أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام الدين فياض - تمظهرات القهر الاجتماعي في الحياة اليومية للإنسان العربي المعاصر (تأملات سوسيولوجية – نقدية)















المزيد.....



تمظهرات القهر الاجتماعي في الحياة اليومية للإنسان العربي المعاصر (تأملات سوسيولوجية – نقدية)


حسام الدين فياض
أكاديمي وباحث

(Hossam Aldin Fayad)


الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- ” القهر الاجتماعي هو الوجه غير المرئي للسلطة؛ يتسلّل إلى الوعي ويعيد تشكيله دون قسر مباشر “.
- ” في المجتمعات القهرية، يُختزل الإنسان في موقعه الطبقي، لا في إمكاناته “.
- ” يُعاد إنتاج القهر كلما غاب الوعي النقدي وحل محله الامتثال الثقافي الجمعي “. (الكاتب)

- المقدمة:
في خضم التحولات العاصفة التي تشهدها المجتمعات العربية المعاصرة، تتجلى ظواهر القهر الاجتماعي بوصفها مكوناً بنيوياً مهيمناً يعيد إنتاج ذاته داخل شبكات السلطة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالقهر في هذا السياق لا يختزل في صور العنف المادي المباشر فحسب، بل يتجلى أيضاً في أشكال رمزية ومعنوية دقيقة، تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية، وتنتظم ضمن مؤسسات الدولة، والتعليم، والأسرة، والإعلام، والدين. ومن هنا تنبع الحاجة الملحة إلى مساءلة هذا القهر سوسيولوجياً، لا بوصفه حالة طارئة أو عرضاً سياسياً عابراً، بل كآلية مُمَأسَسة تتغذى من تاريخ طويل من السلطوية والتفاوت الطبقي والبطريركية، وتعيد إنتاجها باستمرار.
إن استدعاء الرؤى السوسيولوجية النقدية يتيح تفكيك البنى التي تنتج القهر وتشرعنه، ويفضح الطرق التي يتم بها تمرير الهيمنة من خلال أنماط التفكير والعادات والمؤسسات. فالقهر هنا ليس مجرد قيدٍ على الجسد أو الفكر، بل هو نمط معيش يومي يترسخ في الوعي، ويحول دون تشكّل الذات الحرة.
وتزداد أهمية هذا الطرح في السياق العربي الراهن، حيث تتقاطع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع إرث النظم الاستبدادية، مما يجعل من دراسة القهر الاجتماعي ضرورة علمية لفهم تعقيدات البنية العربية الحالية، واستشراف آفاق المواطنة والعدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي الحقيقي. لذا يسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية معمقة لآليات القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية، من خلال مساءلة البنى الاجتماعية السائدة، وتفكيك أنساق الهيمنة الثقافية والسياسية التي تُطوِّق الإنسان العربي وتكبل حركته التاريخية. بناءً على ما سبق سنحاول تحليل ونقد تمظهرات القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة من خلال مناقشة العناصر التالية:

أولاً- في مفهوم القهر الاجتماعي: إن الباحث السوسيولوجي النقدي المدقق في وجوه أفراد المجتمع المقهور عبر الشوارع والأزقة، وفي الأسواق، وفي علاقاتهم اليومية، سوف يصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن مظاهر الكبت والقلق والخوف والقهر الاجتماعي تسيطر على معظم سلوكياتهم وتصرفاتهم، فأصوات الشجار والصراع الاجتماعي تعلو لأتفه الأسباب، وكثير من المشكلات الاجتماعية تطفو على السطح تدلنا على وجود شرخ عميق وخلل كبير في أنساق البناء الاجتماعي.
يعتبر القهر الاجتماعي سبباً مباشراً لكثير من السلوكيات الخطيرة التي تشكل بمجموعها ما نستطيع تسميته بـ: (مجتمع المقهورين)، الذين يسعون إلى إثبات (الأنا الشخصية) بأية طريقة، وبأية وسيلة مسموح بها، أو غير مسموح مما أدى إلى ظهور عادة " العنتريات والعنجهية "، التي تتجلى في القفز فوق القانون، وفي تسخير الناس لحوائج (المواطن العنتري)، وتترافق عادة العنتريات مع مظهر العضلات المفتولة، والشوارب، وهذا كله مؤشر على حاجة المواطن إلى إبراز وجوده في مجتمع تربى على كونه مجرد رقم في إحصائيات الدوائر الرسمية للدول.

- تفكيك مفهوم القهر الاجتماعي (متعدد الأبعاد): لغوياً قهَرَ يَقْهَر، قَهْراً، فهو قاهِر، والمفعول مَقْهور. قهَر الشّخصَ احتقره، تسلّط عليه بالظّلم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}. قهَر الجَيْشُ العَدُوَّ: غَلَبَه: فالشّجاعة تقهر البؤس. قهَرَ غرائزَه: سيطر عليها. يقال لا يُقْهَر: منيع لا يُهزَم. كما يقال قهَره على الاعتراف بجريمته: أي أجبره على الاعتراف. أسباب، ظروف قاهرة. ويقال أَخَذْتُهُم قَهْراً: أَي من غير رضاهم. أخرجه قهْراً: جبراً واضطراراً. القَهْرُ: الغَلَبة والأَخذ من فوق. اصطلاحاً هو شعور الإنسان بالقمع نتيجة سيطرة القوة عليه، أهم ما يميزه هو القمع من ناحية الأفكار والمشاعر مصادرة إرادته وحريته بالتعبير عن رأيه فيشعر الإنسان باحتقار الذات والرضوخ والتبعية للجهة التي تمارس عليه القهر. فلسفياً هو العوامل اللصيقة التي تجبر الإنسان على ما لا يرغبه، أو تحول دونه وما يرغبه. قهر الذات هو قهر مغزاه كون الذات إطار لا فكاك من ممارسة الوجود من خلاله، وقهر المكان هو قهر آتٍ من كل ما هو كائن حولنا ويهدف إلى تحديد مساحة أو كثافة وجودنا في اللحظة، وقهر الزمان هو قهر يحتمه كون الذات الكائنة في جزء من المكان هي حدث مؤقت على محور سابق عليها لا حق بها وهو محور الزمان. سوسيولوجياً يقصد بالقهر الاجتماعي تجربة الظلم الممنهجة والمتكررة باستمرار والمنتشرة انتشاراً واسعاً، وهذه التجربة ليست متطرفة كالعبودية والفصل العنصري وليست عنيفة أيضاً كما هو الحال في المجتمعات الاستبدادية بل يُقصد بالقهر الاجتماعي القهر والاضطهاد اليومي في الحياة العادية، ويشير مصطلح " القهر المتحضر " إلى الاضطهاد المتأصل في الأعراف والعادات والرموز التي لا نقاش بها. وفي الأسس التي تقوم عليها المؤسسات الاجتماعية والقواعد وما يفرض من عواقب جماعية في حال مخالفة هذه القواعد، ويمكن توضيحه بأنه الظلم الواسع والعميق الذي يطال بعض المجموعات في المجتمع نتيجة الأحكام المسبقة وردود الفعل اللا واعية في العديد من الأحيان والصادرة عن الأفراد العاديين (الذين هم غالباً أصحاب النوايا الحسنة) في تفاعلاتهم اليومية العادية ويسهم في دعم هذه الأحكام وردود الفعل كل من وسائل الإعلام والصور النمطية الثقافية وكذلك البناء الهرمي المجتمعي وآليات السوق الاقتصادية.
بذلك يرى الفيلسوف حسن حنفي (1935-2021) أن اتباع التقاليد هو اتباع القدماء على الرغم من تداول حكمة الفيلسوف اليوناني أفلاطون (427-347) ق.م القائلة: " لا تجبروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم "، فالقدماء هم الأوائل، عاشوا في الماضي، وتغير الزمن، ولكل زمن عاداته وتقاليده وأعرافه. كثيراً ما كتب علماء الاجتماع والانثروبولوجيا عن تطور العادات الاجتماعية، وتغير التقاليد. هي تعبير عن سلوك الناس في كل وقت، والزمان متغير، والتقاليد تتغير بتغيره. التقليد اشتقاقاً يعني الاتباع، في حين أن التجديد يعني الإبداع. ويتهم أنصار التقليد أنصار التجديد بالابتداع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فيؤثر الناس السلامة والاتباع عن غير اقتناع.
ولما كان المجتمع يتقدم بصرف النظر عن أساليب الضبط الاجتماعي، تنقسم الحياة إلى ظاهر يتبع التقاليد والأعراف والعادات، وباطن يتبع تطور الحياة وتغير قواعد السلوك الاجتماعي، فتنشأ مظاهر النفاق والرياء والتظاهر والكذب. قول باللسان لا يقتنع به القلب، وسلوك في الظاهر لا ينم عن إيمان بالباطن. وتصبح الحياة كلها حجاباً في الظاهر، وسفوراً في الباطن. كما تنشأ ظواهر الكبت وأمراض القهر النفسي وقمع الرغبات، ويعيش الإنسان بشخصيتين، ويقابل المجتمع بوجهين: وجه يرضاه المجتمع، ووجه آخر يرضاه الفرد، لا يجرؤ على التعبير عنه صراحة. ويكون له سلوكان: الأول سلوك اجتماعي علني، وسلوك آخر فردي سري. الأول كاذب، والثاني صادق. فإذا ما تجرأ أحد على الإعلان والتمسك بالوجه الواحد والسلوك الواحد والشخصية الواحدة تم إقصاؤه واستبعاده واتهامه بالردة والكفر، وكان جزاؤه القتل الصريح. ويؤثر البعض السلامة والرضا بالسلوك الاجتماعي، وينغمس في الدنيا ينهل منها بالحلال، والأرزاق مقدرة مسبقاً.
خلاصة القول يُعرف القهر الاجتماعي سوسيولوجياً بوصفه نمطاً بنيوياً من الممارسات والعلاقات الاجتماعية التي تفضي إلى حرمان الأفراد أو الجماعات من قدراتهم على الفعل الحر والمشاركة المتكافئة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولا يُفهم هذا القهر باعتباره عنفاً مباشراً بالضرورة، بل يتجلى غالباً في صيغ رمزية وغير مرئية، تتوزع عبر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتنتج آثاراً طويلة الأمد على الهوية، والوعي، والمكانة الاجتماعية.
ومن خلال المنظور الفلسفي، يعتبر القهر شكلاً من أشكال نفي الكينونة، إذ يسلب فيه الفرد أو الجماعة قدرتهم على تقرير مصيرهم بأنفسهم، ويتحول وجودهم إلى كائنات خاضعة لسلطة خارجية تُملي عليهم شروط البقاء. وفي هذا السياق ترى حنة أرندت أن القهر بوصفه ضداً للحرية السياسية، معتبرة أن " القهر هو انتفاء المجال العام الذي تظهر فيه الذات بحرية، وأنه يفكك شرط التعددية البشرية التي تجعل الحياة السياسية ممكنة ". أما من منظور الفيلسوف بول ريكور، فإن القهر يطال ليس فقط الجسد، بل أيضاً " الكرامة الرمزية " للإنسان، وينتج ما يسميه " جرح الاعتراف "، أي شعور الفرد بأنه غير مرئي أو غير مُعترف به داخل جماعته.
أما في الإطار السوسيولوجي النقدي، فقد وسّع ميشال فوكو من فهم القهر ليشمل آليات السيطرة الدقيقة والمتغلغلة في تفاصيل الحياة اليومية، معتبراً أن السلطة الحديثة لم تعد تُمارس من خلال العنف المباشر، بل عبر شبكات من الانضباط والمراقبة تشكل الأجساد والعقول وتخضعها طوعاً. وفي الاتجاه ذاته، يرى بيير بورديو أن القهر الاجتماعي لا يتحقق فقط عبر القوة المادية، بل من خلال العنف الرمزي، أي فرض أنظمة التصنيف والتفكير والتعبير التي تجعل الأفراد يتقبلون دون وعي موقعهم المتدني في البنية الاجتماعية.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن القهر الاجتماعي هو حالة مركبة تتقاطع فيها أبعاد بنيوية (اللامساواة الطبقية، الجندرية، العرقية)، ومؤسسية (قوانين، أنظمة تعليم، إعلام)، ورمزية (لغة، قيم، رموز)، تنتج نمطاً من العلاقات الاجتماعية المأزومة حيث تمنع فئات واسعة من ممارسة (الفاعلية الذاتية)، وتحرم من شروط المواطنة الكاملة.

ثانياً- نظرية القهر الاجتماعي: تفسر هذه النظرية وجود البناء الاجتماعي بالرجوع إلى فكرة استخدام القهر بصوره المختلفة، الفيزيقي، أو الرمزي أو الخلاق. وطبقاً لهذه النظرية يوجد القهر في المجتمع نتيجة للقوة التي تتحقق عند بعض الناس الذين يستخدمونها في إخضاع الآخرين لإرادتهم، فالناس يفعلون ما هو متوقع منهم لأنهم مضطرون إلى ذلك، أما إذا امتنعوا عن القيام بما هو متوقع منهم، فسوف يواجهون التهديد باستخدام بعض صور العقاب الفيزيقي، أو الحرمان من الملكية أو الموارد أو الحقوق. وتحاول هذه النظرية أن تفسر مختلف جوانب النظام الاجتماعي، فالناس يكبحون دوافعهم ويمتثلون المعايير لأنهم يخافون النتائج التي يمكن أن تترتب على إخلالهم بذلك. إنهم يقومون بالتزاماتهم ويتوقعون من الآخرين نفس الشيء، لأن الإخفاق في ذلك سوف يواجه بالعقاب من جانب السلطة.
وتستطيع هذه النظرية أيضاً تفسير مظاهر الانحراف والصراع والتغير، ففي جميع المجتمعات يوجد على الأقل، نوعان من الصراع. الأول: صراع بين الناس حول مراكز القوة، لأنه طالما أن النظام لا يقوم على شيء غير القهر، فإن أي مظهر يدل على الضعف من جانب هؤلاء الذين يشغلون تلك المراكز سوف يؤدى إلى صراع حولها ينشأ بين المقربين من مركز القوة. ويحدث ذلك في الغالب عندما تكون السلطة ضعيفة، أو ترزح تحت ضغط معين. أما الثاني فهو صراع بين هؤلاء الذين يمتلكون القوة، وبين أولئك الذين حرموا منها، فحينما يمارس القهر، نجد أنه يخلق بعض الحدود التي تؤدي إلى رد فعل ضده. وغالباً ما ينجح رد الفعل إذا صاحبته صراعات داخل الجماعة الحاكمة، وفي مثل تلك الظروف يمكن أن يحدث التغير الاجتماعي.
بالمقابل هناك من يربط بين الانحراف الاجتماعي والقهر الاجتماعي. حيث يؤمن منظرو هذه النظرية بأن الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن القهر والتسلط الاجتماعي الذي يمارسه بعض الأفراد تجاه البعض الآخر، فالفقر مرتع خصب للجريمة، والفقراء يولدون ضغطاً ضد التركيبة الاجتماعية للنظام، مما يؤدي إلى انحراف الأفراد.
بمعنى آخر، إن الفقر، باعتباره انعكاساً صارخاً لانعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات، يولد رفضاً للقيم والأخلاق الاجتماعية التي يؤمن بها السواد الأعظم من أفراد البناء الاجتماعي. ولو اختل توازن القيم الاجتماعية، كما يعتقد دوركايم، فإن حالة الفوضى والاضطراب ستسود الأفراد والمجتمع. ومثال ذلك، إن الثورة الصناعية التي حدثت في البلدان الرأسمالية في القرون الثلاثة الماضية أدت إلى اختلال في توازن القيم الأخلاقية والاجتماعية، الذي أدى بدوره إلى شعور الناس بانعدام وضوح المبادئ والقيم الأخلاقية والاجتماعية. ونتيجة لذلك فقد ضعف وازع السيطرة على سلوك الإنسان الرأسمالي خصوصاً على نطاق الشهوة والرغبة الشخصية، فأصبح الفرد منحلاً متهتكاً لا يرى ضرورة لفرض التهذيب الاجتماعي القسري عليه وعلى الأفراد المحيطين به.
وترى هذه النظرية أيضاً بأن الانحراف الاجتماعي يعزى إلى عدم التوازن بين الهدف الذي يسعى الفرد إليه في حياته والوسيلة التي يستخدمها لتحقيق ذلك الهدف في البناء الاجتماعي، كما هو الحال في معظم البلدان النامية التي يعتبر فيها الاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية ظاهرة ثقافية. فإذا كان الفارق بين الأهداف الطموحة والوسائل المشروعة التي يستخدمها الأفراد كبيراً، أصبح الاختلال الأخلاقي لسلوك الفرد أمراً واضحاً. نظرياً على صعيد الشعارات، يستطيع الفرد، أن يصبح أغنى إنسان في المجتمع بجهده وعرقه، أو أن يمسي فاشلاً في تحصيل رزقه اليومي. ولكن نظرة سريعة إلى الواقع الخارجي تفصح شيئاً مختلفاً. فلا يستطيع كل الأفراد أن يكونوا أغنياء في وقت واحد لأن المال محدود بحدوده النظام الاجتماعي والاقتصادي، فإذا تراكم المال عند الطبقة الغنية فإنه سيسبب حرماناً ونقصاناً عند الطبقة الفقيرة. فالفرد الذي لا يصل إلى تحقيق أهدافه عن طريق الوسائل المقررة اجتماعياً، يسلك مسلكاً منحرفاً يؤدي به إلى هدفه كالسرقة، والرشوة، والاتجار بالمواد التي يحرمها القانون. وهنا يلعب القهر الاجتماعي دوراً في توليد ضغط لدى بعض الأفراد كي ينحرفوا اجتماعياً.
وأوضح صور القهر الاجتماعي وهو ما يحدث نتيجة للقهر الذي تمارسه السلطة على الفرد، وعدم تكافؤ الفرص في مجتمعه وعدم الحصول على حقوقه كأحد أفراد هذا المجتمع، وقد أثبتت التجربة أن البلاد التي تخيم عليها نظم ديكتاتورية أكثر عرضة للحروب الأهلية والنزاعات الدموية بشكل يفوق غيرها من البلدان التي تتمتع بمناخ اجتماعي ديموقراطي، كما حدث في العراق ولبنان وما يحدث في سوريا مؤخراً.
وفي هذا المجتمع، يعد أي فعل خارج إطار القانون والشرعية فعلاً مشروعاً، يصفق له، ويُحفز الآخرين للقيام بمثله، أو أكثر منه، كي يثبت (الأنا) الخاصة به، فيؤدي هذا بالضرورة إلى غياب منطق القانون، ويعد من يطالب به، أو يتكلم حسب منطقه ساذجاً لا يستحق الدخول في عالم الرجال. وفي المجتمع المقهور يمارس الجميع القهر والظلم على من هو أدنى منه، في حركة هرمية، تعكس مدى القهر المُؤَسَس له في هذا المجتمع، ويمتد القهر ليورث إلى الأجيال اللاحقة، عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية.

ثالثاً- مظاهر القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة (قراءة سوسيولوجية نقدية): تعيش المجتمعات العربية المعاصرة في ظل منظومة اجتماعية وسياسية تتشابك فيها آليات القهر، بحيث لا تكون مجرد أفعال قمعية عارضة، بل ممارسات بنيوية تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية وتعيد إنتاج نفسها عبر الزمن. فالقهر الاجتماعي ليس فقط نتاجاً للسلطة السياسية المباشرة، بل هو بنية رمزية وثقافية ومؤسساتية، تتجلى في الهيمنة على الجسد والعقل، وتُمارس عبر أدوات تبدو محايدة أو حتى " طبيعية "، كما وصفها فوكو في تحليله لعلاقات القوة والمعرفة.
1- القمع السياسي: يمثل أحد أبرز مظاهر القهر في العديد من الأنظمة العربية، حيث تُستخدم أدوات الدولة - من قوانين الطوارئ إلى الرقابة الأمنية والإعلامية - لتقييد الحريات العامة وقمع الحراك الاجتماعي والمجتمع المدني. هذا الشكل من القهر يُمارَس باسم " الاستقرار " والحفاظ على السلم الاجتماعي، لكنه في الواقع ينتج ثقافة خوف مزمنة تكبل الفعل الجماعي وتفرغ المجال العام من مضمونه الديمقراطي. فالدولة العربية الحديثة والمعاصرة لا تزال تتعامل مع مواطنيها بوصفهم رعايا، لا كشركاء في الفعل والعلمية السياسية والتنموية.
2- التفاوت الطبقي والحرمان الاجتماعي: يُشكل التفاوت الطبقي والحرمان الاجتماعي أحد أكثر مظاهر القهر الاجتماعي رسوخاً في البنية السوسيولوجية للمجتمعات العربية المعاصرة، إذ لا يمكن فهمه بمعزل عن السياقات التاريخية والسياسية التي رسخت اقتصاد الريع، والتبعية الخارجية، وغياب العدالة الاجتماعية (التوزيعية). فالطبقات الاجتماعية في هذه المجتمعات لا تتشكل بوصفها نتيجةً طبيعية للجهد الفردي أو الحراك الاقتصادي، بل كنتاج لسياسات ممنهجة تعيد إنتاج الامتياز الطبقي لمصلحة فئات محددة على حساب الأغلبية المفقرة والمهمشة.
في هذا السياق، نجد أن المواطن العربي يُقصى ليس فقط من عملية صنع القرار السياسي، بل من الحق في الوجود الاقتصادي الكامل، حيث ترك وحيداً في مواجهة اقتصاد السوق بلا حماية اجتماعية، وبلا قدرة على التأثير في قواعد اللعبة. هذا النمط من التهميش يُعرف بالعنف البنيوي، وهو عنف غير مباشر، لا يمارس بالضرورة من خلال أدوات القمع الظاهرة، بل من خلال بنى اقتصادية وقانونية تعيد إنتاج الفقر وتطوق فرص التمكين الفردي والجماعي.
ويزداد هذا التفاوت الطبقي حدةً في ظل التحولات النيو ليبرالية التي اعتمدتها أغلب الدول العربية منذ تسعينيات القرن الماضي، بإيعاز من المؤسسات الدولية، حيث تم تفكيك مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وخصخصة قطاعات التعليم والصحة، وتراجع دور الدولة في حماية الطبقات الفقيرة. هذه التحولات لم تؤدي إلى التنمية، بل فاقمت معدلات البطالة والهشاشة الاقتصادية، وخلقت فجوات صارخة في توزيع الثروة، لا سيما في المجتمعات التي تعتمد على اقتصاد ريعي غير منتج، تُهيمن عليه قلة ذات ارتباط مباشر بمراكز القرار السياسي.
ويحلل بورديو هذه الظاهرة من زاوية العلاقة بين الطبقة الاقتصادية والرمزية، مبيناً أن السيطرة لا تتحقق فقط بالمال أو السلطة، بل عبر امتلاك ما يسميه " رأس المال الرمزي " الذي يسمح للفئات المهيمنة بفرض رؤيتها على الواقع الاجتماعي، وتطبيع الفجوة الطبقية باعتبارها أمراً طبيعياً أو ناتجاً عن الكفاءة الفردية. هذا ما يفسر كيف يتم تطويع الفئات المقهورة لقبول موقعها المتدني في السلم الاجتماعي، دون وعي نقدي بالآليات البنيوية التي تقيّد حركتها.
في ضوء ما سبق، فإن التفاوت الطبقي في العالم العربي لا يعد مجرد مؤشر اقتصادي، بل هو نتيجة لنظام اجتماعي - سياسي يعيد إنتاج الامتيازات ضمن علاقات غير متكافئة، تتحكم فيها الدولة، ورجال الأعمال، وشبكات النفوذ. وهو أيضاً مظلة تظلل أشكالاً أخرى من القهر، كالقهر الجندري والثقافي، وتمنع تحقق المواطنة الكاملة. ومن هنا، لا يمكن فصل العدالة الطبقية عن مشروع التحرر الاجتماعي الشامل، الذي يعيد الاعتبار للحق في الكرامة والتمكين والعيش الكريم.
3- التمييز الجندري: يعبّر عن بعد آخر للقهر الاجتماعي، حيث تُمارَس الهيمنة على النساء والفئات المهمشة في إطار علاقات أبوية مؤسسية تكرسها التشريعات والأنظمة التعليمية والثقافية. بالمقابل نجد أن الأنظمة القانونية العربية غالباً ما تعيد إنتاج دونية النساء، ليس فقط من خلال القوانين ذاتها، بل عبر الأطر الثقافية التي تضفي شرعية على هذا التمييز. وهذا القهر الجندري يُمارَس على المستويين الرمزي والمادي، ويؤدي إلى إقصاء المرأة عن المجال العام، أو اشتراط وجودها ضمن حدود السلطة الذكورية.
4- الهيمنة الرمزية والقهر الثقافي: يرى بورديو أن هذا المظهر يُمارس عبر مؤسسات تبدو " محايدة " كالمدرسة، ووسائل الإعلام، والخطاب الديني، حيث يعاد إنتاج الهرمية الاجتماعية من خلال ترسيخ أنماط فكرية وسلوكية تقنع الأفراد بشرعية مواقعهم داخل البنية الاجتماعية. هذا النوع من القهر لا يُدرك بسهولة، لأنه لا يقوم على العنف المباشر، بل على " العنف الرمزي "، أي الإذعان الطوعي للتراتبيات المفروضة، بفعل التنشئة واللغة والتعليم. وهنا تصبح اللغة نفسها أداة للهيمنة، تعيد توزيع الشرعية والسلطة داخل الفضاء الاجتماعي.
إن مظاهر القهر الاجتماعي في العالم العربي ليست جزئية أو منعزلة، بل تتقاطع ضمن شبكة من العلاقات البنيوية التي تتغذى من التاريخ السياسي، والثقافة التقليدية، والاقتصاد الريعي، والاستبداد المؤسسي. وهذه الشبكة لا تُنتج القهر فحسب، بل تعيد إنتاجه، وتطبعه في الوعي الجمعي، مما يجعل مقاومته أكثر تعقيداً. وعليه، فإن فهم هذه المظاهر وتحليلها نظرياً وميدانياً يمثل خطوة أساسية نحو مساءلة البنى السائدة، وبناء مشروع تحرري يتجاوز القهر الرمزي والمادي على حد سواء.
وفي النهاية يمكننا القول إن من آثار القهر الاجتماعي تنامي مشاعر الحقد والكراهية في المجتمعات المقهورة خاصةً في ظل سلطة الاستبداد، فحين تمارس السلطة المستبدة العنف المفرط ضد أفراد المجتمع المسالمين غير القادرين على مواجهة العنف بالعنف المضاد. تحتقن ذاتهم بالحقد والكراهية بانتظار الفسحة الملائمة لتفريغها على شكل عنف مضاد للقصاص من رموز سلطة الاستبداد كما حدث في بلدان الربيع العربي. ويتوقف حجم العنف المضاد على حجم الحقد والكراهية الكامنة في وجدان الإنسان المقهور. فكلما كان القهر والاستبداد كبيرين تضاعف حجم الحقد والكراهية وأخذ أنماطاً متنوعة من الانتقام، يصعب السيطرة عليها لتفريغ شحنات الحقد والكراهية اللتين تثقلان وجدانه.
سيكولوجياً يعاني الإنسان المقهور عموماً أعراض القلق والتوتر والصداع المزمن والعدائية، وينعكس ذلك على مجمل سلوكه وتصرفاته، فالإنسان الذي مسخت إنسانيته من خلال القهر والاستبداد يتصرف بسلوك مضاد وخالٍ من الإنسانية ضد الآخرين، خاصة مع من هم أقل منه قوة ويمكن أن يمارس السلوك ذاته حال امتلاكه القوة الضرورية مع المتسلط نفسه، وبالعكس فإنه يخضع ويذعن للإنسان القوي.
إن الإنسان المقهور وما يعانيه من أمراض نفسية واجتماعية متلازمة ومستفحلة لا يمكنه الاستمرار في حوار هادئ ويرتفع صوته على نحو مستمر مع تزايد حدة النقاش، ويرفض الآخر المجرد الخلاف في الرأي، وتنم انفعالاته الآنية وحركة يديه ووجهه عن حالة عنف وهيمنة ولا يتورع عن استخدام عضلاته لإسكات الآخر. وفي هذا السياق يصف مصطفى حجازي سلوك الإنسان المقهور وتصرفاته أثناء الحوار والمناقشة قائلاً: " لا يتمكن الإنسان المقهور من الاستمرار في حوار هادئ فسرعان ما يحس بانعدام إمكانية التفاهم فتغشى بصيرته موجة من الانفعال، ويأخذ الحوار نمطاً من أنماط السباب، ثم يتحول إلى التهديد وبعد ذلك يصل إلى حالة من الاشتباك، ليأخذ نمطه الحدي باستخدام العضلات أو السلاح بسهولة مذهلة في ثورة من الغضب ". إن حالة العجز والوهن من إمكانية تغيير الواقع الذي يلازم الإنسان المقهور تجعله يعاني الإحباط واليأس وعدم القدرة على تحقيق الذات، وتدفعه الخشية من الإخفاق في خوض التنافس الاجتماعي إلى الخيبة والانكسار وتتعاظم هواجسه في الحقد والكراهية ضد المجتمع، كونه المسؤول المباشر عن هزيمته.
وعلى الصعيد الأسري من خلال ما نراه الآن من وقائع وإحداث نجد أن عدم التناغم بين أفراد الأسرة أصبح السمة السائدة، فنسبة كبيرة من الأسر تعاني من القهر المادي والمعنوي، فالزوج يقهر زوجته، ولا يراعي حقوقها، ولا يضعها في المكانة التي تليق بها، ويستخدم معها أساليب عنف مختلفة، ويسود بينهما مشاعر دفينة من التباغض والكراهية، كما يقهر أبناءه من خلال عدم تلبية مطالبهم، والإساءة إليهم، وإيذاءهم .وإلى جانب هذا، نجد الزوجة التي تقهر زوجها من خلال مطالبها المادية التي لا تنتهي، وتعنفه، وتوبخه عند عدم قدرته على تلبية ما تريد، وتتعامل معه من منطلق الندية، وينعكس هذا أيضاً على أبنائها، فلا يجدون المناخ الأسري المناسب للانتماء، فينشقون عن الأسرة، ويظهر هذا في عدم الولاء والطاعة للأبوين، وتكليفهما بأمور لا طاقة لهما بها.
فالكل يقهر الكل، فنجد الزوج الذي يطلق زوجته دون مبرر، والزوجة التي تخلع زوجها لأسباب واهية، والأبوين اللذين يدفعان أبناءهما إلى بؤر الفساد، والأبناء الذين يطردون أبويهم، ويودعونهم في دور المسنين، ويرفعون قضايا الحجر ضدهم. والزوجة التي تتفق مع عشيقها على قتل زوجها، والزوج المزواج، والذي لا يعدل بينهن، والأبناء الضائعة بين أبويهم. ومن ثم، تعد كل هذه الصور من القهر الذي يمتد إلى المجتمع الكبير، فيصبح مجتمعاً مقهوراً، لا يستطيع أن ينهض على قدميه، ولا يقوى على دفع عجلات الإنتاج، ويتخلف عن ركب التقدم والتطور في سلم الحضارة الإنسانية.
إن تحليل وسائل السيطرة والخضوع مـن خــلال فهم العلاقات الاجتماعية وآليات التأثر والتأثير في هذا السياق. يدفعنا إلى التركيز على بناءات القوة في إطار البناء اجتماعي التي تتجسد على أرض الواقع الاجتماعي من خلال ترسيخ علاقات السيطرة للجهة التي تمتلك مصادر القوة بشكليها المادي أو الرمزي ضد الفئات الضعيفة والهامشية في المجتمع. مما يتحتم علينا بالضرورة تحليل ونقد آلية السيطرة لهذه العلاقات وما تفرضه على البناء الاجتماعي (القهر الاجتماعي) بالتواطؤ مع الإيديولوجية السائدة في المجتمع من جهة، والقيم والعادات والتقاليد الرجعية، والظروف المجتمعية القاهرة من جهة أخرى.

رابعاً- نحو تفكيك منظومات القهر الاجتماعي وبناء أفق تحرري عربي: يُظهر تحليل القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة أنه ليس ظاهرة عرضية أو سلوكاً فردياً منحرفاً، بل منظومة بنيوية مركبة تتداخل فيها عوامل السلطة، والطبقة، والثقافة، والنوع الاجتماعي، وتتمأسس داخل مؤسسات الدولة والمجتمع على حد سواء. وقد بيّن الفحص النظري أن هذا القهر لا يُمارَس فقط من خلال العنف المباشر أو القوانين القمعية، بل يتجلى كذلك في أشكال رمزية ناعمة تنتج الطاعة وتُقنن الإقصاء باسم النظام، أو القيم، أو التقاليد، أو الدين.
غير أن هذا الوضع، على تعقيده، ليس قدراً تاريخياً مغلقاً، بل يمكن تجاوزه من خلال تفكيك الأنساق التي تُعيد إنتاج القهر، وإعادة بناء الوعي الجمعي وفق أسس نقدية وتحررية. فالمسار الأول للخروج من هذا المأزق يبدأ من إعادة الاعتبار للفعل الاجتماعي الواعي، أي تمكين الأفراد من امتلاك أدوات الفهم النقدي للواقع، وتحريرهم من " التطبيع " مع أوضاعهم القهرية باعتبارها أوضاع قدرية. وهذا لا يتحقق إلا بإصلاح بنية التعليم، وفتح المجال العام، وتعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية الحقيقية.
أما المسار الثاني، فيتعلق بتفكيك البنى الثقافية والرمزية التي تشرعن التفاوت والتمييز، كأن تعاد مساءلة الخطابات الدينية والتعليمية والإعلامية التي تكرس صور الخضوع، والتبعية، واللامساواة. وهذا يتطلب توسيع نطاق النقد الثقافي، وتشجيع إنتاج بدائل معرفية تعيد تعريف مفاهيم السلطة، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالمسار الثالث، هو إعادة بناء الدولة العربية بوصفها إطاراً للعدالة لا أداة للهيمنة، وذلك عبر إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة التشاركية، وإرساء أنظمة قانونية تضمن الحريات، وتكافؤ الفرص، والاعتراف بالتعدد والاختلاف.
في الختام نؤمن بأن الخروج من مأزق القهر الاجتماعي في العالم العربي يستوجب مشروعاً تحويلياً طويل النفس، يبدأ من الوعي وينتهي بالفعل، ويجمع بين مقاومة البنى البنيوية الظالمة، وتشييد أنساق بديلة قوامها الحرية، والكرامة، والمساواة. فالمعركة ضد القهر، في جوهرها، ليست فقط مع أنظمة الحكم، بل مع البنى التي تطوق العقل والضمير واللغة، وتجعل القهر يبدو قدراً لا يُفكر في تغييره.

خامساً- مقترحات ورؤى سوسيولوجية لتفكيك القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية: تنحصر فيما يلي:
1- تحليل أنماط العنف الرمزي في المؤسسات التعليمية العربية من خلال دراسات ميدانية تركز على كيفية إعادة إنتاج القهر الطبقي والجندري من خلال المناهج، واللغة التربوية، وأنظمة التصنيف داخل المدارس والجامعات.
2- ضرورة تجديد الخطاب الديني كأداة للتحرير من خلال تحليل الخطابات الدينية في فضاءات مختلفة (المنابر، الإعلام، التعليم)، للكشف عن دورها في دعم الوعي النقدي والتحرر.
3- توضيح آثار السياسات النيو ليبرالية في إنتاج الفقر في المدن العربية من خلال دراسة سوسيولوجية تبين كيف أدت سياسات الخصخصة وتراجع دور الدولة إلى تعزيز أنماط الحرمان الطبقي والإقصاء الاجتماعي.
4- الكشف عن مكانة المرأة العربية بين القهر الرمزي والتهميش السياسي من خلال تحقيق نظري وميداني في الآليات غير المباشرة التي تقصي النساء من المجال العام، رغم التحولات القانونية الشكلية.
5- تحليل سوسيولوجي للحراك الشبابي في مواجهة القهر الاجتماعي من خلال رصد كيف تنشأ حركات احتجاجية أو ثقافية مضادة في أوساط الشباب، كاستجابات بديلة للهامشية والقهر الرمزي والسياسي.

سادساً- التوصيات: بناءً على ما سبق نوصي بما يلي:
أ- إصلاح مناهج التعليم على أسس نقدية من خلال إدماج مفاهيم العدالة الاجتماعية، والتفكير النقدي، والاعتراف بالآخر في المناهج التربوية، بهدف زعزعة البنى التي تُكرّس التراتبية الاجتماعية.
ب- دعم الفضاءات العامة الحرة والمستقلة من خلال تعزيز وجود مؤسسات فكرية وإعلامية وثقافية مستقلة تتيح تبادلاً حراً للأفكار وتسهم في بناء وعي جمعي مقاوم للقهر.
ج- مراجعة القوانين التمييزية ضد النساء والأقليات من خلال إلغاء أو تعديل القوانين التي تكرس التمييز الجندري أو الطائفي أو الطبقي، وتبني منظومة قانونية تضمن المواطنة المتساوية.
د- تبني مفهوم العدالة الانتقالية في المجتمعات الخارجة من القمع والاستبداد من خلال استلهام نماذج العدالة الانتقالية كما في بعض بلدان (أمريكا اللاتينية، جنوب إفريقيا) لتفكيك إرث القهر ومعالجة آثاره عبر الاعتراف والمساءلة والمصالحة.
ه- بناء اقتصاد تشاركي (تفاعلي) قائم على العدالة الاجتماعية للخروج من النموذج الريعي أو النيو ليبرالي، باتجاه نموذج اقتصادي يعيد توزيع الثروة، ويوسع قاعدة الحماية الاجتماعية، ويعزز التمكين الاقتصادي للفئات المهمشة.
وفي النهاية لا تمثل هذه التوصيات حلولاً سحرية آنية، بل تشكل مسارات تراكمية لبناء مجتمع عربي أكثر عدالة وحرية. إنها تستلزم تضافر جهود الجامعات، والمراكز البحثية، وصناع القرار، والمجتمع المدني، لإعادة إنتاج المجال العام على أسس مقاومة للقهر، لا خاضعة له.

------------------------------------------------------------------------
- المراجع المعتمدة:
- بيير بورديو: الرمز والسلطة، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط3، 2007.
- بيير بورديو: اللغة والسلطة الرمزية، ترجمة وتعليق: علاء عبد الرزاق، تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2022.
- حسام الدين فياض: الإنسانية والمجتمع (ملامح الإنسانية في المجتمع المعاصر)، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب: السابع، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2025.
- حسام الدين فياض: نظرية العنف الرمزي عند بيير بورديو (دور القوى الناعمة في إعادة تشكيل معالم المجتمع)، من كتاب مقالات نقدية في علم الاجتماع المعاصر – النقد أعلى درجات المعرفة، المقال الثاني، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري الكتاب (3)، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2022.
- حسام الدين فياض: نظرية العنف المجتمعي - العنف الرمزي أنموذجاً (دراسة سوسيولوجية- تحليلية)، مجلة ريحان للنشر العلمي، سوريا، العدد: 23، 28-05-2022، ص(196-235).
- حسام الدين فياض: دور الانثروبولوجيا في تحليل الظواهر الاجتماعية المعاصرة: قراءة نقدية في تحولات البنية والسلوك والثقافة، نحو علم اجتماع تنويري للدراسات والأبحاث الإنسانية والسوسيولوجية، مقال إلكتروني، المجلد: 03، العدد: 029، ماردين، 15 يونيو – حزيران 2025.
- حسام الدين فياض: ما هي الليبرالية؟، موقع الحوار المتمدن، العدد: 8027، تاريخ 03/07/2024. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=834771
- حسام الدين فياض: القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع العربي المعاصر، موقع الحوار المتمدن، العدد: 7786، تاريخ 05/11/2023. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=810323
- حسام الدين فياض: الإذلال الاجتماعي: الوجه الآخر لنزع الصفة الإنسانية، العدد: 8185، تاريخ 08/12/2024. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=850617
- حنّة أرندت: في العنف، ترجمة: إبراهيم العريس، دار الساقي، القاهرة، ط2، 2015.
- رشاد موسى: سيكولوجية القهر الأسري، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008.
- شحاتة صيام: القهر والحيلة – أنماط المقاومة السلبية في الحياة اليومية، جامعة القاهرة، القاهرة، ط1، ب.ت.
- صاحب الربيعي: سلطة الاستبداد والمجتمع المقهور، صفحات للدراسات والنشر، دمشق، ط1، 2007.
- ماجد موريس إبراهيم: سيكولوجيا القهر والإبداع، دار الفارابي، بيروت، ط1، 1999.
- محمد عاطف غيث: دراسات في تاريخ التفكير واتجاهات النظرية في علم الاجتماع، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1975.
- مصطفى حجازي: الإنسان المهدور (دراسة تحليلية نفسية اجتماعية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء وبيروت، ط1، 2005.
- مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء وبيروت، ط9، 2005.
- موقع الباحثون السوريون: هل المجتمع هو المسؤول عن اضطهادنا!؛ القهر الاجتماعي، تاريخ الدخول إلى الموقع 03/06/2024. https://www.syr-res.com/article/23429.html
- ميشيل فوكو: المراقبة والمعاقبة (ولادة السجن)، ترجمة: علي مقلد، مراجعة وتقديم: مطاع صفدي، مركز الانماء القومي، بيروت، ط1، 1990.
- Asef Bayat: Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East, Stanford, Stanford University Press, 2013.
- Iris Marion Young: Justice and the Politics of Difference, Princeton: Princeton University Press, 1990.
- Paul Ricoeur: The Course of Recognition, Translated by: David Pellauer, Cambridge, MA: Harvard University Press, 2004.



#حسام_الدين_فياض (هاشتاغ)       Hossam_Aldin_Fayad#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هابرماس وهونيث في تفكيك العنف المجتمعي بين العقلانية التواصل ...
- العقل الإنساني بين التوظيف الأداتي والممارسة النقدية والفاعل ...
- العقل الإنساني بين التوظيف الأداتي والممارسة النقدية والفاعل ...
- العقل الإنساني بين التوظيف الأداتي والممارسة النقدية والفاعل ...
- دور النهج الاستبدادي في ترسيخ منظومة القيم الاجتماعية القهري ...
- أدب الخيال العلمي في العالم العربي: جدلية الغياب والحضور في ...
- انثروبولوجيا الإبداع كفعل اجتماعي المهندسة المعمارية زَها حد ...
- تقديم الذات الإنسانية عند إرفنج جوفمان (ما بين الفن المسرحي ...
- المنهج التفكيكي ودوره في قراءة خطابات مشكلة البطالة في الواق ...
- دور الانثروبولوجيا في تحليل الظواهر الاجتماعية المعاصرة: قرا ...
- انثروبولوجيا الخيال السوسيولوجي وسيلة لدراسة الفرد المجتمع
- انثروبولوجيا الوعي الإنساني (محاولة للتأصيل والفهم)
- تجليات مفهوم الهوية الثقافية في المجتمعات العربية (دراسة في ...
- العولمة الرمزية وثقافة التهجين الكوني (دور ثقافة اللوجو - ال ...
- الأدب وليد المجتمع (دراسة تأصيلية في مفهوم سوسيولوجيا الأدب)
- في علم الاجتماع الإنساني
- اللغة من منظور الانثروبولوجيا (علم الإنسان)
- المذاهب الفكرية المعاصرة وعلاقتها بالإيديولوجيا
- نظريات سوسيولوجية... نظرية التفاعل الرمزي (3)
- نظريات سوسيولوجية.... نظرية الصراع الاجتماعي (2)


المزيد.....




- الأردن يؤكد مواصلة الضغوطات لإيصال المساعدات إلى غزة
- بطل العودة للبوندسليغا .. مارفين دوكش يرحل عن بريمن للعب في ...
- ضعف دولنا وغياب تأثيرها دوليًا
- الصراع على أفريقيا.. واشنطن تسعى لتقليص الفجوة مع الصين
- إعلام إسرائيلي: الخلاف بين نتنياهو وزامير وصل إلى ذروته
- رئيس كولومبيا يعلق على أنباء مقتل مرتزقة من بلاده في السودان ...
- أكاديميون إسرائيليون: ضم الضفة الغربية تم بالفعل من دون ضجيج ...
- الصعوبات والمخاطر التي تواجه طالبي المساعدات بقطاع غزة
- شكوى ضد جنديين فرنسيين إسرائيليين يشتبه بتورطهما في إعدامات ...
- صحف عالمية: سمعة إسرائيل العالمية تضررت بطريقة لا يمكن ترميم ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام الدين فياض - تمظهرات القهر الاجتماعي في الحياة اليومية للإنسان العربي المعاصر (تأملات سوسيولوجية – نقدية)