أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية















المزيد.....

تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية /*/
شكل التغيير في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 محاولة لبناء الجمهورية السورية الثالثة، التي يطمح الشعب كي تكون الحرية والكرامة والتقدم عناوينها الرئيسية، بعد معاناتهم طوالـ 54 عاماً من الدولة الأمنية لسلطة آل الأسد، ويأملون أن يعود التوازن بين المجتمع وسلطة المرحلة الانتقالية. فقد عان السوريون من عدم تمثيل مجتمعهم التعددي في ظل النظام التسلطي السابق، واستبشروا خيراً بالتغيير على أمل أن يلاقي النظام الجديد تطلعاتهم إلى تشاركية سياسية حقيقية، تضمن لهم مواطنيتهم الحرة والمتساوية، خلال مسار الانتقال السياسي، كما حصل في العديد من الدول التي انتقلت من التسلطية إلى الحرية والديمقراطية. إذ أدمجت كل مكوّناتها في مؤسسات الدولة، عبر التشاركية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما قطع الطريق على بروز هوياتها الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وفي سورية كان من المفترض أن تكون التشاركية مدخلاً إلى وحدة التنوّع السوري، القومي والطائفي والمذهبي، باعتباره غنىً وقيمة مضافة. وذلك من خلال دولة الحق والقانون والمؤسسات، التي تكفل العدالة والمساواة، وتضمن المبادئ التأسيسية لحقوق الإنسان، خاصة النقد والحوار بين المختلفين.
ولكن، مما يؤسف له أنّ ما شهدناه في الساحل والسويداء من تهديد للسلم الأهلي يُفترض أن ينبّه قيادة المرحلة الانتقالية إلى أنّ الخيار الأمني في التعامل مع التنوّع السوري سوف يؤدي إلى الكارثة، بينما الخيار السياسي عبر التشاركية يفتح آفاق التقدم والازدهار لكل مكوّنات الشعب السوري.
إنّ التشاركية السياسية ليست مطلب المكوّنات الأقلوية فقط، وإنما هي مسألة السوريين جميعاً بامتياز، في حين أنّ أغلب التعيينات في مؤسسات الدولة محتكرة من قبل ما سمي بـ " الأمانة العامة للشؤون السياسية "، التي يشرف عليها وزير الخارجية!! وقد أصبحت تتصرف بصفتها حزباً حاكماً وحيداً، قائدأ للدولة والمجتمع. ولعلَّ ما شهدناه مؤخراً من تهديد للسلم الأهلي في السويداء، إضافة إلى فرض أنماط من المشرب والملبس على السوريين، يدفع قيادة المرحلة الانتقالية إلى إعادة النظر بإدارة الدولة كغنيمة يستأثر بها أهل الولاء من " أخوة المنهج السلفي " تطبيقاً لمقولة " من يحرّر يقرّر "، في اتجاه التشاركية السياسية والاجتماعية، وتوزيع السلطة على أساس الكفاءة والنزاهة والمواطنة المتساوية. ويتأكد هذا الخيار، أكثر فأكثر، بعد مجزرة السويداء، التي لم تكن لتحصل لو كانت سوريا الجديدة قائمة على أساس التشاركية الحقيقية.
إنّ المخاطر المحدقة بسوريا، خاصة بعد انكشافها مؤخراً في السويداء، تتطلب المبادرة من قيادة المرحلة الانتقالية وكل القوى السياسية والاجتماعية والثقافية إلى حوار وطني شامل من أجل تدارك المخاطر وتعزيز فرص التقدم والازدهار، وتحقيق مطالب الحراك الشعبي عام 2011 في الحرية والكرامة.
لقد أظهر غياب التشاركية عن السياسة العامة لقيادة المرحلة الانتقالية وجود ضعف موصوف في مجمل مؤسسات الدولة، إذ طغت الارتجالية في اتخاذ القرارات المصيرية، على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمنذ " مؤتمر النصر " ومقولة " من يحرّر يقرّر " تتالت الأخطاء القاتلة: ترتيب مؤتمر وطني شكلي على عجل، وإعلان دستوري مفصل على مقاس سلطة الأمر الواقع، وإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية على أسس غير مهنية ووطنية وإنما لأهل الولاء....
لقد كشفت حصيلة ثمانية أشهر أنّ المردود العام متواضع، إذ هناك مؤشرات تنذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي لقيادة المرحلة الانتقالية، خاصة بعد أن تجاوزت الإعلان الدستوري الذي صادقت عليه، في مجالي الصندوق السيادي والاستثمار. مما يستلزم مراجعة نقدية لمسار يفترض أن يقود سورية نحو مرحلة استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، يتزامن فيه ترسيخ السلم الأهلي مع تحقيق تقدم ملموس في إطار العدالة الانتقالية، في ظل مقاربة مؤسساتية عصرية.
في هذا السياق، تواجهنا عدة أسئلة وتحديات: هل ستكون الجمهورية السورية الثالثة دينية أم مدنية؟ ما مدى ضمانها للحريات الفردية والعامة بما فيها حرية المعتقد؟ وكيف يتم تأمين تداول السلطة والفصل بين السلطات الثلاث. خاصة بعد أن أدى إغلاق باب قانون الأحزاب إلى تسييس أدوار مشايخ في الفضاء العام، كناطقين رسميين باسم السلطة. في حين أننا أحوج ما نكون إلى عدم احتكار العملية السياسية، والبحث عن أوسع توافق بين أغلب التيارات السياسية الفاعلة، على قاعدة الحلول الواقعية للتعاطي مع تحديات المرحلة الانتقالية الصعبة.
وبعد أن حوّلت سلطة آل الأسد الدولة من فضاء عام لكل المواطنين إلى فضاء خاص لأهل الولاء للسلطة الأمنية، تكمن أهمية تقديم رؤية سياسية أخرى لسورية الجديدة، تتمحور حول أسئلة السياسة الرئيسية: تأكيد حيادية الدولة عن الأيديولوجيات والأديان والأحزاب، باعتبارها دولة كل مكوّنات المجتمع السوري، والتعاطي مع أسئلة الدولة والمواطنة والحريات العامة والفردية.
إنّ النجاح في عملية الانتقال إلى دولة الحق والقانون تقتضي القطيعة مع ثقافة الشعارات، التي أنهكت السوريين طوال ستة عقود، والتركيز على التعاطي المجدي مع تحديات الحاضر والتخطيط للمستقبل، على أساس الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، التي تضمنها التوافقات بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، التي تعمل تحت سقف الوطنية السورية الجامعة.
إنّ نجاح عملية التحوّل مرهون بتوفّر التوعية السياسية المكثفة لقطاعات واسعة من الشباب والنساء، وتشكيل كتلة تاريخية واسعة من القوى السياسية العاملة من أجل نجاح هذا الخيار، والاستفادة من الدعم الدولي لما يخدم عملية الانتقال، وقطع الطريق على قوى الثورة المضادة. والأمر مرهون بإعادة تأسيس النظام السياسي، بداية من قانون مرن لتشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بما يمكّن من إنشاء أحزاب مؤثرة تنال ثقة أغلبية الشعب السوري من خلال برامجها التي تعلنها وتعمل من أجل تجسيدها. وفي سياق ذلك تكمن إعادة بناء الدولة الحديثة، التي عمادها المواطنة المتساوية بعيداً عن أي تمييز ديني أو مذهبي أو قومي، بما يفترض عودة الروح للحياة السياسية التعددية ومنظمات المجتمع المدني، كي يسترد المجتمع السوري حراكه السياسي والمدني السلمي، بما يغيّر قواعد إنتاج آليات عمل السلطة وأشكال ممارستها، على طريق إعادة بناء دولة الجمهورية السورية الثالثة، من خلال خطط واقعية ومجدية لإعادة بناء النظام السياسي المستند إلى الحرية والعدالة والمساواة.
ولا شكَّ أنّ ضمان هذا التوازن منوط بقدرة ناشطي الشأن العام على حشد أوسع فئات اجتماعية للدفاع السلمي عن مصالحها المباشرة وعن قيم الحرية والعدل، والحق في إنشاء أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني تمثل هذه المصالح، طبقاً للشرعة العالمية لحقوق الإنسان، التي تضمن الحريات الفردية والعامة، والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إنّ توافقاً بين قيادة المرحلة الانتقالية والتيارات السياسية والمجتمعية قد يساهم بتطوير آليات التغيير المجدية، خاصة إذا تم التوافق على تشكيل مجلس للوفاق والإنقاذ يضم ممثلين عن كل المكوّنات الفكرية والسياسية للشعب السوري، بما يساعد على توسيع رقعة الحريات الفردية والعامة، وتحريك وعي الجماهير، ودفع شرائح واسعة منها إلى الانغماس في خضم العمل السياسي العام. مما يفرض على قيادة المرحلة الانتقالية الدعوة الشاملة إلى الحوار الوطني المفتوح والمجدي والعملي مع القوى السياسية والمدنية والثقافية الأساسية، مما يرفع من شأنها في أعين المجتمع، ويفتح في المجال لتجسيد قيم التغيير وحاجاته في الواقع.
إذ تتطلب المرحلة الانتقالية إدارة رشيدة للتعاطي المجدي مع تحديات بناء دولة الحق والقانون، دولة مواطنيها الأحرار المتساويين في الحقوق والواجبات، طبقاً لمؤسسات وقيم التحوّل المتدرج. مع العلم أنّ نجاح عملية التحوّل مرهون بتشكيل " كتلة تاريخية " واسعة من القوى السياسية العاملة من أجل نجاح هذا الخيار. وهذا يدعونا إلى القول إنه من دون معارضة وطنية حقيقية تسهم في ترشيد سلوك السلطة، وتهذّب نزعات الاستبداد الكامنة فيها، وتساعدها على حماية مصالح البلد من التهديدات والتحدّيات الداخلية والخارجية، يغدو مصير سورية في مهبّ الريح.
إنّ تحديات كثيرة ستواجه سورية في المرحلة الانتقالية، مما يتطلب تأسيس أحزاب سياسية نوعية ومختلفة، حاضنتها الاجتماعية من شابات وشباب سورية، وبوصلتها المصالح العليا للشعب والوطن. وفي هذا السياق، يجدر بالمعارضة السورية بكل أطيافها، أن تبحث عن أشكال متطورة للحضور الشعبي الكثيف، خاصة من الشباب والنساء، في فعالياتها السلمية، كي تضمن استكمال عملية التحوّل المطلوب.
ومن الواضح أنه يترتب على الحكومة بذل جهد أكبر للانفتاح على جميع مكوّنات الشعب السوري، ليس عبر البيانات والخطب، بل ضمن سياسة عملية تتخلّى عن سياسة الاستحواذ، وعن الحلول الأمنية، بما يمكن من فتح حوار وطني حقيقي ينتج عنه تظهير قيادات حقيقية وناضجة من كل المكونات لا تقتصر على القيادات التقليدية من مشايخ وزعماء عشائر وطوائف، بل تشمل الشباب والمثقفين وقوى المجتمع المدني، بما يقود إلى بناء عقد اجتماعي جديد بين السوريين، يعزّز هوية وطنية جامعة، توفر حصانة داخلية حقيقة.
فهل نستجيب للمخاطر الكبرى، خاصة التفرد في السلطة، وهيمنة الديني على السياسي، وسيطرة قادة أجانب على مفاصل أساسية في مواقع الجيش والأمن. بحيث نقتنع أنّ الدولة فضاء عمومي لكل المواطنين يحكمه القانون المتوافق عليه، مما يفترض تقديم أهل الكفاءة والوطنية والمصداقية على أهل الولاء.

/*/ - نُشرت في منصة صحيفة " حفريات " – 10 آب/أغسطس 2025.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جردة حساب لسوريا الجديدة
- تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /4 - 4/
- تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /*/ /3 - 4/
- الإرهاب يهدد السلم الأهلي في سوريا الجديدة
- هل سوريا أمام استحقاق جمعية تأسيسية؟
- تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /2 - 4/
- افتقاد الدولة الأنموذج في العالم العربي
- تحديات التحوّل الديمقراطي وكيفيات نجاحه في سورية /1 - 4/
- من الثورة إلى الدولة.. تفكيك الثنائية
- ياسين الحافظ ينتقد قصور وعي الماركسيين والقوميين في العالم ا ...
- مكانة سوريا الجديدة في تحوّلات الشرق الأوسط
- ياسين الحافظ ينتقد قصور وعي الماركسيين والقوميين في العالم ا ...
- ياسين الحافظ ينتقد قصور الوعي لدى الماركسيين والقوميين /1 - ...
- محددات المصالحة التاريخية بين العلمانيين والإسلاميين في سوري ...
- تحديات التغيير في سورية الجديدة
- أهمية اللامركزية الإدارية الموسّعة لسوريا الجديدة
- مخاطر تفكك الدول الهشة متعددة المكونات /*/
- كيفية معالجة الحقوق القومية والطائفية في سوريا الجديدة؟
- الحياة السياسية المنتظرة في سورية الجديدة
- التحديات البنيوية للحكومة الانتقالية في سوريا


المزيد.....




- تامر المسحال : -إسرائيل مجرمة بحق الصحافة والصحافيين-
- مدير الأخبار بالجزيرة الإنجليزية يعلق لـCNN على مقتل أنس الش ...
- محمد صلاح يتساءل عن ظروف مقتل -بيليه الفلسطيني- والجيش الإسر ...
- البلوغر المصري جمال صبري ومحتواه التقني المتنوع
- ناغازاكي تحيي ذكرى الضحايا الكوريين بعد 80 عامًا من القصف ال ...
- وزير الدفاع الإيطالي: عقوبات محتملة على إسرائيل لـ-إنقاذ شعب ...
- العراق: الفصام لدى الأطفال.. تحذير مبكر للأسر من أعراض تُنذِ ...
- أهم الاختلافات في الجيل القادم من ساعة -آبل ووتش-
- مصور الجزيرة بغزة يسرد تغطيته مجريات الحرب مع أنس الشريف
- رسائل مؤثرة.. مراسلو الجزيرة نت في غزة يرثون زملاءهم الشهداء ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تطلعات السوريين إلى التشاركية السياسية