حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 08:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا طُردَ الثلاثة من قم؟
الحلقة الثانية- 2 موسى المبرقع
لقد أخفت بعض المصادر اسم الشخص الذي طرد المبرقع والبرقي وابن سهل من قم، وهو أحمد بن محمد بن عيسى ، فقد قالت بعض المصادر بأن غير العارفين به طردوه من قم، وقال المجلسي(انتقلَ عنهم إلى كاشانَ فأكرمَه أحمدُ بنُ عبدِ العزيز بنِ دلف العجلي فرحّبَ به، وألبسَه خلاعاً فاخرةً، وأفراساً جياداً ووظّفَه في كلِّ سنةٍ ألفَ مثقالٍ منَ الذهبِ وفرساً مُسرّجاً…)(1) وكأنه انتقال طوعي وقالت مصادر اخرى بأن العرب قد طردوه، فقد جاء في كتاب تاريخ قم لمؤلفه حسن بن محمد القمي (أخرجه العرب من قم لأمور صدرت منه فذهب إلى كاشان)، وهو أمر يراد منه إبعاد التهمة وعدم ارتباطها بالشيعة واخفاء السبب، ويبين في نفس الوقت اضطراب وتهافت اسباب الرواية، وبادر آخرون بالقول انه نافس الإمام الهادي على الإمامة، فقد قال النوبختي( فلم يزالوا على ذلك سوى نفر يسير عدلوا عنه الى القول بامامة اخيه موسى بن محمد، ثم لم يلبثوا على ذلكَ إلّا قليلاً حتّى رجعوا إلى إمامةِ عليٍّ بنِ محمّد الهادي (عليهِ السلام) ورفضوا إمامةَ موسى بنِ محمّد المُبرقع، فلم يزالوا على ذلكَ حتّى توفّيَ عليٌّ بنُ محمّد الهادي (عليهِ السلام))(2)
لقد طُرد موسى المبرقع من قم والتجأ الى مدينة كاشان التي تبعد حوالي 114 كلم من قم، واستقبله أحمدَ بنِ عبدِ العزيز بنِ دلف العجلي، وخلع عليه وقرر له في كل سنة ألف دينار، ويبدو ان فترة مكوثه في كاشان لم تكن طويلة، نظرا لشيوع المعلومات عن اسباب طرده، وذهبت جماعة من اهل قم (فاعتذروا منهُ وأكرموه واشتروا مِن مالِهم لهُ داراً ووهبوا لهُ سهاماً مِن قرى هنبرد واندريقان وكارچة وأعطوهُ عشرينَ ألفَ درهم واشترى ضياعاً كثيرةً وأحاطوا به واستفادوا مِن علمِه وفضلِه، فأتتهُ أخواتُه زينبُ، وأمُّ محمّد، وميمونةُ بناتُ الجوادِ عليهِ السلام ونزلنَ عندَه فلمّا متنَ دُفنَّ عندَ فاطمةَ بنتِ موسى عليهما السلام.)(3)
ونقل الكافي بأن الإمام الجواد أوصى (عبد الله بن المساور) على ذريته بعد خروجه من المدينة المنورة، فقد كان الإمام الهادي صغيرا لم يبلغ، ويشمل ذلك موسى المبرقع الذي يصغر الإمام الهادي بسنتين، (وجعل(الإمام الجواد) عبد الله بن مساور قائما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد صير عبد الله بن مساور ذلك اليوم إليه يقوم بأمر نفسه وأخواته فيصير أمر موسى إليه يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها وذلك اليوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة 220) وقال المجلسي (بأن موسى ولي من قبل أبيه على جملة موقوفاته بعد علي الهادي وعبد الله بن مساور بدون مشاركة أحد بعد بلوغه في حياة الهادي وعبد الله وفي ذلك شهادة على عدالته وأمانته وديانته وكياسته ومن جملة الموقوفات عشر قرى كانت موقوفة على البنات اللاتي لا أزواج لهن من ذرية الرضا ع كما ذكر صاحب التاريخ أنه وصل إليه إن محمدا بن علي الرضا وقف هذه العشر القرى على النساء الرضوية التي لا أزواج لها وكان يرسل نصيب الرضائية الساكنات في قم من انتفاعات هذه القرى إليهن من المدينة )(4).
لقّبهُ أهل قم بالمبرقع، وقد عزى أحفاده هذا اللقب إلى أنه كان جميلا جدا، وكان يغطي وجهه ببرقع حتى لا تفتتن بنات قم به، لا ادري ما حقيقة ذلك، فإن أباه كان حائل اللون حسب تعبير الكليني والمفيد (5)، وكان أخوه اسمرا (6)، وهو معه من أم واحدة . إن صفة المبرقع والجميل هما من نتائج قم المتأخرة، ولو سألنا أنفسنا: هل أن صفة الجمال تجعل الرجل يغطي وجهه؟، ربما كان هذا الأمر طبيعيا بالنسبة للنساء خوفا من التحرش بهن، وهو أمر معروف، لكن تبرقع الرجال بسبب جمالهم لم يكن معروفا في التاريخ، فهذا دحية الكلبي ، وجرير بن عبد الله، وصفوان بن المعطل قد اشتهروا بجمالهم أيام النبي، لم يطلب منهم التبرقع، وذلك أمر غير معقول يجب التوقف عنده .
إن صفة الجمال هي صفة إيجابية تتناقض مع الصفات التي ألصقت بموسى المبرقع عن عمد، مثل صفة شرب الخمر ونقله الأحاديث الضعيفة، ويبدو أن كلمة المبرقع باللهجة الشعبية كانت تعني صفة سلبية تتناسب مع حدث طرده من قم، فإن المعنى الشعبي يميل إلى المعنى التهكمي الذي يذهب في معناه إلى اخفاء الشخص نواياه، أو أنه يتجمل ظاهرا لكن حقيقته مختلفة حيث يتستر زيفا ونفاقا، وظل اسم المفعول المبرقع معروفا في قم، وصار من الصعوبة تغييره وانساء الناس له، بل يمكن ابقاءه وتأويله وتبديل المعنى واشاعته، وقد ظلت أسماء بعض الصحابة التهكمية ملتصقة بهم مثل عكرمة بن أبي جهل بدل أبي الحكم، وأسماء أبناء وبنات ابي لهب، وزياد بن أبيه ….
إن التغلب على الصورة السيئة يحتاج الى جهد ثقافي وإعلامي كبير، لان صور الصراع المذهبي وتغلب المصالح يطغى على الحقائق، ولا يأخذ بنظر الاعتبار النسب والقرب من الائمة، فهذا جعفر بن علي الهادي( 236 - 281) الذي سمي بالكذاب بسبب صراعه مع وكلاء قم ومع السفير الأول، فقد اتهم بالفجور وشرب الخمر وعذوبة الصوت عندما يرفعه بالغناء، وكان يقامر في قصر الجوسق ويلعب بالطنبور، وكان ساعة وفاة أخيه الحسن سكرانا في قارب في نهر دجلة، وبعد أن جرد من منصب الامامة وتباعد زمن الصراع أطلق عليه بجعفر التواب والزكي، ومازال يوصف بالكذاب على المنابر عند مناقشة مسألة الغيبة، وتعم هذه الطريقة من الصراع مختلف الأسماء دون النظر الى علميتهم وتفقههم، بحيث تتجاوز السباب إلى السرقة والخرف وإباحة الزواج مع المحارم والرجال مع الرجال، ولم تظهر عن أم الفضل زوجة الإمام الجواد بعد وفاته إلا رواية واحدة يأبى المقام هنا في روايتها .
كان وكلاء الإمام الهادي في قم فيما يبدو يديرون تلك القرى العشر، ويرسلون عائدها الى سامراء، ويستلمها السفير الأول عثمان بن سعيد العمري، لأن الإمام الهادي كان مراقبا في سامراء، ولا يستطيع السفر إلى اوقافه في قم، أو استلام عائدها مباشرة، فقد كان السفير الأول مكلفا بالاتصال بوكلاء الإمام الهادي في الأمصار لاستلام الاموال والهدايا، وتجرى تلك النشاطات بسرية تامة لكي لا تطمع السلطة في أموال الأسرة العلوية .
كان جعفر لا يعلم عن حجم الأموال، ولا اماكن حفظها، فساءت -خلال بحثه عن حصته من موقوفات جده- علاقته مع السفير الأول قبل وفاة الإمام الحسن العسكري، وبعد وفاته تصدى جعفر للامامة وأرسل وكلاء له بدل أحمد بن إسحاق(ت 261 )في قم، واختار الوكيل أبا الحسن بن ثوابة وأبا عبد الله بن الجمال وأبا علي الصائغ والقزويني في قم، ومن ذلك التاريخ بدأ الصراع علنيا داخل مؤسسة الوكالة بين جعفر ووكلائه والسفير الاول ووكلائه .
قلنا بأن موسى المبرقع انتقل الى قم بعد وفاة الإمام الهادي بسنتين، ويبدو أن هذه الانتقالة من المدينة الى الكوفة ثم إلى قم غرضها متابعة الأوقاف التي أوصى بها الإمام الجواد الى الهادي وبعد وفاته إلى أخيه موسى، وتصرف تلك الأموال على غير المتزوجات من بنات وحفيدات الإمام الرضا، وهي بالتالي ليست من إرث الإمام الهادي التي تذهب طبيعيا إلى ابنائه، فقد كان الوكلاء يرسلون عائدها إلى الإمام الهادي وبعد وفاته إلى الإمام الحسن العسكري، مما أدى الى انتقال موسى بن الجواد إلى قم لادارة اوقافه بنفسه .
لقد حدثت صراعات جعفر مع الوكلاء في نفس الفترة التي كان موسى المبرقع متواجدا فيها في قم، واتخذت تلك الصراعات مستويات شتى، وتم تسويقها دينيا، وكان معظمها يدور حول الحقوق الشرعية وعوائد الأوقاف، ويمكن قراءة هذه الصورة بالشكل التالي:
كان موسى المبرقع هو الوريث الشرعي لتلك الأموال، وبذلك لا داعي لإرسالها إلى الإمام الحسن العسكري عدا الحقوق الشرعية الاخرى والهدايا التي ترسل الى سامراء، وبوفاة الإمام الحسن العسكري المبكرة اشتد الصراع حول موقع الإمامة، لأن نتيجة تلك الأموال ستعود الى الإمام المهدي بعد وفاة الحسن، فهو الوريث الوحيد لاموال ابيه، وستكون بيد وكلائه من السفراء، الذين لهم الحق في جمعها، وايصالها الى المهدي المنتظر وبذلك ليس من حق جعفر ولا موسى المبرقع التصرف بها، ويبدو أن تقاربا ما حدث بين جعفر وموسى المبرقع، حيث تزوج محمد بن موسى المبرقع بريهة بنت جعفر بن علي الهادي، وفي قمة هذه الأحداث قام أحمد بن محمد بن عيسى الذي كان يلقي السلطان بطرد موسى المبرقع من قم .
—----------------------------
1)(انظر بحارُ الأنوارِ للعلّامة المجلسي ج 50 ص 160 و 161، هامشُ تحفِ العقولِ لابنِ شُعبة الحرّاني ص 476، الكافي والكُليني للشيخِ عبدِ الرسولِ الغفّار ص 68 و 69، موسوعةُ المُصطفى والعترةِ للحاجِ حُسين الشاكري ج 13 ص 33/ ج 14 ص 23).
2) النوبختي/ فرق الشيعة ص 88
3)الكافي ج50 ص161) .
4) محسن الامين أعيان الشيعة ج10ص194
5) الكليني ، الكافي، ج1ص322،ح 14
6) حسين الشاكري،موسوعة المصطفى والعترة(ع)ج13، ص 30
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟