حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 21:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا طرد الثلاثة من قم ؟
الحلقة الرابعة : أحمد بن محمد بن خالد البرقي 2
أرجع المامقاني في الحلقة السابقة أسباب الحيرة الى جملة اسباب، لم يرجح واحدا منها، فهو لم يذهب الى تفسير مصطلح الوقف والحيرة، ولم يذهب إلى أمهات المصادر التي حكت عن ذلك، بل استند الى المسلمات المتوارثة التي لا تحتمل التصديق في وجود محدث واحد، موثوق مثل البرقي الذي انتشرت رواياته في كل كتب الشيعة، لا يؤمن بأحد أصول الدين والمذهب( الإمامة واستمرارها)،
فصاغ المامقاني في منهج المقال هذه الطريقة في توسيع الاحتمالات وتشتيت الصورة وابعادها عن مسألة حساسة، وجعل جميع الاحتمالات على مستوى واحد من الاهمية، لان شخصية كبيرة في التأليف والحديث ومن أبناء قم يشذ عما اتفقت عليه الشيعة يعتبر طعن كبير بإيمانهم، وهو شك يستوجب المراجعة والتحقق، ولابد من قراءة تاريخ تلك الفترة وبسطها للتدقيق ومعرفة مواقف هذه المجموعة من الفقهاء والرواة، وكشف الأسباب الحقيقية لطردهم من قم .
لقد الف الفقيه المحدث علي بن بابويه القمي(ت329هج)(والد الصدوق)كتاب الامامة والتبصرة من الحيرة، وقد خصصه لمناقشة الذين حاروا في أمر الغيبة والصاحب، والف قبل ذلك الحسن بن موسى النوبختي(ت 310 هج)كتاب فرق الشيعة، والمقالات والفرق، لسعد بن عبد القمي الأشعري( ت 300هج)، والكتابان يحتويان على نصوص متشابهة، وقد قالا:
( افترق أصحابه( الحسن العسكري) بعده إلى أربع عشرة فرقة، فرقة قالت إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام … وقالت الفرقة الثانية أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي لأنا روينا ان معنى القائم هو ان يقوم من بعد الموت .. وقالت الثالثة أن الحسن بن علي توفي والإمام بعده أخوه جعفر.. والرابعة أن الإمامة لجعفر مباشرة من أبيه الهادي .. والخامسة قالت إن الإمامة لمحمد بن علي الهادي سبع الدجيل(228-252 هج) . والسادسة آمنت بوجود ولد للحسن هو محمد، وقالت السابعة بأن ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر .. وقالت الثامنة أنه لا ولد للحسن اصلا مثل النبي لم يخلف ولدا، وهناك حبل قائم في سريّة ستلد ذكرا .. والتاسعة جوزوا انقطاع الإمامة مثل انقطاع النبوة .. الخ)(1)وهي أربع عشرة فرقة في كتاب فرق الشيعة والمقالات والفرق يمكن الرجوع إليهما لمعرفة المزيد .
كان البرقي واحدا من الحيارى في أمر الغيبة، وفي وجود خلف للإمام الحسن العسكري، ومن يتابع رواياته الكثيرة لم يجد واحدة عن الغائب، فلم يرد اسمه في الأبواب التالية من كتاب الكافي للكليني :
باب الاشارة والنص الى صاحب الدار من 855-860 .
باب في تسمية من رأى صاحب الزمان من 861 - 875 .
باب النهي عن الاسم من 876 - 889 .
باب نادر في الغيبة من 880 - 882
باب في الغيبة من 883 - 913 .
باب مولد الصاحب من 1350- 1380 .
باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم 1381-1400 . والرواية الأولى 1381 كذبها محمد بن يحيى والصفار القمي .
تؤكد تلك الأبواب على عدم رواية البرقي رواية واحدة عن المهدي في جميع الأبواب المذكورة، ونحن بذلك أمام حالتين متعاكستين لابد من فهمهما بالشكل التالي :
هل أن اعتذار أحمد بن عيسى الأشعري وأهل قم جاء إيمانا وتصديقا بحيرته؟، فاعتذروا له مما وقع من خطأ جسيم بحقه؟، وهو أمر لاتدل عليه الروايات التاريخية .
هل تراجع أحمد بن محمد البرقي عن القول بالحيرة؟، وهو أمر لم نحصل منه على رواية واحدة .
لا أميل في فهم هذه المسألة الى السبب الاول ولا الثاني، نظرا لانعدام الروايات والقرائن عن هذين الاحتمالين، ولا بد من الرجوع خطوة الى الوراء وفهم الصراع الناشب منذ عقد داخل مؤسسة الوكالة، فقد كانت تلك الفترة من حياة الإمامة عصيبة, سمتها العامة الصراع الشديد داخل مؤسسة الوكالة, الذي حاول جر موقع الإمامة ذاته إلى حيثياته, فتدخل الإمام الهادي في تفاصيل الصراع بين الوكلاء وانحاز الى جانب الحق الذي يمثله أحد أطرافه, فانقسمت مؤسسة الوكالة الى جماعة يقودها السفير الأول عثمان بن سعيد العمري, وجماعة أخرى يقودها فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني الذي كان وكيل المناطق الوسطى والغربية من إيران، وهو شخصية متنفذة، ولم يعد يدفع الحقوق الشرعية التي تأتي من هناك, ووقف بالتالي ضد الإمام الهادي ودعا الى الضلالة, وحاول البحث دون حق عن إمام بديل, فلازم محمد ابن الإمام الهادي(ت 251 هج) الذي اشار اليه الإمام بسبب شخصيته القوية وفضيلته كخليفة للإمام الهادي, لكن الله عز وجل بدا فيه (البداء يعني ظهور أمر من الله كان خافيا وغير معلوم ) وتوفي في حياة أبيه . وتصاعد الصراع وقتل وكيله السابق فارس بن حاتم على يد الجنيد عام 250 هـ, وتوفى في السنة التالية محمد ابن الإمام الهادي, فدخل هذا الصراع الى بيت الإمام الهادي نفسه, ففرق بين الأخوين جعفر والحسن العسكري .
كان جعفر حينها في منتصف العقد الثاني من العمر, وتحمل هذه المرحلة الحياتية الكثير من نزق الشباب والحماسة والاندفاع غير المحسوب, الشأن الذي ابعد العقلانية عن هذا الصراع, وازداد بعد وفاة الأمام الهادي, واصبح الوكلاء هم عنصر الإثارة الشديد في حياة الأخوين, وانحاز جعفر وأخته الوحيدة فاطمة الى بقايا جماعة فارس بن حاتم بن ماهويه, وبقايا الفطحية( ومنهم علي بن الطاحن الخزاز), والمحمدية ( جماعة محمد بن علي الهادي), والنفيسية (جماعة نفيس خادم محمد بن علي الهادي), وظل الإمام الحسن مع الوكالة الرسمية التي كانت قائمة في حياة الإمام الهادي وعلى رأسها عثمان بن سعيد العمري .
ظل هذا الانقسام عميقا وتصاعد الصراع بشكل لا يمكن ضبطه، حيث استمر طيلة إمامة الحسن العسكري (254 ـ 260 هـ )، فأشتدت المناقشات والمناظرات بين الطرفين, وارتفعت إلى حالات مشينة من التشهير والقذف, واستغل بعض الوكلاء تحديد حركة الإمام الحسن داخل مدينة سامراء، وفرض الاقامة الجبرية عليه، وعدم امكانية مراقبة وتداول الحقوق الشرعية في توتير الاجواء اكثر، وخلفت لنا المرويات الشيعية اتهامات حادة بين الفريقين, فاتهموا الأمام الحسن بتهم تدمي القلوب وتثير النفور من وصول هذا الأمر الى المقامات الشريفة المقدسة للائمة، فقد اتهموه بالجهل بأحكام الشريعة، ووصلت حتى إلى نقد طرق التعبير عن الحزن البشري, ورموه بالجهل بالنحو العربي, وظهور أخطاء فاحشة في رسائله, وحاولوا سلب الإمامة منه، وقالوا إنه ليس أمام من شق جيبه على وفاة أبيه الإمام الهادي(2)،وهو ما كان معروفا في منطقة دون الأخرى, وبالغوا باتهامه الى حد الكفر(2)واطلقوا ألقابا وقحة على أنصاره مثل لقب(الحمّارية)(3) .
واتُهم جعفر بالمقابل بالجهل بأحكام الشريعة، وعدم معرفته الحلال والحرام، وجهله باللغة العربية ونحوها, ومصاحبته للملعونين في حياة الإمام الهادي, وتصاعد الصراع بين الفريقين( ووصل الى العنف, إذ ألقي نفيس الخادم الذي ادعى أنه سلم جعفر ودائع الإمامة في حوض فمات غرقا )(4), واضطر اثنان من جماعة جعفر ودعاته النشطين في سامراء الى تركها والفرار بسبب مطاردتهما من قبل الشيعة, ولم يجرؤا على العودة الى سامراء طيلة حياة الإمام العسكري (4).
لقد جاءت تلك الاحداث في مرحلة مهمة من تاريخ الإمامة, وهي مرحلة الانعطاف من الإمامة إلى الوكالة, وكان من نتائج هذه الانعطافة البرهنة على عدم إمامة جعفر، وخطأ القائلين بها، فاعيد توحيد الجسم الشيعي، وعندما حققت هذه المهمة هدفها سُحبت بعد فترة جميع التهم بالضعف والكذب والغلو والوضع ،وأطلق على جعفر جعفر التواب، وعلى موسى المبرقع بالتقي وتم الاعتذار من أحمد بن محمد بن خالد البرقي الذي لم يعد يشكل خطورة على مؤسسة الوكالة .
—-----------------------------
1)انظر النوبختي، فرق الشيعة، ص 79 .
2)رجال الكشي ج 1 ص 572 ، ترجمة رقم 1083
2)المقالات والفرق ص 114.
3) الهداية الكبرى للخصيبي ص 385 ـ تطور المباني الفكرية حسين مدرسي ص 118 .
4) تطور المباني الفكرية حسين المدرسي ص 121 .
يتبع
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟