أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - التجاني بولعوالي - هكذا احتفت المستشرقة الإيطالية لورا فاليري بتسامح الإسلام















المزيد.....

هكذا احتفت المستشرقة الإيطالية لورا فاليري بتسامح الإسلام


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 6849 - 2021 / 3 / 23 - 13:49
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


أمام التحولات الجذرية التي مست التركيبة الأخلاقية والاجتماعية لراهن المسلمين أصبح من الصعوبة بمكان إقناع الآخر بتسامح الإسلام، لأنه لا يلمسه في الواقع المعيش، حيث يتسم سلوك الكثير من المسلمين بالانحراف والتسيب والنفاق. وعندما تعمد إلى إثبات كلامك بالكتاب والسنة، فإن الآخر لن يكترث به، ولن يصدق كون الإسلام دين تسامح، لأنه لا يؤمن في الأصل؛ لا بالقرآن، ولا بالرسول، ولا بالملائكة، ولا بالآخرة، ولا بغيرها من أصول العقيدة الإسلامية. فإذا كانت المناظرات التقليدية عادة ما تعقد بين المسلمين وأهل الكتاب، الذين كانوا يؤمنون ببعض المسلمات الإيمانية التوحيدية (الله، الوحي، قصة الخلق، الآخرة)، فإننا اليوم نواجه شريحة من اللادينيين التي لا تعترف إلا بسلطة الواقع على حساب سلطة الوحي. بل إن لسان حال بعض غير المسلمين يردد اليوم ما مؤداه؛ كيف للمسلمين الذين يفقدون الاستقرار والتعايش في بلدانهم، أن يدعوا الآخرين إلى التسامح والسلام، فليبدأوا أولا وقبل كل شيء بأنفسهم ومجتمعاتهم. وفي ظل هذه النظرة السلبية إلى الإسلام كيف السبيل إذن إلى أن نثبت اليوم لغيرنا بأن الإسلام دين تسامح؟!
لعل إحدى أهم الآليات الإقناعية التي يمكن استعمالها لإثبات كون الإسلام دينا متسامحا هي اعتماد ما قاله غير المسلمين في حق الإسلام، لاسيما ممن درس الإسلام بموضوعية وتحدث عنه بإنصاف. وعادة ما يطلق على هذه الفئة حكماء الغرب الذين أصبح لا يخلو منهم بلد أوروبي وغربي، مثل اللاهوتي السويسري هانس كونغ، والخبير السويدي إنجمار كارلسون، والمفكرة البريطانية كارن أرمسترونغ، والإسلامولوجي الأمريكي جون إسبوزيتو، والمستعرب الهولندي فان كونينسفيلد، وغيرهم كثير.
وسوف أتريث في هذه الورقة عند شهادة المستشرقة الإيطالية Laura Veccia Vaglieri لورا فيتشا فاليري (1893 - 1989)، التي تعتبر رائدة الدراسات العربية والإسلامية. وقد اشتغلت أستاذة في جامعة نابولي، فألفت بحوثا حول اللغة العربية، كما أنها أثنت على الإسلام في مؤلفات أخرى، من بينها: محاسن الإسلام، ودفاع عن الإسلام. ترى ما هي طبيعة النظرة التي تحملها فاليري حول الدين الإسلامي؟ وكيف فهمت رسالة الإسلام وقدمتها في مجتمعها غير المسلم في مرحلة كانت ما زالت مطبوعة بالرفض الشديد لما هو إسلامي من قبل الواقع والفكر الأوروبيين على حد سواء؟
من خلال مراجعتي لكتاب لورا فاليري الموسوم بـ: An interpretation of Islam؛ تفسير للإسلام (2004) خرجت بخلاصة جوهرية، وهي أن أهمية هذه المستشرقة لا تتعلق فقط بتعاطفها الهائل مع الإسلام، بل بالطريقة المتميزة التي عالجت بها مختلف القضايا الإسلامية دون فصلها عن إطارها الثقافي والاجتماعي والتاريخي. وقد اتسمت منهجيتها بموضوعية كبيرة تختلف جذريا عن المقاربة الاستشراقية التقليدية، التي ظلت تخدم سواء الاستراتيجية الاستعمارية الأوروبية أو الأهداف التبشيرية النصرانية. ولعل فاليري تشكل بهذا نوعا من القطيعة مع المدرسة الاستشراقية التقليدية التي كانت مهيمنة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وامتد تأثيرها إلى منتصف القرن العشرين.
وما يميز مقاربة فاليري أنها لم تدرس الإسلام بكونه موضوعا عاديا كغيره من قضايا وانشغالات علم الاستشراق، لكن بكونه ظاهرة من العيار الثقيل التي تقتضي تفسيرا يليق بها، وهي ظاهرة تتجاوز عقل الإنسان الذي يعجز عن استغوار أسرارها. تفسر بإعجاب الطريقة التي ظهر بها الإسلام كما يأتي:
إن الإسلام إنطلق مثل ينبوع من الماء النقي والصافي، تطوّر بين أناس جاهليين وبرابرة في أرض مهجورة وجافة بعيدة عن الحضارة والفكر الإنساني، ثم صار جدولا، ثم نهرا، ثم أنهارا ليغمر البلاد كلها. وقد سرى هذا الماء المعجز في نفوس الناس الذين كانوا مشتتين ومتناحرين، فتبددت صراعاتهم وتسوت. وحل محل الاقتتال الدموي الذي ظل يشكل القانون السائد بين القبائل، ذلك الشعور الجديد الذي جاء به الإسلام، وهو شعور التآخي بين أناس توفق بينم الأخلاق والدين. (ص. 17)
ثم إن فاليري تسلّم منذ البداية بأن الإسلام دين متسامح ورسوله صلى الله عليه وسلم تسامح إلى حد كبير مع أتباع الديانات التوحيدية من يهود ونصرانيين، وغيرهم. كما أن الإسلام دين موجه إلى جميع الناس دون استثناء، فلم يأت لإرغام غير المسلمين على الدخول فيه، بل ليرشدهم إلى الطريق المستقيم، وهذا ما تعكسه نبوة محمد الذي أرسل رحمة للعالمين. ما يعني أن رسالة الإسلام تتجاوز الأمة العربية إلى غيرها من الأمم والأعراق واللغات. وسعيا لإثبات تسامح الإسلام، تقوم فاليري بتفنيد الصورة النمطية التي تقولب الإسلام في كونه دين عنف انتشر بالسيف، وهي تدحض قول من يتهم الإسلام بالعنف:
"استمر هؤلاء الناس في نشر كلمة مفادها أن جوهر الإسلام هو العدوان العنيف. زعموا أنه دين فرض بالسيف؛ اتهموه بعدم التسامح. اتهموا محمدا نفسه بالكذب والقسوة والشهوة. سعوا إلى هدم مشروعه الرائع للإصلاح الاجتماعي والديني، كما أنهم حاولوا تأويل إخلاص صحابته وأتباعه له على أنه لأجل مصلحة شخصية، وأنهم لا يتحركون فقط إلا برغبة في الثروة والازدهار الدنيوي." (ص. 114)
ثم إن فاليري قدمت فهما عقلانيا منصفا لحملة الرسول صلى الله عليه وسلم على يهود المدينة، التي جاءت كرد فعل على العداوة التي كانوا يكنونها للنبي والمسلمين، ونقضهم للعهد، ومؤامرتهم على الإسلام. ويبدو أن الإجراء الذي اتخذه رسول الإسلام كان ضروريا. وعادة ما يستعمل العديد من السياسيين والإعلاميين هذه الحادثة للضرب في الإسلام ووصمه بالعنف والإرهاب. وتنفي فاليري هذه التهمة، وهي توضح أن الرسول منذ هجرته إلى المدينة مد يد التعاون والصداقة إلى اليهود، وعقد معهم اتفاقية للتعايش فيما بينهم والدفاع المشترك عن المدينة، لكن عندما اكتشف حيلتهم المبيتة وعداوتهم المعلنة لم يكن أمامه إلا أن يعاقبهم، فهو اضطر إلى اتخاذ ذلك القرار اضطرارا، لأنه لم يكن لديه خيار آخر. (ص. 116)
وأكثر من ذلك، فإن فاليري ذهبت إلى أبعد حد عندما فسرت ضريبة الجزية بشكل إيجابي يثبت مدى تسامح الإسلام مع أهل الكتاب وغيرهم. إن هذه الضريبة التي يؤولها البعض في الغرب على أنها علامة على اضطهاد الإسلام لغير المسلمين، كانت مجرد إجراء ضريبي عادي، يدفع الذمي بموجبه مبلغا ماليا مقابل الحقوق المدنية والحرية الدينية والشخصية التي كان يتمتع بها داخل الدولة الإسلامية، كما أنه كان معفيا من المشاركة في الحرب التي كانت تستهدف ديار الإسلام. وعلاوة عن ذلك، فإن قيمة تلك الضريبة كانت أقل بكثير من ضريبة الزكاة المفروضة على المسلمين. (ص. 117)
خلاصة القول، يمكن اعتبار المستشرقة الإيطالية لورا فاليري مثالا نموذجيا لذلك التيار الاستشراقي الحديث الذي تناول الإسلام بشكل أكاديمي موضوعي، يختلف عن الخطاب الاستشراقي المشكك والرافض لما هو إسلامي، إن لم نقل أنها تشكل قطيعة مع الدراسات الاستشراقية التقليدية. وهذا ما اتضح لنا بجلاء تام من خلال نظرتها المنصفة إلى الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي لا تكتفي بدراسة الظاهرة كما هي منقولة في المصادر التاريخية، بقدرما تستغور الجوانب الخلفية للحدث الذي تعالجه من أجل تحقيق الاستيعاب السليم أولا، ثم تقديم التفسير المناسب بعدئذ، الذي غالبا ما يكون لصالح الإسلام، كما تجلى لنا ذلك من خلال دحضها لجملة من التهم التي تلصق بالإسلام والنبي، وإثباتها لتسامح الإسلام الذي قل نظيره في التاريخ.



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ميثاق مباديء- وجدل تدبير الشأن الديني في فرنسا
- خذ الكتاب بقوة.. كتب أهديت لي!
- الربيع العربي بين الأعلمة والأسلمة
- الكفاءة السياسية وراء تعيين وزراء من أصل أجنبي في الحكومة ال ...
- الحقيقة الغائبة في قضية -آيا صوفيا-
- ظهور المسيح.. قصة لاهوتية بطعم الفنتازيا
- هكذا أنصف تودوروف الإسلام والمسلمين!
- أي تفسير هو الأنسب لوباء كورونا؟
- أيها المسؤولون.. رفقا بإعلامنا المحلي؟
- درس -داعشي- عارم يبعثر أوراق الغرب بخصوص ظاهرة الإرهاب
- نحو مقاربة أخلاقية لظاهرة إهدار الغذاء
- مغاربة هولندا يعززون حضورهم في البرلمان الهولندي
- الحكومة المغربية بين غموض الأداء ومنطق الإرضاء
- حلقة دراسية حول سبل معالجة الصور النمطية
- السيناريو السوسيو – اقتصادي هو الحل
- الدسترة الجزئية والمشروطة للغة الأمازيغية
- الحركة الاحتجاجية بالمغرب ورهانات التعديل الدستوري
- إطلاق الجائزة الأدبية في صنفي الشعر العربي الفصيح والأمازيغي ...
- أي موقع للمهاجر المغربي في مشروع الجهوية الموسعة؟
- سقوط آل القذافي.. واسترداد الحلم الليبي المغتال


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - التجاني بولعوالي - هكذا احتفت المستشرقة الإيطالية لورا فاليري بتسامح الإسلام