أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - التجاني بولعوالي - غزة ليست النهاية.. والدور آت على الجميع














المزيد.....

غزة ليست النهاية.. والدور آت على الجميع


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 23:24
المحور: القضية الفلسطينية
    


غزة ليست النهاية، بل لها ما بعدها. ما يجري اليوم في هذا الجزء الصغير والمحصور من الكرة الأرضية لا يمكن اختزاله في صراع محلي قديم بين الجلاد الصهيوني والضحية الفلسطينية، أو في تصفية حسابات آنية بين طرفين متقاتلين، بل هو في الحقيقة بداية مرحلة قاسية ومصيرية يُعاد فيها رسم خرائط المنطقة بأدوات جديدة، ولكن بمنطق استعماري قديم. لا يختلف هذا المنطق عمّا حدث في المرحلة الإمبريالية التي مُزّق وقُسّم فيها العالم الثالث، بما في ذلك المنطقة العربية والأمة الإسلامية، وقد بلغ ذلك التمزق ذروته مع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي احتلت بموجبها فرنسا سوريا ولبنان، وبريطانيا العراق والأردن وفلسطين، والتي قُدّمت لاحقا على طبق من ذهب للصهاينة عام 1948.
لذلك، لا يمكن استيعاب ما يجري الآن في فلسطين وغيرها من البلدان العربية إلا بالعودة إلى تلك الجذور المتعفنة، التي استحالت إلى أورام سرطانية تنبت في مختلف أعضاء الجسد العربي المنهك، من البحر إلى المحيط.
وها نحن اليوم أمام سياق تحوّلي يتجدّد، ولا يمكن فصله عن ماضي الاستعمار العسكري. وإذا كانت الدول الأوروبية التقليدية قد عملت على استئصال مقاومة أجدادنا وجهادهم ضد أي عدوان أجنبي، فإن الأمر نفسه يتكرر اليوم، حيث يُراد طي صفحة المقاومة وفتح صفحة جديدة عنوانها: إخضاع المنطقة برمّتها لمشروع توسّعي متكامل، ثقافيا واقتصاديا وجيوسياسيا. ولا نقصد هنا المقاومة المادية المسلحة فقط، بل أيضا المقاومة الفكرية والشعبية والأخلاقية، حيث تعمل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والحركات السياسية المتواطئة، على إسكات كل من يرفض العدوان الصهيوني على غزة وفلسطين والمنطقة، ولو بحجب تدوينة، أو حذف صورة، أو إغلاق حساب.
نعتقد أن النظر إلى غزة بكونها ساحة معزولة عن محيطها العربي والإسلامي هو خطأ قاتل في الفهم، بل هي، كما كانت دوما، عتبة للقراءة والتحليل الأوسع لما يُخطّط للمنطقة العربية. إن المشروع الذي يُنفّذ اليوم على أرض غزة ليس سوى خطوة ضمن سلسلة مترابطة من الخطوات المدروسة بدقة وإحكام، تستهدف كل من يرفض الانخراط في "صفقة القرن" الجديدة، سواء في صورتها السياسية، أو في مستوياتها الاقتصادية، والعسكرية، والفكرية أيضًا؛ بلا شك.
إن مسألة اقتطاع أراضي بلدان الجوار الإسرائيلي، على سبيل المثال، لم تعد مجرد احتمال مستقبلي، بل أصبحت واقعا ملموسا نراه رأي العين. ففي الداخل الفلسطيني، لا تزال آلة الاستيطان تلتهم الضفة الغربية والقدس المحتلة بلا هوادة، ناهيك عن غزة التي دُمّرت على بكرة أبيها تمهيدا لإقامة المشروع الإسرائيلي الأمريكي مستقبلا. ويحدث هذا في ظل صمت دولي عميق، وتواطؤ إقليمي سافر. أما على حدود الكيان الصهيوني، فنشهد بين الحين والآخر مؤشرات خطيرة على تحرّكات توسعية تستهدف جنوب لبنان والجولان السوري المحتل، في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات إسرائيل في حرب 1967 واحتلالها للجولان، وما تلاها من اجتياح جنوب لبنان عام 1982. وهذا يعني أن التاريخ يُعاد اليوم بأدوات أكثر وقاحة، وبتواطؤ مكشوف ومعولم.
أما الأخطر من كل ذلك، فهو ما يمكن تسميته بـ"الدمج غير العسكري"، أو الإخضاع الناعم لدول الشرق الأوسط للمشروع الصهيوني. حتى إن الحديث عن الهيمنة الإسرائيلية لم يعد يُدرج في إطار ما يُطلق عليه "نظرية المؤامرة"، بل بات واقعا نشهده بأم أعيننا في اتفاقيات تطبيع متسارعة، ومشاريع اقتصادية ضخمة، وتنسيق أمني غير مسبوق، يربط بعض الأنظمة العربية بالكيان الإسرائيلي في علاقات غير متكافئة، ستجعل من هذا الأخير مركزا ولاعبا مفصليا في مستقبل المنطقة.
إن ما يجري في غزة اليوم هو جزء من هذا التحوّل الكبير والمتسارع، والرهان على الصمت الدولي أو استنزاف الشعوب لم يعد ذا جدوى. لأن منطقة الشرق الأوسط يُعاد تركيبها، تمامًا كما تُركّب أجزاء لوحة الألغاز، وفق مصالح قوى إقليمية ودولية ترى في إسرائيل الشريك الاستراتيجي الأهم. لذلك، فإن الدول التي تتوهّم أنها بمنأى عن هذا المشروع قد تُفاجأ في قادم الأيام بأنها الهدف التالي، سواء عبر التفكيك الداخلي، أو الابتزاز الاقتصادي، أو افتعال نزاعات حدودية.
وهذا يعني، في النهاية، أن غزة هي الجرس الذي يُقرَع مرة أخرى لتذكير الجميع بأن الصراع لم يُحسم، وأن من يظن أن القضية الفلسطينية قد انتهت، إنما يدفن رأسه في الرمال كما تفعل النعامة. إن الحرب على غزة ليست إلا بداية مرحلة جديدة؛ ستكون قاسية على المنطقة بأسرها، وسوف تشمل الجميع، سواء من الموالين أو المعارضين، إما بالاقتطاع الجغرافي لصالح "إسرائيل الكبرى"، أو بالإخضاع الاقتصادي لصالح خزينة "العم سام"... أو بكليهما.



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجلة اجتهاد في أوروبا تواصل مسيرتها البحثية بصدور عددها الثا ...
- أي علاقة بين إيران-الشعب وإيران-النظام؟
- مغرب الأوراش الكبري وضرورة الاستثمار في الإنسان والمجتمع
- ميلاد مجلة علمية محكمة جديدة في أوروبا تؤسس لمقاربة إسلامية ...
- الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم قراءتها
- البرلمان الأوروبي.. ماذا عن انتهاك حقوق التعبير في أوروبا؟
- عقوبات مادية تهدد أولياء الأمور في التعليم الفلامانكي!
- المسلمون جيران وزملاء.. ومع ذلك لا نعرفهم جيدا!
- هزيمة بطعم النصر.. هزيمة لم تنزع الأسود البطولة!
- الإسلام في الغرب بين جدلية الذات والآخر
- درس في الوطنية.. إلى من يريد أن يجردنا من الوطنية!
- الحكومة.. بْغَاتْ اَتْكَحّلْهَا عْمَاتْهَا
- هكذا احتفت المستشرقة الإيطالية لورا فاليري بتسامح الإسلام
- -ميثاق مباديء- وجدل تدبير الشأن الديني في فرنسا
- خذ الكتاب بقوة.. كتب أهديت لي!
- الربيع العربي بين الأعلمة والأسلمة
- الكفاءة السياسية وراء تعيين وزراء من أصل أجنبي في الحكومة ال ...
- الحقيقة الغائبة في قضية -آيا صوفيا-
- ظهور المسيح.. قصة لاهوتية بطعم الفنتازيا
- هكذا أنصف تودوروف الإسلام والمسلمين!


المزيد.....




- ترامب يعاقب الهند برسوم جمركية جديدة بنسبة 25% بسبب النفط ال ...
- -قد أضطر لتغييره-.. شاهد رد فعل محلل CNN هاري إنتن بعد خطأ ت ...
- مصر.. الحكومة تطلق مبادرة لخفض أسعار 15 سلعة بنسب تصل إلى 18 ...
- حزب الله يتهم الحكومة اللبنانية بارتكاب -خطيئة كبرى- بقرار ت ...
- وجدته يستمني داخل غرفة نومها.. عميلة لـ-أمازون- تزعم أن أحد ...
- ماذا حدث في هيروشيما قبل 80 عاماً؟
- خلافات -غير مسبوقة- في قيادة الجيش الإسرائيلي بشأن تكثيف الغ ...
- سوريا تعلن عن 12 مشروعاً بقيمة 14 مليار دولار
- مبعوث ترامب يلتقي بوتين في موسكو والكرملين يصف المحادثات بال ...
- الهند: قتلى إثر فيضانات الهيمالايا والبحث متواصل عن عشرات ال ...


المزيد.....

- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - التجاني بولعوالي - غزة ليست النهاية.. والدور آت على الجميع