أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هايل نصر - الخوري بيير l’Abbé Pierre . دين وعلمانية




الخوري بيير l’Abbé Pierre . دين وعلمانية


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1817 - 2007 / 2 / 5 - 12:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الخوري بيير . دين وعلمانية l’Abbé Pierre

دولة علمانية كفرنسا كافحت طويلا لفصل الدين عن الدولة وكرست العلمانية في كل نواحي حياتها, تنحني خشوعا, يوم 23 جانفي 2007 أمام جثمان رجل دين (94 عاما) , خوري. رئيس الجمهورية ومرشحي الرئاسة. الوزراء والنواب و كبار المسؤولين. اليمين واليمين المتطرف. اليسار وأقصى اليسار.الوسط يمينه ويساره. الغني والفقير والمعدم. المواطن الفرنسي, والأجنبي المقيم إقامة شرعية أو غير شرعية. اللاجئون وطلاب اللجوء. الأبيض والأسود. المسيحيون بكل طوائفهم. وغالبية المسلمين. انه ألخوري بيير. الرجل الذي احتل المكانة الأولى في قائمة الأكثر شعبية في فرنسا ومنذ عقود.

لماذا ينعقد التقدير والمحبة والاحترام لرجل دين بعينه, لم بكن فقيها دينيا ولا داعية او مبشرا. ولم يتدرج في المراتب الدينية. ولكنه مع ذلك كان اشهر من البابا كشخص. كان كأي إنسان عادي يحضر القداس كل احد. ولم ينشر كتابا في المعتقدات الدنية أو التفسير وتفسيرا لتفسير. وإنما كتب كثيرا وتحدث دون انقطاع في الدفاع عن المظلومين, وعن الفقراء, عمن لا يجدون السكن أو السكن الملائم. لم يلق خطبا نارية تهتز لها المنابر, ولا اهتزت لحيته عنفا وتصبب العرق من جبينه و تطاير الشرر من عينيه وهو يتحدث على شاشات التلفزيون. لا يقدم العضات الشفهية وينثرها في كل مكان لتبقى شفهية. لم يكن من حزب سياسي ولا من أعمدة السياسة ــ رغم انه كان نائبا في الجمعية الوطنية من عام 1945 إلى 1951 ــ ولا رجل أعمال ومال ونفوذ. لم يكرس حياته لهذا أو ذاك أو لشهرة, أتته طائعة و باستحقاق. ولكنه قام بدوره كانسان أولا وأخيرا. إنسان عادي بسيط في عاداته, استثمر تطوعا في ميدان الخير, خير الضعفاء وفي ساحات مكافحة الفقر وليس في الكنائس. صلب في إرادته. مؤمن بإنسانية الإنسان. يتحلى بأخلاق الدين دون تعصب ودون الغمز من معتقدات الآخرين. لقد كتب ليقول إن " الحياة الخالدة لا تبدأ بعد الموت. وإنما تبدأ الآن, خلال هذه الحياة, في الاختيار الذي نختاره كل يوم بين أن نكفي أنفسنا بأنفسنا, أو للمشاركة في أفراح و أتراح الآخرين". وهو الذي يرى أن " الناس يتقاتلون فيما بينهم فيقتل منهم الملايين لانتصار زعيم. يتقاتل أناس لا يعرف بعضهم بعضا, بأمر من رؤساء يعرف بعضهم بعضا ولكنهم لا يتقاتلون. يوقعون السلام بيد ممسكين كؤوس الشمبانيا باليد الأخرى. ". ( Absolu 1994 ).

لقد شارك الخوري بيير في الحرب العالمية الثانية. وكرس فترة نيابته في الجمعية الوطنية ليكون صوت المستضعفين والمحتاجين والفقراء. عرف كيف يصل إلى مطالبه لصدقه وثقة الناس به, وإرادته وتصمميه على مساعدة من هم بحاجة للمساعدة. عرف كيف يصل بالطرق القانونية وحدها. فكان تدخله هو تدخل القانون والحق والعدالة مجسدة فيه. كان يعتصم مع من تقف التعقيدات الإدارية أو المناورات السياسية في وجههم. و يتظاهر معهم حتى في أقسى الأحوال الجوية. يخافه بشكل خاص وزراء الداخلية, والعمل. والعدل. ويكفي التوجه إلى الأفارقة والعرب والأتراك وغيرهم من طلاب اللجوء أو ممن كانوا مهددين بالترحيل وممن كانوا يعتصمون بالكنائس ليبينوا من هو الخوري بيير.

مؤسس جمعية اماييس Association Emmaüs عام 1949 المنتشرة الآن في 40 بلدا, وبواسطتها مول مشروعه في بناء 12000 مسكن مؤقت لمن هم بحاجة للسكن, وخاصة بعد الكوارث الطبيعة لعام 1954. وأسس عام 1988 جمعية سكن لمحدودي الدخل. وفي عام 2004 أطلق حملته ضد الفقر ومشروع التوسع في بناء المساكن. ويعلن اليوم الوزير المسؤول عن السكن بان القانون الجديد سيسمى باسمه.

وقف مع القضية الفلسطينية وساندها, وساند الشعب الفلسطيني في وجه الظلم الذي لحق ويلحق به, وتحمل من اجل ذلك مواقف المتطرفين اليهود منه. وقف بكل شجاعة وحزم ضد التمييز العنصري وخاصة في جنوب إفريقيا...

لم يكن يفكر إذا ما كان يقوم بذلك لكونه رجل دين, أم لأنه مواطن يحتم عليه واجبه المشاركة في بناء وطنه, أم لأنه إنسان يشعر بالإنسان أينما كان, أم لأنه عملي يريد كوريث حضارة عريقة ومفاهيم فلسفية وقانونية وأخلاقية, طبيعية كانت أم دينية أو وضعية, أن يخرجها من بطون الكتب إلى الواقع المعاش. والحقيقة انه كان يقوم بذلك لأنه استطاع أن يجسد كل ذلك.

الخوري بيير ابن النظام الديمقراطي, نشأ فيه و تأثر به, وتربى على قيمه ومثله, وتفاعل معه, وعرف آلياته ووسائله. وابن الكنيسة التي لم تكّفر هذا النظام, وإنما بالعكس رفدته بقيم وأخلاق تلاقت وتفاعلت مع المبادئ الأساسية للديمقراطية التي تقوم على التعددية الفكرية مهما كان مصدرها, وقبول الآخر مهما كان أصله أو دينه أو لونه, والعيش معه بسلام وبمواطنية يكفلها الدستور والقوانين والأنظمة.

لقد خصصت لتشييعه الصحف الفرنسية كلها, على المستوى الوطني و على المستوى المحلي, مقالات طويلة وعديدة نشير لعنوانين بعضها:

لوموند Le Monde في 23/1/2007 " الجمعيات تتمنى الاستمرارية بعد الخوري بيير". 6 صفحات.
24/1/2007 " الخوري بيير بمستوى الأسطورة". 4 صفحات.
Libération 23/1/2007, 8 صفحات تحت عنوان " تكريم بالإجماع للمدافع عن المحرومين".
Le Figaro, 23/1/2007 " تشييع بالإجماع للخوري بيير". وفي 26/1/2007 " الجميع في وداع الخوري بيير" 8 صفحات.
26/1/2007 " وداع بالإجماع للخوري بيير" 8 صفحات.
L’Humanité " 23/1/07 " ثائر الطيبة". صفحتان.
وخصصت له مجلة الحياة عددا كاملا تحت عنوان الرجل الذي أيقضنا. وهي تعد لتخصيص عدد قادم بأكمله لهذا الرجل.

عشرات الكتب والمقالات تحدثت عنه وعن أعماله. جمعيات المجتمع المدني تقتدي بمواقفه و تضحياته وخبرته, وتعد كتقدير له بمواصلة عملها وتطويره.

لا نستطيع عرض منجزات الرجل وكفاحه الذي استمر عقودا طويلة, والذي لا ينتهي بعد موته ولمن يريد الإطلاع على ذلك عليه مراجعة بعض ما كتب عنه. ولكن لا يجب أن تفوتنا الإشارة إلى ما لخصه بيردو Perdo, المتطوع لدى فقراء مدغشقر بقوله: أن هذا الرجل تجرأ على قول الحقيقة كاملة لمجتمع مخدر بمنجزات التقدم. فقد رفض اعتبار الفقر قضاء. لقد كان مؤمنا بقدرة المهمشين بالنهوض و بكل كرامة وبوسائلهم الخاصة. رجل الدين هذا كان يقول لرجال السياسة في كل المستويات والاتجاهات بان النضال لمكافحة الفقر لا يخاض فقط بإصدار المراسيم, والقوانين, والخطب, ولكن بالإصرار الدائب والعمل المادي مع آلاف الفقراء ووسطهم. متوجها كذلك لرجال الدين طالبا منهم الدفاع عن الفقراء, والطبقة العاملة ومن لا سكن لهم, وكل المهمشين.

رجل الدين هذا لم ير في النظام العلماني الديمقراطي ما يعيق عمله, أو يحدد إرادته, أو يملي عليه توجهاته, وإنما العكس, وجد توافر كل الوسائل المساعدة على تحقيق جميع أهدافه. فالديمقراطية تستوعب الجميع, بمن فيهم رجال الدين الذين يمارسون عباداتهم ومعتقداتهم, وينشرون آراءهم بكل حرية, حرية يكفلها الدستور, أكانوا كاثوليك أم بروتستانت أم أرثوذكس, يهودا أم مسلمين. وهي لا تقمع الآخر وأفكاره ولا تعتمد غير مبادئ المساواة في الحقوق والواجبات, والحريات العامة, والمواطنية. كما أنها تغتني بالقيم الروحية.

الديمقراطية مرجعيتها الإنسان وهدفها الإنسان, المواطن, فهي مرنة تعترف بالأخطاء و تقبل تصحيحها, وهي نتيجة فعل الإنسان وإبداعه وتطوره. والإنسان بطبعه خطّاء. و لا تعتمد السماء, التي يريد البعض تضييق رحابها لاحتكارها, مرجعية لبرامجها ومشاريعها, و لرسم طريق عملها. وهي تلتقي مع التعاليم الدينية الروحية التي تدعو لتكريم الإنسان.

ما حسمته الدول الغربية, منذ قرون, في فصل الدين عن الدولة وتبني الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات, يبقي عند بعض رجال الدين عندنا, وخاصة من يتخذ الدين وسيلة سياسية, غير محسوم, وغير قابل للحسم, كأمر أسبقية الخلافة ولمن كان يجب أن تكون.

يربط هؤلاء تخلف منطقتنا ليس بتخلف المفاهيم السائدة التي يحاولون ترسيخها, والأنظمة الدكتاتورية الحاكمة وفسادها, والمعالجات الخاطئة, والبقاء خارج العصر والاستنكاف عن الدخول فيه, وإنما بسبب غضب السماء من عدم طاعة الله على الطريقة التي يراها أدعياء الدين ويريدون فرضها بالعنف والإرهاب. فالهزائم كانت بسبب هذا الغضب, والنصر, على ندرته, الهي. وبدل أن ينصروا الله عن طريق محبة عباده والتضحية من اجلهم, والإقتداء بالمثل الذي قدمناه, ذهبوا إلى تشكيل جيوش الله. وأحزاب الله. وأحزاب وجيوش الأنبياء والأئمة. وجند السماء النازلين منها مباشرة. ومع ذلك لم يتركوا القيادة لله فأصدروا أوامرهم بفتاوى باسمه ولنصرته, وان لم يسبغوا , إلى الآن على الأقل, على أنفسهم القدسية المطلقة والعصمة الكاملة. وحاربوا الديمقراطية وأنصارها على أنها رجس من عمل الشيطان ومن عمل الإنسان العلماني الذي يفوق الشيطان. ويصورونها اليوم على أنها من خلق بوش وبلير ويضربون عليها مثلا العراق. وكأنهم يريدون نسف نضال البشرية في بحثها المتواصل منذ عشرات القرون قبل الميلاد والى الآن, عن نظام يعطي للإنسان إنسانيته. منذ وجود الحاكم والمحكوم.

لا نعجب إذا لم يعرف عالمنا العربي رجلا مثل الخوري بيير. ليس لان هذا العالم عقيم وغير قادر على إنجاب أمثاله, وإنما لعدم وجود ما توفر للرجل المذكور من حماية للفكر, وحرية في التعبير والعمل والحركة, ومساندة من المحيط, وسماح ببناء جمعيات المجتمع المدني الخلاّقة, و إيمان بالإنسان وحقوقه وحرياته والحفاظ على كرامته. وبكلمة لعدم وجود الدولة الديمقراطية, دولة القانون.

في غياب مثل هذه الدولة, وفي ظل الأنظمة الشمولية الاستبدادية السائدة منذ عقود لا يظهر الخوري بيير. ولا الشيخ الشبيه , أو البديل.
د. هايل نصر.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطن العربي, ما قبل المواطنية
- في مفهوم الحريات والحقوق الأساسية
- في العلاقة بين الديمقراطية والمواطنية
- قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا
- محامي الشيطان. مبالغة لفظية, أم إلزام مهني؟
- في معنى المواطنية
- حول علم السياسة
- اضافات عربية على الديمقراطية
- هجرة. التفاف على الوعود, وتسوية هزيلة
- هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!
- المنطقة العربية . منطقة تصد وممانعة للديمقراطية
- محامو تولوز. اخلاق مهنية عالية
- وهم أيضا من دعاة حقوق الإنسان !!!
- وهم أيضا دعاة حقوق إنسان !!!
- مثقفون ولكن ...
- حول دولة القانون
- حق اللجوء في فرنسا
- حق الدفاع في المواد الجزائية 2
- التطاول على القضاء 2
- التطاول على القضاء


المزيد.....






- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هايل نصر - الخوري بيير l’Abbé Pierre . دين وعلمانية