حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 7320 - 2022 / 7 / 25 - 14:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طرقت الفنون الحديثة جرس التاريخ الإسلامي ، وكنا نتوقع سماع صدى هذه الطرقات القوية ، لكننا مع الأسف لم نسمع رجعها المنتظر ، فقد دق فيلم سيدة الجنة - الذي كتبه الشيخ ياسر الحبيب عن قصة كسر ضلع الزهراء ع - جرس التاريخ فانهالت الأسئلة حول حقيقة محتوى وقصة هذا الفيلم ، لكننا لم نسمع من ذوي الشأن جوابا يفتح مغاليق الأسئلة المتجمعة . وظهر نشيد ( سلام فرمندة ) الذي انتشر في الفترة الاخيرة في بلدان عديدة ، وأشار إلى أسماء بعض الأشخاص مثل علي بن مهزيار ويونس آغوزبني رودباري ( ميرزا كوجك خان ) ، وثارت الاسئلة مرة اخرى عن علاقة هؤلاء الاشخاص بموضوع النشيد (سلاما ايها القائد العسكري) المخصص للمهدي المنتظر . وبسبب مجهولية تلك الأسماء في الوسط الشيعي العام ومحليتها تزايدت الأسئلة عن شخصية علي بن مهزيار التي لايعرفها العامة من الشيعة فضلا عن المذاهب الاسلامية الاخرى ، سأل الناس وسألوا ، وبحثوا عمن يوضح لهم دور علي بن مهزيار في تاريخ غيبة المهدي المنتظر، ودوره في التاريخ الشيعي العام وعن علاقته به ، فتطوع الروزخونية -على عادتهم- في الجواب عن كل شيء ، ومنحوا أنفسهم صلاحية عبور الحاجز السندي الذي افنى السيد الخوئي عقودا من حياته في بنائه والاعتناء بتقوية أساساته وفتح طرقه ، وألف كتابه علم الرجال المتكون من 24 جزءا للوصول الى اخبار صحيحة يطمئن في تداولها المتدين ويثق بها .
لم يهتم هؤلاء بصحة روايات علي بن مهزيار ومعقوليتها ، واستمروا بزهو ينطقون اسمه وكأنه أحد معارفهم في ظل تقاعس ذوي الشأن من خبراء الدراية والرواية ، لقد ذكر النشيد خمسة أسماء هم علي بن مهزيار ، والميرزا كوجك خان ، و آية الله محمد تقي بهجت ، والسيد علي الخامنئي ، وقاسم سليماني ، والأسماء الثلاثة الأخيرة هم من المعاصرين المعروفين ، لذلك وجب إلقاء الضوء على القدماء من الذين لايعرفهم من سمع النشيد الا القليل مثل علي بن مهزيار والميرزا كوجك .
1- علي بن مهزيار : توجد شخصيتان بهذا الاسم ذكرتهم الروايات الشيعية ، الأول علي بن مهزيار الذي انتقل من الديانة المسيحية الى الاسلام الشيعي مذ كان صغيرا ، وذلك خلال فترة حياة الإمام الكاظم ( ت 183 هج ) ، وتوفي في حياة الإمام الهادي وفي بعض الروايات في حياة الإمام الحسن العسكري ، ودفن في الأهواز ، ويوجد له ضريح جميل قرب نهر الكارون ، وهو بذلك لم يعاصر المهدي المنتظر وليس من رجاله ولا من أصحابه ، ويعني ذلك أن النشيد لا يعنيه من قريب ولا من بعيد .
2-علي بن مهزيار : وهو علي بن إبراهيم بن مهزيار ، (وهو مجهول حسب معجم رجال الحديث للخوئي ،انظر رقم 7817 ) ، ولدينا روايتان عنه في جميع كتب الشيعة ، الأولى : وهي رواية طويلة وهذا مختصرها :(حدثنا) .. قال : ..وجدت في كتاب أبي رض ، قال حدثنا محمد بن أحمد الطوال عن أبيه الحسن بن علي الطبري عن أبي جعفر محمد بن علي بن إبراهيم ابن مهزيار قال : سمعت أبي يقول سمعت جدي علي بن إبراهيم ( جده هو إبراهيم وليس علي ) يقول كنت نائما في مرقدي إذ رأيت فيما يرى النائم قائلا يقول لي : حج فانك تلقى صاحب زمانك … فبادرت مع اول من خرج .. وخرجت بخروجهم اريد الكوفة .. وخرجت في أول من خرج اريد المدينة … حتى وافيت مكة .. فإذا بفتى مليح الوجه .. فقال ممن الرجل ؟ فقلت من الأهواز ، فقال : أتعرف بها ابن الخصيب ؟ فقلت رحمه الله ... ، فقال أتعرف علي بن إبراهيم بن مهزيار ؟ فقلت أنا علي … فدخلت عليه السلام وهو جالس على نمط عليه نطع ادم احمر ..(ثم يكتب أوصاف المهدي المنتظر ) ( انظر كمال الدين ج2 باب 47، وغيبة الطوسي ص159 ). وهي تقريبا متطابقة مع رواية ذكرها الصدوق في كمال الدين والغيبة للطوسي لكن راويها هو جد الراوي ووالد علي بن مهزيار ، وهو إبراهيم بن مهزيار .
والثانية :ذكرها كتاب الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب ( ج1 ص356 ) ( مختصرة ) وهي مكتوبة عن طفولة المهدي :
(عن علي بن مهزيار يقول : كان الحسن يأمرني بأحضار حجة الله من السرداب , ثم يأخذه ويقبله ثم اعيده الى مكانه , حتى كان يوم رجعت بالمهدي الى مكانه فجئت الى سيدى العسكري فرأيت أشخاص من خواص المعتمد العباسي عند الإمام يقولون : ان الخليفة يقرئك السلام ويقول : بلغنا أن الله عز وجل أكرمك بولد , فلماذا لم تخبرنا بذلك لكي نشاركك الفرح والسرور , فلا بد لك أن تبعثه إلينا , فإنا مشتاقون اليه , قال ابن مهزيار : لما سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي فقال الإمام : يا ابن مهزيار اذهب بالحجة الى الخليفة , فرأى اضطرابي وحيرتي , لأني كنت متيقن ان الخليفة أراد قتله , فكنت اتعلل , وانظر الى سيدي ومولاي العسكري(ع) فتبسم في وجهي وقال: لاتخف , اذهب بحجة الله إلى الخليفة.... قام الوزير وصار يشاور الخليفة , فأحسست أنه يريد قتله , فغلب علي القول من أجل سيدي ومولاي , فإذا الخليفة أشار إلى السيافين ان اقتلوه , فكل واحد منهم أراد سل سيفه من غمده فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده, فقال الوزير : هذا من سحر بني هاشم , وليس هذا بعجيب , ولكن ما أظن سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة , فأمر بإتيانها فأتيت فلم يقدروا ايضا على إخراجها من أغمادها, وجاؤا بالمواسي والسكاكين فلم يقدروا على فكها , ثم أمر الخليفة بأشارة من الوزير بالأسود الضارية من بركة السباع, فأشار إلى الخليفة وقال ألقه نحو الأسود , فحار عقلي وطاش لبي وقلت في نفسي أني لا أفعل ذلك ولو أني أقتل , فقرب(عج) من أذني , وقال لي لاتخف , القني , فلما سمعت من سيدي ومولاي ذلك ألقيته نحو الأسود بلا تأمل فتبادرت الأسود وتسابقت نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء , ووضعوه على الأرض برفق ولين .. ثم تكلم واحد منهم بلسان فصيح فشهد بوحدانية الباري (جل) وبرسالة النبي المصطفى وبأمامة على المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلا وعن الأئمة واحدا واحدا...الخ ، وشكى أحد الاسود الى الحجة بأن باقي الاسود يحرمانه من الطعام ….) .
اعتبر السيد الخوئي ان الرواية الاولى من المضحكات (انظر معجم رجال الحديث ج1 ص 280 ) ، وإن ابراهيم كذب في روايته وإخباره عن وجود أخ للحجة اسمه موسى ، وأن الرواية مكذوبة جزما ، وهي ضعيفة جدا ، ومتعارضة من جهة نسبة القصة الى علي بن ابراهيم بن مهزيار أو الى ابراهيم بن مهزيار ( انظر معجم رجال الحديث ج 12 ص 212 ) ولا تحتاج الرواية الثانية الى تعليق .
لا أدري لمَ اختار (مهدي بني هاشمي) مؤلف هذا النشيد فردا من عائلة مهزيار ممن عاصر الغيبة الصغرى لوضعه في هذا النشيد الحماسي الذي يتطلب حقيقة وجود هؤلاء الأشخاص ، وقيامهم بدور هام في الغيبة لكي يتم التعامل عاطفيا وفكريا مع النشيد ، فهذه العائلة تركت للشيعة روايات ضحك عليها السيد الخوئي ، وتركت لنا أسماء شخصيات مثل محمد بن إبراهيم بن مهزيار الذي شك بالامام المهدي واخذ حقوقه الشرعية لبغداد و (اكترى دارا على الشط , وان وضح له شئ كوضوحه (في) أيام أبي محمد (ع) أنفذه والا قصف به , أو صرفه على شهواته وملذاته ) (الكافي ج1 ص592 )، والشخصية الاخرى هي محمد بن علي بن مهزيار الذي أرسل المهدي المنتظر توقيعا خاصا بشأنه، وهو جواب على شكه بوجود المهدي المنتظر عن طريق السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد نصه : وأما محمد بن علي بن مهزيار الاهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه ( انظر توقيع إسحاق بن يعقوب ).
لا ادري مالذي حدا بالكاتب لاختيار هذه الشخصية المجهولة صاحب الروايات غير المعقولة والضعيفة التي لا تقوي روحية وحماسة النشيد ، ولا ادري لماذا لم ينتقِ واحدا من السفراء ، وهم أهم الشخصيات التي لها علاقة بقضية المهدي المنتظر ؟ ، ويتطور نفس الاستفسار عن السبب في اختيار بهجت وعدم اختيار الخميني الذي هو أكثر شهرة منه ، ولماذا مال الى ميرزا كوجك البعيد عن موضوعة المهدي المنتظر ولم يصطفِ اسم حسن جوري مؤسس الدولة السربدارية أو المرجع محمد حسن الشيرازي صاحب فتوى التنباك وهما أكثر شهرة منه في ميدان الدين والسياسة .
إن ميرزا كوجك هو مؤسس حركة الغابة (جنگليها) ، تلك الحركة التي قاومت الاحتلال القيصري الروسي قبل ثورة أكتوبر 1917 . وأسس بعد قيام تلك الثورة (الجمهورية الاشتراكية السوفييتية الايرانية) في منطقة گيلان في ايران بمساعدة الجيش الأحمر السوفيتي ، والتي دامت من حزيران 1920 إلى سبتمبر 1921 ، وهو حدث جديد من هذا النوع جرى في قارة آسيا ، وانتخب ميرزا كوجك خان أول رئيس لها ، واشترك في حكومته أعضاء من الحزب الشيوعي الايراني ، وتوفى ميرزا كوجك مع صديقه الألماني الروسي هوشنك ، حيث تجمدا بالثلج بعد أن تسرب عنه مريدوه ، واكتشفت جثته بعد شهرين وذلك في عام 1921 متجمدة .
إن اختيار الكاتب لشخصية ميرزا كوجك يؤكد روحية النشيد القومية والمحلية ، لكنه يتعارض مع وحدة الموضوع التي تتركز على الجانب الأممي الديني المتمثل بالمهدي المنتظر ، وتؤثر هذه الاسماء المحلية على قابلية انتشار النشيد في الدول الاخرى ، كما أن اختيار كلمة فرمندة هو اختيار قاصر لأن هذه الكلمة تعني باللغة الفارسية قائد وحدة عسكرية ، وهي أقل وسعا من كلمة رهبر الفارسية التي تعني القائد السياسي والفكري ، كما لايمكن حصر قضية المهدي المنتظر بقائد فرقة عسكرية ، حيث يقتصر استعمال فرمندة يقتصر على القيادة العسكرية ، وهذا التخصيص يمكن أن ينطبق على قاسم سليماني وربما ميرزا كوجك خان ،وتكون باقي الاسماء المذكورة في النشيد غريبة عنه : علي بن مهزيار ( محدث ) ، السيد علي خامنئي ( رهبر ) ، محمد تقي بهجت ( ت 2009 ، وهو فقيه ومرجع ديني ) . كما أن كلمة فرمندة لا تنطبق على واحد من الأحياء الموجودين في النشيد ، فلم يبق منهم إلا السيد علي خامنئي وهو الولي الفقيه ( رهبر ).
انطلق النشيد من مدينة گيلان ، وهناك ولد مؤلف النشيد ، حيث أبرز فيه أهم الشخصيات المشهورة من تلك المنطقة ، وهم ميرزا كوجك ومحمد تقي بهجت ، وتمت توسعة النشيد مع وصوله الى قم وجمكران ، ومع انتشاره تمت اضافات اخرى فيما بعد ، ومع انتقاله الى بلدان اخرى تم شطب أجزاء مهمة منه ليتحول إلى نشيد ديني بحت في بعض المناطق ، وتمت اضافات اخرى من واقع تلك البلدان نظرا لعدم مناسبة النص الاصلي لها ، فقد شطبت الأبيات التالية نظرا لعدم إمكانية تسويقها بهذا الشكل المباشر في البلدان الأخرى :
قد لبى الاشبال نداء سيد علي القائد
اعاهدك يوما ما ، سأكون قاسم سليمانك
اعاهدك سأكون كآية الله بهجت
عهدا سنبقى على الوفاء
لدماء الشهداء ولشمس خامنئاء
اعاهدك ان ابقى وفيا لهذا النظام
وفي لبنان تم اضافة اسماء شهداء مثل الشيخ راغب حرب ، والسيد عباس الموسوي ، وعماد مغنية ، أما في اليمن فإن المذهب الزيدي المنتشر هناك لا يؤمن بالاثني عشرية ولا بالمهدي المنتظر ،فجرى ذكر الامام علي والحسين في ذلك النشيد ، ويتحول النشيد شيئا فشئ إلى نشيد محلي بلحن مستورد .
النشيد موجه للأطفال وهم عماده ، حيث ينشد هؤلاء جماعيا مع المنشد ، ويراد من ذلك تربية جيل جديد يتعلق بمفاهيم ولاية الفقيه ، فقد ابتعد الشباب الإيراني عن الدين والتدين في الفترة الاخيرة ، وذكر الشيخ حيدر حب الله بان نسبة 85/ من الطلبة الإيرانيين من مستوى التعليم الثانوي والجامعي لا يمارسون الصلاة ، وهي نسبة كبيرة في بلد إسلامي أمضى أكثر من اربعة عقود في الحكم ، وتهتم هذه الشريحة أكثر باغاني المطرب الإيراني (ساسي مانكن ) الراقصة ، وتلك مشكلة حقيقية لأن الفن له دور مهم في الوعي العام ويكشف ذلك ضعف تأثير الإعلام الحكومي على هذه الشريحة المهمة .
وفي الختام تبرز اسئلة اخرى منها سر توقيت هذا النشيد بعد مضي اربعة قرون ونيف على بدء الثورة الايرانية وخبو جذوتها وخمود شعلتها وتعثر تجاربها العديدة ، هل هو استدعاء قضية المهدي المنتظر الذي استبدلته ولاية الفقيه باقامة الدولة الإسلامية قبل الظهور ؟ ، وهو الأمر الذي خالفت به الإجماع الشيعي التاريخي الذي ينص على اقامة الدولة الاسلامية بعد الظهور واقتصار قيامها على يد المعصوم
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
