليكلمهم عن يوحنا واصفاً اياه بنبي وبأفضل من النبي . وقال عنه : ( فأن هذا هو الذي كتب عنه : ها انا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك . الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ، ولكن الاصغر في ملكوت السماوات أعظم منه . بعدها خرج التلاميذ برفقة المعلم الي البرية حتي وصلوا الي حيث دوحة شجرة جميزة او التينة الوارفة الظلال . في هذا المكان حيث أعتادوا الجلسوا تحت ظلألها الظليلة . وهذا كان يحدث دائماً ومن حين الي أخر كلما أجتازوا بتلك النواحي في كل المواسم في الشتاء والخريف او الصيف . وكان الفصل هذه المرة هو فصل الربيع وثمار التين والزيتون والعنب قد أينعت فقطفوا منها وأكلوا ولم يبالوا ان كان اليوم يوم سبت أحد او أثنين اوغيره . هنا وجد الجميع نفوسهم برفقة معلمهم وانداح لهم البراح والاريحية كما لو كانوا لأول مرة في رحلة ترفيهية فتبادلوا القفشات والدعابات والفكاهات علي غير العادة . قضي التلاميذ والمعلم يوماً مميزا وبمعني كلمة الامتاع . وفي المساء تحرك ركبهم الي نواحي قيصرية فيلبس حيث كانوا سيقضون ليلتهم في هذا المدينة في بيت أحد أتباع يسوع المحبين له هذا الذي طلب منهم أن يقيموا في ضيافته تلك الامسية ولم يشاء الرب وتلاميده الا أن يلبوا دعوة الرجل . وبعد العشاء طاب لهم الأنس والسمر في ضوء القمر الذي كان بدر التمام في كماله . فسألهم المعلم فجأة وعلي حين غرة قائلاً : ( من يقول الناس إني أنا أبن الانسان ؟ ) . فقالوا : ( قوم : يوحنا المعمدان ، وأخرين : ايليا ، وأخرون إرميا أو واحد من الانبياء ) . قال لهم : ( أنتم من تقولون إني أنا ؟ ) فأجاب سمعان بطرس وقال : ( أنت هو المسيح أبن الله الحي ! ) فأجاب يسوع وقال له : ( طوبي لك يا سمعان بن يونا ، إن لحماً ودماً لم يعلن لك ، لكن أبي الذي في السماوات . وأنا أقول لك ايضاً :( أنت بطرس ، وعلي هذه الصخرة أبني كنيستي ، وأبواب الجحيم لن تقوي عليها . وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات ، فكل ما تربطه علي الارض يكون مربوطاً في السماوات ) . متي 16 : 13 – 20 أرسال الاثني عشر وفيما بعد أرسل يسوع تلاميذه بعد أن أعطاهم سلطانأ علي أخراج الارواح النجسة وقدرة علي شفاء المرضي وتقوية الضعفاء وأعاناتهم وتعزية الحزاني . وهذه هي اسماء الاثني عشر رسولاً . بطرس وأخوه إندراوس ، يعقوب بن زبدي وإخوه يوحنا . فيلبس ، برثولماوس . توما ، متي العشار . يعقوب بني حلفي ، لباوس الملقب تداوس ، ويهوذا أخا يعقوب ، ويهوذا الارسخريوطي الذي اسلمه . أرسل المسيح هؤلاء للتبشير بأسمه لليهود بأقتراب ملكوت الله . وقد ابلاء التلاميذ بلاءاً حسناً في عملهم شفوا مرضي كثيرين . طهروا برصاً وعادوا الي يسوع وهم فرحين ينقلون اليه أخبار طيبة عن ما قاموا به من انجازات باهرة في الكرازة وعمل العجائب فأشاد المسيح بما قاموا به . أعطوهم أنتم ليأكلوا ولما رجع التلاميذ أخبروه بجميع ما فعلوا فأخذهم وأنصرف منفرداً الي موضع خلاء لمدينة تسمي صيدا . فالجموع إذ علموا تبعوه ، فقبلهم وكلمهم عن ملكوت الله ، والمحتاجين الي الشفاء شفاهم . فأبتدأ النهار يميل . فتقدم الاثناء عشر وقالوا له : ( أصرف الجمع ليذهبوا الي القري والضياع حوالينا فيبيتوا ويجدوا لهم طعاماً ، لأننا ههنا في موضع خلاءٍ ) . فقال لهم : ( أعطوهم أنتم ليأكلوا ) . فقالوا : ( ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين ، الا ان نذهب ونبتاع طعاماً لهذا الشعب كله ) . فقال لتلاميذه : ( أتكئوهم فرقاً خمسين خمسين ) . لوقا 9 : 10 – 15 بدأ الامر للتلاميذ غربياً جداً بل ومدهش في نظرهم بل كان مستحيلاً وغير مستطاع أبداً . كيف يقول لنا المعلم بأن نطعم هذا الجيش العرمرم من الجمهور الغفير ونحن في هذا القفر اليباب . وحتي اذا كنا في مدينة او قرية ما فهل بأمكاننا ان نطعمهم ؟ لا لا هذا هو المستحيل عينه كما يقولون ! وفي انجيل يوحنا يقول : فرفع يسوع عينيه ونظر أن جمعاً كثيراً مقبل اليه ، قال لفيلبس : ( من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء ؟) . وأنما قال هذا ليمتحنه ، لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل . أجابه : ( لا يكفيهم خبز بمئتي ديناار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً ) . يوحنا 6 : 5 – 7 . وعلي فكرة فقد وردت معجزة اشباع الخمسة الاف من الرجال ما عدا النساء والاطفال في كل الاناجيل الاربعة . وهذا ما يفسر أن مجرد التفكير في أطعام هذا الجمع في المكان الخلاء كان فكرة بدأت لهم غير معقول ولا يمكن لأنسان عاقل ان يفكر فيه مهما كان مقتدراً ويملك ما يملك من غني ومال . قال له واحد من تلاميذه ، وهو أندراوس أخو بطرس : ( هنا غلام معه خمسة أرغفة وسمكتان ، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء ؟ ) يوحنا 6 : 8 – 9 الي هنا يبدو لي ان يسوع قال لهم برافو عليكم : ( هاتوا لي الخمسة خبزات والسمكتين فهذا يكفي لأنه كثيراً جداً بل هو أكثر من المطلوب ) . الان لا عليكم ويجب ان لا تنشغلوا بالامر ، فقد أنتهي دوركم فأتركوا لي الباقي . فقط عليكم ان تنظموا الناس في موائد كبيرة وصفر تسع كل منها خمسين خمسين او مئة مئة . واخذ يسوع الأرغفة وشكر ووزع علي التلاميذ ، ولتلاميذ أعطوا المتكئين . وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا . فلما شبعوا ، قال لتلاميذه : ( أجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيئُ ). فجمعوا وملأوا أثنتي عشرة قفة من الكسر ، من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الأكلين . فلما رأي الناس الآية قالوا : ( إن هذا بالحقيقة النبي الأتي الي العالم ! ) يوحنا 6 : 11 – 14 وبهذا أثبت الرب يسوع المسيح أنه أبن الله الحي الذي هو عطية من أعظم عطايا الله كلها للأنسان . هذه المحبة الابدية التي أحب بها الله العالم حباً لا يدانيه الشك بين يديه . تلك المحبة التي تجسدت بالميلاد العذراوي وولدت في مذود حقير في بيت لحم اليهودية . عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد . لأن الله هو وحده القدير والقادر علي فعل كل ما يشاء والاتيان الي العالم بالصورة التي لا نتصورها ولم نكن نتوقعها . وليس من تعبير يمكن قوله عن محبة الله للبشر أكثر من الذي قاله الرب يسوع المسيح لنيقوديموس : ( كما رفع موسي الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع أبن الانسان . لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل أبنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الابدية . لأنه لم يرسل الله أبنهٌ ليدين العالم بل ليخلص به العالم . الذي يمؤمن به لا يدان ، والذي لا يؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن بأسم أبن الله الوحيد . وهذه هي الدينونة : إن النور قد جاء الي العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة . يوحنا 3 : 14 – 19 الصليب رمز لعطاء الله نعم فقد أكتملت هذه المحبة الالهية في أجل وأعظم صورها وتجليها فوق الصليب . فقد وهب الله أبنه الوحيد فوق الصليب تعبيراً صريحاً عن العطاء بلا حدود والحب بلا قيود والعدل الغير مشروط . كل ذلك فعله الله لأجلك ايها الانسان فهل تحب الله الذي أحبك هكذا ؟ . هكذا أحب الله العالم ! وهكذا هذه لا يمكن وصفها وقياسها في الاتساع والأرتفاع ، في السمو والعلو . و لا يمكن وزنها في الثقل او تصنيفها نوعاً وكماً . محبة أبدية أحببتك لذلك أدمت لك الرحمة . أنها قصة الحب العجيب قد تجلت في الصليب . والمعطي المسرور يحبه الله فما الذي يمكنك أن تعطيه لله ايها الانسان الشقي وهو الذي منحك الحياة بطولها عرضها . كما أنت وكل ما تملك من الله وله وأنت تعلم جيداً أن الله لا يريد منك الا قلبك السليم . فهل تعطي الله الان قلبك وتسلمه حياتك . فهو القائل : يا أبني أعطني قلبك . أنت بحسب حب الله موجود وتتمتع بالصحة والعافيه وهي أيضاً هبة وعطية مجانية من رب السماء و الارض . فكل واحد منا جاء الي هذا العالم مقبوض اليدين خاوي الكفين الا من نعمة الله . لذلك يدعوك المسيح بأن تجتهد وتعمل وأن تكون أضافة حقيقة في هذه الحياة بالبذل والعطاء لآن المعطي المسرور يحبه الله ومغبوط هو العطاء أكثر من الاخذ . فألانسان مهما كان غنياً ميسوراً كثير الثراء او كان مسكيناً وفقير لا يملك قوت يومه يحبه الله ويهتم به كثيراً . فلا تهتم ولا تهم ولا تقنط وتجحد او تبالي وتيأس لأن الله هو المدبر لكل همومك وشئونك العارف بكل تفاصيل وياتك وشجونك . الله يعتني بكل تفاصيل حياتنا ( لذلك أقول لكم : لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ، وبما تشربون ، ولا لأجسادكم بما تلبسون . أليست الحياة أفضل من الطعام ، والجسد أفضل من اللباس ؟ أنظروا الي طيور السماء . أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الي مخازن ، وأبوكم السماوي يقوتها . ألستم أنتم بالحري أفضل منها ؟ ومن منكم إذا أهتم يقدر ان يزيد علي قامته ذراعاً واحداً ولماذا تهتمون بالباس ؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ولا تتعب ولا تغزل . ولكن أقول لكم : إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها . متي 6 : 25 – 29 اذاً فقلبك الفائض بحب الله هو بلسم لشفاء قلوب كثيرة لم تعرف في عمرها العزاء وأنت بطيب كلامك الحلو العذب الشجي وعذوبة حديثك الرقيق دواء يشفي الجراح النازفة ومرهم يسكن ويداوي الكلوم المتقرحة. ويقولون أبتسامتك في وجه أخيك وقريبك العابس صدقة لا بل هو نعم العطاء . من أجل ذلك ايها العزيز كن للعابسين بسمة فأبتسامتك لا تكلفك قرشاً لكنها تصنع في الاخرين فرقاً . وان زاد الرب يوماً في أيامك ومدك عمراً او وسع الله تخومك ففاض بالخير خزائنك وكثرت الثمار في كرومك حتي تكسرت غصون اشجارك خيراً . فأشكر الله الذي اجاد بالجود خيرك وأكثر بالبركات ابكارك غنمك وقل الحمد لله هذا من فضل الله فلا تحرم الخير عن جار القريب من دارك . ولا تمنع أبن السبيل من كرم أفضالك . وأن سألك الاعمي وكل صاحب حاجة خاصة فلا تتقاضي عن رد السؤال بشرط ان لا تعرف شمالك ما فعلت يمينك . لتكون صدقاتكم في الخفاء وأبوكم السماوي يكافئي و يجازي تعب محبتكم علانيةُ . ولا يغرنك كثرة ما تملك او قوة سلطانك فالملك لله وله السلطان والجاه . فالايام دول والاحوال دائرة تدور ومن المحال دوام الاحوال والاطوار والاجال فبعض الغني غباء والقوة والسلطة حمق . باطل الاباطيل ، قال الجامعة : باطل الاباطيل ، الكل باطل ...قال الجامعة انا ناجيت قلبي قائلاً : ( ها أنا قد عظمتٌ وأزددتُ حكمةُ أكثر من كل من كان قبلي علي أورشليم ، وقد رأي قلبي كثيراً من الحكمة والمعرفة ) . ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل ، فعرفت أن هذا ايضاً قبض الريح . لأن في كثرة الحكمة الغم ، والذي يزيد علماً يزيد غماً . الجامعة 1 : 2 ... 16 – 18 عرياناً يخرج المرء من رحم بطن أمه . ويظل المرء يجاهد ويكابد ويصارع في الحياة . لكن الانسان ايضاً يخرج من هذه الحياة مودعاً وهو فارغ اليدين فليس للاكفان جيوب . فما الذي قاله الرجل الغني الذي أخصبت كورته وكثرت غلته ، كيف فكر ودبر وخطط وأمر . قال : ( أهدم هذه المخازن والصوامع الصغيرة ، وأبني عوضاً عنها أخري كبيرة واسعة . فأدخر فيها قمحي وشعيري وجميع غلاتي قوت تكفي لسنين طويلة عددا . ثم أقول لنفسي العزيزة جداً يا نفسي كلي وأشبعي ، أشربي وأروي ظماك . أفرحي يا نفسي وأمرحي ، وأن شئتٍ أطربي وأرقصي وأستريحي وتنعمي . فكل هذه الخيرات ، وجميع هذه البركات والنعم المكنوزة هي لك وحدك ستشبعين لعمر وسنين كثيرة ... فيا لسعدك ! في ذلك اليوم نادي المنادي بصوت عزرائيل قائلاً للغني : ( يا أيها الرجل الغبي هذه الليلة تطلب روحك منك فلمن تصير كل هذه النعم ولمن تؤول غناك وميراثك . هكذا كل من يتكلون علي أمجادهم وغناهم ، فأنهم عند الله هم جداً فقراء . ( هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله ) لوقا 12 : 21 أن الله أبونا هو رب العطاء والجود يدعونا الي أن نعطي خير ماعندنا ويطلب منا ان نشبع أحتياجاتنا لكن ان لا ننسي الاخرين من فيض نعمه علينا . فهو يطلب منا بذل المزيد من الجهد وان نشارك الاخرين بمالنا . يرجو منا الرب ان نساهم بكل مجهودنا وقوتنا وطاقاتنا في عمل الخير ما بوسعنا وقدر أستطاعتنا . بل يطالبنا بأن نحمل الصليب ونتبعه في كل الطريق وأن ننادي بخلاص النفوس وبشري الانجيل الخبر السار لأمتداد ملكوته السماوي في كل الارض . ويجادل الله الناس الذين خانوا عهده ونقدوا وعده القديم في الاخذ والعطاء والعشور والتقدمات والصدقات قائلاً : ( من أيام آبائكم حدتم عن فرائضي ولم تحفظوها . أرجعوا إلي أرجعٌ اليكم ، قال رب الجنود . فقلتم بماذا نرجع ؟ أيسلب الإنسان الله ؟ فأنكم سلبتموني . فقلتم : بم سلبناك ؟ في العشور والتقدمة . قد لعنتم لعناً وإياي أنتم سالبون ، هذه الأمة كلها . هاتوا جميع العشور الي الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا ، قال رب الجنود ، إن كنت لا أفتح لكم كوي السماوات ، وأفيض عليكم بركة حتي لا توسع . وأنتهر من أجلكم الأكل فلا يفسد لكم ثمر الارض ، ولا يعقر لكم الكرم في الحقل ، قال رب الجنود . ويطوبكم كل الأمم ، لأنكم تكونون أرض مسرة قال رب الجنود . ملاخي 3 : 7 – 12 وفي منحي العطاء يناشد الله البشر الي التعاضد والتعاون والتكافل ومساعد من يحتاجون المساعدة وتسديد الحاجات المحتاجين . فالناس شركاء في نعم الله وعليهم عدم احتكارها واستغلال بالانانية بل بالتكافل وهو مبدأ الهي سليم وعادل يعطي فيه من يملك من لا يملك دون من وأذي او تعالي وافتراء او كبرياء . ولأن الرب يسوع المسيح هو الذي سيأتي ليدين هذا الانسان علي الشر والخطيئة والأثم . فأنه ينذر الجميع بأن الدينونة ستقوم علي أساس أهتمام الانسان بأخية الانسان في النواحي الاجتماعية التكافلية والاقتصادية والمعاملات اليومية بين الناس بعضهم بعضاً . ويشدد الرب يسوع المسيح بأن ما تفعله لأجل أخيك في ضيقه وكربته كأنك تفعله للمسيح شخصياً . وعندما تقصر في واجباتك تجاه الاخرين وأنت في مقدورك ان تساعدهم وتعينهم فأنت تقصر في واجبك تجاه الله نفسه . بهذا أوضح الرب يسوع المسيح ان يكون الكل حريص ومهتم بشئون الاخرين وسيفرق الله بين الناس بما قاموا به من أعمال الخير بعضهم لأجل بعضهم . وهنا يشبه الرب يسوع من يقومون بأعمال الخير ويعملون مشيئة الله الاب بالخراف وسيكون هؤلاء عن يمين الرب في مجده . أما الذين يهملون و لا يهتمون او يقومون بأعمال الخير لمن يحتاجونها بالجداء وسيجلسهم الرب عن اليسار في عرش المجد . فما تعمله وتقدمه من أعمال الايمان هو الذي يفرقك ويميزك عن الاخرين . المسيح الملك الديان ( ومتي جاء إبن الانسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ،فحينئذٍ يجلس علي كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب ، فيميز الراعي الخراف من الجداء ، فيقيم الخراف عن اليمين والجداء عن اليسار . ثم يقول للذين عن يمينه : تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . لأني جعتٌ فأطعمتوموني . عطشتٌ فسقيتوموني . كنت غريباً فأويتموني . عرياناً فكسوتموني . مريضاً فزرتموني ، محبوساً فأتيتم إليَ ... ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار : أذهبوا عني يا ملاعين إالي النار الابدية المعدة لإبليس وملائكتهٍ . لأني جعتٌ فلم تطعموني . عطشتُ فلم تسقونني . كنت غريباً فلم تأوني . عرياناً فلم تكسوني . مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني . حينئذٍ يجيبونه هم أيضاً قائلين ؟ يا رب ، متي رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك ؟ فيجيبهم قائلاً : الحق أقول لكم : بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الاصاغر ، فبي لم تفعلوا . فيمضي هؤلاء الي عذابٍ أبدي والابرار الي حياةٍ أبدية . متي 25 : 31 – 46 وهذا ما دعي وجعل المؤمنين في الكنيسة الاولي وبعد حلول الروح القدس الي التسابق لعمل الخير والي حياة الشركة والشراكة في كل شيئ . وكان روح الله القدوس يدفعهم الي العطاء والتضحية والبذل ونكران الذات . بل كانوا يقدمون الأموال ويضعونها تحت تصرف التلاميذ والرسل وكان الكثيرين منهم يبيعون الممتلكات والمقتنيات الثمينة كالذهب والمجوهرات الغالية ويأتون بها الي التلاميذ. روح الشركة والتكافل بين المؤمنين يجدر بالذكر هنا ان نشير الي بعض الذين أقدموا علي تقديم الاموال بعد بيع الممتلكات والمقتنيات . ( وكان الجمهور الذين أمنوا قلبُ واحد ونفسُ واحدةُ ، ولم يكن أحدٌ يقولٌ إن شيئاً من أمواله له ، بل كان عندهم كل شيئ مشتركاً . وبقوة عظيمةٍ كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ، ونعمةٌ عظيمةُ كانت علي جميعهم ، إذ لم يكن فيهم أحدٌ محتاجاً ، لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ، ويأتون بأثمان المبيعات ، ويضعونها عند أرجل الرسل ، فكان يوزع علي كل أحدٍ كما يكون له إحتياج . ويوسف الذي دعي من الرسل برنابا ، الذي يترجم أبن الوعظ ، وهو لاوي قبرسي الجنس ، اذ كان له حقل باعه وأتي بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل ) . اعمال الرسل 4 : 32 - 37 وكانوا يأتون بأثمانها للرسل حتي يتم توزيعها للمحتاجين جسب ما يكون الاحتياج . وكان الرسل من جانبهم يقومون بصدق وأمانة وأخلاص بمهمة توزيع الاشياء وتقسيمها للمحتاجين . وعندما توسع العمل التبشيري والكرازي وأمن وأنضم الالاف الي المسيح . كان التركيز في الخدمات يعطي الاولوية للفقراء والمساكين وكل الشرائح الضعيفة وبالاخص الارامل واليتامي والغرباء او عابري السبيل . ولهذه الخدمات تم انشاء مجلس الشمامسة وأوكلت اليهم مهام الخدمة الخاصة بالعمل الاجتماعي والاقتصادي المادي . ومن ثم تفرغ الرسل للعمل الروحي والتبشير بالقيامة والحياة الجديدة والرجاء المنتظر بمجيئ الرب يسوع المسيح الثاني . بعض الظواهر السالبة في العطاء لكن يبدو ان بعض المؤمنين والمنضمين حديثاً للأيمان الجديد الذي كان ينمو ينتشر بين الناس من اليهود والامم علي حد سواء . كانوا مشبعين بروح الاستجابة الحماسية والانفعالية أكثر من اللأزم وكانت روح المنافسة المشوبة بالغيرة المحتدمة تنمو في روح البعض وتطل برأسها . فبرزت وظهرت بعضها بصور سالبة أثرت سلباً في العمل الروحي المميز بالتقدم والاذدهار المضطرد المتسارع . وليس تذمر وشكوي المؤمنين اليونانين المصنفين من الامم ضد المؤمنين اليهود بمسئلة ، أن الارامل اليونانيات لا يقدم لهن الخدمات التي تقدم لرفيقاتهن اليهوديات . فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا : ( لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد فأنتخبوا أيها الاخوة سبعة رجال منكم مشهوداً لهم ومملوين من الروح القدس وحكمةٍ ، فنقيمهم علي هذه الحاجة . وأما نحن فنواظب علي الصلاة وخدمة الكلمة ) . أعمال الرسل 6 : 2 – 4 من الظواهر السالبة ايضاً ما أقدم عليه حنانيا وزوجته سفيرة من استحقاق الدعم والعطاء بسخاء . فقد تعهد حنانيا وزوجته سفيرة أمام الرسل ببيع ملكاً لهم وتقديم كل ثمن هذا الملك للرسل خدمة للكلمة ومساعدة للمحتاجين . وكان التعهد ملزماً لهما طلما تطوعا من تلقاء أنفسهم . الا اننا نري ان حنانيا كان أكثر غيرة لما فعله برنابا عندما قدم كل ما يملك حسب وعده . رأي حنانيا في نفسه بروح الغيرة أن برنابا لم يكن أكثر منهم غناً وثراءاً فما يملكونه أكثر منه بأضعاف كثيرة . بهذه الروح تقدم حنانيا أمام الجمهور في عملية تشبة المزاد العلني بأستحقاق من يدفع أكثر . وهذه العملية تشبه الي حد كبير العملية التي تسمي بالشوبش التي تتم عندنا في السودان في الأعراس والمناسبات حيث يتقدم الافراد أمام جمهور المدعوين واستعراضاً لغناهم وتمكنهم وكرمهم معلنين المباالغ التي يدفعونها للعريس او المحتفي به وهو شوبار وبوبار فالشوبش عمل دعائي أكثر منه كرم وعطاء فهو بمثابة الدعاية الفخرية . وللأسف الشديد وعد حنانيا وزوحته الرسل والجمهور بيع بعض أملاكه ودفع ثمن البيع كاملاً غير منقوص منه فلساً واحداً . ولم يكن الثنائي السخي الكريم مرغمان علي القيام بالتعهد الذي يشبه القسم اذ كان بأمكانهما ان يبعيا ما يخصمها وان يدفعا من يستطيعان دفعه برضي تام وهم غير ملزمين بشيئ . ولم يكن بأستطاع الرسل أن يسألوا ويحتجوا . لكن ما الذي حدث من حنانيا وزجته فأدخل الخوف والرعب في قلوب الجميع بسبب العواقب والتداعيات المباشرة الناتجة عن الكذب وعدم الصدق والامانة والتعامل بالرياء الريب والغش علي الناس والكنيسة والله .اننا أحياناً في مسائل الصدقات والعطايا والعشور وكل التعهدات التي نعد ونتعهد بتقديمها للكنيسة ، لكننا في كثير من الاحيان والمرات لا نفي بالوعود والعهود تماماً مثل حنانيا وسفيرة . هذه عندما نظن بأن ما نقدمه كثير وأن الذي نقدمه للجهة التي نقدم له لا يستحق حتي لو كان ذلك هو الله نفسه او الكنيسة ! ورجل أسمهٌ حنانيا ، وأمرأته سفيرة ، باعا ملكاً ، وأختلس من الثمن ، وأمرأته لها خبر بذلك ، وأتي بجزءٍ ووضعه عند أرجل الرسل . فقال له بطرسٌ : ( يا حنانيا ، لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل ؟ أليس وهو باقٍ كان يبقي لك ؟ ولما بيع ، ألم يكن في سلطانك ؟ فما بالك وضعت في قلبك هذا الامر ؟ أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله ) . فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات . وصار خوف عظيم علي جميع الذين سمعوا بذلك . فنهض الاحداث ولفوه وحملوه خارجاً ودفنوه . أعمال الرسل 5 : 1 – 6 لم تحضر سفيرة مع زوجها عندما أحضر المال ووضعه عند أرجل الرسل . وبالتالي لم تري وحتي لم تسمع بما حدث لزوجها عندما سقط صريعاً علي الارض ميتاً بهول الصدمة القوية التي أصابته في مقتل . و تلك كانت كلمات الروح القدس الصادرة من فم بطرس الرسول . تلك الكلمات التي كانت بمثابة الرصاصات او الطلقات التي تطلق علي قلب الانسان وترديه قتيلاً علي الفور . خرجت سفيرة من بيتها وجاءت متأخرة جداً وأظنها لم تلاقي أحداً في الطريق الذي أتت فيه حتي يحدثها بالأخبار الصادمة جداً وموت زوجها المأساوي . يحدثنا لوقا البشير بالاحداث الممتالية التي ألمت بحنانيا وأمرأته سفيرة قائلاً : ( ثم حدث بعد مدةً نحو ثلاث ساعاتٍ ، أن أمرأته دخلت ، وليس لها خبرٌ بما جري . فأجابها بطرسٌ : ( قولي لي : أبهذا المقدار بعتما الحقل ؟ ) فقالت : ( نعم ، بهذا المقدار ) . فقال لها بطرس : ( ما بالكما أتفقتما علي تجربة روح الرب ؟ هوذا أرجل الذين دفنوا رجلك علي الباب ، وسيحملونك خارجاً ) . فوقعت في الحال عند رجليه وماتت . فدخل الشباب ووجدوها ميتةٌ ، فحملوها خارجاً ودفنوها بجانب رجلها . فصار خوف عظيم علي جميع الكنيسة وعلي جميع الذين سمعوا بذلك . أعمال الرسل 5 : 7 – 11 وانا واحد من الذين لا زالوا يخافون خوفاً عظيماً جداً كلما أقرأ قصة حنانيا وسفيرة . فأردد مضطرباً في نفسي متسائلاً يا تري كم من المرات التي كان يجب علي أن أموت؟ وكم عدد المرات التي كذبت فيها علي الروح القدس وجربته ؟ ! وفي الختام يدعونا الرسول بولس بالعطاء والعطاء ثم العطاء وأن لا تبخلوا ولا يظن أحدٌ منكم أن حياته من ماله كما قال المسيح . اذاً فبولس يدعوكم الي المضاربة في صكوك التقوي والمرابحة والتجارة النافعة في القناعة لأنها تعود سريعاً بالربح السريع المضمون والعائد الذي يبقي ويدوم . ويطلب منا بولس الهروب من سلطة المال وسطوته القاسية ويحرضان الي الاستثمار في ثمار الروح بمقاومة المغريات والاطماع بالعطاء والبذل والانفاق فيما يسعد الناس ويصنع مششيئة الله . بهذا يوصي بولس الجميع أغنياء أثرياء هذا الدهر الملياردرات منهم قائلاً :( أوص الاغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ، ولا يلقوا رجاءهم علي غير يقينية الغني ، بل علي الله الحي الذي يمنحنا كل شيئ بغني للتمتع . وأن يصنعوا صلاحاً ، وأن يكونوا أغنياء في أعمالٍ صالحةٍ ، وأن يكونوا أسخياء في العطاء ، كرماء في التوزيع ، مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل ، لكي يمسكوا بالحياة للابدية . تيموثاوس الثاني 6 : 17 – 19 غــفران فأنه أن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي . وأن لم تغفروا للناس زلاتهم ، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم . متي 6 : 14 – 15 يولي الله الغفران والتسامح والعفو أهمية كبري جداً ويعطيه مكانة عظمي ودرجة عليا . وعلي أساس قاعدة الغفران المتينة الصلبة يبني الله عللاقاته مع الانسان . وهذا ما قام به الله منذ البدء مع الانسان عندما أخطأ هذا الانسان ضد الله وتمرد علي وصيته . لم يشاء الله أن يعاقب الانسان عقاباً مباشراً لجرمه وخطيئه مع أنها كانت كبيرة وكان نص العاقب معد من قبل . كما كان الانسان محاط بأنذار وعلم تام بما يجب عليه ان يعمله وما لا يجب أن يفعله في الجنة . فكل الجنة أوجدت وخلقت خصيصاً وأعطيت للأنسان ليعملها وفق ما يهوي ويشتهي او كما يريد ويحب فكل الابواب و الخيارات كانت متاحة ومفتوحة للأنسان . أن يأكل ما يلذ ويطيب و يحلو له من خيرات الجنة الكثيرة الوفيرة ما عدا ثمر شجرة واحدة فقط قال عنها الله للأنسان وأوصاه بحدة وصرامة . وأوصي الرب الاله أدم قائلاً : ( من جميع شجرِ الجنة تأكل أكلاً .وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ) . اذاً فقد كان كلام الله لأدم واضحاً جلياً وضوح الشمس في كبد السماء ، كان الله في كلامه مع أدم كلاماً صريحاً ووضحاً وضوحاً لا غبار ولا لبس فيه ولا اللتباس اوغموض ولا تعتيم . كان شرطاً وحيداً وهو شرط عادي جداً وكان بيد أدم وبمقدوره ان ينفذ هذا الشرط البسيط وينجو من العاقب الذي بدأ لأدم عقاباً قاسياً صارماً . استهان أدم بوصية الله ولم يعره أدني أهتمام بل تجاهل شدة العقاب المستحق حال التعدي والخروج عن المسار. ورأي أدم ان العقاب قد لا يتسق مع حجم الخطأ والجرم في حال أن عصي الله وأرتكبها . وكانت طريقة تفكير أدم تدل علي الاستخفاف والتهاون وعدم الجدية والالتزام بكلام الله والتساهل فيه . فأرتكب أدم الجرم الكبير وأستحق العقاب تأكيداً لصدق كلام الله والتزامه بالعدل وتقديساً للقول . وبالتالي طرد الله أدم وأمرأته حواء من الجنة في انتظار تنفيذ العقاب المستحق لأدم وحواء في حينه ووقته المحدد له . هذا بحسب تقويم وبرنامج فكر الله وجداول أعماله وسننه المحكمة المعدة للكون والبشر . أما الله فلم يترك الانسان كما لم يتخلي عنه ويرفضه كلياً بعد أن طرده من جنة عدن . بل سعي الله سعياً حثيثاً لأستعادة علاقته مع هذا الانسان العاصي المتمرد . ولما كان محو وغفران خطية الانسان والتكفير عنه تحتاج الي ذبيحة ودم . لأن بدون سفك الدم لا تحصل مغفرة حسب شريعة الله . وبذلك شرع الله شريعة ذبيحة الخطية لموسي في الناموس حتي يغفر للمخطي خطاياه برش دم الحمل او الكبش والثور الذي يموت عوضاً عن المذنب . وكلم الرب موسي قائلاً : اذا أخطأت نفس سهواً في شيئ من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها ، وعملت واحدة منها : إن الكاهن الممسوح يخطيء لإثم الشعب ، يقرب عن خطيته التي أخطأ ثوراً أبن بقرٍ للرب ، ذبيحة خطيةٍ . يقدم الثور إلي باب خيمة الاجتماع أمام الرب . ويأخذ الكاهن من دم الثور ويدخل به الي خيمة الاجتماع ، ويغمس الكاهن إصبعه في الدم وينضح من الدم سبع مراتٍ أمام الرب لدي حجاب القدس . لاويين 4 : 1 – 6 هذا بالضبط ما فعله موسي في مصر قبيل خروج شعب الرب من مصر . عندما أمر الرب ملاك الموت بقتل كل ابكار المصريين . في ذلك اليوم أستبقي الرب ابكار الاسرائيليين لأن الملاك الحامل للسيف كان يجتاز كل بيت فيري فيه الدم علي الباب والقائمتين فيعبر . فدعا موسي جميع شيوخ إسرائيل وقال لهم : ( أسحبوا وخذوا لكم غنماً بحسب عشائركم وأذبحوا الفصح . وخذوا باقة زوفاً وأغمسوها في الدم الذي في الطست مسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم الذي في الطست . وأنتم لا يخرج أحدٌ منكم من باب بيته حتي الصباح ، فإن الرب يجتاز ليضرب المصريين . فحين يري الدم علي العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب . خروج 12 : 21 – 23 علي هذا النسق من النظام الالهي لشعب اسرائيل سار الاباء والانبياء . وكان علي الكهنة في العهد القديم أن يذبحوا الحملان والثيران وأن يقوموا بحرق الذبائح ويقدموها للرب رئحة ذكية فيرضي الرب عن الشعب ويكفر لهم خطاياهم . ومن شروط الذبيحة ان تكون سليمة صحيحة الجسم لا عيب فيها ولا مرض . وكانت الثيران والحملان والتيوس والكباش تذبح وتنحر وتحرق وتصعد كل صباح مساء وعلي مدار السنة كما في كل سبت وهلال وموسم وعيد . وكان الكهنة وكل الشعب يعودون ويخطئون الي الرب ومن ثم يقدمون الذبائح من جديد . فشلت الذبائح لأنها لم تكن كاملة ، وبمرور الايام أثبتت بالتجربة أنها لا تعصم الناس عن الخطايا . لكن الذبائح كانت ترمز وتشير الي حمل الله ، أي حمل الله الكامل الذي يرفع خطايا العالم . وهذا الحمل الكامل هو الرب يسوع المسيح أبن الله الحي . وكان المسيح الذي هو كلمة الله وروح منه هو حمل وكبش الذبيحة الحقيقية الوحيدة الكاملة القادرة علي غفران خطايا البشر جميعها والتكفير عنها بدمه الزاكي الثمين مرة واحدة والي الابد . وهذا ما عمل من أجله الرب يسوع المسيح دائماً منذ بدء خدمته وتعاليمه الالهية المباركة . كان يدعو الناس الي ابداء المرونة واللين والعطف واللطف والتعامل بينهم بمبدأ المسامح كريم . وفي الموعظة علي الجبل ركز المسيح كل جهده وجل كلامه علي الجزئية الخاصة بالغفران للمسيئين في أبسط الحالات الغضب ذلك لأن غضب الانسان لا يصنع بر الله صنع . قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم . وأما انا فأقول لكم : إن كل من يغضب علي أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ، ومن قال لأخيه رقاً يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم . متي 5 : 21 – 22 وفي موضع أخر قال لا يغرب الشمس علي غيظكم وغضبكم علي بعضكم بعضاً لأن غضب الانسان لا يصنع مشيئه الله . وهو هنا يعني ويقصد بأن شرارة الغضب ان لم يتم أخماده في حينه ربما يستعر نار ويشتعل ويتحول الي حريق يصعب أضفائه . وهنا طلب المسيح بالمضي قدماً في أخماد شرارات النيران وكل ما يتم بها من الاسباب التي تؤدي الي المشاكل في مهدها وان لا تعطي الفرصة فتنمو وتكبر بمرور الزمن فتتسبب في كوارث أكبر يستحيل حلها . والمسيح يعطي أهمية قصوي للغفران لأن من لا يغفر لإخيه الانسان لا يغفر له الله موضحاً ان العبادة والصلاة وتقديم الذبائح والمحرقات لا تقدم ولا تأخر أن لم تكن مسبوقة بغفران الانسان لخطايا أخيه . ويقول الرب يسوع لك حتي ان كنت تعبد وتصلي وتذكرت مشكلة ما بينك وإخيك أثناء العبادة والصلاة وتقديم الذبائح أن تترك وتقطع صلاتك وعبادتك وتذهب فوراً لتتصالح مع خصمك وعدوءك . بعدها ترجع الي مواصلة الصلاة والعبادة هذا أن كنت حقاً تريد من الله ان يقبلها ويستجيبها والا فأنك تكون كمن ينفخ في قربة مقدودة فهو هو هنا يقوم بتحصيل حاصل . وهذا ما يقوله الرب : ( فإن قدمت قربانك الي المذبح ، وهناك تذكرت أن لإخيك شيئاً عليك . فأترك هناك قربانك قدام المذبح ، وأذهب أولاً وأصطلح مع أخيك ، وحينئذٍ تعال وقدم قربانك . كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق ، لئلا يسلمك الخصم إلي القاضي ويسلمك القاضي الي الشرطي ، فتلقي في السجن . متي 5 : 23 – 25 الثأر ولانتقام سمعتم أنه قيل : عين بعين وسن بسن وأما انا فـأقول لكم : لا تقاوموا الشر ، بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً . ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء ايضاً . متي 5 : 38 – 40 بفهمنا البشري البسيط القاصر كثيراً ما نجد نوع الصعوبة ان لم نقل الاستحالة الكبري حتي في محاولة فهم ما يقصده الرب يسوع المسيح بهذا الكلام . والكثرين يسخرون منه لأستحالته . فليس بالضرورة ابداً ان تفهم هذه الاية بنصها الحرفي كما جاءت حرفياً فحتي السيد الرب يسوع المسيح لم يكن يقصد ذلك حرفيا . ولكن المطلوب منا فهمه بحسب تكويينا البشري هو ان نتفادي الشر ونغني له . كما يقول المثل السوداني : ( أبعد عن الشر وغني له ) هذا هو القانون المسيحي البدائي في التعامل مع الاخرين في الغضب والانتقام الثأر . أي أن لا نأخذ القانون ونقتص لأنفسنا بأيدينا فعلي الأقل ان نتريث قدر الامكان هتي نستطيع أن نسامح فدعونا ندع دائماً القانون والعدل والقضاء ان يأخذوا مجراهم الطبيعي .وهذا ما يريد بولس الرسول ان يفسره لنا ببساطة قائلا : ( لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير ) . محبة الاعداء فأن كنا نحن البشر بطبيعتنا البشرية نعجز عن السيطرة علي حالاتنا وأنفسنا في ساعات الزعل والغضب . وأحياننا نتحمق جداً بل وفي كل الاوقات نفشل في التحكم علي أعصابنا . وبالتالي نثأر وننتقم ونفعل الافاعيل ونرد الكيل كيلين او أكثر ما أستطعنا الي ذلك سبيلاً فكم بالأحري عندما يطلب منا الرب يسوع المسيح بأن نحب الخصوم والاعداء الالداء . فهذا الامر هو الأكثر صعوبة بل هو المستحيل نفسه وبذاته . ولا غرابة أن كل البشر يفشلون حتي في قبول هذا المبدأ كمبداً يمكن تجريبه والتعاطي معه . لكننا كمسيحيين مدعوين بالايمان والطاعة والخضوع بقبول كلام السيد الرب يسوع المسيح الذي لا يتكلم كلاماً مستحيلاً ولا يطلب منا ابداً فعل ما لا طاقة لنا به . فهو يطلب منا ان نحب الاعداء . وقد جسد المسيح هذا الكلام في نفسه لأنه هو الذي عاش مجرباً ليعين المجربين . وتجربة المسيح في المحبة الفعلية العملية أظهرها وهو في أضعف حالاته علي الاطلاق عندما تركه الاب فوق الصليب يعاني الألام لوحده . فما الذي قاله المسيح وهو علي عود الصليب ونحن نراه مستحيلاً بل من عاشر المستحيلات . فقال يسوع : ( يا ابتاه ، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) . لوقا 23 : 34 وحين أراد اليهود ان يجربوه في تعاليمه التي زعموا أنها تخالف ناموس موسي ولا تتماشي بحسب أحكام الشريعة و نصوصها . حين أمسكوا أمرأة قالوا له : ( يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل . وموسي أوصانا أن مثل هذه ترجم . فماذا تقول أنت ؟ ) . قالوا هذا ليجربوه ، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه . بالطبع لم يحاسب الرب المرأة لجريمة الزني ليس لانه اهل كان متساهل يتساهل مع خطية الزني . لكن لأنه كشف حقيقة نواياهم الدفينة وهذا ما جعله يقول لهم : ( من كان منكم بلا خطية فليرميها أولاً بحجر ! ) وعندما أنسحب الجميع واحد تلو الاخر قال لها يسوع : ( ولا انا أدينك . أذهبي بسلام ولا تخطيئ ايضاً ) . وهنا نري كيف عالج يسوع هذه المشكلة بحكمة الغفران فقد غفر الرب للمرأة كل خطاياها وردها الي بيتها وأهلها بسلام أنسانة جديدة صالحة لنفسها ولأهل بيتها ولكل المجتمع . لكنه في الحين ذاته كشف خطاياهم ورفع الستار عن كل خفايا وأسرار هؤلاء الرجال الذين أحضروها له . فقد أدان الرب هؤلاء لأنه لم يوجد بينهم من لم يكن لصا وقاتلاً وزانياً او مجرماً فاحشاً في أحدي الخطايا مذنباً ومرتكباً علي الاقل أحدي الشرور التي تخالف وصايا موسي و الشريعة المفترئ عليها زوراً وكذبا . سعي الرب يسوع بأن يكون في كل تعاليمه رباً للجميع ، كما سعي أن يكون هو الوسيط السماوي ومحضر الخير لا الشر بين الناس وكان يعمل جاهداً علي حلحلة المشاكل بين الناس كلهم بالغفران والتسامح والعفو والعافية . وفي نفس الوقت كان يطلب من الجميع الحيدان عن الشرور والخطايا وأتباع كلام الله بالاستقامة والكمال . غفران خطايا الرجل المشلول فلما رأي يسوع أيمانهم ، قال للمفلوج : ( يابني مغفورة لك خطاياك ) . وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكرون في قلوبهم من يقدر أن يغفر الخطايا الا الله وحده ؟ ) . فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم ، فقال لهم لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم ؟ أيما أيسر أن يقال للمفلوج : مغفورة لك خطاياك ، أم أن يقال : قم وأحمل سريرك وأمش ؟ ولكن لتعلموا أن لأبن الانسان سلطان علي الارض أن يغفر الخطايا ) قال للمفلوج : ( لك أقول قم وأحمل سريرك وأذهب الي بيتك ) . مرقس 2 : 5 – 11 . أراد الرب يسوع ان ينتهز هذه الفرصة الثمينة التي أظهر فيها هؤلاء الرجال الاربعة ايمانهم الكبير العظيم والمنقطع النظير بالرب يسوع المسيح . أراد أن يثبت لهم وللجميع أنه حقاً يملك سلطان الله وقوته وأنهم كانوا علي صواب عظيم بأقدومهم ومجيئهم اليه بهذه الطريقة التي كشفت بطولتهم في الايمان . وبالتالي قدم لهم ولمريضهم المشلول أكثر مما كانوا يتوقعون يطلبون اذ كان بالامكان أن يشفيه فقط ويدعه يذهب لحاله . الا ان الرب يسوع المسيح الفاحص القلوب والكلي كان يدرك أهمية غفران الخطايا وهو المرض الاخطر لحياة الانسان الابدية من المرض الجسدي . فالمريض يمكن أن ينال الشفاء الوقتي من المرض الجسدي لكنه سيمرض ايضاً ويموت جسداً وروحاً موتاً ابدياً بالخطايا والذنوب وهذا ما لا يريده الله والرب يسوع للناس . فالله يريد أن الجميع يخلصون من خطاياهم والي معرفة الحق في الرب يسوع المسيح يقبلون فتمحي كل خطاياهم وذنوبهم وتكفر أوزارهم ليحيوا فيما بعد مع الله الحياة الابدية . وهذا هو الهدف الاكبر والغاية العمظي لمجيئ الرب يسوع المسيح الي العالم . فقد جاء يسوع المسيح الي هذا العالم الخاطيئ ليس فقط لعمل العجائب والمعجزات الخاصة بشفاء الناس وأقامتهم من الموت الوقتي . لكنه جاء خصيصاً لمصالحة الانسان مع الله بالتوبة وغفران الخطايا ، وهذا هو الامر والبند الاول ألأهم في برنامج الله وخطته الازلية الابدية للبشر . ونكرر هنا ونردد ايضاً شهادة يوحنا المعمدان عن الرب يسوع ونحن نقتبس ما قيل عن المعمدان بحسب النبيين اشعياء وملاخي للأهمية والتأكيد . صوت صارخ في البرية : ( أعدا طريق الرب . قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا . كل واطاءٍ يرتفع ، وكل جبلٍ وأكمةٍ ينخفض ، ويصير المعوج مستقيماً ، والعراقيب سهلاً . فيعلن مجدٌ الرب ويراهٌ كل بشر جميعاً ، لأن فم الرب تكلم ) . اشعياء 40 : 3 – 5 ها انا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي . ويأتي بغتةً الي هيكله السيد الذي تطلبونه ، وملاك العهد الذي تسرون به . هوذا يأتي قال رب الجنود . ملاخي 3 : 1 وهذه الايات هي التي أكد ولادة يوحنا المعمدان أبن الكاهن زكريا وأمرأته اليصابات التي كانت تدعي عاقرةٌ . كما نري هنا . وفي تلك الايام جاء يوحنا المعمدان يكرز في البرية قائلاً : ( توبوا ، لأنه قد أقترب ملكوت السماوات . فإن هذا هو الذي قيل عنه بأشعياء النبي القائل : ( صوت صارخ في البرية . أعدوا طريق الرب . أصنعوا سبله مستقيمة ) . متي 3 : 1 – 3 أن أخطأ أخوك اليك فأغفر له ( وأن أخطأ إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما . أن سمع منك فقد ربحت أخاك . وان لم يسمع لك، فخذ معك ايضاً واحداً او أثنين ، لكي تقوم كل كلمة علي فم شاهدين أو ثلاثة . وأن لم يسمع منهم فقل للكنيسة وأن لم يسمع من الكنيسة فليكن كالوثني والعشار) . متي 18 : 15 – 17 . هذا هو المبدأ الاساسي الذي يقوم عليه تعاليم الرب يسوع المسيح . والمعالجات التي يعالج بها الرب المشاكل البينية بين الناس خاصة تلك المشاكل التي تكاد تشبه الي حد كبير المشاكل الاجتماعية . فهي تجتاج احيانا الي الحلول والمصالحات العرفية كما هو الحال في الجوديات عندنا في السودان التي تدعو الي السلم والسلام الاجتماعي بالتوافق والتراضي ويا دار ما دخلك شر . حينئذٍ تقدم اليه بطرس وقال : ( يا رب ، كم مرةً يخطيئ اليً أخي وأنا أغفر له ؟ هل الي سبع مراتٍ . قال له يسوع : ( لا أقول لك إلي سبع مراتٍ ، بل الي سبعين مرةُ سبع مراتٍ ) . متي 18 : 21 – 22 ويلح الرب يسوع المسيح في موضوع الغفران مشددا أن يكون الاخوة متسامحين دائماً مبادرين علي والي المسامحة ومستعدين للتنازل لبعضهم البعض غض النظر عن الاخطاء . وهو لا يتوقف عند هذا الحد بل يحذر من عدم الغفران لأن في هذا عدم الطاعة لوصاياه ورفض لكلامه . قائلاً : ( إحترزوا لأنفسكم . وإن أخطأ إليك أخوك فوبخه ، وأن تاب فأغفر له . وأن أخطأ اليك سبع مرات في اليوم ، ورجع اليك سبع مرات في اليوم قائلاً : ( أنا تائب ، فأغفر له ) . فقال الرسل للرب : ( زد إيماننا ! ) فقال الرب : ( لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم تقولون لهذه الجميزة : أنقلعي وأنغرسي في البحر فتطيعكم . لوقا 7 : 3 - 6 اذا فقد ربط الرب يسوع المسيح عدم قدرة الانسان علي التسامح والغفران بقله الايمان وضعف هذا الانسان او عدم وجود الايمان أساساً . وهذا ما شعر به الرسل أنهم عاجزين وغير قادرين علي غفران خطايا بعضهم لأنهم كانوا قليلي الايمان . وبالتالي قالوا ليسوع : ( زد إيماننا يا رب ) . ورد الرب بالقول : ( أين هو إيمانكم ؟ ) . أنتم لا إيمان لكم ابداً ! لأن الإيمان مهما كان قليلاً ام بسيطاً يقدر ان يصنع العجائب والعظائم وأن يجري قوات كثيرة . وبخ يسوع عدم إيمان الرسل وأثبت لهم مقارناً القول بالفعل والبرهان قائلاً : ( لو كان لكم ايماناً مثل حبة الخردل التي هي أصغر البقول ) . فأنتم تستطيعون الان أن تقولوا لهذه الجميزة التي نحن جالسين تحت ظلها : أنقلعي أيتها الجميزة وأذهبي أمام عيوننا وأنغرسي في هذا البحر الماثل أمامنا فتطيعكم الجميزة وتنقلع وتطير وتنغرس في البحر وأنتم ترون وتشاهدون . أراد بطرس ان يكون أنساناً عملياً أكثر تطبيقياً منه أنسان نظري كما فعل في المرة التي قال فيها بطرس للرب يسوع : ( أأمرني أن أتي اليك فوق الماء ) . ولأن الرقم او العدد سبعه معروف بأنه رقم الكمال . أفتكر بطرس في نفسه أن الانسان الذي يستطيع أن يغفر لأخيه الذي يخطيئ اليه سبع مرات هو أنسان شبه كامل. الا أن يسوع قال له : ( لا .. لا يا بطرس الامر هنا مختلف جداً ، الغفران لا حد له ولا عدد لمراته ) . فضرب السبعه في السبعين مرة . وكانت النتيجة المدهشة لبطرس وكل التلاميذ في مرات الغفران الذي يساوي 499 مرةُ . وهذا هو الفهم الذي قصد الرب ايصاله لمستمعيه بأن الغفران لا عدد له ولا يمكن تحديده بعدد المرات . فالانسان دائما يخطي الي أخيه وعليه وايضاً دائماً أن يغفر فهي عملية مستمرة يحدث خطأ يليه غفرأن . وبعد قيامة الرب يسوع المسيح من الاموات وحلول الروح القدس في يوم الخمسين وقف بطرس والرسل يجاهرون ويشهدون بقوة . وكانوا يشهدون عن الرب يسوع الناصري الذي تبرهن لهم من قبل الله بقواتٍ وعجائب وآيات صنعها الله وسطهم . كيف أسلموه بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق . وبأيدي أثمةٍ صلبوه وقتلوه . الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ، إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه . استمع الجميع الي كلام بطرس والرسل بأنتباه ونخسوا في قلوبهم ، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل : ( ماذا نصنع أيها الاخوة ؟ . فقال لهم بطرس : ( توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم علي آسم يسوع لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس . لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين علي بعدٍ ، كل من يدعوه الرب إلهنا ) . اذاً فدعوة الله مفتوحة للجميع دون أي تمييز ومحاباة وحجر . وهذه الدعوة تتطلب فقط التوبة النصوحة والقبول الكامل من ثم يتم الغفران والمصالحة بالعماد للأستحقاق والدخول في جماعة الرب يسوع المسيح أي المؤمنين بأسمه . وهذا ما فعله لآحقاً شاول الطرسوسي عندما تقابل مع الرب يسوع المسيح وهو في طريقه الي دمشق فسقط علي الارض وسمع صوتاً قائلاً له : ( شاول ، شاول ! لماذا تضطهدني ؟) . فقال : ( من أنت يا سيد ؟ ) . فقال الرب : ( أنا يسوع الذي تضطهده . صعب عليك أن رفس مناخس ) . فقال وهو مرتعد ومتحير : ( يا رب ماذا تريدٌ أن أفعل ؟ ) . فقال له الرب : ( قم وأدخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل ) . أعمال 9 : 4 – 6 وكل ما يطلبه منك الرب هو فقط ان تتوب وتطلب الغفران وتعتمد بأسمه . وهذا ايضاً بالضبط ما فعله سجان فيلبي لآحقاً وهو للغرابة فقد جثي وخر أمام بولس وسيلا سائلاً اياهما . قال أي سجان فيلبي : ( يا سيدي ، ماذا ينبغي أن أن أفعل لكي أخلص ؟ ) فقالا له : ( أمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك ) . ولا عجب أن يكون بولس الذي كان يدعي شاول وكان يتلف الايمان بالرب يسوع المسيح . هو نفسه من يدعو الناس الي هذا الايمان وهذا ما يفعله الرب مع الجميع بعد نوالهم لعطية غفران من خطايا وأخذ المعمودية . فكل من أمن وأعتمد نال الخلاص يجوز ان ينطلق ليبشر بكم صنع الرب به وأحبه . وقال لهم : ( إذهبوا إلي العالم أجمع وأكرزوا بالانجيل للخليقة كلها . من أمن وأعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن . وهذه الايات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين بأسمي ، ويتكلمون بألسنة جديدةٍ . يحملون حياتٍ ، وأن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ، ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون ) . مرقس 16 : 15 – 18 ولكن الكل من الله ، الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح ، وأعطانا خدمة المصالحة ، أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه ، غير حاسبٍ لهم خطاياهم ، واواضعاً فينا كلمة المصالحة . إذاً نسعي كسفراء ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله . لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةُ خطيةً لأجلنا ، لنصير نحن بر الله فيه . كورنثوس الثانية 5 : 18 – 21 ويلخص لنا الرسول بولس رسالة الغفران بين الله والبشر في المصالحة الكبري التي قام بها الرب يسوع المسيح فوق الصليب . فقد كان الصليب هو العربون والثمن الغالي الذي دفعه الرب يسوع المسيح تطهيراً وتكفيراً ومحواً لخطايا البشر . قدم المسيح نفسه كبش فداء ذبيحة تامة كاملة بلا عيب . و بموت المسيح الكفاري علي الصليب فتح الطريق الذي كان مغلقاً أمام وجه كل البشر . نعم فتحت الابوب الدهرية علي مصراعيها والان صارت الفرصة مفتوحة ومتاحة لكل من يريد الدخول الي العهد الجديد .و بات الامر الان كله بيد الانسان هذا ان شاء القبول والتصالح مع الله بيسوع المسيح وسيط العهد الجديد بين الله والناس . وليس أسم أخر قد أعطي بين الناس به يتم الخلاص والتصالح مع كما أكده بطرس أن يسوع المسيح وهو رأس الزاوية . قائلاً : ( هذ هذا هو الحجر الذي أحتقرتموه أيها البناؤن ، الذ ي صار رأس الزاوية . وليس بأحدٍ غيره الخلاص . لأن ليس أسمٌ اخر تحت السماء قد أعطي بين الناس ، به ينبغي أن نخلص ) . أعمال الرسل 4 : 11 – 12
صلــــــــــيب مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا فيً . فما أحياهٌ الان في الجسد ، فأنما أحياهٌ في الايمان ، إيمان أبن الله ، الذي أحبني واسلم نفسه لأجلي . غلاطية 2 : 20 الصليب هو أعظم وأكبر علامة زائد في كل عمليات الحساب الجبر وحساب الرياضيات الهندسية وكل ما يختص بها . وكذلك في التاريخ والجغرافية يشكل الصليب علامة فارقةٌ جداً في الزمان والمكان . كما في العلوم العصرية الحديثة والتكنلوجية لا يخلو أي خطوة متقدمه بدون أدراج علامة زايد فالصليب عنصر أساسي جداً في الطب والعلاج والاستشفاء . في العهد القديم عندما كان الشعب الاسرائيلي يهيم علي وجهه في البرية كان الصليب حاضراً . ذلك عندما لدغتهم الحيات السامة وماتوا فقال الله لموسي بأن يصنع حيةٌ من النحاس ويرفعها ويضعها في مكان مرتفع . وأمر الله موسي بأن يسرع كل من لدغته الحية الي المكان ويرفع رأسه وينظر الحية فيبرأ . وقد شفي كل من نظر الي الحية أما الذين لدغتهم الحيات ولم يذهبوا وينظروا الي الحية النحاسية فقد ماتوا . عليه سيظل الصليب دائماً رمزاً للحياة والخلاص الحرة المتحررة من الخطايا وهو أعلان لقوة الله لفداء الجنس البشري . الحية النحاسية والصليب في متابعتنا لشعب الله عندما أخرجهم من مصر نلاحظ معاً أن الشعب الأسرائيلي كان شعباً متعباً جداً فقد أتعبوا موسي وهارون في البرية كثيراً جداً . كان هذا الشعب مزعجاً وكثير الشكوي والتذمر فهو شعب عاصي عديم الطاعة لله . وبالرغم من هذا كان الله يعاملهم باللين ويظهر لهم صبره ومحبته وطول آناته ويستجيب لجميع طلباتهم . لكنهم سرعان ما يعودون للشكوي والتذمر وهذا ما استدعي غضب الله في مرات كثيرة وعاقبهم لكثرة شرورهم وأثامهم . وتكلم الشعب علي الله وموسي قائلين : ( لماذا أصعدتمونا من مصر لنموت في البرية ؟ لأنه لا خبز ولا ماء ، وقد كرهت أنفسنا هذا الطعام السخيف ) . فأرسل الله الحيات المحرقة ، فلدغت الشعب ومات قوم كثيرون من إسرائيل . فأتي الشعب الي موسي وقالوا : ( قد أخطأنا إذ تكلمنا علي الرب وعليك ، فصلي إلي الرب ليرفع عنا الحيات فصلي موسي لأجل الشعب . عدد 21 : 5 7 . فقال الرب لموسي : ( أصنع حيةً محرقةً وضعها علي رأيةً ، فكل من لدغ ونظر اليها يحيا ) . فصنع موسي حيةٌ من نحاس ووضعها علي الرأية ، فكان متي لدغت حيةٌ أنساناً ونظر الي حية النحاس يحيا . عدد 21 : 8 – 9 هذا ما تم في الجلجثة عندما مات الرب يسوع المسيح علي خشبة الصليب . فداءا ً لكل الجنس البشري . وهو ما أشار اليه القديس يوحنا قائلاً : ( كما رفع موسي الحياة في البرية هكذا ينبغي أن يرفع أبن الانسان . لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل أبنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الابدية . لأنه لم يرسل الله أبنه ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان ، والذي لا يؤمن به قد دين ، لأنه لم يؤمن بأسم أبن الله الوحيد . يوحنا 3 : 14 – 18 في البرية توجد أنواع كثيرة من الحياة الصحراوية السامة التي تسكن في الجحور والحفر وأحياناً تخرج وتلدغ الناس . و الحيات الصحراوية معروفة بأنها سامة جداً وقد تؤدي الي موت الانسان أن لم يتم الأسراع في إسعافه بالمضادات والعقاقير اللازمة . أما في حالة الشعب في البرية فقد كانت لدغات الحيات عقاباً بسبب تذمرمهم فعاقبهم الله بلدغات الحيات السامة ومات كثيرين منهم بسموم تلك الحيات التي شكلت لهم تحدياً تهديداً خطراً مميتاً . فأمر الله عبده موسي بصنع هذه الحية النحاسية ورفعها علي الرأية . وكان كل من لدغته الحية يذهب سريعاً الي موسي فيوجهه موسي الي الحية النحاسية المرفوعة علي الرأية فيرفع رأسه وينظر اليها فيشفي ويحيا . وكل الذين لدغتهم الحيات وسمعوا كلام موسي ونظروا الي الحية النحاسية فوق الرأية شفوا وحيوا . أما الذين أستهانوا وسخروا بكلام موسي وأوامره فقد تسمموا وهلكوا وماتوا . وهذا ما يكرره للأسف الشديد الكثيرين من البشر الذين يسخرون من طريقة الله البسيطة جداً للخلاص بالصليب . فتجد البعض يزدرون بقوة الصليب ويستهينون بمن يؤمنون به . هذا مع العلم بأن الذين يمؤنون بقوة الصليب لا يؤمنون بالصليب كخشبة لكنهم يؤمنون بما يرمز اليه هذا الصليب . لأن الله هو الذي أختار أن يخلص الانسان بموت أبنه الوحيد علي الصليب . و هذا هو مبدأ الايمان المسيحي والصليب هو الاساس والقاعدة الثابتة في هذا الايمان . كان الموت صلباً عند الرومانيين هو أقسي وأسوا أنواع الحكم والعقاب بالتعذيب والالم . وكان الرومانيين لا يعاقبون بالصلب الا أعتي عتاة المجرمين من القتلة ومعتادي الجرائم الكبري في السلب والنهب والقتل . وللجرائم الكبري ضد الدولة والحكومة والسلطات وهو ما يسمي اليوم بجرائم الارهاب . أما عند اليهود فعقوبات القتل او الاعدام تتم عن طريق الرجم بالحجارة حتي الموت . بينما كان القتل صلباً يعد نوع من اللعنة لذلك كانوا يسرعون بأنزال الجثث من الصلبان في المساء ليتم دفنها حتي لا تصاب الأرض باللعنة . وهذا ما تم فعله بجسد الرب يسوع المسيح . ( واذا كان علي انسان خطيةُ حقها الموت فقتل وعلقته علي خشبةً ، فلا تبت جثته علي الخشية ، بل تدفنه في ذلك اليوم ، لأن المعلق ملعون من الله . فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب الهك نصيباً . تثنية 21 : 22 - 23 فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالةٌ وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله للخلاص . لأنه مكتوبٌ سأبيد حكمة الحكماء ، وأرفض فهم الفهماء ) . أين الحكيم ؟ أين الكاتب ؟ أين مباحث هذا الدهر ؟ ألم يختار الله حكمة هذا العلم ؟ لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة ، أستحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة . لأن اليهود يسألون أيةً ، واليونانيين يطلبون حكمةً ، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً : لليهود عثرةً ولليونانيين جهالةً ! وأما للمدعوين : يهوداً ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله . لأن جهالة الله أحكم من الناس ! وضعف الله أقوي من الناس ! علي الصليب حمل الرب يسوع المسيح كل خطايا العالم حيث صار الذبيحة الكفارية . تلك الذبائح التي كانوا يقومون بها ويصعدونها بواسطة الكهنة بذبح الحملان والكباش والثيران السمان ويصعدون الدخان . المسيح الكاهن الاعظم والعبد المتألم إذ لنا رئيس كهنةٍ عظيم قد أجتاز السماوات يسوع أبن الله ، فلنتمسك بألأقرار . لأن ليس لنا رئيس كهنةٍ غير قادر أن يرثي لضعفاتنا ، بل مجرب في كل شيئٍ مثلنا ، بلا خطيةٍ . فلنتقدم بثقةٍ الي عرش النعمةَ ونجد نعمة عوناً في حينه . عبرانيين 4 : 14 – 16 يسوع المسيح أبن الله الحي هو رئيس كهنتنا العظيم والاعظم علي الاطلاق . فرئيس الكهنة عند اليهود هو السلطة الدينية والسلطان الدنيوي الذي يدخل الهيكل والي قدس الاقداس مرة واحدة في السنة ليتوسط للناس عند الله . بينما يسوع المسيح هو القائم ابدأ عن يمين الله السماوات وهو القادر حقاً يشفع للناس عند الله الان وفي كل حين وكل الاوقات . هذا هو كاهننا الاعظم المجرب كسائر الناس عرف الالأم والاوجاع أختبر الاحزان والمأسي بنفسه علي الصليب . لذلك فهو الوحيد المؤهل والقادر أن يرثي لضعفاتنا ويشعر بما نعاني من الألام والأوجاع وهو في كل واقف لمساعدتنا في ضعفاتنا وهو الذي يعيننا علي تحملها وأجتيازها والخروج منها . لأن سبقنا جميعاً في عبور وأجتياز هذا الطريق الوعر الصعب المحفوف بكل المخاطر بنجاح . وهذا هو الذي قال عنه اشعياء النبي . لكن أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها . ونحن حسبناه مصاباً ومضروباً من الله ومذلولاً . وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل أثامنا . تأديب سلامنا عليه ، وبحبره شفينا .كلنا كغنم ضللنا . ملنا كل واحدٍ في طريقه ، والرب وضع عليه إثم جميعنا . ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه . كشاةٍ تساق الي الذبح ، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازيها فلم يفتح فاه . ومن الضغطة والدينونة أخذ . وفي جيله من كان يظن أنهٌ قطع من أرض الاحياء ، أنه ضرب من جل ذنب شعبي ؟ وجعل مع الاشرار قبره ومع غنيً عند موته علي أنهٌ لم يعمل ظلماً ، ولم يكن في فمه غشُ . اشعياء 53 : 4 – 9 الفصل الثالث والخمسون من سفر المزامير لداود النبي يتكلم بصورة عجيبة ومذهلة في آن عن المسيا ليس الملك . لكنه يتحدث عن المسيا العبد المتألم ليس لأنه عبد شرير لكن لأنه أبن الله المحب . وهذه النبوة تصف الصورة التي سيتألم بها الرب يسوع المسيح في المستقبل لأجل خطايا البشر . من الذي يمكن ان يصدق تطابق النبوة بالحدث الذي جاء بعد الاف السنيين ! فالرب الملك العظيم رب العرش والمجد تواضع وصار انساناً ليفتدي الانسان بدمه علي الصليب . جاء المسيح في شكل وصورة الانسان العادية ولم يظهر بمظهر مبهر او شكل جميلٍ يميزه عن البشر وهذا ما جعل الكثيرين يحتقرون ويسخرون منه ويسيئون التقدير قائلين : ( اليس هذا هو أبن النجار يوسف ونحن نعرف أخوانه ! ) . كان المسيج بأمتياز رجل الاحزان ، ورمز الأحتقار والاذلال رجل وجد الرفض من المحيطين به مع أنه جاء لأجلهم وأذل لخلاصهم . يعطيي النبي اشعباء الشهير بني الانجيل في كثير من فصول سفره نبوءات تفصيلية جداً بصور واضحة جلية عن ميلاد الطفل يسوع المسيح العذراوي الذي أسمه عمانؤيل الذي معناه الله معنا . وكان الرب يسوع المسيح هو كلمة الله ، هو الذي أنبأ عنه النبي اشعياء وكل الانبياء الاخرين بتلك النبوءات المأيدة بقوة الروح القدس ليتكلموا ويخبروا الناس عن مجيئة الي العالم قبل الاف السنين . ولم يكن نبوءات الانبياء عن الرب يسوع المسيح حصرياً فقط لميلاده . لكنها أنبأت وتنبأت أيضاً بصورة أكبر وشرح تفصيلي أكثر وأوضح عن ألامه وأوجاعه وأحزانه وصلبه وموته بل وقيامته . فكيف يمكن لنبي في العهد القديم ان يعطي الفكرة الألهيه المسبقة بالتفاصيل الصغيرة الدقيقة جدا . لا يمكن أن يحدث هذا ما لم يكن الله الكلمة هو المتكلم عن نفسه راسماً بالاحرف والنقاط فلماً رائعاً بالصورة والصوت عن كل الذي سيحدث له في المستقبل . والصليب وهذا الصلب الخاص بالرب يسوع لم يكن حدثاً عابراً حدث بمحض الصدفة او قدراً جاء ضربة من الخيال والاوهام لكنه كان فكرة الله وخطته ويرنامجه الالهي الازلي لخلاص هذا الانسان من الخطايا . دخول يسوع أورشليم الأنتصاري ولما قربوا من أورشليم إلي بيت فاجي وبيت عنيا ، عند مدخل جبل الزيتون ، أرسل أثنين من تلاميذه ، وقال لهما : ( أذهبا الي القرية إلتي أمامكما ، فللوقت وأنتما داخلان اليها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحدٌ من الناس . فحلاه وأتيا به . وإن قال : ( لكما أحدٌ : لماذا تفعلان هذا ؟ فقولا : الرب محتاج إليه . فللوقت يرسله الي هنا ) . فمضيا ووجدا الجحش مربوطاً عند الباب خارجا علي الطريق ، فحلاه . فقال لهما قوم من القيام هناك : ( ماذا تفعلان ، تحلان الجحش ؟ ) فقالا لهم كما أوصي يسوع . فتركوهما . فأتيا بالجحش إلي يسوع ، وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه . وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق . والذين تقدموا ، والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين : ( أوصانا ! مبارك ألأتي بأسم الرب ! مباركةٌ مملكة أبينا داوٌد ألأتية بأسم الرب ! أوصنا في الاعالي ! ) . مرقس 11 : 1 – 10 وكان الدخول الانتصاري لموكب الرب يسوع المسيح الي أورشليم والهيكل لم يكن حدثُ طارئ . بل لم يدخله كما يدخل سائر الملوك المتوجين الذين يدخلون وهم يمتطون ظهور الجياد وتفرش لهم البساط الحمر ويظهرون وبأيدهم سيوف يلوحون بها في عنان السماء لأبراز القوة والسلطان . علي هذا النقيض دخل الرب يسوع مدينة الملك العظيم علي ظهر جحش أبن أتان لم يركب عليه أحدٌ كان هذا رمز ليس للقوة بل السلام والأمان . وقد تكرم التلاميذ والجمهور الكبير الذي كان برفقة الموكب وهم يفرشون ثيابهم علي طول الطريق الي داخل الهيكل . بينما كان الحشد يهتف ويهلل هتافاً داوياً ملوحاً بشارات النصر رافعاً سعوف النخل وأغصان الزيتون فأتهزت كل أرجاء المدينة الكبيرة . وكان الموكب ينشد وهم يرددون قائلين : ( أوصنا مبارك الأتي بأسم الرب ! مباركة مملكةٌ داوٌد أبينا الأتية بأسم الرب ! أوصانا في الاعالي ! ) . وكان هذا تأكيداً وتأييداً لنبوءة النبي زكريا الذي قال فيه : ( إبتهجي جداً يا أبنة صهيون يا بنت أورشليم . هوذا ملكك يأتي إليك . هو عادل ومنصور وديع ، وراكب علي حمار وجحش أبن أتانٍ ) . زكريا 9 : 9 كان هذا الدخول الأنتصار وهو الدخول الأخير للرب يسوع الي الهيكل في موسم أعياد الفصح المجيدة . وعيد الفصح هو عيد اليهود الكبير وهو عيد ذكري خروج الشعب من مصر ، حيث أن كل اليهود يتقاطرون من كل بقاع وأقصاء الامبروطورية الرومانية للأحتفال بهذا العيد الكبير العظيم . وقد شكل حضور الرب للعيد علامة فارقة و نقطة البداية والنهاية لأرساليته العظمي . في هذا اليوم العظيم أهتزت وتزلزلت الارض وليس الكراسي وحدها تحت أرجل رئيس الكهنة وكل القادة اليهود من الفريسيين والصديفيين والكتبة . فأبتدأ القادة من داخل الهيكل يتشاورون ويتداولون فيما بينهم . وكان الجمع الذي معه يشهد له أنه دعا لعازر من القبر وأقامه من الاموات . ولهذا أيضاً لاقاه الجمع لأنهم سمعوا أنه كان قد صنع هذه آلآية . فقال الفريسيين بعضهم لبعض : ( أنظروا ! إنكم لا تنفعون شيئاً ! هوذا كل العالم قد ذهب ورائه ! ) . يوحنا 12 : 17 – 19 ومن هنا أيضاً بدأت الموامرات تحاك وتنسج الخيوط الاولي وتحبك بخبث ضد الرب يسوع المسيح . في هذا المحفل الكبير تكلم الرب يسوع المسيح كثيراً . نعم تحدث الرب مطولاً عن أمور كثيرة وشتي محاولاً أن يفهم الحاضرين بدنو خواتيم ألأعمال والتعاليم التي جاء من أجلها وأنه ذاهب الي الاب . فواجه الجميع بمن فيهم التلاميذ بأهمية السهر والصلاة قائلاً : ( فأحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمارٍ وسكرٍ وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتةً . لأنه كالفخ يأتي علي جميع الجالسين علي وجه الارض . أسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين ، لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون . خيانة يهوذا وبيع سيده جرت الاحداث الاخيرة من أيام الرب يسوع المسيح مسرعة ومتسارعة كما لو أنها كانت تسابق الزمن . وكان الكهنة في عجلة شديدة للقضاء من الرب يسوع المسيح والتخلص منه و الانتهاء من أسطورته التي أقلقت مضاجعهم وأطارت النوم من عيونهم . وكانوا يتابعونه ويترصدونه ويضيقون الخناق عليه منتظرين الفرصة المواتية والمناسبة لذلك . وكان يهوذا الخائن الذي قبض الثمن قد وعدهم بتسليمه في الوقت والزمان . وكان الفصح وايام الفطير بعد يومين . وكان رؤساء يطلبون كيف يمسكونه بمكر وبقتلونه ، ولكنهم قالوا : ليس في العيد ، لئلا يكون شغب في الشعب ) . مرقس 12 : 1 – 2 وبينما كان رؤساء الكهنة في حيرة من أمرهم أتتهم الفرصة علي طبق من ذهب حيث لم يكونوا يحتسبون او يتوقعون ابداً . وهنا لا يمكننا ابداً مهما حاولنا أن نقفز علي بعض الامور الهامة والاحداث المتداخلة التي التي حدثت وجرت في الايام الاخيرة لحياة الرب يسوع المسيح . كما لا يمكن أن نتجاوز بعض الشخصيات الهامة التي ساهمت في دفع مجريات تلك الاحداث التراجيدية أن جاز تسميتها . ومن هؤلاء الاشخاص يتربع رئيس الكهنة قيافا وصهره حنانيا وايضاً بيلاطس البنطي والملك هيرودس من السلطة الحاكمة ومن التلاميذ يجيئ ذكر أسم بطرس ويوحنا وتوما ويهوذا الاسخريوطي . عليه يجدر بنا هنا ونحن نتناول هذه الاحداث وتلك الشخصيات التي واكبت التسليم والقبض علي الرب يسوع المسيح وتسليمه . عليه يجب أن نشير ونحن نمر ولو مرور الكرام لدور يهوذا الاسخريوطي الكبير في هذه العملية التاريخية المفصلية في حياة الرب يسوع . كان يهوذا واحد من الذين أختارهم الرب يسوع تلميذاً من ضمن الدائرة الضيقة لأتباع الرب يسوع الكثيرين . اذاً فهناك أفضلية وخصوصية وتمييز كمي ونوعي ليهوذا بل كان يهوذا أميناً لصندوق الجماعة . وبكل أسف لم يكن يهوذا أميناً مخلصاً في الامانة التي أوكلت اليه . وقد أنبأ يسوع مبكراً بعملية تسليمه من قبل أحد التلاميذ وهذا ما أدخلهم في دائرة الشك والظن والريب . لما قال يسوع هذا أضطرب بالروح ، وشهد وقال : ( الحق الحق أقول لكم : أن واحداً منكم سيسلمني ) . فكان التلاميذ ينظرون بعضهم الي بعض وهم محتارون في من قال عنه وكان متكئاً علي في حضن يسوع واحدٌ من تلاميذه ، كان يسوع يحبه . فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأله عن من عسي أن يكون الذي قال عنه . فأتكأ ذاك علي صدر يسوع وقال له : ( يا سيد من هو ؟ ) أجاب يسوع : ( هو ذاك الذي أغمس اللقمة وأعطيه ! ) فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي . فبعد اللقمة دخله الشيطان . فقال له يسوع : ( ما أنت تعمله فأعمله بأكثر سرعةٍ ) . وأما هذا فلم يفهم أحدٌ من المتكئين لماذا كلمه به . لأن قوماً ، اذ كان الصندوق مع يهوذا ، ظنوا أن يسوع قال له : اشتر ما نحتاج إليه للعيد ، او أن يعطي للفقراء . يوحنا 3 : 20 – 29 عندما تكلم الرب بسوع عن الانسان الذي سيسلمه حزن التلاميذ كلهم ما عدا يهوذا . هذا مع ان الامر كان واضحاً بالنسبة الي يهوذا أكثر من التلاميذ الاخرين لأنه كان هو المعني بالامر كله . وكان بأمكان يهوذا ان يتوب ويتراجع عن فعله لكنه تمادي غيه وطيشه حتي بعد أن كشف له الرب أمر المؤامرة الخيانة التي يقوم بها ضده . لم يغير يهوذا خطته او يراحع نفسه بل أقدم بعجلة وقام وخرج من المجلس وذهب الي رؤساء الكهنة وأتفق معهم علي تسليم الرب يسوع لهم . ذلك لأن الشيطان كان قد ملأ قلب يهوذا الاسخريوطي وطفح به الكيل وفاض . حينئذٍ ذهب واحدُ من الأثني عشر ، الذي يدعي يهوذا الاسخريوطي ، الي رؤساء الكهنة وقال : ( ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه لكم ؟) فجعلوا له ثلاثين من الفضة . ومن ذلك الوقت كان يطلب الفرصة ليسلمه . متي 26 : 14 – 16 القبض علي الرب يسوع في تلك اليلة وكان الرب يسوع عالماً بأن ساعته قد أتت . أخذ الرب تلاميذه وذهب معهم الي ضيعة جيسماني . وكان الرب في أوج الصراع الروحي بين قوي الخير وقوي الشر وكأنسان كان حزيناً محبطاً ومكتئباً جداً . ذلك لأن الله تركه لوحده يحمل وزر خطايا العالم . لست أدري كيف يمكن أن يعرق الانسان حتي يتصبب عرقه دماً ؟ . لكن هذا هو الذي حدث للرب يسوع المسيح في بستان جثسيماني ! وجاءوا الي ضيعة جثسيماني ، فقال لتلاميذه : ( أجلسوا ههنا حتي أصلي ) . ثم أخذ معه بطرس ويوحنا ، وأبتدأ يدهش ويكتئب . فقال لهم : ( نفسي حزينة جداً حتي الموت ! أمكثوا هنا وأسهروا ) . ثم تقدم قليلاً وخر علي الارض ، وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن . وقال : ( يا أبا الاب ، كل شيئ مستطاع لك ـ فأجز عني هذه الكأس . ولكن ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت ) . ثم جاء ووجدهم نياماً ، فقال لبطرس : ( يا سمعان ، أنت نائم ! أما قدرت أن تسهر ساعة واحدةً إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربةٍ أما الروح فنشيط ، وأما الجسد فضعيفٌ ) مرقس 14 : 32 – 38 هكذا ظل الرب يسوع المسيح يجاهد مع ابيه طوال ساعات تلك الليلة حتي الهزيع الرابع قبيل انقشاع أشعة الشمس الاولي . وكان كلما جاء الي تلاميذه وجدهم غارقين في نوم وسبات عميق . فقد كان التلاميذ أيضاً من شدة التعب والاعياء مرهقين فترانين غاية الفتر . وهذا الرهق هو الذي جعل التلاميذ شبه اليائسين العاجزين المستسلمين كلياً للذي كان ينتظر معلمهم . ثم جاء ثالثة وقال لهم : ( ناموا الان وأستريحوا ! يكفي ! قد أتت الساعة ! هوذا أبن الانسان يسلم الي أيدي الخطاة . قوموا لنذهب ! هوذا الذي يسلمني قد آقترب ! ) . مرقس 14 : 41 - 42 بالكاد أنتهي الرب يسوع من كلامه . وبينما هو يتكلم إذا جمع ، والذي يدعي يهوذا ،أحد الاثني عشر ، يتقدمهم ، فدنا من يسوع ليقبله . فقال له يسوع : ( يا يهوذا ، أبقبلة تسلم أبن الانسان ؟ ) فلما رأي الذين حوله ما يكون ، قالوا : ( يا رب ، أنضرب بالسيف . وضرب واحدُ منهم عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه اليمني . فأجاب يسوع قال : ( دعوا إلي هذا ) . ولمس أذنه وأبرأها . حتي في اللحظات الاخيرة ومعركة الشر علي أوجها محتدم ضد الخير والرحمة والمحبة السلام . ظل قلب الرب يسوع مفتوح ليهوذا وكل من أتي بهم للقبض عليه كلص ! وبينما أراد بعضهم أن يدافع عنه قائلاً : ( أنضرب بالسيف فمنعهم يسوع ! ) وعندما مد أحدهم يده وأستل سيفه من غمده وقطع أذن العبد ردعه الرب وأنتهره رافضاً هذا المبدأ البشري الشيطاني فقال له يسوع : ( رد سيفك الي مكانه . لأن الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون ! أتظن أني لا أستطيع أن أطلب إلي أبي فيقدم لي أكثر من أثني عشر جيشاً من الملائكة ؟ فكيف تكمل الكتب : أنه هكذا ينبغي أن يكون ؟ ) . متي 26 : 52 : - 54 هكذا ظل الرب يسوع المسيح وسيظل دائماً ماداً كلتا يديه بالسلام لآنه هو رئيس السلام حتي للذين يشهرون السيوف ويريدون الدفاع عنه . وفهو يرد السيف الي غمده لأنه الرب يسوع هو رب السماء والارض وبيده كل القوات والجنود وجيوش السماء من الملائكة تأتمر بأمره . حتي في أضعف لحظات ضعفه فهو يستطيع ان يطلب ويستعين بابيه الذي لن يتواني أبداً في أستجابة الطلب مهما كان . فقط لكي تتم الكتب كان يجب أن يتم القبض علي يسوع وبهذه الطريقة المذلة المهينة التي لا تليق حتي بأعتي عتاة القتلة من المجرميين او الارهابيين . في تلك الساعة قال يسوع للجموع : ( كأنه علي لصَ خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني ! كل يومٍ كنت أجلس معكم أعلم في الهيكل ولم تمسكوني . وأما هذا فقد كان لكي تكمل كتب الانبياء ) . حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا . متي 26 : 55 – 56 يسوع أمام مجمع قيافا بعد القبض عليه أقتاده الجند ومضوا به أولاً الي منزل حنانيا وهو حما قيافا رئيس الكهنة . وهذين الاثنين حنانيا وقيافا كانا وجهين لعملة واحدة . وبالتالي فهما يشكلان الثنائي الغريب المريب في تبادل الادوار في لعبة كرسي رئيس الكهنة ! وكان قيافا هو الذي أشار علي اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحدٌ عن الشعب . يوحنا 18 : 14 فقال لهم واحدٌ منهم ، وهو قيافا ، كن رئيساً للكهنة في تلك السنة : ( أنتم لستم تعرفون شيئاً ، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت أنسان واحدٌ عن الشعب ولا تهلك الامة كلها !). ولم يقل هذا من نفسه ، بل لأنه كان رئيساً للكهنة في تلك السنة ، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الامة ، وليس عن الامة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلي واحدٍ . يوحنا 11 : 49 – 52 وليس غريباً ان يتنبئ قيافا رئيس الكهنة عن موت الرب يسوع المسيح عن الامة كلها . وقيافا هنا يأكد كلام يوحنا المعمدان عن يسوع عندما رأه مقبلاً اليه فصاح قائلاً : ( هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ) . لكن الغريب في الامر كله هو أن رئيس الكهنة الحالي قيافا وسلفه او حماه حنانيا لم يعيرا أدني أهتمام او مبالاةً بنبوئته . ذلك أن الذي يتنبأ عنه هو المسيا المزمع ان يخلص ليس شعب اسرائيل فقط بل كل العالم . وفي عمي بصر وبصائر رئيس الكهنة مضوا قدماً في تغبيش وتزييف القضاء والعدل وشريعة موسي والوصايا العشرة التي تحرم الكذب وشهادات الزور . فأقدموا علي ممارسات تعد من اسوأ أنواع النفاق والتضليل والكذب واستباحوا لأنفسهم بل استاجروا الافراد للأدلاء بشهادات الزور ضد الرب يسوع المسيح . ولما كان النهار أجتمعت مشيخة الشعب : رؤساء الكهنة والكتبة ، وأصعدوه الي مجمعهم قائلين : ( إن كنت أنت المسيح فقل لنا ) . فقال لهم : ( إن قلت لكم لا تصدقون ، وأن سألت لا تجيبونني ولا تطلقوني . منذ الان يكون أبن الانسان جالساً عن يمين قوة الله ) . فقال الجميع : ( أفأنت أبن الله ؟ ) فقال لهم : ( أنتم تقولون إني أنا هو ) . فقالوا ما حاجتنا بعد الي شهادة لأننا سمعنا من فمه . نكران بطرس صلته بالمسيح يجدر بنا هنا ان لا يفوتنا بأن بطرس ومنذ ان ضرب خادم رئيس الكهنة وقطع أذنه وبعد أن هرب هو وجميع رفاقة التلاميذ . أي بعد أن تم القبض علي الرب يسوع المسيح وساقوه . رجع بطرس فيما بعد وظل يتابع الاحداث المتسارعة تارة في منزل حنانيا ثم بيت قيافا وأخيراً في المجمع . وظل بطرس يمشي في وسطهم محاولاً قدر الامكان التنكر وأخفاء نفسه مظهراً أنه فقط رجل فضولي شأنه شأن كل الفضولين الباقين . مع انه كان مرتبكاً قلقاً متوتراً بصورة ملحوظة وهو يصارع نفسه علي التغلب علي مخاوفه . فعل بطرس كل ذلك ليعطي الانطباع بأنه هنا وأن وجوده بين الناس لا علاقة له بصلة سابقة له مع الرب يسوع المسيح . وفي خضم الحالة النفسية الصعبة لبطرس وهو يستدفيء من البرد قرب النار الذي أضرموه كان يختلس النظرات بين الفينة والاخري في أتجاه الرب يسوع المسيح مراقباً تداعيات ما سيحدث له. لكن في الاثناء رأته الخادمة الماكرة وفاجأته . فرأته جاريةٌ جالسا عند النار فتفرست فيه وقالت : وهذا كان معه ! ) فأنكر قائلاً : ( لست أعرفة يا أمرأةٌ ) . وبعد قليل رأهُ أخر وقال : ( وأنت منهم ! ) فقال بطرس : ( يا انسان ، لست أنا ! ) . ولما مضي نحو ساعةٍ واحدةٍ أكد آخر قائلاً : ( بالحق أن هذا أيضاً كان معه ، لأنه جليليٌ أيضاً ) فقال بطرس : ( يا أنسان ، لست أعرف ما تقول ! ) . وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك . فالتفت الرب ونظر بطرس ، فتذكر بطرس كلام الرب ، كيف قال له : ( أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مراتٍ ) . فخرج بطرس الي الخارج وبكي بكاءً مراً . هكذا أنتهت محاكمة الرب يسوع المسيح الاجرائية الاولي أمام مجمع رؤساء الكنهة الذين أصدروا الحكم المسبق بأنه مجدف ومستحق الموت . وهنا ايضاً أنتهت مأساة بطرس والتلاميذ بالهرب منه وتركه لمفرده يواجه مصيره المحتم . كان نكران بطرس أمام الجمع بالحلف والقسم الغليظ انه يعرف يسوع بمثابة الطعن من الخلف بخنجر مسموم لكن بيد حبيب وصديق وما أقساه من طعنة نجلاء أخترقت بطعنة قلب الرب يسوع قبل أن تسمر يداه ورجلاه او يطعن في جنبه بالحربة . بالاحري جاء وتم قتل الرب يسوع المسيح من قبل الاحباب الاصدقاء اولاً بالمواقف بما يشبه النيران الصديقة كما يسمون قبل ان يقتل بيد الاعداء والخصوم المفترضين بيلاطس وهيرودس من خلفهم رؤساء الكهنة وقادة الشعب . محاكمة يسوع أمام هيرودس وبيلاطس قدم رؤساء الكهنة الرب يسوع الي بيلاطس ليس للشكوي والفحص والتحري في اسباب الدعوة ومدي قانونيتها من بطلانها لا لا ابداً . فقد قدمو اليه ليبصم بالعشرة علي تأييد وتنفيذ الحكم الذي أجروه هم مسبقاً في مجمعهم . وكانت كل الخطوات والاجراءات والمباحث القانونية هي تحصيل لحاصل فقط ليس الا . ولم يكن كل من بيلاطس ولا هيرودس الحكام الرومانيين المفترض فيهم تطبيق القانون في موقف قوة وصلاحية وسلطة حقيقة تفعل ذلك . وكل ادعاءات الكهنة كانت كاذبة وملفقة وكان بيلاطس وعيرودس يعلما ذلك جيداً . فقام كل جمهورهم وجاءوا به الي بيلاطس ، وأبتدأوا يشتكون عليه قائلين : ( أننا وجدنا هذا يفسد الامة ، ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلاً : أنه مسيح ملك ) فسأله بيلاطس قائلاً : ( أنت ملك اليهود ؟ ) فأجابه وقال : ( أنت تقول ) . فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع اني لا أجدٌ علةً في هذا الانسان ) . لوقا 23 : 1 – 4 لم يجد بيلاطس خطأ واحداً في المسيح وكان يعلم علم اليقين أنهم أسلموه حسداً وغيرةً علي تعاليمه وبسبب التفاف الجماهير حوله . وكان بأمكان بيطلاطس الحاكم أن يأمر بأطلاقه لكن عوضاً عن ذلك فضل مجاراة أفتراءاتهم الباطلة وكذبهم الصريح . ومن ناحية أخري كان بيلاطس يبحث عن مخرج سهل لا يورطه مع رؤساء الكهنة والجمهور . كما كان بيلاطس لا يريد ان يدخل في مسائل دينية لا تخصه كما لا يريد التدخل في دائرة خارج أختصاصه تجره الي الاحتكاك مع الكهنة . فكانوا يشددون قائلين : ( أنه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل الي هنا ) . فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل ، سأل : ( هل الرجل جليلي ؟ ) وحين علم أنه من سلطنة هيرودس ، أرسله إلي هيرودس ، اذ كان هو أيضاً تلك الايام في أورشليم . لوقا 22 : 5 – 7 قلنا أن بيلاطس كان يبحث عن مخرج ما يخرجه من ورطة رؤساء الكهنة . فما أن سمع بأن المسيح يهيج الشعب مبتدئاً من الجليل حتي أمسك بكلمة الجليل ظاناً منه أنه وجد القشة التي ستنقذه من الغرق . فأخذ يستفسر ويستعلم ويبحث ليتأكد بأن المسيح من الجليل بالتالي فهو يتبع لسلطة هيرودس . وما أن علم بأن للمسيح أنتماء ما بالجليل وأنه تربي في الناصرة حتي أسرع بأرساله الي هيرودس المتواجد وقتها في أورشليم . هذا مع العلم بأن بيلاطس وهيرودس كانا في تلك الايام في خصومة وعداوة حادة لأسباب أدارية تختص بدائرة سلطة هيرودس . وكان هيرودس كثيراً ما يتخطي دائرة أختصاصاته ويتدخل في أمور الحاكم والوالي الروماني الذي هو بيلاطس نفسه . فققد وجه بيلاطس هيرودس أكثر مرة لكنه ظل يتمادي متجاوزاً الصلاحيات الممنوحة له . الرب يسوع عند هيرودس وأما هيرودس فلما رأي يسوع فرح جداً ، لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه ـ لسماعه منه اشياء كثيرة ، وترجي أن يري آيةُ تصنع منه . وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيئ . ووقف رؤساء الكهنة يشتكون عليه بأشتداد ، فأحتقره هيرودس مع عسكره وأستهزأ به ، والبسه لباساً لآمعاً ، ورده الي بيلاطس . لوقا 23 : 8 - 11 ويصح هنا بأن نقول بأن رؤساء الكهنة وبيلاطس كانوا في وادي وكان هيرودس في وادي أخر تماماً . فما أن رأي هيرودس يسوع المسيح حتي فرح وأبتهج وتهلل وكاد ان يطير من الفرح . فقد كان هيرودس ومنذ زمن طويل يتمني وينتظر بشوق ولهفة ان يري يسوع ولم يستطع . سمع هيردوس عن يسوع والمعجزات التي كان يجريها وفي وقت من الاوقات اختلط في ذهن هيرودس الحابل بالنابل . فظن هيرودس بأن يسوع هذا هو يوحنا المعمدان الذي أرسل وقطع رأسه في السجن وأحضر رأسه علي طبق من ذهب لعشيقته هيروديا لأرضائها . وعندما تأكد لهيرودس بأن يسوع هذا هو شخص أخر مختلف عن يوحنا المعمدان الذي قتله تمني هيرودس أن يري يسوع . كان لم يزل يراود جريمة قتل يوحنا المعمدان يدور في فكر هيرودس كما كانت لديه أسئلة كثيرةُ ومختلفة يريد أن يسألها ويطرحها ليسوع في أول لقاء تجمعه به . لكن عندما مثل بيسوع أمامه كقاضي لم يشغل هيرودس نفسه كثيراً بمشاكل رؤساء الكهنة وقضاياهم الملحة المستعجلة ضد يسوع مع أنهم كانوا يشتكون عليه بأشتداد . وبالاحري أنصرف هيرودس الي أهتمامته الشخصية والاسئلة التي كان يريد أن يسألها ليسوع . كما كان يتمني بكل قلبه أن يري معجزة يجريها يسوع أمامه كملك . فبادر هيرودس بأسألته الكثيرة الي يسوع . فكان هيرودس يطرح سؤالاً وراء سؤال . لكن يسوع خيب أمنيات هيرودس كلها ولم يجبه بشيئ ولا صنع يسوع أي معجزة أمام الملك هيرودس حتي يرضي بعض من غروره وكبريائه . وهذا ما أثار حفيظة هيرودس وعسكره مما جعلهم يسخرون من يسوع كنوع من الثأر ضد يسوع . فأستهزأ به ، والبسه ملابس البهلوانات المزركشة اللامعة ورده الي بيلاطس . وبهذا الحدث المثير للجدل تصالح هيرودس وبيلاطس وصاروا أصدقاء وانزاحت العداوة والخصومة . لأن الرب يسوع صالحهما لأنه هو صالح والي الابد رحمته تدوم . الرب يسوع مجدداً أمام بيلاطس وقف بيلاطس أمام ضغوط رؤساء الكهنة والجمهور موقفاً غايةٌ المرونة واللينة بل السلبية والضعف المشين . لم يظهر بيلاطس أدني مظهر لسلطان الدولة والعدل والقانون وتعامل وفق العواطف والمصالح الشخصية له وللقادة اليهود . وكان الوالي معتاداً ان يطلق في العيد للجمع اسيراً واحداً من أرادوه . وكان لهم حيئذٍ أسيراً مشهوراً يسمي باراباس . وفيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس : ( من تريدون أن أطلق لكم ؟ بارباس أم يسوع الذي يدعي المسيح ؟ ) . لأنه علم أنهم أسلموه حسداً . متي 27 : 15 – 18 فأجاب الوالي وقال لهم : ( من مِن الاثنين تريدون أن أطلق لكم ؟ ) فقالوا : ( باراباس ! ) . قال لهم بيلاطس : ( فماذا أفعل بيسوع الذي يدعي المسيح ؟ ) . قالوا له الجميع : ( ليصلب ! ) فقال الوالي : ( وأي شر عمل ؟ ) . فكانوا يزدادون صراخاً قائلين : ( ليصلب ! ) متي 27 : 21 – 23 فيا لها من مسرحية سمجة مضحكةُ ومبيكية في آن واحد ! فالجماهير التي كانت تزداد صراخاً طالباً صلب الرب يسوع المسيح . هي نفسها تلك الجماهير التي كانت تصرخ بأعلي صوتها في موكب يسوع الانتصاري حين دخل أورشليم والهيكل قبيل أيام قليلةِ . يقول يوحنا البشير بهذا الصدد . فاخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون : ( أوصنا ! مبارك الاتي بأسم الرب ! ملك اسرائيل ! ) يوحنا 12 : 13 . وهنا نري أن الوالي بدأ في موقف محرج يحسد له . وبالاحري كان بيلاطس أمام الجماهير كالمهرج في سيرك اللعب فاقد البوصلة حيث كانت الجماهير توجهه حسب رغبتها . وكان هو الاخر يفعل بحسب رغبة الجمهور ورؤساء الكهنة وما يشتهون وبهذا صار الحاكم بيلاطس اللعوبة حقيقة في ايديهم الاثمة التواقة لسفك دم الرب يسوع المسيح . و الغريب في الامر كله هو أن بيلاطس الوالي الضعيف العاجز كان يدخل الدار ويخرج منها ليقول لهم مردداً : ( وأي شر عمل ؟ ) . وكانوا يصرخون في وجهه مشددين الصراخ قائلين : أصلبه أصلبه دمه علينا وعلي أولادنا ! وكان الضغط الجماهيري الهائل يزداد علي بيلاطس بين الفينة والاخري لحظة بلحظةٍ ! وفي النهاية استسلم بيلاطس فاقد الصلاحية والمنطق والحكم العادل الرشيد ! أستسلم بيلاطس للهرج العربدة والفضوي والخوغائية البربرية الوحشية وفي مشهد هزلي أكثر منه كوميدي استعراضي غبي يقول متي البشير . بيلاطس يطلق بارباس ويسلم يسوع فلما رأي بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً بل بالحري يحدث شغبُ ، أخذ ماءً وغسل يديهِ قدام الجمع قائلاً : ( إني بريءُ من دم هذا البار ! أبصروا أنتم ) . فأجاب جميع الشعب وقالوا : ( دمه علينا وعلي أولادنا ! ) . حينئذٍ أطلق لهم باراباس ، وأما يسوع فجلدهٌ وأسلمه ليصلب . متي 27 : 24 – 26 فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل ما يرضيهم ، أطلق لهم بارباس ، وأسلم يسوع ، بعدما جلده ليصلب . مرقس 15 : 15 وكانوا يلجون بأصوات عظيمةٍ طالبين أن يصلب . فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة . فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم . فأطلق لهم الذي طرح في السجن لأجل فتنةٍ وقتلٍ ، الذي طلبوهٌ ، وأسلم يسوع لمشيئتهم . لوقا 23 : 23 – 25 فصرخوا : ( خذهٌ ! خذهٌ ! أصلبه ! ) . قال لهم بيلاطس ( أأصلب ملككم ؟ ) . أجاب رؤساء الكهنة : ( ليس لنا ملك الا قيصر ! ) . فحيئذٍ أسلمه اليهم ليصلب . هكذا سلم بيلاطس الرب يسوع المسيح لليهود الذين قالوا له عنه نفاقاً وكذباً بأنه ليس لنا ملكاً الا الملك قيصر ! وكان الوالي بيلاطس يعلم ويعرف بل يدرك جيداً مدي خبثهم ومكرهم وخداعهم . لكن الموقف الذي وضعوه فيه جعله يخاف وترتجف وترتعد كل أوصاله كلما ذكروا له اسم قيصر لشيئ في نفسه ! وكانت تلك هي نقطة ضعفه الكبيرة التي استغلها هؤلاء جيداً بمكر وخبث . صلب الرب يسوع الرب يسوع فور أن تسلم رؤساء الكهنة الرب يسوع أخذوا الي الجمجمة او ( الجلجثة ) ، وهو المكان المعد للصلب . وفي الطريق الي الجلجثة أمسكوا رجلاً قيروانياً اسمه سمعان وسخروه ليحمل الصليب لآنه بالنسبة لهم كان عبداً غريباً . وكان كل شيئ جاهز ، الصلبان الثلاث وأثنين من المجرمين .وجهزت اليافطة التي كتب بيلاطس عليها عنواناً وهو يدري او لا يدري وكان مكتوباً : ( يسوع الناصري ملك اليهود ) . يذكر هنا ان النساء كنا حاضرات وموجودات كالعادة وقد شاركن في السير وراء موكب الرب الاخير الي الجمجمة . وهذا ما لفت نظر الرب يسوع فأحب أن يبادلهن تحية التقدير والولاء والاكبار شاكراً لهن عرفانهن الجميل مطوباً الاجتهادات وكل ما قمن به من أجله خلال السنوات الثلاث التي قضاها في الخدمة والعمل والتعاليم فالتفت إليهن يسوع وقال : ( يا بنات أورشليم ، لا تبكين علي بل أبكين علي أنفسكن وعلي أولادكن ، لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها : طوبي للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع ! حينئذٍ يقولون للجبال : أسقطي علينا ! وللأكام : غطينا لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا ، فماذا يكون باليابس ؟ ) . وجاءوا أيضاً بأثنين آخرين مذنبين ليقتلا معه . لوقا 23 : 28 – 32 وصلبوا معه لصين ، واحد عن يمينه وآخر عن يساره . فتم الكتاب القائل : ( وأحصي مع أثمة ) . وكان المجتازون يجدفون عليه ، وهم يهزون رؤوسهم قائلين : ( آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام ! خلص نفسك وأنزل الان عن الصليب ) . وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قالوا : ( خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ! لينزل الان المسيح ملك إسرائيل عن الصليب ، لنري ونؤمن ! ) كلمات الرب يسوع علي الصليب كثيراً ما يواجه المسحيين الهزء والسخرية والاستهجان بالايمان المسيحي . هذا في كثير من الاحيان وبالذات في الاماكن والبلدان التي يشكل فيها المسيحين كما يطلق عليهم جزافاً كلمة أقليات دينية وطائفية . فهم يتعرضون للتعنيف اللفظي حيث يشتمون في دينهم وعباداتهم كما يسمعون العبارات القاسية ضد المسيح نفسه . فعلي الانسان المسيحي المؤمن ان لا يتأثر بمثل هذا الاشياء التي تحدث له وان لا ينفعل او يحاول أن يرد بالمثل . كما لا يجب أن يغير مثل هذه الاشياء من درجة أيماننا بالمسيح ابداً بل يشدده ويقويه عزماً وأصراراً . لأننا نعلم بأن المسيح أضطهد وعير وشتم ولم يكن يرد الاساءة بالاساءة فيجب ان نتبع مثال المسيح في مثل هذه الماوقف لأنه سبق وكلمنا بها . قائلاً : ( طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين . أفرحوا وتهللوا ، لأن أجركم عظيم في السماوات ، فأنهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم . متي 5 : 11 – 12 لم يفت علي يسوع وهو علي خشبة الصليب معلقاً بين السماء والارض أن يلقي ويلقن الجمهور الحاضر أعظم الدورس والعبر والمواعظ . وستظل الكلمات الذهبية التي نطق بها أبن الانسان وهو يقاسي الألام المبرحة في سائر أعضاء جسمه . كان يعاني من أثر ضربات المسامير في يديه ورجليه كما من تاج الشوك علي رأسه ومن طعنة الحربة في جنبة . وبالاكثر كان يعاني معاناة نفسية كأنسان كامل من فرار وهروب التلاميذ تخليهم عنه . ! وعندما أجال بنظره متفرساً فيكل الجمهورالحضور والحشد الكبير. أجال الرب بصره و لم يري بطرس وأخيه اندراوس ولا توما ونثنائل او يعقوب وبرثلماوس او فيلبس ومتي ولا كل الاخرين . لكنه عندما أدار عينيه الي أسفل الصليب أبصر النسوة كلهن مجتمعات وكانت أمه مريم التي يجوز السيف في قلبها . وهنا نتذكر مريم ونتذكر نبوءة سمعان الشيخ في الهيكل عندما باركهما . وباركهما سمعان ، وقال لمريم : ( ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ، ولعلامة تقاوم . وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيفُ ، لتعلن أفكار قلوب كثيرة ) . لوقا 2 : 34 – 35 كلام يسوع لأمه والتلميذ الذي كان يحبه * وكانت واقفات عند صليب يسوع ، أمه وأخت أمهُ ، مريم زوجة كلوبا ، ومريم المجدلية . فلما رأي يسوع أمه ، والتلميذ الذي يحبه واقفاً ، قال لأمه : ( يا أمرأة ، هوذا أبنك ) . ثم قال للتلميذ : ( هوذا أمك ) . يوحنا 19 : 25 – 27 يسوع يغفر للذين صلبوه فقال الرب يسوع : ( يا أبتاه ، أغفر لهم ، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) . كلمات يسوع للص عن اليمين * ثم قال ليسوع: ( اذكرني متي جئت في ملكوتك ) . فقال له يسوع : ( الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس ) . لوقا 23 : 42 – 43 يسوع يصرخ الي ابيه * وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيمٍ قائلاً : إلوي إلوي ، لماذا تركتني ؟ مرقس 15 : 34 يسوع يقول أنا عطشان * بعد هذا رأي أن كل شيئ قد كمل ، فلكي يتم الكتاب قال : ( أنا عطشان ) . يوحنا 19 : 28 يسوع يقول قد أكمل * فلما أخذ يسوع الخل قال : ( قد أكمل ) . يوحنا 19 : 30 يسوع يستودع روحه لأبيه ونادي يسوع بصوت عظيمٍ وقال : ( يا أبتاه ، في يديك أستودع روحي ) . ولما قال هذا أسلم الروح . لوقا 23 : 46 يا سيدي كم كان قاسياً موت الصليب العار . فقبل أن يحملك حملته يا بار فقد كان الطريق الي الجلجثة طريقاً وعراً صعباً جداً كله مخاطر محفوفة بالأوجاع وألالام . والرب ساره كله لأجلنا . حينئذٍ قال يسوع لتلاميذه : ( أن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها . لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ أو ماذا يعطي فداءً عن نفسه ؟ فأن أبن الانسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذٍ يجازي كل واحد حسب عمله . متي 16 : 24 – 27 قــــيامة قالا : ( لماذا تطلبن الحي بين الاموات ؟ ليس هو ههنا لكنه قام ! ) لوقا 24 : 5 – 6 المسيح اليوم قام حقاً قام يعد قيامة المسيح من الاموات زروة الخلاص الابدي وعمق أعماق لا بل أوج قمة قمم الايمان المسيحي المرتفع العالي السامي. ليس هذا فحسب بل هو القاعدة والاساس المتين الراسخ الذي يقوم عليه جملة الايمان وكلياته فالقيامة هو جوهر هذا الايمان المطلق . فبدون الايمان بالقيامة لا يكون الايمان بالمسيح حقيقة كامله ، كما ان عدم الايمان بالقيامة يجعل بناء هذا الايمان بلا قاعدة ولا اساس يقوم . وهذا ما أشار اليه الرسول بولس في رسالته الي أهل كورنثوس الاولي 15 : 12 – 13 قائلاً : ( ولكن ان كان المسيح الذي يكرز به انه قام من الاموات ، فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات ؟ فان لم تكن قيامة أموات لا يكون المسيح قد قام . وان لم يكن المسيح قد قام ، فباطلة كرازتنا وباطل ايضاً ايمانكم . اذاً فقيامة المسيح من بين الاموات الذي صار بكر الراقدين هو لب وجوهر هذا الايمان الذي لا يأتييه الشك ابداً من بين يديه . فقد شهد له المتشكك الكبير توما عندما رأه صارخاً ربي و الهي ! أما توما أحد الاثني عشر ، الذي يقال له التوأم ، فلم يكن معهم حين جاء يسوع . فقال له التلاميذ الاخرون : ( قد رأينا الرب ! ) فقال لهم : ( أن لم أبصر في يديه أثر المسامير ، وأضع إصبعي في أثر المسامير ، وأضع يدي في جنبه ، لا أومن ) . يوحنا 20 : 24 – 25 وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلاً وتوما معهم . فجاء يسوع والابواب مغلقةٌ ووقف في الوسط وقال : ( سلامٌ لكم ! ) . ثم قال لتوما : ( هات أصبعك إلي هنا وأبصر يديَ ، وهات يدك وضعها في جنبي ، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً ) . أجاب توما وقال اه : ( ربي والهي ! ) . قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما وآمنت طوبي للذين آمنوا ولم يروا ) . اذاً فلو سلم جدلاً ان المسيح لم يقم من الاموات لكان تلاميذه هم أول من يكذبون ادعاءات القيامة الكاذبة وكان سيكون في مقدمتهم أولهم بطرس ويوحنا وتوما . اذ لا يوجد شيئ ابداً يدفعهم الي الكذب بالقول بقيامة الرب يسوع المسيح لأنهم بعد القبض علي الرب يسوع المسيح كانوا خائفين مختبئين من الانظار . فمن أين لهم الشجاعة البسالة حتي يتجرأوا للخروج من مخائبهم ومن ثم حشر أنفسهم في مثل هذه الزاوية الضيقة مع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين بل مع الحاكم الروماني وصديقه الجديد هيرودس . فلو لم يكن المسيح قد قام وقام حقاً . لأنتهت المسيحية في مهدها بعد أن فر التلاميذ وهربوا بجلدوهم تاركين من سيدهم في أحلك الظروف ، لكن قيامة المسيح هي التي أرجعتهم وأستعادت لهم الجرأة والشجاعة وبثت الروح مجدداً في قلوبهم التي ماتت من الخوف . وقيامة المسيح هي وحدها التي أحيت فيهم الامل الرجاء وجددت فيهم الثقة والايمان وفي سبيل الدفاع عن قيامة المسيح استبسلوا وماتوا وهم يشهدون للقيامة . وكان اشتشهادهم الواحد منهم بعد الاخر تأكيد وجزم وبرهان ودليل قوي وأعظم شهادة كتبوها بدمائم شهادة تشهد لحقيقة قيامة الرب يسوه المسح أبن الله الحي من الاموات . والقبر الفارغ الموجود اليوم هنالك أقوي دليل. فما ميلاد الرب يسوع المسيح هو حضور وظهور الله في الجسد الا تمهيداً لفداء وخلاص هذا الجنس البشري من الخطية . وما القيامة من الاموات الا برهان لقيامة كل الراقدين للقاء الرب في مجيئه الثاني فوق السحاب . فالميلاد هي تجلي الذات الالهية بجلال سموئها وعظمتها انها بمثابة اظهار عنفوان محبة الله للأنسان . وفي الميلاد تتجسد العناية الالهية وغاية اهتمامه بخلاص هذا الانسان . وكان الميلاد الطريق الوحيد الصحيح الذي سلكه الله سعياً لأستعادة الانسان الميت المطرود الي المكان الذي فقده بفعل الخطيئة . اما القيامة فهي علامة النصرة الحصرية المميزة والاعلان الالهي الساحق والانتصار الكامل او الغلبة الحقيقة و الهزيمة النكراء علي الشيطان . فالشيطان المدعو ابليس عدو الله وعدوء الانسان وهو عدو كل خير وصلاح في هذه الحياة . لكنه بقيامة الرب يسوع المسيح من الاموات تم كسر شوكة الموت و تم غلبته غلبته الي الابد . بالقيامة تم استرداد المجد العتيد وفتحت الابواب علي مصراعيها مؤدياً الي الطريق الجديدا وهو الطريق يقودنا الي الحياة الابدية و الخلود مع الله في الملكوت السماوي . القيامة في العهد القديم فقد جاء وورد ذكر القيامة بالمفهوم الذي يعني قيامة جثة الانسان ثانية بعد الموت عدة مرات في اسفار مختلفة في العهد القديم . نذكر منها هنا بعض الايات للدلالة والتأكيد علي ان القيامة بمقرونة بالحياة الابدية . وهنا نريد أن نثبت بأن الموت ليس هو النهاية الحتمية لحياة الانسان . هذا لأن الله ليس بأله الاموات بل هو اله الحياة والاحياء وهو اله الموعودين بالخلود . تحيا أمواتك ، تقوم الجثث . استيقظوا ، ترنموا يا سكان التراب . لأن طلك طل أعشاب ، والارض تسقط الاخيلة . اشعياء 26 : 15 وهذا يعني أن الاموات يحيون بعد الموت والجثث تقوم بهيئات جديدة . الانسان المقام من الاموات يكون كالمستيقظ من نوم طويل فيصحو من السبات لتمجيد الله بالتسبيح الدائم مع الملائكة التي ترنم : قدوس قدوس قدوس رب السماء والارض ما أمجد أسمك حيث جعلت جلالك في السماوات . وكثيرون من الراقدين في تراب الارض يستيقظون ، هؤلاء الي الحياة الابدية ، وهؤلاء الي العار والاذدراء الابدي . دنيال 12 : 2 ويكشف دانيال بوضوح أكثر المعني الحقيفي للقيامة وبتفصيل أكثر أن الموت نوم وقتي يرقده الانسان . وفي الوقت المناسب المعين سيستيقظ الجميع من هذا النوم العميق في تراب الارض . ليذهب الاخيار منهم الي الحياة الابدية في ملكوت الله المعد لهم . أما اشرار فيذهبون الي مكان العار والأذدراء كما يسميه النبي دانيال حيث العذاب والبكاء وصرير الانسان الابدي . كلام يسوع للصدوقيون عن القيامة لم يرد ذكر القيامة في الاسفارالخمسة لموسي وهي الاسفار التي تسمي بأسفار الشريعة وهي : سفر التكوين ، الخروج ، اللاويين ، العدد والتثنية . وكانت الطائفتين الكبيرتين في اسرائيل هما طائفة الفريسيين والصدقيين . فقد أتقف الفريسيين والصدوقيين علي جوهر معادة المسيح ومحاولة تجربته وتجريمه والايقاع به ومن ثم التخلص منه . هذا مع العلم بأن الصدوقيين كان يختلفون مع الفريسيين حول موضوع القيامة وحقيقته . كان هذا الخلاف كبير ومهم في العقيدة الدينية اليهودية وفشل الفقهاء الفريسيين من أثبات حقيقة القيامة لأندادهم الصديقيون . فانتهز القصدوقين هذه الفرصة للسخرية والاستهزاء بالرب يسوع من ثم النيل من خصومهم الفريسيين حول عدم وجود ما يسمي بالقيامة . يقول متي البشير . في ذلك اليوم جاء اليه الصدوقيون الذين يقولون ليس قيامة ، فسألوه قائلين : ( يا معلم ، قال موسي : إن مات أحد وليس له أولاد ، يتزوج أخوه بأمرأته ويقم نسلاً لأخيهِ . فكان عندنا سبعة أخوةٌ ، وتزوج الاول ومات . وإذ لم يكن له نسل ترك أمرأته لأخيهِ . وكذلك الثاني والثالث إالي السبعة . وأخر الكل ماتت المرأة أيضاً . ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجةٌ ؟ فأنها كانت للجميع ! ظن الصدوقين بهذا السؤال الخبيث بأنهم سيجدون ضالتهم المنشودة في الرب يسوع المسيح والفريسيين في وقت واحد أنهم سيصطادون كل العصافير فوق الشجرة بحجر واحدة . وأفتكروا بأن الرب يسوع المسيح سيسقط في فخهم او يسقط في التجربة والفخ وضعوه له . هذا أن حاول الرب أن يثبت بان المرأة ستكون لواحد من الاخوة السبعة . مع العلم أنهم جميعاً تزوجوا منها ولم يخلف أي واحد منهم نسلاً منها . او ان يقول يسوع أي كلام أخر يثبتون به عدم وجودة القيامة التي لا يؤمنون به وبالتالي يثبتون ليسوع وللفريسيين بأنهم علي حق . و من هنا يكون يسوع علي باطل ومجدف علي الله ويستحق الادانة والقتل ! لكن الرب يسوع المسيح جائهم من الاخر مثبتاً بأن القيامة حقيقة الهية لا جدال فيه ابداً . هذا من ناحية ومن الناحية الاخري دحض الرب فكرهم الشيطاني الماكر الخبيث مفسرا لهم حقيقة الحياة بعد القيامة من الاموات . مذكراً أياهم بأن الحياة الابدية ليست كالحياة الدنيوية التي يحياها الناس بالرغبات والشهوات الجسدية والغرائز البهيمية الحيوانية . ذلك لأن أهل الحياة الابدية سيقومون بأجساد جديدة وممجدة تشبة أجساد الملائكة المنزهة من كل هذه الغرائز الشهوانية الحيوانية القذرة الأثمة. ففي الامجاد لا يتزوج الناس ليواصلوا أشباع وأمتاع ذواتهم بهذه الغرائز الدنيوية الشهوانية . اذ لا حاجة فيما بعد للزواج والجنس والتناسل لولادة الاولاد والبنات . هذا لأن هذه ستكون من الأشياء العتيقة وستكون من الماضي الدنيوي الذي ولي وأنتهي وهوذا الكل قد صار جديداً . فقد أقتبس الصديقين هذه النقطة الخلافية من سفر التثنية التي تقول : ( إذا سكن إخوة معاً ومات واحدٌ منهم وليس له أبن ، فلا تصر أمرأةُ الميت إلي خارجٍ لرجل أجنبي . أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ، ويقوم لها بواجب أخي الزوج . والبكر الذي تلدهٌ يقوم بأسم أخيه الميت ، لئلا يمحي أسمه من اسرائيل ) . تثنية 25 : 5 – 6 فأجاب يسوع قال لهم : ( تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله . لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ، بل يكونون كملائكة الله في السماء . أما من جهة قيامة الاموات ، أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل : ( أنا إلهٌ ابراهيم وإلهٌ أسحاق وإله يعقوب ؟ ليس الله إله أموات بل إله أحياءٍ ) . متي 22 : 29 – 30 افقدت خطيئة ادم المشينة وتمرده و تعديه لوصية الله ، افقدته العلاقه الودية الصادقة بينه وبين الله وبسبب الخطية حكم الله علي الجنس البشري بالطرد والموت بالخطايا . اما بقيامة الرب يسوع المسيح الظافرة المنتصرة وغلبته للموت فسيحيا الجميع بشرط الايمان برب القيامة . بقيامة المسيح يستعيد الجميع بلا استثناء علاقتهم الطبيعية مع الله بالغفران و المصالحة التي اكملها الرب يسوع وهو فوق الصليب قائلاً : يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . و الناس دئماً يموتون ويهلكون بسبب الجهل وعدم المعرفة او الاستخفاف و الاستهزاء بطريقة الله للخلاص . فجل او بعض البشر يريدون ان يؤمنوا بالله علي طريقة تفكيرهم الناقص المحدود . لذلك تجدهم ينكرون ويرفضون البساطة التي في الرب يسوع المسيح تلك البساطة التي ابتكرها واختارها الله طريقاً لخلاصهم . يسوع يتنبأ بموته وقيامته وكانوا في الطريق صاعدين إلي أورشليم ويتقدمهم يسوع ، وكانوا يتحيرون . وفيما هم يتبعون كانوا يخافون . فأخذ الاثني عشر أيضاً وأبتدأ يقول لهم عما سيحدث له : ( ها نحن صاعدون إلي أورشليم ، وأبن الانسان يسلم إلي رؤساء الكهنة والكتبة ، فيحكمون عليه بالموت ، ويسلمونه إلي الامم ، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه ، وفي اليوم الثالث يقوم ) . مرقس 10 : 32 – 34 النسوة يبشرن بالقيامة لم يستوعب الرسل والنساء من المريمات اللائي تبعنه منذ البدء ولم يفهموا جيدلً ويستوعبوا تماماً فكرة قيامة المسيح من الأموت . مع ان المسيح قد سبق مراراً وتكراراً وحدثهم وكلمهم عن موته وقيامته من الاموات بعد ثلاث ايام . ظلت فكرة قيامته بين الاموات بعيداً جداً بل شبه مستحيل في أمكانية حدوثها . وهذا ما جعل بطرس ورفاقة من التلاميذ الخائفين مختئبين بعيداً عن الانظار بعد احداث الصلب والموت . حتي النساء من المريمات الاكثر ايماناً وجرأة من سائر الرسل لم تكن فكرة القيامة من بين الاموات وارد في حسابتهن ابداً . لذلك عملن الواجب الاجتماعي للمعلم بتجهيز الحنوط و العطور لتحنيط الجسد حسب عادة اليهود . وكان كل همهن الاول والاخير منصب في معضلة من يدحرج لنا الحجر من باب القبر . وعند فجر القيامة الباكر كانت روح اليأس و الاحباط هو الروح الوحيد المسيطر تماماً علي الجميع بلا استثناء . بينما سيظل قبر المسيح الفارغ ابداً ودائماً خير دليل واكبر برهان لحقيقة القيامة . فلكل الانبياء و الرسل وعظماء التاريخ القديم والحديث دفنوا ولهم مدافن ومقابر وشواهد بأسمائهم وتواريخ موتهم وسيرهم الذاتية . كل المحبيين و المريدين لهؤلاء الانبياء والرسل الاموات يحجون ويزورون تلك المقابر كواجبات وتقاليد او شعائر وفرائض دينية تلزمهم بذلك لتمجيدهم واكرامهم وذكر محاسنهم . لأنهم يفعلون ذلك لتخليد كل ما قاموا به من ادوار في التاريخ ولأجل البشرية فهم بذلك يحفظون لهم أمجادهم ويخلدونهم . بيمنا سيظل قبر المسيح هو القبر الوحيد المكتوب علي لوح شاهده : ( لماذا تطلبن الحي بين الاموات ؟ ليس هو ههنا لكنه قام ! أذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلاً: انه ينبغي أن يسلم أبن الانسان في ايدي أناس خطاةٍ ويصلب ، وفي اليوم الثالث يقوم ) . لوقا 24 : 5 – 7 ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين ولابساً حلة بيضاء فأندهشن . فقال لهن لا تندهشن أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ! ليس هو ههنا . هذا هو الموضع الذي جعلوه فيه . مرقس 6 : 5 - 6 فأجاب الملاك وقال للمرأتين : ( لا تخافا أنتما فأني اعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال ! هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضجعاً فيه ) متي 28 : 5 – 6 ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الاكفان موضوعة . والمنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعاً مع الاكفان بل ملفوفاً في موضع وحده . يوحنا 20 : 6 – 7 هنا نجد ان الرسل او التلاميذ الاربعة يجمعون ويتفقون في اناجيلهم ويتوحدون من زوايا و روأي متطابقة جداً .هذا وان وجد بينهم بعض في التفاصيل الصغيرة جداً او ظهرت بعض الصيغ اللغوية المختلفة بحقيقة قيامة الرب يسوع المسيح من الاموات . وتلك كانت هي رسالتهم وكلمة تبشيرهم الوحيدة : ( المسيح قام ، حقاً قام ) . وفي سبيل هذه الحقيقة استبسلوا وجاهدوا وماتوا علي رجاء قيامتهم من بين الاموت كما قام معلمهم وربهم والههم . لكنهم فيما بعد كما لو أن جميع الرسل الاربعة قد أجتمعوا وأتقفوا علي الشهادة بأخبار القيامة وتأكيدها بالكتابة عنها بوحي من الروح القدس . فكل الرسل الأربعة متي ، مرقس ، لوقا ويوحنا . أتفقوا تماماً وبالاجماع وكتبون بحرفية ودقة متناهية وبصورة تكاد أن تكون متطابق تماماً كما لو أنها استنسخت استنساخاً كلٍ من الاخر . أنهم يتفقون حول القيامة بصورة مذهلة ومدهشةً جداً في سرد الايام الاخيرة التي عاشوا وتابعوا كل تفاصيلها الدقيقة جداً ليتكتبوا لنا كل ما تم للرب يسوع المسيح في أيامه الاخيرة علي الارض . و اسبوع الالام كما يحب أن يقال عنها ، المحاكمة الجائرة الظالمة الغاشمة كما أحب ان أسميها هنا . وفي الصلب والموت والدفن . لكنهم بالاحري أبدعون في سرد الكلام العجيب المثير الخطر عن القيامة . فالقيامة في المسيحية هي بيت القصيد وهي الركن الأساس لهذا الايمان ، وهذا ما يجب علينا الحرص دائماً علي تأكيده مع بولس الرسول القائل : (وان لم يكن المسيح قد قام ، فباطلة كرازتنا وباطل ايضاً ايمانكم ). فالقيامة ستبقي دائماً والي الابد هي الحقيقة التاريخية الثابتة الأكيدة هنا دائماً ستظل ثاببةٌ راسخة واقفة في وجه كل الذين يحاولون انكار. لأن القيامية حدث مشهود له في صلب التاريخ البشري كما الميلاد ، هذا لتأكد بما لا يدع مجالاً للشك . قبر يسوع الفارغ الموجود حتي اليوم في صلب التاريخ الزماني والمكاني الجغرافي هو أقوي دليل وشاهد يخرس كل الالسن ويقطعها . وتبقي النسوة المريمات الباسلات الشجاعات وأخواتهن أعظم الشهادات ، فقد سجلن بإيمانهن أروع الموافق وأكدن في فجر الاحد الباكر أن المسيح قام حقاً قام . وبعد مضي السبت ، أشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة ، حنوطاً ليأتين ويدهنه . وباكراً جداً في أول الاسبوع . أتين إلي القبر إذ طلعت الشمس . وكن يقلن فيما بينهن : ( من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر ) . فتطلعن ورأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلةٌ بيضاء ، فأندهشن . فقال لهن : ( لا تندهشن ! أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب . قد قام ! ليس هو ههنا . هوذا الموضع الذي كان فيه ) . خيبة أمل تلميذا عمواس في صبيحة الاحد الباكر بينما كانت الانباء السارة باحداث القيامة المجيدة تنتشر في كل ارجاء مدينة أورشليم الكبري . فقد ذاعت بين الناس في أورشليم تلك الانباء التي راجت وكان أول المتحدثين بها او المتكلمين من خلالها عن القيامة هم الجنود الحارسين للقبر الذي وضع فيه الرب يسوع . وان تم أعطاعهم الرشوة ليسكتوا الا أنهم كانوا قد شهدوا وكلموا رؤساء الكهنة والقادة بأن الرب يسوع المسيح قام وحقاً قام . وبالطبع كان رؤساء الكهنة شهوداً للقيامة لأنهم سمعوا بأخبارها الاكيدة من افواه جنودهم الامناء في خدمتهم مباشرةً . ومهما فعل رؤساء الكهنة الراشين والجنود المرتشين من تدليس ومحاولات يائسة باسكات تمدد الاخبار والانباء الاكيدة بقيامة الرب يسوع المسيح لكنهم فشلوا فشلاً زريعاً . وكانت كل محاولات تكذيب قيامة الرب يسوع المسيح بمثابة أكبر دليل وشاهد للقيامة . وهذا ما نراه واضحاً جلياً في حديث تلميذي عمواس العائدين الي قريتهم مجرجرين خيبة الأمل في المسيح منهزمين مقهورين وهم محبطين جداً من قتل يسوع . كانت أمال تلميذي عمواس المعلقة علي الرب يسوع المسيح أمال كبيرة جداً وتشبه الي حد كبير أمال يهوذا الاسخريوطي وأبني زبدي . وهي نفس الامال تقريباً لكل باقي الرسل والتلاميذ بأن يسوع المسيح هو المسيا الذي سيكون ملكاً علي اسرائيل الكبري . وأن المسيح هذا وهو الموعود به في الكتاب والتاريخ بأنة سيقوم بأسترجاع مملكة داود وسليمان المغتصبة من قبل الامبرطورية الرومانية الي الوجود . لكن القبض الذي تم ليسوع وما حدث بعدها من صلب وقتل مشين ومهين ومذل للرب يسوع من قبل رؤساء الكهنة . هذا هو الامر ما خيب كل أمالهم وبدد جميع ألأحلام التي حلموا وتمنوا انها ستتحقق قريباً . وكانت الاحلام الوردية الجميلة الزاهية مبنية علي المصالح الفردية الشخصية الضيقة جداً , فقد كان كل واحد منهم يحلم بموقع ما في مملكة الرب يسوع المسيح الملك العظيم. يقول لوقا البشير عن تلميذي عمواس : وإذ أثنان منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم الي قريةٍ بعيدةٍ ستين غلوةً ، إسمها ( عمواس ) . وكانا يتكلمان بعضهما مع بعضٍ عن جميع هذه الحوادث . وفيما هما يتكلمان ويتحاوران ، أقترب اليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما . ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته . فقال لهما : ( ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين ؟ ) . فأجاب أحدهما وأسمه كليوباس وقال له : ( هل أنت وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الايام ؟ ) . فقال لهما : ( وما هي ؟) . فقالا : ( المختصة بيسوع الناصري ، الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب . كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه . ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل . ولكن ، مع هذا كله ، اليوم له ثلاثة أيامٍ منذ حدث ذلك بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكراً عند القير ، ولما لم يجدن جسده أتين قائلاتٍ : إنهن رأين منظر ملائكةٍ قالوا أنه حيُ ومضي قوم من الذين معنا إلي القبر ، فوجدوا هكذا كما قالت النساء وأما هو فلم يروه ) . فقال لهما : ( أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانيباء ! أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلي مجده ؟ ) . هذا حدث بالرغم من انتشار الاخبار في كل أروشليم في صبيحة ذلك اليوم حيث تواترت تلك الاخبار التي كانت كلها تتحدث عن قيامة المسيح . ومع كل هذا فقد أصر تلميذي عمواس علي علي التصديق وأستمروا مستسلمين لليأس الكبير وفقدان الأمل . وهذا هو الامر الذي استدعي وجعل الرب يسوع المسيح يرافقهما في مشوارهم الي القرية متحدثاً معهم مذكراً اياهم بما جاء في كل كتب الانبياء من حقائق ونبواءات عن حقيقة موت المسيح وقيامته من بين الاموات .. ! يسوع يظهر للتلاميذ المجتمعين وكما ظهر المسيح لمريم المجدلية والنسوة الاخرويات ولتلمذي عمواس . زار المسيح ايضاً مجموعة من تلاميذه الذين كانوا مختبئين في علية لسبب الخوف من اليهود . فرغم ألاخبار الأكيدة بالقيامة ظل التلاميذ في حالة من الخوف والرعب تنتابهم فوبيا رؤساء الكهنة والقادة . فقد استولي علهم الذعر والهلع بصور شبه هستيرية جعلتهم في حالة يحسدوا عليها من التوجس فقدان الأمن والامان والطمئنينة وتلاشي كامل للسلام والراحة النفسية . كل هذا حدث مع ان المسيح كان قد سبق وحدثهم بل كلمهم بجميع هذه الامور التي حدثت وتحدث الان لهم . لكنها حالة الانسان القلق الخائف المضطرب والمتوجس هذا الانسان قليل الايمان والثقة بكلام ووعود الله المبرهنة بالاعمال والافعال . لكنه الانسان يبقي هو الانسان دائماً وسيظل كذلك الي أن يرث الله الارض ومن عليها . وهنا يحدثنا مرقس البشير بظهور الرب للتلاميذ وطمأنتهم بحقيقة قيامته من بين الاموات . وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ، ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم ، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام . وقال لهم : أذهبوا الي العالم أجمع وأكرزوا بالانجيل للخليقة كلها . من آمن وأعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن . وهذه الايات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي ، ويتكلمون بألسنة جديدةٍ . يحملون حياتٍ وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ، ويضعون إيديهم علي المرضي فيبرأون ) . مرقس 16 : 14 – 20 يقول ايضاً البشير يوحناً مؤكداً هذا الكلام بنفسه عن ظهور الرب للتلاميذ بالقول : ولما كانت عشية ذلك اليوم ، وهو أول الاسبوع ، وكانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود ، جاء يسوع ووقف في الوسط ، وقال لهم : ( سلامٌ لكم ! ) ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه ، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب . فقال لهم : ( أيضاً : ( سلام لكم ! كما أرسلني الاب أرسلكم ايضاً أنا ) . ولما قال هذا نفخ وقال لهم : ( أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ) .
ظهور الرب لتوما أظن أن توما الشكاك وليس بعد كل الشك أثم ، فقد شك توما في قيامة الرب يسوع المسيح لكنه عندما رأه أمن بأقوي كلمات الايمان التي نطق بها الانسان . قلت أظن ان توما بعد الهروب في صبيحة القبض علي يسوع ظل مختفياً في مكان ما بعيداً عن باقي التلاميذ . وفي صباح القيامة حتي مساء ذاك لم يكن توما أيضاً مع التلاميذ بسبب الخوف الذي أصابه وكاد أن يفقده نصحه وصوابه ورشده . وفي الامسية التي زار فيها الرب التلاميذ المجتمعين في العلية لم يكن توما مع التلاميذ وفاتته تلك الليلة العظيمة المباركة التي استرد فيها التلاميذ بعض من وعيهم الايماني وقوتهم النفسية المنهارة . لكن عندما تقابل توما مع أخوته العشرة من التلاميذ في وقت ما فيما بعد . أسرع كل واحدٌ منهم يحدثه ويكلمه بصورة شخصية حميمية معزية فيه بعض من اللوم والعتاب لكونه كان غائباً ولم لم يستطع أن يرأي معهم الرب يسوع المسيح الذي قام من بين الاموات وهو في بهاء مجده بعد القيامة . فأين كنت يا توما في تلك الايام وبالخصوص في الامسية التي لا نظن أنها ستتكرر . لقد فاتك وقتاً جميلاً ممتعاًحقاً قضيناها مع الرب فقد رأينا كما لو أننا لم نراه من قبل ولم يكن معنا لأكثر من ثلاث سنين مضت . وكان توما يستمع للكل بشغف وشوق وحب ! لكنه في النهاية صدمهم جميعاً عندما صرح أمامهم فقال لهم : ( إن لم أبصر في يديه أثر المسامير ، وأضع أضبعي في أثر المسامير ، وأضع يدي في جنبه لا أومن ) . يوحنا 20 : 25 لقد ذهل التلاميذ العشرة وأندهشوا جداً لموقف توما الغريب العجيب جداً الغير مصدقُ والمتشكك في قيامة الرب الذي رأوه جميعاً هم العشرة بأنفسهم وهم مجتمعين . وظل التلاميذ في حيرة من أمرهم وأمر توما المحير جداً ، ظلوا واجمين وهم عاجزين عن أقناع أخيهم وزميلهم الاقرب اليهم والي الرب المقام من الاموات . فكان التلاميذ يتجادلون فيما بينهم من وقت لأخر قائلين : ( أن فشلنا في أقناع توما بحققية قيامة الرب يسوع المسيح . فكيف سنتمكن من أقناع الاخرين بالقيامة ؟ ! ) . لكن الرب يسوع وهو العارف القلوب والفاحص الكلي لم يتركهم فرائس للحيرة والظنون والارتياب ، كما لن يترك الرب توما لوحده تتنازعة الظنون والريب والشكوك الي ما لا نهاية . وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ أيضاً داخلاً وتوما معهم . فجاء يسوع والابواب مغلقة ، ووقف في الوسط وقال : ( سلاك لكم ) . ثم قال لتوما : ( هات أصبعك الي هنا وأبصر يديً ، وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً ) . أجاب توما وقال له : ( ربي والهي ! ) . قال له يسوع : ( لأنك رأيتني يا توما آمنت ! طوبي للذين آمنوا ولم يروا ) . يعطينا توما الشكاك او المتشكك الانطباع السيئ اوالأنموذج الإيماني الضعيف والمتشكك مثلاً لكثرين الذين لا يزالون لا يصدقون او يؤمنوا حتي يروا بعيونهم ويلمسوا بأيديهم . لم يرفض الرب يسوع المسيحإ يمان توما بعد أن رأه لكنه طوبي إيمان كل الذين لم يروا لكنهم صدقوا الخبر وأمنوا به وقا له : ( طوبي للذين أمنوا ولم يروا ) . بطرس يشهد للقيامة حدث في وقت قبيل صلب عندما تحدث الرب يسوع المسيح عن صلبه وموته فتصدي له بطرس رافضاً فكرة ان يصلب المسيح ويموت فأنتهره المسيح واصفاً اياه بالشيطان الذي لا يريد اكمال رسالة المسيح . بطرس هذا هو الذي انكره فيما بعد ثلاث مرات بحلف وقسم غليظ امام الجارية والجمهور ، أني لا يعرف هذا الرجل ! لكن بطرس استطاع بروح القيامة وحلول الروح القدس في يوم الخمسين استطاع بطرس ان يستعيد مكانته الاولي . فبطرس الناكر المنهزم استرد شجاعته وشرفة و عزته واستعاد كرامته بايمانه برب القيامة ليقف فيما بعد متهدياً رؤساء الكهنة بقوة الروح القدس شاهداً لقيامة المسيح . بل موجهاً التهمة المباشرة الي هؤلاء القادة متهماً اياهم بصلب المسيح وقتله . قائلاً : ايها الرجال الاخوة يسوغ ان يقال لكم جهاراً عن رئيس الاباء داود انه مات ودفن وقبره عندنا حتي هذا اليوم . فاذ كان نبياً وعلم ان الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس علي كرسيه سبق وتكلم عن قيامة المسيح ، انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأي جسده فساداً . فيسوع هذا اقامه الله ونحن جميعاً شهوداً لذلك . اعمال الرسل 2 : 29 – 32 اقوال الحراس الذين شهدوا قبل غيرهم بقيامة الرب يسوع المسيح و اخبروا به رؤساء الكهنة بكل ما حدث وكان وصار. الا انهم اجتمعوا مع الشيوخ وتشاورا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين : قولوا ان تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه و نحن نيام . متي 28 : 11 – 13 لكن هيهات هيهات ان يتم اخفاء البشري السارة بقيامة الرب يسوع المسيح الذي ذاع خبر قيامته في كل أورشليم واليهودية والسامرة بل والي أقصي ارجاء العالم . هذا حدث بالرغم محالة رؤساء الكهنة العمل علي الكبت والتعتيم علي اخبار القيامة الا أن انتشار الاخبار في أروشليم كانت قد ذاعت وعمت الجميع . وكان الكل في أورشليم يتحدث عن قيامة المسيح ولا يتحدثوا عن شيئاً سواه . إيمان أمبرطورية روما حاولت الامبروطورية الرومانية ان تغمض الثورة وان تطفيئ جذوة الايمان الجديد المبشر بالقيامة . بل حاولت ان تسكت حرارة الاصوات التي كانت تتحدث عن قيامة المسيح من بين الاموات في مهده . فجندت لها كل قدرتها وقوتها العسكرية وارسلت جيوشها تطارد الرسل في كل مكان . اضطهدت هذه الامبروطورية الرسل المسيحيين الاوائل وشنت عليهم حملات عشواء و نكلت بهم بشتي صنوف التعذيب والسحل والقتل و الحرق في المحارق الجماعية وطاردتهم وسامتهم الويل والعذاب. فاحرق نيرون أروشليم ظاناً انه بذلك سيتمكن من احراق كل المسيحيين وابادتهم و انهاء التبشير بقيامة المسيح فخاب ظنه أية خيبة . فمن رماد محارق نيرون للمسيحيين انبعثت و تطايرات شرارات القيامة ليس لحرق روما بل لأنارتها بنور المسيح الذي ينير ظلامات كل العالم . فلا غرابة اذ تحولت روما لا بل كل الامبروطورية الرومانية بجلال عظمتها الرادهة في الوثنية تحولت وانقلبت من اكبر خصم وعدو لدود علي الاطلاق للمسيحية الي اعظم امبروطورية مسيحية في التاريخ . وروما اليوم حارسة أمينة تبشر بالانجيل وتنادي بقيامة المسيح من الاموات . والفيتكان والبابا اليوم هم خير الشهود الأفياء المناديين بقوة وعظمة القيامة لخلاص كل العالم القديم و الحديث الماضي والمستقبل. أنت الان شخصياً أين موقعك من قيامة المسيح بين الاموات والي أي جانب تقف ؟ فأما ان تكون مؤمناً شاهداً مبشراً بقيامة المسيح او ان تكون ناكراً رفضاً للقيامة جملة وتفصيلاً . و الخيار و الاختيار والاختبار الايماني الحر دائماً بين يديك . فليتك تختار الطريق الصحيح الي الله بواسطة المسيح لأنه وسيط العهد الجديد لخلاص البشر وليس بغيره الخلاص و الحياة . فهو الطريق و الحق و الحياة وهو ايضاً القيامة و الحياة وعلي اساس هذا الاختيار الاختبار الايماني بالقيامة يتم قبولك للمسيح وقبول المسيح لك . حسب وعده وقولة الواضح الصريح هانذا قد سبقت واخبرتكم وكلمتكم بكل شيئ لتعرفوا وتقبلوا وتؤمنوا . فالايمان المسيحي يقوم علي كلام المسيح الحق المعلن في الكتاب المقدس . ليس في المسيحية غموض وسرائر او جوانب ايمانية خفية اذ سبق الله واعلمنا في المسيح بكل شيئ ولا مجال للشك في هذا الايمان فكل تعاليم الايمان معلوم ومفهوم وليس فيه ابداً ابداً الله اعلم ! المسيح يملك الف سنة وأما بقية الاموات فلم تعش حتي تتم الالف سنة ، هذه هي القيامة الاولي . مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الاولي . هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم ، بل سيكونون كهنة لله والمسيح ، وسيملكون معه الف سنةٍ . رؤيا 20 : 5 – 6 حسب التفسير التطبيقي للكتاب المقدس يوجد رايين أساسيين لعلماء اللأهوت حول أمر القيامة الاولي : 1 – الرأي الاول يقول بأن القيامة الاولي ، هي قيامة روحية للأرواح فقط ، وأن الملك الألفي هو الملك الروحي الذي نملكه مع المسيح فيما بين مجيئه الاول في التجسد ومجيئه الثاني . وسوف نكون خلال هذه الفترة كهنة لله لأن المسيح يملك في قلوبنا ، وحسب هذا الرأي تكون القيامة الثانية قيامة جسدية أي قيامة أجساد جميع البشر للدينونة . 2 – يعتقد العلماء اللاهوتيين الاخرين أن القيامة الاولي تتم بعد تقييد الشيطان وهي قيامة لأجساد المؤمنين الذين يملكون حينئذٍ مع المسيح علي الارض لمدة ألف سنة فعلية . أما القيامة الثانية ، حسب هذا الرأي فتتم في نهاية الملك الالفي من أجل دينونة غير المؤمنين الذين ماتوا . بينما الموت هو موت روحي ومعناه الانفصال الابدي عن الله . وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة ، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنارٍ وكبريت ، الذي هو الموت الثاني . رؤيا 21 : 8
رجــاء بل قدسوا الرب الاله في قلوبكم ، مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم ، بوداعة وخوف . بطرس الثانية 3 : 15 يقولون : ما أضيق الحياة لو لا فسحة الأمل . ونردد ايضاً أن ضاع منك المال ، لم يضع منك شيئ يذكر . وأن ضاع منك شرفك فقد ضاع منك شيئ يقدر بثمن . لكن ان ضاع أملك وراجائك، فقد ضاع منك كل شيئ في الحياة . الأمل هو الرجاء ، والرجاء هو كل الحياة ، ولا حياة للذين يعيشونها بلا أمل وبدون رجاء . فأنت يا صاحبي مخلوق وموجود لتحلم وتتمني وترجو بأمل . والأمل يتحقق بالعمل الدؤوب والاجتهاد المستمر . الطموح المقرون بالأمل ايضاً هو ما يميز الأنسان دون المخلوقات جميعها ذلك لأن اللهخلق الانسان أختصه بهذه الصفة حتي يكون فريداً مميزاً ليعكس صورة الله . أنت بالطموح موجود لتحقق أهدافك المرسومه في خيالك وما يجيش بخواطرك من أمنيات وأحلام يقظتك . فليكن نبضات قلبك دماء تتدفق في شرايينك وأوردتك لتروي زهور عمرك فيتجدد كالنسر شبابك . ولتكن أمانيك الجميلة بعدد أنفاسك لا تتوقف ، فالحياة تستمر بأستمرار التنفس واستنشاق الهواء ، كذا حياة الانسان الجميلة تتغذي بالأمنيات والاماني العذبة في تراود الخيال . فأحيا لأحلامك وأمانيك كأنك تعيش ابداً . وأعلم أن الله يحضر الكل الي الدينونة علي كل أمنية وحلم خفي أن كان خيراً أم شراً ! بهذا يذكرنا كاتب المزمور التسعون وهو النبي موسي في صلاته التشفعية . أن حياتنا قصيرة وأيامنا في الارض تمضي مسرعة الي نهاياتها فنفني سريعاً كزهور العشب في الحقول قائلاً : ( لأننا فنينا بسخطك وبغضبك أرتعبنا . قد جعلت آثامنا أمامك ، خفياتنا في ضوء وجهك . لأن كل أيامنا قد أنقضت برجزك . أفنينا سنيناً كقصة . أيام سنينا هي سبعون سنة ، وأن كانت مع القوة فثمانون سنة ، وأفخرها تعب وبلية ، لأنها تقرض سريعاً فنطير ، من يعرف قوة غضبك ؟ وكخوفك سخطك . إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتي قلب حكمةٍ . مزمور 90 : 9 – 12 اذاً فالانسان منذ ولادته يبدأ في السباق مع الزمن وهو الطفل في ساعة خرجه من رحم أمه يصرخ و يبكي . وما صرخات الاطفال عند ولادتهم الا أعلان لبدء العراك والصدام مع عناصر وقوي الحياة الخفية . ويظل الانسان دائماً في هذا السباق والجري والركض مع الزمن والوقت الي نهاية العمر والدليل البين قولهم : ( الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك ) . و لا أظن أن هذا الانسان الشقي أستطاع في وقت من الاوقات ان ينجح وينتصر علي الزمن . فقط يكفي الانسان أن يأمل ويرجو حالماً متمنياً أن ينجز شيئاً ما ما دام الوقت نهار . طريق الانسان في هذه الحياة ليس بالطريق المعبد السالك المفرش بالبساط الاحمر والورود وزهور الفل والياسمن . بل هو طريق غير سالك ابداً وهو طريق شائك محفوف بالمخاطر والصعاب مزروع بالاشواك ومحفوف بالعثرات وهو مفخخ بأشياء وأمور شتي . فعلي الانسان أن يمشي ويمضي في طريق الحياة بحدز وعليه أن يتوقع بين الفينة والفينة الوقوع في الخطر . وعليك أن تكون دائماً وطول الوقت في رشدك وأنتباه ويقظه ولتكن عيناك ساهرتان مفتوحتان مراقبتان لأن الايام شريرة . أحيان تأتيك الحياة بما تشتهي فتقطف بعض ورودها الوردية لتستنشق وتشتم او تتمفس عبير أريج زهورها وعطر شذاها للحظات فتنشرح صدرك. وقد تطيب نفسك بلذة وطيب ثمارها فتفرح وتسر ببهجة الحياة وحلاوتها فلا تنسي ولا تلهو ولا تسلو فأن مع اليسر عسراً والعكس أن مع العسر يسرا. لأن بين لحظات المسرة وأمسيات اللذة والدفء العسجدية تختفي بعض من منغصات الحياة التي تذهب تجيئ من غير ميعاد . وقد يباغتك الليالي المره ديك باللوعة وتأتي أيام الشقاء لتأكد لنا بأن الورود الجملية دائماً تنبت بين الاشواك برؤوسها الابرية الدامية المسمومة . وأن الايام الحلوة البهيجة ستعقبها أيام الشقاء والبؤس والبكاء والنواح . فتذكروا دائماً أيها الشباب ما يقوله لكم الحكيم الجامعة : ( فأذكر خالقك في أيام شبابك ، قبل أن تأتي أيامٌ الشر أو تجيئ السنون ) إذ تقول : ( ليس لي فيها سرور ) . وقبل ما تظلم الشمس والنور والقمر والنجوم ، وترجع السحب بعد المطر . الجامعة 12 : 1 – 2 وهل هذا هو السبب الذي يدعونا فيه الرب يسوع كما يدعو الجميع قائلاً : ( أدخلوا من الباب الضيق ، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الي الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه ! ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه . متي 7 – 13 – 14 اذاً فالأمل والرجاء هما ديدن أصحاب العزائم القوية والارادات الشجاعة والروح المعنوية العالية في الصمود والتحدي وفي الاقدام بثبات . تلك الروح الفتية الوثابة التي لا تخور ولا تضعف ابداً أمام كل التحديات مهما كبرت اوأفترت . أنها الروح والعزم والشكيمة التي تعرف متي تتوقف وتنحي أمام العواصف والرياح والتيارات المندفعة بقوة . فتنحي لها في رشد وحلم وحكمة فتدعها تعبر بسلام ومن ثم تستعيد عقد زمامها لتسير في طريقها بعزم جديد وطيد . وهل هذا ما كان المرنم الحلو داود يقصده ويعنيه عندما أنشد بعذب الكلمات مناجياً الله قائلاً : ( إلي متي تنساني يا رب كل النسيان ؟ إلي متي تحجب وجهك عني ؟ إلي متي أجعل هموماً في نفسي وحزناً في قلبي كل يوم ؟ الي متي يرتفع عدوي أنظر وأستجيب لي يا رب ألهي . أنر عيني لئلا أنام نوم الموت ، لئلا يقول عدوي : ( قد قويت عليه ) . لئلا يهتف مضايقي بأني تزعزت . إما أنا فعلي رحمتك توكلت . يبتهج قلبي بخلاصك . أغني للرب لأنه أحسن إلي . مزمور 13 : 1 – 6 فأن حملتك الاقدار يوماً وقذفت بك في وادي البكاء وظلال الموت . وان تجرحت قدماك وسالت منك الدماء . او أن أنهارت قواك وهزل بدنك فلا يغلبنك اليأس ولا تقنط ابداً ياعزيزي و لا تدع المصائب تهزمك وتنصدم تغور عزائمك . لأن الضربات القوية التي لا تقتلك تقويك وتعضدك وتسندك لغد أفضل فالمصاب والبلاوي تشد من أزرك . فقط عليك بأن تلتقط أنفاسك وتستجمع قواك الباقية وتهب واقفاً من سقطتك مجدداً في نفسك بعزمٌ لا يلين وروح جديدةٌ لا تهتز لها شعرة في الازمات. ومتي سقطت فقم سريعاً وانهض ، أنهض سريعاً و لا تبطيئ القيام لكن أضفي علي قلبك قوة الروح الجديدة وهب مشمراً ساعديك بالجد . انعش رجليك بالدماء الحارة المتدفقة من قلب لا يتوقف نبضاته وتابع السيرة المسيرة في موكب الخلود الذي لا يتوقف لأحد . فقافلة الحياة لا تركن ولا تعرف الخمول والركود لأن ربان سفينتها لا يعرف الالتفات الي الوراء وهو لا ينظر الي الخلف ابداً . فعجلات الزمن ان كانت تدور حول محور واحد لكنها تتقدم الي الامام وتحدث فرقاً . وهذا هو عمل الساعة من الثانية الي الدقيقة والساعة واليوم فأسابيع شهور وسنين وقرون . اذاً فعجلات الزمن لا تدور او ترجع الي الوراء ابداً هكذا سنن الحياة وقوانينها تتقدم ولا تتوقف لتنتظر أحداً . فالذي يسقط ولا يهب واقفاً لينفض عن كاهله الغبار والتراب سيبقي في الارض مرمياً لتدوسه الاقدم وتطأه الارجل . عاش شعب الرب في مصر لأكثر من اربعمئة سنة في مستعبدين بسخرية المصريين عاشوا وهم يقاسون الذل ونير العبودية من العذاب والبطش والجلد والعمل المضي . فعلي صوت صراخهم وصعد الي الله في السماء فأفتقدهم الرب كما يقول الكتاب . وحدث في تلك الايام الكثيرة أن ملك مصر مات . وتنهد بنو اسرائيل من العبودية وصرخوا ، فصعد صراخهم إلي الله من أجل العبودية . فسمع الله أنينهم ، فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب . ونظر الله بني اسرائيل وعلم الله . خروج 2 : 23 – 25 . وهذا ما جعل الله يسرع و يعجل بالعمل علي انقاذ الشعب من الذل ونير العبودية الثقيل الذي أذل به فرعون ملك مصر الشعب والسخرية التي سخرهم فيها . فقال الرب : ( أني قد رأيت مذلة شعبي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم . أني علمت أوجاعهم ، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الارض الي أرضٍ جديدة وواسعة ، إلي أرض تفيض لبناً وعسلاً ) . خروج 3 : 7 – 8 من هذا أعلم أن الرب يهمه أمر ويهتم بك شخصياً وأنت موضع تخطيط الرب وموضوع في جدول أعماله . لأنه يقول لك لا أهمل ولا أتركك قلبي عليك وعينيي ترعانك وتسهران عليك . فلا تغشي من ضربة الشمس في النهار ولا من مد وجزر البحر او الاقمار والنجوم في ساعات الليل البهيم . أنت في دائرة أختصاص الله والرب يسوع المسيح شخصياً يهتم بك اهتماماً شخصياً ايضاً . فأن كنت لا تواكب السير وراء الرب يسوع او كنت تبطيئ او كنت تسقط علي الارض ولا تساعد نفسك علي النهوض والقيام واللحاق بالركب فستطائك الارجل وتدوسك الأقدام . فأنت من تكتب لنفسك عمراً جديداً وأنت من توقع بيدك علي نهايتك المزرية او المشرفة . و بسب عناد الشعب الاسرائيلي ورفضه الانصياع لكلام الرب الاله ترك الله هذا الشعب يتيه في البرية لأربعين سنة حتي مات كل الجيل الذين خرجوا من مصر . أوقع الرب الأله بالشعب عقاباً لتمردهم وجزاءاً لعصيانهم المستمر وعدم ايمانهم بالله تماماً ما عدا كالب بن يفني ويشوع بن نون . يقول الكتاب المقدس في سفر التثنية . ( ثم تحولنا وأرتحلنا إلي البرية علي طريق بحر سوف كما كلمني الرب ، قائلاً : ( كفاكم دورانٌ بهذا الجبل. تحولوا نحو الشمال ) . تثنية 2 : 1 - 3 . أرسل الله موسي لأخراج الشعب المذلول والمهان المحتقر في مصر فتعزي الشعب ورأوا في موسي الرجاء المنتظر . فأخرجهم موسي من العبودية وبيد الله القوية عبروا البحر الاحمر وتركوا مصر أرض العبودية والنير خلفهم . وسرعان ما نسي الشعب حضور الله الدائم القائم ابداً في وسطهم . ولكن بكل أسف عاد الشعب وتذمروا علي الله وموسي وهارون وقالوا : ( ليتنا متنا بيد الرب في مصر أذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً للشبع ) . تاقت نفوس الشعب واشتاقت قلوبهم سريعاً الي حياة الاذلال والسخرية والهوان بل اشتاقوا الي السخرية والقهر والعبودية . نسوا وجود الله الامل الكبير لكل حياتهم والرجاء المنتظر لمشوار عمرهم . وكان الله معهم وفي وسطهم يظللهم نهاراً من خلال عمود السحاب الحال فوقهم نسوا حضور الله الواقف ليلاً عمود نور يضيئ ظلماتهم . نعم وعمت عيونهم عن رؤية الله الذي كان يتقدمهم من خلال عمود النور الذي يسير أمامهم ليلاً ليضيئ لهم الطريق . لم ير الشعب العنيد المتمرد فضل الله عليهم بل تنكروا له بغباء وأشتهوا العبودية . رفض الشعب السير في طريق الله فقط لأنهم ملوا الأكل او الطعام الذي أسموه بالاكل السغيف وتمنوا العودة الي مصر . فعلوا كل هذا وارتدوا بأفكار قلوبهم واشتاقوا القهر والاذلال هذا مع أن الله كان يقوتهم بخبز وطعام ملائك السماء مع هذا كانوا لا يعملون ولا يتعبون الطريق الصحيح في سبيل الحصول علي الطعام الباقي لحياتهم. كل ذلك حدث في البرية فأتاههم الله لأربعين سنة فتذكروا مياه النيل العذبة فعطشت نفوسهم الي الشرب منها بكؤس فرعون المسمومة . مع العلم بأن الرب كان يسقيهم كلما عطشوا من نبع الحياة مفجراً الصخور بعصاة موسي المعجزية لتخرج منها المياه السلسبيل . ومع هذا كله لم يترك الرب شعبه يوماً ولم يتخلي الرب قدوس اسرائيل عن هذا الشعب العنيد الصلب الرقبة براً لوعوده لأبينا أبراهيم و إسحاق ويعقوب وكل الاباء والانبياء . الرجاء أغنية من يعرفون الله عن قرب االذين يقتربون اليه لأنهم يبتهجون بخلاص الرب في الصلاة كل حين قائلين مع داود : ( انتظاراً أنتظارت الرب ، فمال إلي وسمع صراخي ، وأصعدني من جب الهلاك ، من طين الحماة ، وأقام علي الصخرة رجلي ، ثبت خطواتي ، وجعل في فمي ترنيمةً جديدةُ ، تسبيحة لإلهنا ، كثيرون يرون ويخافون ويتكلون علي الرب ) . مزمور 40 : 1 – 3 يوجد بين الناس من ينتظرون الرب بقلوب صادقة أمينة ومؤمنة والرب لا يخيب أمالهم فيه . وكل الذين يبكرون ويأتون اليه يجدونه لأنه دائماً في أنتظارهم ويتوقع بشوق حضورهم . كما يوجد من بين الناس أناس يسيرون ويتوهون في صحاري هذه الحياة ولا يهتدون الي الينابيع العذبة والمراعي الخضر . هذا مع أن الله بعث و أرسل انبيائه القادرون علي غرس بذور الحياة في اراضيهم القاحلة الناشفة الجدباء ، فينبتون الكروم . أن رسل الله المبشرين بكلمة الحياة الذين يسيرون في القفار ويزرعون الامال في القلوب وينادون بالامان والسلام وفي وادي ظل الموت لا يخشون الموت لأن الرب معهم . فتجدهم يرددون بلغة النصر والانتصار دائماً . ( الرب نوري وخلاصي ، ممن أخاف ؟ الرب حصن حياتي ، ممن أرتعب عندما أقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي ، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا . إن نزل عليَ جيش لا يخاف قلبي . إن قامت عليَ حرب ففي ذلك أنا مطمئن . واحدة سألت من الرب وأياها التمس : أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي ، لكي أنظر الي جمال الرب وأتفرس في هيكله . لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر ، يسترني بستر خيمته . علي صخرةٍ يرفعني . والأن يرتفع رأسي علي أعدائي حولي ، فأذبح في خيمته ذبائح الهتاف . أغني وأرنم للرب . مزمور 27 : 1 – 6 في الكون رب واله يسبح في الافلاك يجول في الفضاءات يبحث سائلاً هل يوجد في الوجود رجلٌ عاقل حكيم يطلب الله ويسأل عن رحمته ؟ فالرب قريب لمن يطلبه برجاء منتظراً فلا تتردد في طلب الله ما دام يوجد أدعوه وهو قريب جداً هذا أن أن كنت تريد وتحب الحياة . في ليلة الميلاد جاء الملاك وبشر الرعاة المتبديين الخائفين الفاقدين للرجاء وهم فيحرسون حراسة الليله علي رعيتهم . فطمئنهم الملاك قائلاً لهم : ( لا تخافوا ! فها انا أبشركم بفرح عظيم ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب . لم يتسوف الرجال الرعاة الوقت ولم يتأخروا لكنهم قالوا بعضهم لبعض : ( لنذهب الان الي بيت لحم وننظر هذا الامر الواقع الذي أعلمنا به الرب . وفي بلاد الشرق البعيدة رأي الرجال المختصين بقرأءة ظواهر السماء والكون والافلاك من الكواكب والنجوم ، رأو نجماً يدل ويشير علي ولادة ملك عظيم في بلاد اليهودية . فجاءوا الي أورشليم محمولين علي أجنحة الرجاء جاءوا الي أروشليم يبحثون في بيت الملك هيرودس قالئلين : ( أين هو المولود ملك اليهود ؟ لأننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له ) . عندما ولد طفل المذود الذي هو رجاء كل الامم لم تفرح الارض لوحدها بل فرحت السماوات أيضاً فتغني جمهور الجند السماوي بلحن لا يزال صداءه يتردد في كل الاكوان وكل ارجاء العالم جيلاً بعد جيل . وظهر بغتةً في ليلة الميلاد مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله قائلين : ( المجد لله في الاعالي ، وعلي الارض السلام ، وبالناس المسرة ) . لوقا 2 : 13 . فالمسيح هو وعد الله الحق وهو رجاء كل الامم بالحياة الأفضل .لأن كل الذين قبلوه فقد أعطاهم الله الرجاء الكامل بالمجد في السماء . حين جاء الرجاء وأشرقت الانوار وتبددت دياجير الظالمات في كل أرجاء العالم لأنه أي المسيح الذي هو الرجاء جاء . الي خاصته جاء وخاصته لم تقبله . وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنون بأسمه . الذين ولدوا ليس من دم ، ولا من مشيئة جسدٍ ، ولا من مشيئة رجل ، بل من الله . يوحنا 1 : 11 - 13 عاش المسيح الذي هو الرجاء الكامل لكل الامم عاش بين الناس ورد للأنسان الحق والاعتبار والمكانة التي فقدها بخطية أبينا أدم . نعم استرد الله للأنسان مجده الاول بالرجاء والعتق والتحرير من قبضة الشيطان المذلة المهينة . لأنه أن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً . والحرية التي منحها الله للآنسان هي الحرية الكاملة والشاملة انها تلك الحرية تساوي مقدار ما كان يتمتع بها أبوينا الاولين أدم وحوء في الجنة وكان الله معهم . وهي الحرية التي ينعم فيها الانسان بالبر والسلام والامان والرجاء . هذا ما يؤكده بولس الرسول بقوله : فأذ تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح ، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بألايمان ، الي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ، ونفتخر علي رجاء مجد الله . وليس ذلك فقط ، بل نفتخر أيضاً في الضيقات ، عالمين أن الضيق ينشيئ صبراً ، والصبر تزكيةً ،والتزكيةٌ رجاء ، والرجاء لا يخزي ، لأن محبة الله قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا . لأن المسيح ، أذ كنا بعد ضعفاء ، مات في الوقت المعين لأجل الفجار . رومية 5 : 1 - 6 فما أجمل أن يعيش الأنسان حياته اليومية العادية بألامل والرجاء منتظراً عمل الرب بتأني . وفي كل الظروف التي تمر بك وأنت تسير في الطريق بملئ خطي الايمان وتتوقع دائماً أن يكون الغد أفضل بنعمة الله المعطاة لك في الرب يسوع المسيح . فما أعظم وما أبهج أن تحيا حياتك وتترقب بفأل حسن وصبر ومثابرة ورجاء مجيئ الله الثاني في شخص الرب يسوع المسيح الذي وعد قائلاً : ( ( لا تضطرب قلوبكم . أنتم تؤمنون بالله لإأمنوا بي . في بيت أبي منازل كثيرة ، وإلا فأني قد قلت لكم . أنا أمضي لأعد لكم مكاناً ، وأن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وأخذكم إليَ ، حتي حيث أكون تكونون أنتم أيضاً ، وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق ) . فكن مطمئنا وأرقد علي قفاك بل نم علي مخدة ووسادة الرجاء الأكيدة ، فلا تيأس و لا تقلق لأن القلق ليس من عمل الله . وعد الرب هو وعد أكيد اذاً فأنت في كل الاحول كن مطمئناً مرتاح البال مهما عصفت بك الرياح وتقلبت الامواج والتيارات واللجج العميقة . أنك تقدر وتستطيع وأنت تصارع وتناكف الدهر بالثقة التي فيك عالماً بأنك ستغلب وتنتصر عاجلاً او أجلاً وشعارك المرفوع عالياً هو شعار الرسول بولس القائل بالايمان والرجاء : ( مع المسيح صلبت ، فأحياء لا انا ، بل المسيح يحيا فيا . فما أحياه الان في الجسد فإنما أحياه في الايمان ، ايمان أبن الله ، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ) . غلاطية 2 : 20 فعش حياتك علي الرجاء الحي الذي لا يتزعزع ابداً بتقلب الزمن لأن الرجاء المبني هذا الأساس المتين القائم علي صخرة الدهور هو رجاء لا يتزعزع أبداً مهما تكالبت عليه مكايد أبليس . فكن راسخاً ثابتاً علي هذه القاعدة الصلبة البناء المؤسس جيداً الذي المسيح فيه هو حجر الزاوية والبناء كله قائم ومشييد علي صخر الدهور الرجاء والنعمة المباركة فوق النعمة. وهذا ما يقصده بطرس الرسول بالقول : مبارك الله أب ربنا يسوع المسيح ، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي ، بقيامة يسوع المسيح من الاموات ، لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحلُ ، محفوظُ في السماوات لأجلكم ، أنتم الذين بقوة الله محرسون ، بإيمان ، لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الاخير . بطرس الاولي 1 : 3 – 5 هذا هو الرجاء الحي الذي أسمه الرب يسوع المسيح المخلص الذي وعد وقال : ( سلاماً اترك لكم سلامي أعطيكم . ليس كما يعطي العالم أعطيكم انا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب . سمعتم أني قلت لكم : انا أذهب ثم أتي إليكم . لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت لكم الان قبل أن يكون ، حتي متي كان تؤمنون ) . يوحنا 14 : 27 – 29 قال له توما : ( يا سيد ، لسنا نعلم أين تذهب ، فكيف نقدر أن نعرف الطريق ) . قال له يسوع : ( أنا هو الطريق والحق والحياة . ليس أحد يأتي الي الاب الا بي . لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً . ومن الان تعرفونه وقد رأيتموه ) . يوحنا 14 : 1 – 7 وأوضح لهم الرب يسوع جلياً أنه : هو الطريق والحق الحياة. أي أنه هو الامل والامان والرجاء المنتظر لكل الامم . فقد جاء الرب يسوع لينير لنا الطريق ويوطد الحق ويعطي الحياة والخلود . وهذا هو الوعد المضمون والرجاء الكبير المرتجي الذي لا يخزئ لكل من قبل الرب يسوع المسيح وأحبه وأمن به وعمل بوصاياه . يأكد له الرب مجدداً بالقول والفعل والعمل : ( إن كنتم تحبونني فأحفظوا وصاياي . وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً أخر ليمكث معكم إلي الابد ، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ، لأنه لا يراه ولا يعرفه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم . لا أترككم يتامي . أني أتي إليكم ) . يوحنا 14 : 15 – 18 وهذا هو الرجاء الاعظم الذي عمله وأكمله الرب يسوع المسيح وهو فوق الصليب . بعد هذا رأي يسوع أن كل شيئ قد كمل ، فلكي يتم الكتاب قال : ( انا عطشان ) . وكان إناء موضوعاً مملوءاً خلاً ، فملأوا إسفنجةً من الخل ، ووضعوه علي زوفاً وقدموها الي فمه . فلما أخذ يسوع الخل قال :( قد أكمل ) . ونكس وأسلم الروح . يوحنا 19 : 28 – 30 وهذا ما أكده أيضاً البشير لوقا . فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا : ( هوذا ينادي إيليا ) . فركض واحدٌ وملأ إسفنجةً خلاً وجعلها علي قصبةً وسقاه قائلاً : اتركوه . لنر هل يأتي إيليا لينزله !) . فصرخ يسوع بصوتٍ عظيمٍ وأسلم الروح . وأنشق حجاب الهيكل الي أثنين ، من فوق إالي أسفل . ولما رأي قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح ، قال : ( حقاً كان هذا الانسان أبن الله ! ) . مرقس 15 : 35 – 39
تســـــــــــــــــبيح هللويا سبحوا الله في قدسه . سبحوه في فلك قوته . سبحوه علي قواته . سبحوه حسب كثرة عظمته . سبحوه بصوت الصور . سبحوه برباب وعود . سبحوه بدف ورقص . سبحوه بأوتار ومزمار . سبحوه بصنوج الهتاف . كل نسمة فلتسبح الرب . هللويا . المزمور 150 تعتبر صلاة التسبيح من الصلوات الرئيسية في الكتاب المقدس، كما أنها من الصلوات المفتاحية لجلستنا الشخصية مع الله، لأنها تُغير اتجاه قلب الإنسان من التركيز على النفس وطلباتها وضعفاتها الى التركيز على الله وحده، فيصير اهتمام القلب والذهن هو تسبيح الله وتمجيده، فنستطيع بكل سهولة وبساطة الدخول الى محضر الله الحي والوقوف عند عرش نعمته. الخلوة الشخصية – صلاة التسبيح – معنى التسبيح • (السجود .. صلاة التسبيح .. التمجيد .. الهتاف لله) • سقطت اسوار اريحا بالهتاف . وختف الشعب وضربوا بالابوق . وكان حين سمع الشعب صوت البوق أن الشعب هتف هتافاً عظيماً ، فسقط السور في مكانه ، وصعد الشعب الي المدينة كل رجل مع وجهه، واخذوا المدينة يشوع 6 : 20 • دخول يسوع اورشليم الانتصاري . وفيما هم سائرون فرشوا ثيابهم في الطريق . لما قرب عند منحدر جبل الزيتون ، أبتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم ، لأجل جميع القوات التي نظروا ، قائلين : ( مبارك الملك الاتي بأسم الرب ! في السماء ومجد في الاعالي ! ) لوقا 19 : 37 - 38 • بولس وسيلا في سجن فيلبي . ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهم ، فحدث بغتة ولولة عظيمة هتي تزعزت اساسات السجن ، فأنفتحت في الحال الابواب كلها وأنفكت قيود الحميع . اعمال الرسل 16 : 25 - 26 • مجيئ الرب بالهتاف . لأن الرب نفسه بهتاف ، بصوت رئيس ملائكة وبوق ، سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون اولاً , ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء . وهكذا نكون كل حين مع الرب . تسالونيكي 4: 16 – 17 • التسبيح في السماء . وسمعت كصوت جمع كثيرٍ وكصوت مياهٍ كثيرةٍ وكصوت رعود شديدة قائلة : ( هللويا ! فأنه قد ملك الرب الاله القادر علي كل شيئ . لنفرح ونتهلل ونعطه المجد ! لأن عرس الخروف قد جاء وأمرأته هيأت نفسها . رؤيا 19 : 6 – 7 * التسبيح بحمد الرب «اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ. ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ. اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ، شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ. ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. احْمَدُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ، لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ». (مز 100) * بهذا دعانا كاتب المزمور أن نهتف للرب بفرح، وأن ندخل إلى حضرته بترنم، وبحمد وتسبيح لنبارك اسمه القدوس . (مزمور 95: 6) «هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا» (مزمور 98: 4) «اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. اهْتِفُوا وَرَنِّمُوا وَغَنُّوا». * نستطيع أن نسمع صدى مثل هذه الكلمات عبر الكتاب المقدس كله، فهو يريدنا أن نتعلم الأمر العظيم: تسبيح الرب وتمجيده. * إن عدد المرات التي فيها كُتِبَ أن نسبح الله يفوق عدد المرات التي دُعينا فيها للصلاة بوجه عام. وفي الكتاب أكثر من 38 مزمور تغنَّى فيها المرنمون بتسبيح الرب. هذا بالإضافة إلى أن معظم المزامير تحوي داخلها آيات للتسـبيح في مقدمتها أو ختامها أو بين سـطورها. * وهذا ما نحتاج أن نتعلمه في هذه الأيام، فنسبح الله ونسجد له، ونهتف لاسمه، كما يليق به. وكما قال الكتاب: «طُوبَى لِلشَّعْبِ الْعَارِفِينَ الْهُتَافَ. يَا رَبُّ، بِنُورِ وَجْهِكَ يَسْلُكُونَ» (مز 89: 15). معنى التسبيح كلمة «تسبيح» في أصلها العبري لها معنيين: الأول: المديح وتنطق بما يشبه (ماهلاه). الثاني: التمجيد وجاءت لتنطق هكذا (شباح). وفي اليوناني تعني: «تقدير قيمة»، أي أنك تقدِّر هذا الشخص.. تقدِّر وزنه وحجمه واستحقاقه. وهي (نفس فكرة التمجيد) ولكنها تعني أنه ممجد في ذاته، وأنت فقط تعطي التقدير لصاحبه.. تقدِّره لأنه هو فعلاً هكذا. وعن تسبيح الرب نقول 1- هو سجود القلب أمام بهاء الرب وجلاله، واعتراف الفم بروعة الرب وكماله، وذلك بالمديح والتمجيد والهتاف لشخصه العظيم. «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ» (عب 13: 15)، فذبيحة التسبيح هي اعتراف شفاهنا بحقيقة الله… بكل ما فيه من مجد وسمو، كنتيجة لإدراكنا لهذا الحق في قلوبنا. وهنا ينبغي أن نلاحظ أن الكتاب أعطى للتسبيح صفة هامة وهي أنها ذبيحة أي تقدمة نقدمها للرب، فالتسبيح ليست هي الفترة التي فيها نطلب أو نأخذ من الرب شيئاً، لكنه الوقت الذي نقدم للرب فيه مجد اسمه، ونعترف بحقه ومكانته. «قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ الشُّعُوبِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَقُوَّةً. قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ. هَاتُوا تَقْدِمَةً وَادْخُلُوا دِيَارَهُ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ارْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ» (مز7:96- 9). وهذا مانراه بوضوح في مشهد زيارة المجوس للطفل يسوع: «وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ، فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ، ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً» (مت 2: 11). أمام الرب نخر ونسجد عند قدميه، نقدم من كنوزنا (من قلوبنا) ما يستحقه من مجد وكرامة وتسبيح. 2- والتسبيح عمل إرادي كما يوضحه الكتاب، فيه نمجد الله ونعلي اسمه. إنه ليس مجرد رد فعل عاطفي تجاه أحداث معينة تجري من حولنا، فيقول (مزمور 29: 2): «قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ». من هذه الآية، نتبين أن التسبيح لا يمكن أن يكون نابعاً من المشاعر والعواطف فقط، لأن الآية تبدأ بفعل الأمر. وهناك أكثر من 30 آية بها تعبير «سوف أسبح الله» أي أن التسبيح عمل إرادي أختار أنا أن أفعله. ولأن التسبيح مرتبط بشخص الله وصفاته التي لا تتغير فهو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، لذلك أستطيع أن أسبحه كل الوقت وفي كل الظروف. وهذا ما قاله المرنم في (مز 1:34) «أُبَارِكُ الرَّبَّ فِي كُلِّ حِينٍ، دَائِماً تَسْبِيحُهُ فِي فَمِي»، وفي (مزمور 33:104) «أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلَهِي مَا دُمْتُ مَوْجُوداً». 3 – الفرق بين التسبيح والشكر هو أننا في التسبيح نمجد الله لذاته وصفاته، كما هو مكتوب «لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ». أما الشكر فهو الاعتراف بفضل الله لعطاياه ونعمه علينا، فالتسبيح موجَّه لشخص الله والشكر لأعماله فنقول «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ» (مز 103: 2-5). ملحوظة: (الفرق بين التسبيح والترنيم) أن التسبيح صلاة قد تكون مرنَّمة، أما الترنيم فهو وسيلة نقدم بها صلواتنا التي قد تكون تسبيحاً أو شكراً أو توبة أو تضرعاً بحسب محتوى الترنيمة نفسها. ما معنى تسبيح الله؟ يتكلم المؤمنين كثيراً عن "تسبيح الله"، ويوصي الكتاب المقدس كل الخلائق بتسبيح الله (مزمور 150: 6). إحدى الكلمات العبرية المترجمة "التسبيح" هي yadah بمعنى "يمدح، يقدم الشكر، يعترف". وكلمة أخرى تترجم أحياناً "تسبيح" في العهد القديم هي zamar بمعنى "التغني بالمديح". وكلمة ثالثة تترجم "تسبيح" هي halal (أصل كلمة هللويا)، بمعنى "مدح، إكرام، ثناء". وتحتوي الكلمات الثلاثة فكرة تقديم الشكر والإلكرام لمن يستحق التسبيح. إن سفر المزامير هو مجموعة من الأناشيد/الترانيم المملوءة بتسبيحات الله. من بينها مزمور 9 الذي يقول: "أَفْرَحُ وَأَبْتَهِجُ بِكَ. أُرَنِّمُ لاِسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ." (الآية 2). كما يقول مزمور 18: 3 أن الله "مستحق المديح". ويسبح مزمور 21: 13 الله لشخصه ولقوته العظيمة: "ارْتَفِعْ يَا رَبُّ بِقُوَّتِكَ. نُرَنِّمُ وَنُنَغِّمُ بِجَبَرُوتِكَ". يستخدم مزمور 150 كلمة تسبيح ثلاثة عشر مرة في ست آيات. تقدم الآية الأولى "مكان" التسبيح – وهو كل مكان! "سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ." والآية التالية تعلمنا "لماذا" نسبح الله: "سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ." ثم الآيات 3-6 تقدم "كيف" نسبح الله – بآلات مختلفة، بالرقص، وكل نسمة نمتلكها. فكل وسيلة يمكن أن تصنع صوتاً تستخدم لتسبيح الله! في العهد الجديد، توجد أمثلة للتسبيح المقدم للمسيح. متى 21: 16 يذكر أولئك الذين سبحوا المسيح وهو راكب على الأتان في دخوله إلى أورشليم.. وقالوا له : ( اتسمع ما يقول هؤلاء ) . فقال لهم يسوع : ( نعم : أما قرأتم قط : من أفواه الاطفال والرضع هيأت تسبيحاً ؟ ) متى 21 : 16 ولما رأوه سجدوا له ، ولكن بعضهم شكوا . متى 28: 17 يقول أن تلاميذ المسيح سجدوا له بعد قيامته . وقد قبل المسيح التسبيح لأنه هو الله . كثيراً ما كانت الكنيسة الأولى تتشارك في أوقات التسبيح. فمثلاً، كان هناك تركيز على العبادة في الكنيسة الأولى في أورشليم . (أعمال الرسل 2: 42-43). وقد صلى القادة في أنطاكية وعبدوا الرب وصاموا خلال الفترة التي دعي فيها بولس وبرنابا للعمل الرسولي (أعمال الرسل 13: 1-5). وتضمنت العديد من رسائل بولس فقرات مطولة من تسبيح الرب (تيموثاوس الأولى 3: 14-16؛ فيلبي 1: 3-11). وفي نهاية الزمان، سوف يشترك كل شعب الله في التسبيح الأبدي لله. "وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ." (رؤيا 22: 3). عندما تزول لعنة الخطية، فإن من هم مع الرب سوف يسبحون ملك الملوك في كمال إلى الأبد. كما قيل أن عبادتنا للرب على الأرض هي ببساطة إستعداد لإحتفال التسبيح الذي سيكون في الأبدية مع الرب. الصلاة الربانية اعظم تسبيح "فصلوا أنتم هكذا: أي وسبحوا الله هكذا أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشرير. لأن لك المُلك والقوة والمجد إلى الأبد، آمين." الإنجيل حسب متى (6: 9-13) قد نميل إلى الظن في كثير من الأحيان بأن الصلاة ليست إلا مجرد تقديم طلبات إلى الله بخصوص احتياجاتنا الحياتية أو للتخلص من صعوبات أو للحصول على الصحة. لكن الكتاب المقدّس يُعلمنا بأن الصلاة مع اهتمامها بما تقدم لا تنحصر في نطاق الحياة البشرية بل إنما تنطلق إلى أفق الحياة الروحية وتصل إلى أوج مفهومها الصحيح عندما يمجد المصلي الله ويحمده ويسبحه. ولذلك نجد أن الصلاة الربانية تنتهي بهذه الكلمات الخالدة . وقد سبحت مريم العذراء الله ورنمت : فقال تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي . لأنه نظر الي أتضاع أمته . فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني . لأن القدير صنع بي عظائم وأسمه قدوس . ورحمته الي جيل الاجيال للذين يتقونه . صنع قوةً بذراعه . شتت المستكبرين بفكر قلوبهم . أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين . أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الاغنياء فارغين . عضد إسرائيل فتاهٌ ليذكر رحمةً . كما كلم آباءنا . لإبراهيم ونسله الي الابد . لوقا 1 : 46 – 56
أنتهي
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
همساتي : الزواج المسيحي سر مقدس له ما له وعليه ما عليه !
-
إبراهيم الحوري : الفريق الركن د. مبارك كوتي كجو كمتور ( رجال
...
-
أوقفوا الحرب العبثية 1
-
همساتي : رعاة صالحين وخدام اجراء 7
-
الموعظة علي الجبل خلاصة تعاليم المسيح لحياة البشر !
-
همساتي : صرخات موتي الجوع في كادقلي والدلنج 3
-
رعاة صالحين وخدام اجراء 6
-
صرخات موتي الجوع في كادقلي والدلنج 2
-
همساتي : رعاة صالحين وخدام اجراء 5
-
احاديث صرخات وموت الجوعي في كادقلي والدلنج !
-
همساتي : رعاة صالحين وخدام اجراء 4
-
همساتي: حكومة الأمل شمعة الريح أمل يترنح !
-
الرعاة الصالحيين والخدام الأجراء ! 3
-
همساتي : الرعاة الصالحيين والخدام الأجراء ! 2
-
بحث حثيث لحل معضلة منهج التربية المسيحية في السودان
-
التربية المسيحية عقدة الطلبة المسيحيين في النجاح والتفوق !
-
همساتي : أمتحانات الشهادة السودانية في ظل التحديات !
-
همساتي : منطق ترمب لسلام القوة وفهم ايرن للنصر !
-
همساتي : رعاة صالحين وأخرين أجراء ! 1
-
همساتي : شؤون وشجون !
المزيد.....
-
مستشار رئيس فلسطين في مؤتمر الإفتاء: سنصلي جميعًا في القدس و
...
-
إسبانيا تلغي حظر خوميا الاحتفال بأعياد إسلامية في الأماكن ال
...
-
حماس تدعو الدول العربية والإسلامية لتفعيل قوّتها بوجه الاحتل
...
-
حماس تدعو الدول العربية والإسلامية لتفعيل قوّتها بوجه الاحتل
...
-
مفتي الأردن: الفتوى تتغير بتغيُّر الأشخاص والظروف ولا يمكن ل
...
-
-لم يعد هناك وقت- - مادونا تحث بابا الفاتيكان على زيارة غزة
...
-
حكومة إسبانيا تلغي حظر خوميا للاحتفالات الإسلامية في الأماكن
...
-
وزير الشؤون الدينية بالجزائر: دمج الذكاء الاصطناعي في الفتوى
...
-
-لا يمكن منعك-.. مادونا تناشد بابا الفاتيكان زيارة غزة ووقف
...
-
مادونا تدعو بابا الفاتيكان لزيارة غزة -قبل فوات الأوان-
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|