علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات
(Alaaddin Al-dhahir)
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 17:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سألت مرة احد اساتذتي الاميركيين وكان يساري التوجه ومن معارضي الحرب في فيتنام، سألته: (مع كل الاساتذة في الجامعات والمثقفين في اميركا لماذا لا ينتخب الاميركيون استاذا جامعيا او مثقفا رئيسا لهم؟). صمت لبرهة وكأنني فاجأته بسؤال لم يفكر به من قبل ثم أجاب بجملة مقتضبة واحدة: (الاميركيون لا ينتخبون مثقفا).
ترمپ يقول ان الدول التي لأميركا عجز تجاري معها تغش اميركا وبتعبير ترمپ نفسه ( They are ripping America off ). في نفس الوقت يفرض تعريفة كمركية بنسبة 10 بالمئة على الدول التي ميزانها التجاري في صالح اميركا أي ان ( America is ripping them off ). بمعنىً آخر يجب على هذه الدول ان تفرض تعريفة كمركية على بضائع اميركا وليس العكس.
ترمپ يقول ان مليارات الدولارات تنهال على اميركا بسبب التعريفات الكمركية التي فرضها على دول العالم. ترمپ يصوّر للاميركيين بأن الدول المصدرة تدفع لأميركا التعريفة الكمركية بينما في الواقع سيدفع المستورد الاميركي هذه التعريفة الكمركية ويمررها للمشتري في اميركا، اي ان المواطن الاميركي نفسه سيدفع هذه التعريفة الكمركية، تعريفة فرضها ترمپ حتى على جزر قرب القطب الجنوبي لا يقطنها سوى طائر البطريق.
لم نحتج لعبقرية عندما رفع انقلابيو 1968 في العراق التعريفة الكمركية لإستيراد السيارات من 100 بالمئة الى 300 بالمئة. كان المواطن وليس الدولة المصدرة من يدفع هذه التعريفة الكمركية. كان هذا من اجراءات النظام البعثي لتوفير مال لم تكن ميزانية العراق تتحمله عند تعيين من كان يعيش في المزبلة وزيرا او سفيرا او مديرا عاما. ما يفعله ترمپ هو في الواقع توفير مال من جيب المواطن الاميركي ليغطي به التخفيضات الضرائبية التي منحها للمليونيرية والملياردية من طبقته، ما يفعله ترمپ لا يختلف في جوهره عن قرارات مجلس خيانة الثورة في العراق.
الاقتصاد يعمل وفقا للعرض والطلب وليس وفقا لأهواء ترمپ. بل الاغرب إن ما يطرحه ترمپ هو هراء اقتصادي بحت. للاسف هناك القليل ممن يقوم بفضح هذا. ليس هناك شئ اسمه توازن تجاري بين بلدان حجم اقتصادها صغير او لا يذكر مع بلدان حجم اقتصادها مهول. مثلا، حجم اقتصاد روسيا هو بحجم اقتصاد ولاية تكساس. إذا اردت ان يكون هناك توازن تجاري بين روسيا فهذا التوازن يجب ان يكون مع ولاية تكساس وليس مع كل الولايات الاميركية.
ما هو حجم اقتصاد (لاوس) مقارنةً بالاقتصاد الاميركي كي تطالب (لاوس) بتوازن تجاري مع اميركا؟ وإذا حصل هذا بل إنقلب لصالح الولايات المتحدة ستفرض اميركا على (لاوس) تعريفة كمركية بقيمة 10 بالمئة. لنأخذ مثلا الهند التي فرض عليها ترمپ 25 بالمئة تعريفة كمركية اضافية لتصل التعريفة الكلية الى 50 بالمئة ولنفترض ان استيراد اميركا من الهند ينحصر فقط بالتوابل. هذا يعني ان شركات تعليب الاغذية وكل المطاعم في اميركا وكل الصناعات التي تستخدم التوابل الهندية سترفع اسعارها بسبب زيادة الكلفة الانتاجية. هذا هو التضخم بعينه. ترمپ يقول انه بهذا سيجبر الدول على الاستثمار وصنع منتجاتها في اميركا. حسنا، كيف يتم انتاج الصفران والكَري في اميركا؟
ترمپ فرض تعريفة كمركية بنفس النسبة على البرازيل لا سبب سوى انها تحاكم رئيسها السابق وصديقه ونسخته البرازيلية بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم. هذ القرار لا علاقة له بالاقتصاد ولا بالعجز في الميزان التجاري. هذا قرار (محسوبية ومنسوبية) ولا احد يناقش هذا القرار. معظم ما تصدّره البرازيل للولايات المتحدة هي القهوة واللحم. سترتفع فاتورة التسوق من جديد لمن أنتخب ترمپ، فاتورة وعد ترمپ اثناء حملته الانتخابية بأنها ستنخفض في اليوم الاول لتوليه الرئاسة. كم انت مغفل؟
ترمپ لم يكتفِ بفرض التعريفة الكمركية على المواطنين الاميركيين لسد العجز الاضافي الذي صنعه في الميزانية من تقليل ضرائب المليونيرية والملياردية، طبقة پروليتارية جديدة يناضل بعض الشيوعيين العراقيين (سأعود لهم) من اجل الغاء الظلم والحيف اللذان لحق بهما، بل قرر الغاء التأمين الصحي لملايين الاميركيين من ذوي الدخل المحدود.
امس قرر ايضا وزير الصحة والموارد الانسانية، الابن المعتوه لروبرت كندي، الغاء بحوث بقيمة 500 مليون دولار في اللقاحات التي تعتمد على ( mRNA ) مثل اللقاح الذي أُستخدم في محاربة جائحة كوفيد. غباء ترمپ ووزيره لا يصدق. اميركا ستخسر ليس فقط التفوق العلمي في هذا الميدان بل ستخسر العوائد من براءات الاختراع، نعم الادوية تجلب مالا لمن يكتشف اللقاحات وللجامعات والمراكز العلمية التي أُكتشفت فيها وستخسر المليارات من بيع شركات الادوية لهذه اللقاحات. شكرا دونالد، هذه فرصة فريدة لأوربا والصين وغيرها للتفوق والربح المالي في هذا المجال. ويقولون عن ترمپ بأنه رجل اعمال ناجح.
أمر ترمپ وكالة ناسا بوقف برنامجها لدراسة وتقييم الزيادة في انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون، برنامج ضروري لدراسة الارتفاع المتزايد لمعدل درجات الحرارة وما يجلبه هذا من كوارث طبيعية وبيئية. هذه خسارة مالية لكلفة الأقمار صناعية بـ 750 مليون دولار التي اطلقتها وكالة الفضاء الاميركية لدراسة انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون، مبلغا رماه ترمپ في المزبلة ويقولون عنه رجل اعمال ناجح.
أكثر ما يؤلم هو تصويت بعض العرب وبعض العراقيين لصالح ترمپ. إذا نقلت دوافع هؤلاء، مثلا، عن بعض اللبنانيين من الموارنة والسنّة (النظام اللبناني نظام طائفي وكل طائفة تتفاخر بنفسها) فهم صوتوا لترمپ لأنه ضد ايران وحزب الله وأملا في ان تعود هيمنة الاقلية على حكم لبنان. حسنا، ترمپ إعترف بالقدس عاصمة لأسرائيل، بضم الجولان لإسرائيل وأعلن هذا في حملته الانتخابية لرئاسته الاولى عام 2016 واثناء حملته الانتخابية الاخيرة اعلن انه سيعترف بضم الضفة الغربية الى اسرائيل. هل تعرف ماذا يعني هذا؟ هذا يعني توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين في لبنان وهو كابوس الرعب الارعب للموارنة والسنَة في لبنان. بعد حرب اكتوبر عام 1973 قال شاعرٌ مصري (قد يكون الراحل احمد فؤاد نجم): (ياعيني شوفي النَصْرْ، حررنا سينا وخِسرنا مَصْرْ). إذا كان الاميركي غبيا تربيع لأنه انتخب ترمپ مرة ثانية وغبيا تكعيب لأنه لا يزال يصدّق اكاذيب ترمپ فأنت ليس ساقطا في كل الوجوه فحسب وإنما غبي للقوة الرابعة، للقوة الخامسة ... للقوة الى ما لا نهاية لأن من صوّت لترمپ معك مرتين هم عصابة الكوكس كلان وعصابات تفوق الجنس الابيض ونازييو أميركا.
ليس مستغربا ان يصوت ايهم السامرائي وإنتفاض قنبرأ ان يصوتا لترمپ لتحقيق حلمهم في تولي السلطة في العراق وما سيجلب هذا من منافع لهم. الاغرب وإن لم يصبح هذا غريبا هو في دعم بعض وأقول بعض الشيوعيين العراقيين لتولي ترمپ السلطة. احدهم تنبأ في احلامه اليقظية او رغبته بأن يفوز ترمپ في الانتخابات لأن ترمپ يملك (كاريزما). يا لها من نكتة. دوافع بعض هؤلاء تكمن في دعم ترمپ لپوتن في اوكرانيا ولغيرها، بسبب ولائهم الابدي لموسكو ايا كان الحاكم بمن فيه پوتن الذي يستقي تعاليمه من بطريارك الكنيسة الارثدوكسية (نعم اصبح بعض الشيوعيين من المؤمنين الصالحين ويحجون مكة). البعض الاخر يتصور ان ترمپ سيُسقط النظام الايراني وبالتالي سينهار النظام الفاسد الحالي في العراق ويُمهد الطريق لتولي الشيوعيين للسلطة في العراق. آخر من يفكر ترمپ بمنحه السلطة في العراق هو الحزب الشيوعي العراقي. أقول لهؤلاء ولكل من يطمع بدولارات النفط العراقية (مِشّوا بوزكم). ترمپ يريد النفط العراقي بالمجان وهو ما طالب به اثناء فترة رئاسته الاولى وهو ما يطالب به الآن، بالمجان.
إذا كنت تريد خدمة مبادئك الشيوعية فأنشط في محاربة الفقر والعوز في العراق ولا تركض وراء الرواتب التقاعدية وقطع الاراضي والجوازات الدبلوماسية تحت اي مسمى وأي قانون. هكذا وهكذا فقط تستحق صفة الشيوعي الحقيقي. قضيتم اعماركم في الهتافات والشعارات (ليس هناك تعريفة كمركية عليها) ثم اصبحتم الحزب الذيل للحزب العميل مقابل وزارتين لا قيمة لهما. بعدها اصبحتم موظفين عند پول برمر وشركاءً لأياد علاوي ووو. اخترتم الانتهازية السياسية منذ خط آب عام 1964 وما زلتم. إصحوا من سكرة الڤودكا. ألم يحن الوقت لتطبقوا مبادئكم وتقدموا خدمة للشعب؟ إما ان تنهوا النفاق والانتهازية وتقومون بعمل صادق او (تنكشحوا).
لماذا لا ينتخب الاميركيون استاذا جامعيا او مثقفا رئيسا لهم؟. الكوميدي الساخر جورج كارلن يقول عن الاميركيين (انظر الرابط ادناه) أنهم اغبياء او معظمهم من الاغبياء وهو محق الى حد كبير في ذلك. الاميركيون جهلة على العموم والجهل هو صيغة من صيغ الغباء.
ليس هناك افضل من جورج كارلن (توفي عام 2008) في نقد المجتمع والنظام الاميركي رغم استخدامه المفرط في ما نعتبره بذاءات لفظية لكنه يقول انها تفقد بذائتها في السياق التي تُستخدم فيه. جورج كارلن انهى فقط السنة الرابعة من الدراسة الثانوية. لست بحاجة لشهادة دكتوراه، او كانديدات سوفيتية او النجاح في امتحانات دورات (قال لينين، حكى لينين)، لتستخدم التحليل النقدي. كل ما تحتاجه ان تملك عقلك وتستخدمه.
إبحث عن جورج كارلن على اليوتيوب. إستمتع الآن بهذه المقابلة معه.
https://www.youtube.com/watch?v=pmEd3tSUbLk&t=4s
#علاء_الدين_الظاهر (هاشتاغ)
Alaaddin_Al-dhahir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟