حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 00:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا طرد الثلاثة من قم ؟
الحلقة الثالثة : أحمد بن محمد بن خالد البرقي 1
هو أحد أشهر المحدثين والمؤرخين وعلماء الرجال الشيعة، وهو فقيه من علماء القرن الثالث الهجري، اشتهر بمؤلفاته العديدة، ويقال أنه كتب أكثر مائة كتاب وصلنا منها كتاب المحاسن الذي اعتمد عليه الكليني في الكافي والشيخ الطوسي والشيخ الصدوق، وعلى نحو الاحتمال فإن كتاب رجال البرقي له أيضا .
ذكرت المصادر بأن يوسف بن عمر والي العراق قتل جد جده محمد بن علي وهو جد خالد خلال ثورة زيد بن علي عام 122 هج، فهرب جده وهو صغير الى منطقة (برق رود) وهي من ضواحي مدينة قم، ويبدو انها داخل مدينة قم بعد توسعها .
ولد أحمد بن محمد البرقي على الأغلب في هذه الضاحية بحدود عام 200 هج، ونشأ فيها، واعتبره علماء الرجال من أصحاب الإمام الجواد(ت220هج) والامام الهادي(ت 254 هج)، ولم ترد أخبار عن صحبته للإمام الحسن العسكري أو حدوث لقاء أو مراسلة معه، وكان والده وعمه الحسن من أصحاب الائمة، وتوفي عام 274 هج وفي رواية سبطه ابن ماجيلويه عام 280 هج .
لم تظهر روايات سلبية عنه قبل طرده من قم على يد الفقيه أحمد بن محمد بن عيسى، وكان قد ألف معظم كتبه قبل طرده من قم . وثقه معظم فقهاء ومحدثي الشيعة مثل النجاشي والشيخ الطوسي والعلامة الحلي، واعتبروه ثقة ويعتمد على حديثه، (وروى عنه ستة عشر راوٍ صرحوا بوثاقته، ورواية مثل هؤلاء الثقات الاجلاء الإثبات تكشف عن عظيم منزلة المترجم، والتسالم على وثاقته وجلالته)(1) وفي كتاب المحاسن توجد 2604 رواية، ولم أعثر على رقم تقريبي لعدد الروايات التي دخل في سندها وهي تزيد على ذلك الرقم بكثير .
لقد اعتبر الصدوق وابن إدريس الحلي كتاب المحاسن هو خامس الكتب الموثوقة عند الشيعة، كما وثقة السيد الخوئي في رجاله تحت رقم (798- 797 - 800 ) . وبهذا الحال يبرز أمامنا سؤال هام هو: لماذا طرده أحمد بن محمد بن عيسى من قم وهو بهذه الوثاقة؟. لقد قال في بداية العقد السابع من القرن الهجري الثالث أنه اعتمد على الضعاف في روايته، حتى قالوا أنه استند الى الوضاعين والغلاة، فأخرجه-على وقاره وعلمه- مطرودا من قم إلى مدينة الري ملتجأً إلى أحمد بن الحسن الماذرائي صاحب السلطة في الري.
إننا لو قارنا روايات التوثيق والمدح مع روايات الغلو والتضعيف ووضعناها في ميزان العدالة لوجدنا أن التوثيق يعلو بدرجات على التضعيف. صحيح أن الجرح مقدم على التعديل لكن الأمور بخواتيمها، وما قاله السيد الخوئي بالتوثيق هو نتيجة لدراسة كافة رواياته، ويؤكده اعتذار أحمد بن محمد بن عيسى عن هذا الفعل، ويعني ذلك أنه قال واتهم ثم تراجع عن قوله واتهامه بعدما تبين خطأه .
إننا لو اطلعنا على معظم روايات ذلك الوقت، ظهر للعيان عدم وجود واحد من الرواة كانت كل رواياته خالية من الإرسال و الضعف والوضع، وهذا الكليني الذي صحح البهبودي ربع رواياته فقط، واعتبر الباقي محسوبا على نفس الأسباب التي طرد بموجبها البرقي (أي ضعف الرواية) ولم يرمَ بتلك الأوصاف الشنيعة، والأنكى من ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى اعتذر منه، وندم، وأعلن توبته مما قام به بحق البرقي، واعتبر ذلك وهما واشتباها، ومشى بالتالي في جنازته حافيا حاسر الرأس ليبرئ نفسه مما قذفه فيه، ولإخلاء أذهان الناس مما وقع فيه(2)، وهنا يبرز أحد أهم الأسئلة : ما هو تأثير حسر الرأس و المشي الحافي على روايات البرقي ؟ هل حذف أو صحح أحمد بن محمد بن عيسى تلك الروايات الضعيفة في كتب البرقي ؟ . وهل تم رفع تلك الروايات المقصودة من كتب البرقي وكتب المحدثين الآخرين ؟ الجواب لا . ولم نحصل على اعتذار البرقي عن تلك الروايات . أن حالة الطرد من قم حصلت فعلا، لكن لأسباب أخرى هي غير الرواية عن الضعفاء والمراسيل والغلاة.
نحن بهذه الحالة أمام حالة لا بد من التوقف عندها، لأن (الرواية عن الضعفاء ليست عيبا في الراوي، فإنّ أجلّاء الأصحاب قد رووا عن الضعفاء، إذ ليس كل ضعيف تضعف روايته، إذ قد تحف الرواية بقرائن الصدور فتعتمد، وهذا المسلك كان مشهوراً عند القدماء، إذ أنّ جمعاً منهم - ولعلّه الأشهر - كان يعتمد صحّة الخبر من جهة القرائن، والسند من جملتها….)(3)، كما أن (أحمد بن محمد بن عيسى نفسه روى المراسيل وضمّنها كتابه النوادر ولم يستنكر عليه أحد، وكذا روى عن الضعفاء كروايته عن عمر بن عبد العزيز وعلي بن حديد وإسماعيل بن سهل وغيرهم.)(4)، وبهذا فإن أسباب طرده من قم قلقة ومضطربة وليست تامة، ولا يمكن الاقتناع بها وتصديقها، وهي تخفي اسبابا اخرى سنلقي الضوء عليها .
لقد روى الكليني رواية في الكافي رقم (1381) ستكون مفتاح البحث، وتكشف عن غموض قضية الطرد، فقد ذكر الكليني في الكافي رواية عن( عدة من أصحابنا )وفي سندها البرقي عن علي بن أبي طالب يذكر فيها أسماء الأئمة بالتسلسل ويصل الى( رجل من ولد الحسن العسكري لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا ..)، وقال محمد بن يحيى(ثقة) لمحمد بن الحسن الصفار(ثقة) صاحب البصائر في الرواية التالية رقم 1382: يا أبا جعفر وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، فقال لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين ).
تكتنز هذه الرواية معلومات مهمة عن عصر الحيرة. لأن هذه الرواية في رأي هذين الثقتين غير صحيحة، حيث أن أحمد بن محمد بن خالد البرقي كان قد حار في عصر الحيرة ولا يمكن أن يروي هذه الرواية لأنها معاكسة لمعتقداته . ويتفق معه أبو جعفر محمد بن يحيى بأنه حار، ولا يمكن أن يقول هذه الرواية، لكنه قالها قبل الحيرة بعشر سنين، وارجع هذه الرواية الى عام 250 هج، أي قبل وفاة الإمام الحسن العسكري عام 260 هج وحدوث الغيبة والحيرة، وروايتها بهذا الشكل متناقض وغير معقول حسب رأي كثير من الفقهاء والمحدثين، لأنها كلام في الغيب اولا، وتنتمي الى الوضع ثانيا، وقام الشيخ عبد الله المامقاني( ت 1315 هج) في الجزء السابع من كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال بوضع احتمالات عديدة للحيرة، وبها تتشتت الصورة لما وقع، ويبتعد التركيز على جوهر القضية، فاحتمل وقال :
1- إن وقف البرقي أو تحيره في المذهب هو أضعف الاحتمالات، لأنه من أصحاب الجواد والهادي !!، ولو كان واقفا( أي توقف على امامة الامام العسكري )و متحيرا في أمر مذهبه لما ندم أحمد بن محمد بن عيسى على إخراجه، ولا اقدم على ارجاعه وإظهار الندم من إخراجه والمشي في تشييعه حافيا حاسرا .
2- أنه تحير في أمر دينه برهة من عمره .
3- كان حائرا في أمر نفسه لما اتهم به تهم .
4- أرجع تحيره بعد موت العسكري ع في وجود الصاحب ( المهدي المنتظر) .
5- حار في نقل الأخبار المرسلة أو الضعيفة .
6- تحير الناس في أمره بعد اخراجه من قم (5).
—-------------------------
1)المامقاني ج 7 ص 282
2) القهبائي، مجمع الرجال،ج 1 ص 139 ، المامقاني ج7 ص 283
3))محمد طالب يحيى آل فقيه ، سدرة الكمال في علم الرجال ص 342 .
4) المصدر السابق .
5) تنقيح المقال ج 7، ص 288 - 289 .
يتبع
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟