أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - سيرة كاتب نرجسي تقاذفته الأمواج















المزيد.....


سيرة كاتب نرجسي تقاذفته الأمواج


قيس كاظم الجنابي

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


-1-
أطلق الدكتور عبدالله إبراهيم هلى سيرته الذاتية عنوان(أمواج)، فجعلها على (11) موجة، قسّم كل موجة الى عنوانات ثانوية(داخلية)، ليرسم لنا صورة عن نفسه، او عن وطنه منذ صباه، وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003م، مع استطرادات مختلفة تنسجم مع الخط الافقي الذي رسم عبره انتكاسات حادة أحياناً نحو الماضي او تحليقات في الحاضر القريب، وقد استحوذت الأحداث السياسية على مساحة واسعة من الكتاب فاقت السيرة ذاتها،وجلّ تلك الاحداث تتعلق ببلده العراق،وبنظام الحكم الصارم بعد صعود نجم (صدام حسين) عام 1979م، وانفراده بالسلطة واستحواذه على سلطة الدولة والحزب.
يعد العنوان ثيمة مركزية مؤثرة في هذه السيرة، والتي تبدأ مع المستهل وحتى نهايته، بحيث بدت هذه السيرة تطفو فوق تموجات متدفقة على سطوح البحار والمحيطات، في وقت تصاعدت الصراعات الدولية بين الشرق والغرب؛ فقد وصف العراق بأنه " يعوم على أمواج العنف،والتعصب ،والاستبداد، والفرقة،والانغلاق".[ص12/ أمواج، سيرة ذاتية: عبد الله إبراهيم، دار أبجد، ط2(بغداد، الحلة، 2023م)]
ولعل الإشارة السابقة تعد أوضح إشارة الى العنوان في مستهل الكتاب، تلتها موجات أخرى، حتى انتهت الموجة الأولى بقوله:" وبذلك تلاشت أولى أمواج حياتي كبيضة الريح".[ص88] كما وصف اسراب الطائرات بالامواج الكثيفة وهي تهاجم بلده، ووصف النهايات بأنها" كالامواج المتطلامة".[ص316] ثم افصح عن اختياره لهذا العنوان في قوله:" ومنها خطرت لي فكرة"الأمواج" التي جعلتها نظاماً لمراحل حياتي في هذه السيرة".[ص472]
وقد اقترنت هذه"الأمواج" او الأبواب من سيرته بالذكريات والمذكرات والوثائق والقراءات بشكل عام، ولكنها ارتبطت بشكل خاص بـ"اليوميات"، التي أشار اليها الكاتب،واستقى منها بعض الاحداث والمواقف، بطرقة أو أخرى، ذلك لانه أذاب هذه اليوميات في سيرته هذه، وجعلها النسغ الذي يسري في أفنان سيرته الوارفة الظلال والمتعددة الأغصان، كما قال:" وحينما بدات في ترتيب أحداث هذه الفترة من سيرتي،استناداً الى يومياتي،وجدت انني سجَّلتُ فيها يوم الجمعة 21/1/1977 النص الاتي المعبّر عمّا كنت عليه".[ص71] وكذلك قوله:" أدوّن يومياتي"، وقوله:" أكتب يوميات متشائمة"، وقوله:" واواصل كتابة يومياتي،وبعض القصص القصيرة".[ص153] وقوله:" مدوّن في يومياتي"، و" سجلت في يومياتي"،و" كتبت في خاتمة يومياتي"،وقوله:" ثم تناولت مفكرتي وسجّلت".[ص267]، وقوله:" دوّنت"،و"أودعه يومياتي"،و"يومياتي"،و" هذه اليوميات". مما يكشف ان سيرته ما هي الا خلاصة ليوميات كان قد كتبها في سنوات سابقة من حياته.
لقد أطال كثيراً في سرد الاحداث التاريخية التي يمكن ان يجدها القارئ في المراجع والمصادر التاريخية المتخصصة، في التاريخ السياسي للعراق،لاعتقاده بأنه يروي" لمتلقٍ، لم يعلم، في الغالب، ان تعريف الشخص بقوميته، او دينه، او مذهبه، يعد خلال سبعينات القرن العشرين،انتقاصاً وسبّةً".[ص12]
هذا النص، بالرغم من تعلقه بحادثة معينة، الا انه يوضح المنهجية التي اتبعها الكاتب في سرد سيرته الذاتية، والتي تركزت حول شخصية الكاتب،والعراق، وقد اختزل سيرة بلاده بشخص الحاكم" صدام حسين"،واعتقد انه فعل ذلك ليجعل لهذه السيرة صداها السياسي وغير الذاتي، أي ينقلها من فضائها الذاتي الى فضائها الموضوعي او السياسي، وهذا نوع من اللعب على القارئ من ناقد محترف طموح لكتابة رواية تؤرخ لتاريخ العراق، ولكنه فشل فجعل السيرة تعويضاً عن الرواية.
كما ربط يومياته بالوثائق الأخرى، فقال:" رزمت رسائلي،يومياتي ،ووثائقي،ومخطوطاتي،وجمعت بحوثي، وكتبي".[ص500] وكذلك أشار الى خطته في كتابة هذه السيرة، والى ذاكرته وذكرياته ورسائله ورسائل لمياء والى اعترافات الاخرين، ومنها اعترافات مؤنس الرزاز التي اثنى عليها مع وجود وثائق تدعمها الكثير من القراءات الفكرية والأدبية.
وهو مع وثائقيته، فانه يميل الى الاستطراد، في استرجاع بعض الاحداث او استحضار ما كان محسوباً على الزمن القادم، وهو يتكلم عن مرحلة تاريخية سابقة، كما في استطراده ، حين يقطع استرساله في الحديث عن مهرجان المربد لكي يتتبع علاقة صدام حسين بالشاعرة سعاد الصباح، في ضوء الذكرى الرابضة في ذاكرته.
-2-
تعد السيرة الذاتية هي الهدف الأساسي للكتاب وجوهره، لانها تمثل موجز حياة انسان مكافح يرغب بالوصول الى النجومية، ومرابع العلم والتطور، وجزءاً من محاولة لقراءة التاريخ الموازي لسيرته، مع انه لم يترك مساحة واسعة لذاته، او سيرته بشكل واضح، حين اقحم نفسه في اللعبة السياسية، وصراعت القوى وتوالي الاحداث والحروب بالعراق، والتي استحوذت على مساحة كبيرة من الكتاب، وكأنه مركز السلطة العميقة لها؛ مع ان المثقف العراقي على مرّ العصور بعيد عن السلطة، فاذا ما ولجها اما تقتله او تلغي ابداعه، كما حصل للكمالي وشاذل طاقة وعلي الحلي وصالح مهدي عماش ... وغيرهم. وكأني به قد استخدم يومياته لكتابة هذه السيرة، ولكنه آثر ان يتخلى عنها واكتفى ببعض الاحالات والتنصيصات المنتخبة منها.
وقد بدأ سيرته منذ طفولته، حيث أشار الى الثأر العشائري وعلاقته بقصص(رماد الليل) والذي وصفه بأنه من "الحكايات المتداولة في عائلتي أظهرت أبي مزيجاً من وليٍّ طاغية ،ولكنه توفي غريباً خامل الذكر في غير المكان الذي عاش فيه وبنى أسرته".[ص15] وهنا سيطرت (اسطورة الاب)التي تحاكي اسطورة(أوديب) في الفكر اليوناني، التي غذتها تحليلات(سيجموند فرويد) حول(عقدة اوديب)، حيث يساهم الابن في خلق اسطورته الخاصة به، ليقتل بها اسطورة الاب الطاغية؛ لهذا وقف نداً صلباً بمواجهة اسطورة الاب – الحاكم (القاسي) صدام حسين بطريقة كان يطمح بها قتل اسطورة الاب الذي أزاح صورة الاب الحقيقي عن الواجهة. لهذا كانت الام المضحية هي التي تعزز عقدة أوديب، فجعلها صنواًً لمكتبته التي اعادت انتاج اسطورة الاب الغائب حين قال:
" كانني أقرن مكتبتي بامي، وكما أنني لم أفكر بأمي الا بعد وفاتها، فما فكرت بالكتابة عن مكتبتي التي فقدتها".[ص31]
لهذا حاول مزج الأسلوب الروائي بالأسلوب السير ذاتي، لانه تدرب عليه في كتابة القصة القصيرة، مع محاولات فاشلة في كتابة الرواية، والتي كانت ليست سوى تلخيص لفيلم هندي ،" او توليفة لمجموعة من الأفلام، فمزقت روايتي الأولى، وبقيت طوال عمري أعدُّ نفسي لكتابة رواية دون أن أفلح في ذلك. أكتب فصولاً، وأضع مخطّطات،واتخيّل أحداثاً، وأرسم شخصيات ، لكنني أنكفيء،وأتوقف".[ص55]
وكذلك حاول كتابة الشعر ولكنه فشل؛ فكانت هذه السيرة هي التعويض عن الفشل في الابداع والنجاح في البحث والنقد والحياة، ثم راح يستذكر كبار القامات الأدبية العالمية، مثل رامبو ونيرودا وجويس ...، لكن الواقع يحيله الى جان دمو وعواد علي .. والآخرين من حلقة جماعة كركوك الثانية التي أدركها بعد هروب أعضائها من الجيل الستيني او تراجعهم.
كان شعوره بالشتاؤم واضحاً، منذ وفاة والده واصابة والدته بالسرطان، وحياته في القرية وغرق ثلاثة من اسرته بالنهر،وقبوله في جامعة الموصل ونقله اجبارياً الى جامعة البصرة، ولكنه كان محظوظاً في الجانب الدراسي واجتيازه حلقات التحصيل وذيوع اسمه ومنهجه، وكأني به يحمل شعلتي(الخير والشر) بيد واحدة، وهو ما يمكن ان نسميه بازدواجية (النصر والهزيمة)؛ ولهذا قرن نفسه بشخصية صدام حسين،الذي هو الآخر يحمل معه السرعة في اجتياز المناصب،وان كانا من جيلين مختلفين، ولكن مواجهاتهما متشابهة؛ ومن خلال هذا الصراع المضمر بين الرغبات والنكبات صار ضنيناً "باظهار" عواطفه" جاهلاً بمساراتها،وكثيراً ما استهجن سلوك الإباء الذين يظهرونها كجزء متمم للعلاقة مع الأبناء، فقد كان يتوقع ان تحصل له عقبات باستمرار، حتى انه حين قدم مجموعته القصصية(رمال الليل) لطبعها رفض الخبير ادراج قصة(ماراثون الليل) من ضمنها؛ فهو من النوع الذي يرسم حلماً وردياً، ثم يخوزقه بلهب من نار، ثم يريد ان يغير مجرى الاحداث على طريقته الخاصة، وفي ظل نظام لا يرى في نفسه الا الصواب مهما كانت العقبات.
ويبدو لي من خلال ذلك ان طموحه أحياناً يفوق قدراته، فهو لم يستطع ان يكون قاصاً ولا روائياً، وان رغبته في كتابة"رواية" عن تجربته تكون شاهداً على الاحداث في العقد الأخير من القرن العشرين، لم تتحقق؛ مع انه لم يدر انه يكتب " تاريخاً للاحداث ذاتها"، انما أراد ان يجعل " منه خلفية لحدث يتأرجح بين التخيّل والواقع "،يوظف فيه قدراته وخبراته "التي اكتسبها في تقنيات السرد".[ص418]
ولكنه لم يستطع ذلك، فوجد ضالته في السيرة(أمواج)،التي ربما كانت سيرة حي بن يقظان هي الأولى في هذا التمثل، حين راح يوظف النقد لاستيعاب تجربته وتحول الكتابة لديه الى الالة الحاسبة؛ وهو في كل هذا وذاك كان يدفع نفسه باستمرار نحو الاحداث الجسام المتشابكة في العالم ليربط تصوراته بها، وكأن حياته هي جزء من صراعت القوى العالمية المتصارعة مثل الهجوم على مركز التجارة العالمي والحرب بين العراق وايران أوالعراق والولايات المتحدة؛ وما شابه وكأنه يضع نفسه في مركز الصراع كشخصية سياسية،وهذه واحدة من مشكلات المثقف العراقي دائماً، يريد ان يكون في مركز الحداث لا في مركز الثقافة.
😚
تأخذ العلاقات النسائية موقعاً مهماً، في سيرته الذاتية، لانها الأكثر اثارة، وهي الأقرب في سردها الى السرد الروائي، لان المرأة/الانثى تعد من أكثر الموضوعات اثارة لدى الشرقيين، ولعله اختلق بعضها، او افتعلها اوزاد عليها من خياله، وربما كتبها بهدف تلطيف الأجواء واجتذاب القارئ الى جانب الاحداث السياسية، ومن المحتمل ان ذكرياته عن علاقاته النسائية قد دونها في يومياته ثم أعاد انتاجها في هذه السيرة، فالمرأة الجميلة او العاشقة هي الأكثر حضوراً او انغماساً في كتاب(أمواج)؛ المرأة التي تنجذب للشخصية الهادئة، لا الشخصية اللعوبة التي تريد ان تقضي وطراً او لحظات جميلة للتمتع بالعلاقات الطارئة على حياة الانسان. فقد كانت مغامرات المراهقة، او اللحظات الصبيانية جزءاً من سيرة عادية يمكن ان تحصل لاي مراهق او شاب،ولكن إعادة انتاج مثل هذه الذكريات جعلها أكثر اثارة،وخصوصاً وانه كتبها بأسلوب قصصي مشحون بالاثارة والتشويق، كما في بدايات الإشارة الى مغامراته الأولى، في قوله:" بدأت أتفتّحُ أنا: غزتني الرغبات السرية بالنساء،والمرأة الأولى صبية حسناء، أحسبنا ولدنا في السنة نفسها، لكنها شبّت قبلي، وامتلأ جسدها برحيق الانوثة، ودوّخني اريجها الطبيعي".[ص35]
وهو يفصح عن الكثير من هذه الرغبات والصور والاحلام اللذيذة او احلام اليقظة، لكي يستثمر المواقف والاحداث ويوظفها في سيرته التي أراد لها ان تكون أقرب الى اعترافات القديسين بالخطايا، اعترافات صبي مراهق بالنضج الذكوري والرغبة بالانجذاب الى الجنس الاخر، وهي دليل على صحة تطور ونضج الشخيصة وبعدها عن التفكير الشاذ؛ فاللحظات التي يلتذ فيها باللمسات ثم القبلات"قصيرة خانقة ولا طعم لها، ثم أصبحت طويلة ،وممتعة"، فقد تعلّم "قبلة الفم بطعم الندى في الربيع".[ص38] وقد ساهمت السينما في تثوير الكثير من الغرائز والصور.
وفي مجال الدراسات الحديثة، تعد القبلة" هي أول اعتراف بالرغبة .. بل انها باية العلاقة .. وقد تكون نهاية العلاقة.إن وجود القبلة هو إعلان لبداية الحب والجنس،وتوقفها قد يكون إعلاناً لتوقف الحب والرغبة الجنسية.إن القبلة عاطفة، متعة، احتياج بدني للرجل والمرأة على حد سواء".[ص12/القبلة: د.فوزية الدّريع، منشورات الجمل( بغداد،2006م)]ولهذا طرحها الكاتب كتعبير عن نضجه الذكوري المبكر، كأي ريفي يرى في مثل هذه العلاقات تعبيراً عن شخصيته وتطلعاتها.
كانت التجارب الأولى، مجرد علاقات مع صبايا مراهقات، لم يذكر اسماءهن، ثم تطور الامر فيما بعد الى ذكر أسماء بعض الصديقات او العشيقات، ولعل هذه الأسماء او بعضها هي أسماء رمزية، او شخصيات روائية، تحيل الى الاسم الحقيقي، كما يفعل بعض الادباء وكتاب السيرة الذاتية، ولكنه لم يذكر واحدة ممن التقى بهن. مثل (هيام) التي ظلت "تقرع" في نفسه وذاكرته،"عبر السنين حلماً جارفاً ،وشهاباً ثاقباً، لا" يظنه" احتراق، ولا أصبح رماداً!".[ص125]
كانت العلاقة الأكثر اثارة هي علاقته مع(لمياء رافع) التي لم يصرح باسم والدها الا في مكان آخر، وقد قرنها بمطالعاته لروايات وسير ذاتية، مثل (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز،و( الضحك والنسيان) لكونديرا،و(تقرير الى غريكو) لكازانتزاكي،و(الغابة الضائعة) لرافائيل البرتي؛ حيث غمرها"حب عاصف كأنّه انبثق في عالمانا الى درجة جافانا فيها النوم ليلاً، فتهاتف، في انتظار ان تشرق الشمس لتكون معاً. ياله من جنون مدوخ ضربنا،وأسرَنا! كنت عاشقاً، ولا رغبة لي بغير لمياء".[ص434] ولم يصرح بأنها متزوجة، كما سيذكر ذلك، وهل انها تزوجت فيما بعد! وهل كان هو متزوجاً،ووقع في هذا الغرام!
كان يغشاه(حلم يقظة) بها، وتغمره الاحلام في الليالي اللاحقات، فكان يقول:" وحينما افترقنا بدا وكأننا ننتزع نفسياً من دوحة مترفة الى جحيم مخيف. بقيت رائحتها في فمي ،وأنفي، ووجودي".[ص436] ثم يلتقي بها فيما بعد، في وقت حصلت فيه الكثير من الاضطرابات والصراعات المحتدمة في البلد، واصطدامه مع عبدالامير معلة في اتحاد الادباء.
وقد وظف الكاتب رسائله مع لمياء بوصفها وثائق، او يوميات لاستمرار العلاقة ؛فالكتابة تمتص الكثير من الازمات والتوترات؛ لهذا كان يقول:" ألوذ بالكتابة الى لمياء،وحينما تُمسي مشاعري شرسة كنمر في غابة أفكّر في الحكمة المستخلصة من ان يمضي رجل مثلي حياته بعيداً عن المراة التي يحب،(...) واتخيل ان لمياء هي الوحي الذي انتظر هبوطه".[ص473]
وفي هذه المرحلة يذكر تمرد لمياء على زوجها وارسالها رسالة له، كمحاولة منها للحصول على طلاقها منه، فكانت لمياء هي الشخصية الانثوية الأكثر حضوراً في سيرته، أما عن زواجه واسرته؛ فقد تعمد الابتعاد عن ذكرهم، واما (أزهار مهدي) فلم تستحوذ على تلك المساحة المهمة من سيرته حالها حال باقي الشخصيات الانثوية. وقد أشار الدكتور شجاع العاني في سيرته اليه بصورة غير مباشرة، في انه ممن يبحثون عن العلاقات النسائية خارج اطار الزوجية، واعتقد ان بعض هذه العلاقات مبالغ فيها لان القلم أحياناً يشطح خارج فضاء الواقع فيضفي على ملامح السرد في كتابة مشاهد الحب. ومن المحتمل ان تكون هذه العلاقات قد استبدالها بعلاقات أخرى أو أسماء أخرى لابعاد المقربين منه عن الشخصية الحقيقية.
-4-
في هذا الكتاب يمتزج التاريخ السياسي بتاريخ السيرة الذاتية نفسها، مثلما تمتزج بالاطار الثقافي، في امتزاج غريب يكشف عن قدرة الكاتب على التلاعب بالالفاظ، ودمج المشاهد،والانتقال من الحاضر الى الماضي،والاستطراد حول حياة بعض الشخصيات التي قد يرد ذكرها؛ فقد استفاد فائدة جلى من تجربته في كتابة القصة القصيرة ومحاولاته في كتابة الرواية وتجاربة في قراءة التراث العربي، القديم والمعاصر، فقد حاول دمج التراث العربي القديم بالتراث السردي الجديد، من خلال أدب الرسائل والترسل العربي؛ لأن تجربة الجاحظ(ت255هـ) تمثلت لديه بوضوح، فضلاً عن أدب الرحلات والنصوص التاريخية والفلسفية والاداب السياسية العربية، وقبله اليوناني والروماني،والادب الغربي الحديث، في تمثل الرؤية الفلسفية ذات التوجه العقلي هي التي تتحكم في تصوراته، فضلاً عن المنهجية المضمرة، لانه باعتقادي يخطط ويستجمع ويستذكر ويكتب.
يقول:" أكتب مقطّعات مشوشة ، ملأت بها دفاتر عدّة ، أنسّقها على غرار قصيدة التفعلية لكنها تأتي متعثرة في ايقاعها،وكثير من ألفاظها ينأى عن المعاني التي أريدها،(...) لغتي ضعيفة،ومعجمي ضحل، واخطائي كثيرة، ولا أجيد الالقاء،وأجهل البنيات الصرفية للكلمة".[ص61]
تلك كانت البدايات، ثم كان اتصاله بجماعة كركوك(الثانية) الخصبة والمتنوعة قومياً ودينياً وثقافياً، حيث "افتخرت كركوك بتنوّعها المدهش، قبل ان يتحوّل ذلك الى خطر يتهدّدها".[ص11]
ولعله كتب هذه السيرة كجزء من تاريخه وارتباطه بكركوك، وما حصل فيها بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، وتطور نفوذ الكرد نحو ضم كركوك الى اقليمهم، لهذا شرع في "كتابة هذه السيرة" التي يقول انه أرادها" مدونة اعتراف وليس تبريراً، واستعدت فيها شطراً من حياتي في كركوك (...) فانا أروي لمتلقٍ، ولم يعلم، في الغالب ، ان تعريف الشخص بقوميته،او دينه، او مذهبه، يعد خلال سبعينات القرن العشرين انتقاماص وسبُّة".[ص12]
كانت جماعة كركوك الأولى المتمثلة بفاضل العزاوي ومؤيد الراوي وسركون بولص ويوسف الحيدري وصلاح فائق ... وآخرين، ممن هاجروا فيما بعد الى المنافي ولم يعودوا، ثم جان دمو وفائق مصطفى ممن يمكن ان نسميهم جماعة كركوك الثانية، وممكن ان يكون جان دمّو وفائق مصطفى ممن جمعوا بين الجماعتين،ولكن عبدالله إبراهيم كشاعر وأديب شاب قد نهل من تراث الجماعتين وذكرياتهما، ولهذا جعل جان دمو زعيماً للثانية ، وان كان من مخلفات الجماعة الأولى، فوصفه بانه" اديب بلا ادب لا يُذكر له الا شذرات متناثرة ،ومترجم يُنقِب عن معاني الكلمات في قاموس صغير يحمله معه، ولكنه مذواق، وساخط، وكثير التثاؤب،وشبه منطفئ، وقد تشبّع بالتخيُّلات الأدبية مثل "الدون كيخوتة" الذي غرق قبله بأربعة قرون في روايات الفرسان".[ص74]
وفي الغالب عندما يُذكر جان دمّو ، يذكر معه (خاجيك گربيت آيدنجيان) الذي استلهم الكاتب شخصيته في قصة له،واشتهر بديوان عنوانه(الحشرة الافيونية)،والذي صدر بعنوان(الحسرة الافيونية)، اما باقي الجماعة فليس لهم حضور، وباستثناء جليل القيسي ، الذي بقي صامداً في كركوك حتى وفاته، فاما الجماعة الثانية فتلاشت، وبعد الاحتلال الأمريكي تمزقت،ونالتها النوائب، وبقي عواد علي، الذي عاد من الأردن واستقر هناك.
ورغبتي في الكتابة عن سيرة الكاتب (أمواج) تلح عليّ بترك الاحداث السياسية ، والتركيز على السيرة الذاتية، التي عبرت عن وجود نوع من النرجسية والشعور بالتفوق المشحونين بالسخرية من الآخرين، فلم يثنِ عن احدٍ من أصدقائه ومجايليه الا من النادر، واعتقد بأن ماكتبه عن الاحداث السياسية في العراق( عن الحربين بشكل خاص)؛ لا أهمية له لانه لم يشارك في أي منهما، بمعنى المشاركة الحقيقية، ويبدو ان ثمة دوافع دفعته حين كان يعمل في خارج العراق، لزج نفسه في هذا الموضوع ترويجاً لاحتمالات قد تحصل فيما. وكذلك في الحياة المدنية في عهد نظام صدام حسين لم يكن له عمل في دوائر حساسة او مناصب مهمة. كما ان الكتابة عن مثل هذه الموضوعات تحتاج الى وثائق وليس الى ذكريات طارئة.
اما ما يخص منيف الرزاز،وابنه مؤنس الرزاز، فاتي التقيت خلال مدة اعتقالي في معتقل بوكا عام 2007م بشقيق الطبيب(الرائد سابقا اللواء فيما بعد) المنتدب من مستشفى الرشيد العسكري الى مديرية الامن العامة،وحدثني عما رواه شقيقه عن موت الرزاز وعدم سماح مدير الامن العام بخروج الطبيب بذرائع واهية حتى استفحل تأثير الألم فتوفي،وقال لي شقيقه( جاد الله الجبوري، من قريبة الحجاج قرب بيجي) ان اخاه لم يذكر له شيئاً عن الحادث الا بعد الاحتلال الاميريكي،فقد كان متكتماً على الحادثة.



#قيس_كاظم_الجنابي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الوجود والسَّرد في قصص سركون بولص
- أيام فرج ياسين.. سيرة بلا حشو
- السيرة والفن في كتاب (رجل على كتفه طير)
- الشجرة والعصفور قراءة لقصيدة السيرة في مجموعة (نون النسيان)
- متاهات السرد في رواية (سيرة موجزة للألم)
- فارس الرحاوي.. من القصيدة الى التوقيع
- النزعة المثلية في شعر وهاب شريف
- في حداثة قصيدة النثر عند حكمت الحاج
- التماسك السردي في (موسيقى سوداء)
- الازدواجية الحضارية في كتاب (علم آثار عيلام)
- سيرة ذاتية للخيانة قراءة في كتاب (لمسات وراق فرنسي الهوى)
- نساء مغامرات في طريق الاستشراق قراءة في كتاب ( سيدات الشرق)
- الرحلة والسيرة في كتاب (الطريق الى مكة)
- الرحلة بوصفها في (مغامر عماني في ادغال أفريقيا)
- باسم عبد الحميد حموي
- فصول ذاتية من سيرة غير ذاتية عند الدكتور علي جواد الطاهر
- الرحلة اليتيمة (حصون تحت الرمال)
- حول رحلة المس بيل (من مراد الى مراد)
- التبشير والتصوف في رسائل ماسنيون للكرملي
- سيرة جيل في كتاب (بغداد السبعينات، الشعر والمقاهي والحانات)


المزيد.....




- الأونروا تكذب الرواية الإسرائيلية: لم نسجل أي حالات لاستيلاء ...
- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قيس كاظم الجنابي - سيرة كاتب نرجسي تقاذفته الأمواج