أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هايل نصر - في العلاقة بين الديمقراطية والمواطنية















المزيد.....


في العلاقة بين الديمقراطية والمواطنية


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:46
المحور: المجتمع المدني
    


كانت الديمقراطية طوال القرون الماضية مرتبطة بالتحرر من الجهل والتبعية والتقاليد القائمة على المطلق والغيبيات التي تنفي كل دور للعقل والمعرفة والتفكير الحر. وكانت تريد تخليص المجتمعات من عبودية وتسلط الأنظمة المطلقة الاستبدادية والشمولية التي تدعي حقها الإلهي والمطلق في حكم الشعوب وتسييرها, دون أي اعتبار للإنسان وحقوقه, والوصول بها إلى إقامة أنظمة سياسية وثقافية, و اقتصادية, تقوم على سيادة الشعوب وترسيخ مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان. معتمدة على الروابط التي توحد بين الفاعلية التقنية والحرية السياسية والتعددية الثقافية والسعادة الإنسانية. وقد لاقت في تاريخها الطويل والشاق الرفض والمحاربة بشتى الوسائل من قبل الأنظمة المستبدة والدكتاتورية وأصحاب الفكر الغيبي والشمولي.

لقد تعرضنا في مقال سابق, منشور في الحوار المدني, لنشأة الديمقراطية وتطورها وتباين وجهات النظر حولها, كفكرة, وكنظام سياسي, واليات تطبيق. ولا مجال للعودة لذلك هنا. ولا مجال كذلك للرد على التساؤلات عن: ما هي الديمقراطية ؟. عن أي نوع من الديمقراطية بجب التحدث ؟. ما هي الصفات والشروط الدنيا الواجب توفرها للادعاء بوجود الديمقراطية؟ فهذه متروكة لمقالات لاحقة.

ما يمكن الجزم به, رغم كل ما قيل ويقال فيها, بان الاتفاق يكاد يكون شاملا, وخاصة بعد المتغيرات الدولية التي عرفتها نهاية القرن الماضي, على أنها, إلى الآن, أفضل الأنظمة السياسية التي توصلت إليها الإنسانية. وعلى أنها مشروع متجدد غير منته. قابل دائما, في حال توفر الشروط الضرورية, للتلاؤم مع تطور الحياة وحركتها المستمرة, وأنها الأقدر على خلق الحلول الأكثر ملائمة لمواجهة المشكلات التي تفرضها الظروف الداخلية والخارجية في مواجهة المجتمعات المتكونة والسائرة دائما, في حركة لا تنقطع, في طريق التكوين التصاعدي المتجدد. فالمجتمعات الراكدة غبر قابلة للحياة بمفهومها المعاصر. وهي ليست فقط عاجزة عن المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية, وإنما كذلك غير قادرة على استيعابها. لتصبح بالتالي عبئا عليها. كما يمكن الجزم بان الديمقراطية ليست العصا السحرية القادرة على حل المشاكل كلها, كما تريد أن تسوقها يعض الأنظمة السياسة الغربية للعالم الثالث وبالطريقة التي تبشر بها وتراها هي ملائمة لنا.

لم تعد الديمقراطية الحديثة تقدم على أنها سياسية فقط, وإنما مضاف إليها أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية. وان كانت هذه الأبعاد غير متساوية في المدى, ولا في الدرجة, ولكنها مع ذلك مطروحة ككل يبحث عن التطبيق بهذا القدر أو ذاك من الجدية والاهتمام. . وهذا طبيعي, ففي الفكرة الديمقراطية ذاتها يكمن البعد الاجتماعي. إذ من غير الطبيعي أن تعطى السلطة للشعب وفي نفس الوقت ينحصر استعمالها في ميادين معينة وبطرق معينة. فهي حين تهدف لتنظيم المجتمع بأكمله ومراقبة مختلف النشاطات والأفعال الناتجة عن العيش المشترك, لابد أن تكون متجاوبة مع احتياجات المواطن, و مراعية لرفاهيته وأمنه المادي, ومستقبله ومستقبل أبنائه, ومجتهدة في توفير الفرص للجميع.

ومع ذلك, فإن هذه الديمقراطية, التي لم تتوسع, حتى لا نقول تتجذّر, في البلدان الغربية إلا بعد كفاح طويل ومرير ووصلت إلى تثبيت مفهوم المصلحة العامة, لا يمكنها الادعاء بتقليص كاف للمتناقضات الاجتماعية. رغم أنها تبذل الجهود الكبيرة لتقديم حلول, على درجة مقبولة من الواقعية, لهذه المتناقضات. مع ترسيخ المكتسبات التي تحققت بفضلها, وتطويرها وتوسيع نطاقها.

هدف الديمقراطية الحديثة, كما تدعيه, يتلخص من الناحية السياسية, بالعمل على تحرير الفرد من كل أساليب القهر والتعسف.وإشراكه في بناء القواعد القانونية. ومن الناحية الاقتصادية والاجتماعية, توفير الرفاهية والسعادة والأمن لكل الأفراد. و تقليص اللامساواة المترتبة على شروط الحياة الاقتصادية. حتى لا تبقى الثروة مصدر القوة والسلطة. وتخليص العمال من الضغوط, وفتح فرص العمل الكريم للجميع, وتحقيق التكافؤ. وتجهد لجعل كل شخص قادر على التمتع بحقوقه, يجد في المجتمع الحماية والضمانة في مواجهة ظروف الحياة. وعليه لا تنفك الديمقراطية تعلن بأنها تعمل على إقامة مساواة فعلية بين الأفراد, وليس مجرد مساواة سياسية بمفهوم الحاضرة الإغريقية. ولا لتطبيق مبادئ أخلاقية تعلن أن الناس فد خلقوا متساوين, وإنما على العكس, لأن الناس قي الطبيعة غير متساوين. والمجتمع لم ينشأ على الحرية والمساواة, ولأنه غير ديمقراطي بفعل الطبيعة, لذا يجب أن يصبح ديمقراطيا. كما أن اقتصاد السوق والمنافسة المنفلتة من كل توجيه ورقابة تعمق الفوارق بين أفراده, بكل ما يترتب عليها من نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية. و ما تدعيه الديمقراطية الحديثة هو محاولتها تصحيح ذلك بفضل القانون وليس بمجرد العضات الأخلاقية. وهذا ما يدعو لضرورة وجود شخص معنوي أو اعتباري, يسعى بواسطة القوانين لجعلهم متساوين. Dominique Schnapper, la démocratie providentielle, Cahier français, 2002. . ولم يعد المطلوب فقط المساواة أمام القانون, وإنما أيضا العمل على تحقيق المساواة بين الجميع بواسطة القانون. ثم تأتي القيم الديمقراطية ومنها قيم التضامن بين المواطنين رديف لذلك.

حين ينظر للديمقراطية على أنها اختيار حر للحكام من قبل المحكومين, لفترات محددة مسبقا, تبرز بوضوح الآلية المؤساستية. حيث لا توجد الديمقراطية دونها. ولا توجد سلطة شعبية يمكن أن تسمى ديمقراطية إذا لم تكن قد تمت الموافقة الحرة عليها. ويتم لاحقا تجديدها أو تبديلها بالاختيار الحر والإرادة الحرة. لا توجد ديمقراطية إذا حرم جزء من المواطنين من حق التصويت. ولا تعتبر الديمقراطية حقيقية عند فرض حزب, أو أحزاب دائرة في فلكه, تحتكر مصادر القوة, كالسلطة والثروة والنفوذ السياسي..وتفرض على الناخبين الاختيار بين مرشحين مفروضين من قبلها ـ ومثاله الانتخابات الرئاسية العربية حين يكون المرشح وحيدا يفرضه حزبه. وعلى الشعب أن يصوت بالإجماع, أو شبه الإجماع, ولا يغير من الصورة تنازل بعض الرؤساء المرشحين لخلافة أنفسهم, بعد عقود من الزمن من التفرد بالسلطة, أن يسمحوا لمرشح آخر أن ينافسهم في غياب كل الشروط المطلوبة للمنافسة الحرة ــ كما لا يمكن التحدث عن الديمقراطية في غياب قوانين انتخابية تحدد الأبعاد التي تمارس السلطة ضمنها. والاعتراف بالقوانين الأساسية التي تحدد سلطة الدولة. وصولا إلى التوفيق بين تمثيل المصالح, وتقييد السلطة في المجتمع السياسي. كما انه لا يمكن الادعاء بالديمقراطية حين لا يستطيع المنتخبون ممارسة حقهم في تمثيل ناخبيهم. فالشعب لا يحكم. والذين يحكمون هم الذين يتحدثون باسمه. ويفترض أنهم ينوبون عنه ــ لا مجال هنا للحديث عن مفهوم النيابة التي تتناولها غالبية مؤلفات القانون الدستوري ــ . فإذا انتفت حرية اختيار النواب. وإذا كان هؤلاء بعد انتخابهم لا يستطيعون ممارسة مهامهم التي من المفترض أنهم انتخبوا للقيام بها, فعن أي ديمقراطية يمكن الحديث؟.

محاولات إعطاء العلاقة بين المواطنية والديمقراطية أبعادا جديدة محاولات مستمرة وتسعى لان تشمل كل الميادين في الدولة الديمقراطية. وبشكل خاص في مجال النيابة والمشاركة.

ربطت الثورة الفرنسية لعام 1789 آلية النيابة la représentation باديولوجية السيادة الوطنية. ففي أساس الديمقراطية يوجد المواطن, مواطن ونائب في الوقت نفسه. والنيابة بالمعنى السياسي وظيفة خاصة لتنظيم السلطات مبني على أن جزءا صغيرا من الجسم الاجتماعي يمكن أن يساهم في القرار الفعّال, ويمكنه تامين الصلة بين المتدخلين, هذا الجزء, والمجتمع ككل. هذه الصلة هي النيابة. والنائب يحصل على توكيل. إذا كان الشعب, أي مجموعة المواطنين, هو صاحب السلطة لا يستطيع أن يجتمع للمداولة وإصدار القوانين فلابد له من انتخاب مجموعة صغيرة من الفاعلين تقوم بذلك باسمه. والانتخاب الشعبي هنا لا يتعلق بالقرارات التي ستتخذ ولكن بالأشخاص الذين سيتخذون تلك القرارات باسمه. ومن هنا ترتسم الصورة المزدوجة لباني الديمقراطية المعاصرة: المواطن. بصفته هذه, وبصفته نائب, فهو من جهة يشارك في الانتخاب, ومن جهة أخرى منتخب للمشاركة في القرار السياسي.ناخب ومنتخب.

يترتب على مفهوم الديمقراطية التوفيق بين الحرية والمساواة, واحترام القوانين الأساسية التي لا تنفصل عن الحرية, والمواطنبة, والنيابة, حسب ما يرى الان توران Alain Tourane. Qu’est-ce que la démocratie . و يشير جون راولس John Rawls.Théorie de la justice إلى أن الرؤية السياسية الصرفة للمجتمع تظهر أفرادا يبحثون عن مصالح مشتركة. وهذا ما يخلق التعاون الذي يقوم عليه هذا المجتمع. وهو مفهوم متولد عن فكرة العقد الاجتماعي.

المواطنية, منذ الحاضرة الاثينية, مرورا بالمراحل اللاحقة, والى اليوم, مرتبطة دائما بإقليم محدد تمارس فيه, ومتأصلة ضمن حدوده. وقد تميزت بالتطور والحركة. وهذا ما يتبين من مسيرتها التاريخية التي تشير إلى أن كل مرحلة قدمت مساهمة أغنت مفهومها, رغم وجود فترات شهدت فيه انحسار هذا المفهوم. كما شهدت متناقضات ناشئة عنه. نذكر هنا تفجر كل المتناقضات الاجتماعية, وبأشكال عنيفة, في فترة الثورة الفرنسية في الوقت نفسه الذي عرف فيه مفهوم المواطنية تألقه وشموله.

ليست المواطنية من المنظور السياسي, مجرد ممارسة لحق الانتخاب, فالمواطن بمقتضى المواطنية يتمتع بحقوق تخوله ممارسة الفاعليات السياسية, مثل حق الإضراب, ( أعطى المجلس الدستوري الفرنسي لهذا الحق صفة الدستورية). و مبدأ استمرارية الخدمة العامة. (1979). وحق التظاهر.و تشكيل أحزاب سياسية, وجمعيات مدنية, ونقابات ــ يعتبر البعض أن التنظيم النقابي والعمل فيه مواطنية في المشاريع ــ إلى غير ذلك من النشاطات الاجتماعية و السياسية والثقافية. و التعبير عن الآراء بكل الوسائل التي تندرج تحت مبدأ الحريات العامة والخاصة.

وهي من المنظور الاقتصادي, مدعوة للوصول إلى كل المجالات التي تخص الحياة الاقتصادية. ومنها علاقات العمل التي عرفت وتعرف أبعادا جديدة بعد ازدياد أعداد العمال والموظفين. فلا يمكن تجاهل الآثار التي تحدثها السياسة الاقتصادية على المواطنية.

ومن المنظور الاجتماعي.و مع تعمق اللامساواة والفوارق الاجتماعية, واتساع ظاهرة تهميش أعداد كبيرة جدا من المواطنين يصبح مفهوم المواطنية لا يعني شيئا بالنسبة لهؤلاء في مثل هذه الظروف.

وتفترض المواطنية في المواطن تواجد صفات وخصائص معينة, فحسب جورج بيردو G. Burdeau " ليس المواطن هو الفرد بضعفه, بأنانيته, بعدم وضوح رؤيته وبحماسه. إنما هو الرجل المستنير بنور العقل, المتحدث بمقتضى مستلزمات هذا العقل المشترك لدى الجميع, وبالنتيجة هو المتحرر من الأحكام المسبقة للطبقة. ومن الهموم المادية في واقعه الاقتصادي. قادر على إبداء الرأي في الشؤون العامة دون أن يكون خاضعا لمصلحته الشخصية".

كما انه ليس مجرد ناخب يقوم بدوره كما يراد منه. أو مستهلك في مجتمع استهلاكي, ينشّط الدورة الاقتصادية, دون أن يكون له أي دور في رسم السياسة الاقتصادية. أو إعلامي مروج لما تراه السلطة الحاكمة وبمقدار ما تريده منه, وبما تضع تحت تصرفه من وسائل مادية لهذه الغاية.

فالمواطنية, كما يرى انيسات لو بورس Anicet Le Pors في كتابه " المواطنية la citoyenneté" مثل الديمقراطية, نتاج المتناقضات والتسويات. المنازعات والتوافق Consensus . قيم مشتركة ومجابهات أفكار تتكافل وتتعارض". وهي تتميزعن الوطنية, التي تتضمنها, بأنها ليست فقط مكونة من قواعد حسن سلوك في المجتمع. فهي تفترض وجود قيم يمكن أن تتجادل علانية, ولكنها مع ذلك معترف بها كمرجع أساسي من قبل مجموع المواطنين. هذه القيم, مثل حال مجموع وسائل ممارسة المواطنية, مختلفة من وطن لآخر, ومتطورة على المدى البعيد.

كما إنها مبدأ يعمل على التكامل, ومنظمintégrateur et régulateur. يجعل من مجموع الأفراد على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومستوياتهم ووظائفهم يجتمعون داخل تجمع المواطنين communauté de citoyens. أحرار ومتساوون, حتى مع تعدديتهم. وكما يرى سيرج برستين Serge Berstien (تاريخ الديمقراطية الليبرالية). إن الانتماء لدى المواطن يدفع المواطنين الأقل حظوة للمطالبة بالاستفادة من فوائد ومزايا قانونية, ومن حقوق سياسية. وقبول الأكثر حظوة بالتضامن مع من هم بحاجة للمؤازرة. ويسوق مثالا على ذلك التصويت في فرنسا على قانون التضامن الاجتماعي, عام 1988, الذي فرض مساعدات الحد الأدنى للدخل لصالح المواطنين الأقل حظوة. على أن يتم تمويلها من الضرائب على الثروة للتضامن. وهكذا يمكن للمواطنية في الدولة الديمقراطية أن تسهم بحلول مقبولة للحد من اللامساواة والتأزم الداخلي المعمم كنتيجة للنظام الاقتصادي السائد. ولكن التحديات التي تواجه المواطنية ليست فقط اجتماعية واقتصادية, فهي كذلك ثقافية. وتظهر أثارها في المجتمعات متعددة الثقافة, كما هو الحال في الغرب, مع وجود ثقافات المهاجرين. وأديانهم. وبناء الاتحاد الأوروبي بثقافاته المتنوعة وما يرتبه ذلك على مفهوم المواطنية الأوروبية.

والواقع أن تعريف المواطنية, تعريف جامع مانع, تتحاشاه غالبية الكتاب, معتبرين أن كل التعاريف أو المقاربات أكانت قانونية, أم سياسية, أم اجتماعية, أم تاريخية, أم فلسفية, تواجه إشكاليات تتعلق بخصائص هذا المفهوم. وخاصة عندما يمكن اعتبار المواطن من الناحية القانونية مشرع. فهو مع غيره من المواطنين يشرع القوانين. ناخب يملك حق التصويت لاختيار ممثليه في السلطة التشريعية. ويمارس بالتالي عن طريقهم تشريع القوانين.( وهذا ما أشارت إليه المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسية) كما يشارك في بناء المؤسسات السياسية. ويملك أهلية المشاركة في القضاء, بأن يكون محلفا أو خبيرا قضائيا. أو عضوا في مجلس الأسرة. أو مستشارا قضائيا. وهو شخص قانوني يمارس حقوقه ويخضع للواجبات. فالمواطنية إذن, من هذا المنظور, مفهوم قانوني وسياسي. لان المواطن يساهم في تشريع القوانين التي عليه أن يخضع لها.

في المجتمعات المنظمة على مبادئ, وقيم, وممارسات المواطنية, قادت المساواة في الحقوق المدنية والقانونية والسياسية بشكل منطقي الأفراد للمطالبة بتوسيع الشروط الاقتصادية. ففي فرنسا, على سبيل المثال, تتركز المطالبة, من جهة, على تعزيزا لحقوق و الحريات المكتسبة منذ الثورة الفرنسية, التي ضمنت حقوق المواطن ضد سياسة الدولة ــ حرية التفكير والتعبير والعبادة والتجمع وكذلك حق العمل والضمان الصحي ــ ومن جهة أخرى على الدعوة لتدخل الدولة لضمان رفاه الفرد والمساواة للجميع. حقوق اجتماعية وحقوق سياسية.

تكثر الدعوات اليوم في أوروبا لتوسيع ميدان المواطنية لتطال كل المقيمين فيها " - résidence citoyenneté " معتبرة انه لا يستقيم مع المفاهيم الديمقراطية كون هؤلاء المقيمين ,غير الوطنيين, يتمتعون بالمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية , ولا يعترف لهم بأن يكونوا ناخبين أو منتخبين. فالأجانب, من واقع إقامتهم, يشكلون جزءا مندمجا في المجتمع الوطني. والإصرار على توفر شرط التمتع بالجنسية للاعتراف بحقوق المواطنية حجة غير شرعية. وعليه يجب الاعتراف بشكل تلقائي لكل من يقيم على التراب الوطني بحقوق المواطنبة.

أما توسيع المواطنية لتخرج من الإطار الإقليمي لكل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لتصبح مواطنية أوروبية, فهذا في ظل ما هو قائم حاليا غير واقعي. و ربما يتطلب عقودا طويلة لحصوله.فشعوب الاتحاد مستمرة في ممارسة حقوق السيادة في داخل حدودها الوطنية. رغم ما تعرب عنه من تمنيات بالانفتاح, فالاتحاد يبدو كنظام سياسي أفقي فيه هيئات منفصل بعضها عن بعض, وتحاول كل منها التأثير في الأخرى.

فمن الطبيعي أن تتعزز, في النظام الديمقراطي, العلاقة بين جمعيات المجتمع المدني وبين المواطنية. وذلك بالإقبال المتسع على العمل التطوعي لخدمة المجتمع الذي يعترف بالروابط الاجتماعية, والبناء الوسيط, واستقلالية autonomie المجتمع المدني, والتضامن. وإذا أخذنا المثال الفرنسي, فان القانون رقم 1901, والذي مازال قائما, ينظم جمعيات هذا المجتمع. وتعّرف الجمعية هنا على أنها كل مجموعة تضم أشخاصا خاصين وتعمل في المجال العام دون أن يكون هدفها الربحية. فبواسطتها يشترك أشخاص مستقلون ومتطوعون بحرية لتنفيذ الأهداف التي قامت من اجلها جمعيتهم. وهذا ما يطرح السؤال عن العلاقة بين الاجتماعي وبين المواطنية. بين المحلي و الوطني (على مستوى الوطن). فالجمعية التي تقوم بنشاطها في حي من المدنية, أو على مستوى المدنية, أو المحافظة تنطلق من المساهمة ليس فقط في خدمة هذا الجزء الذي تقع فيه, وإنما في خدمة المجموع من خلال هذا الجزء. وبالتالي فالإحساس بالمواطنية ينطلق من المحلي ليصب في الوطني.

وفي العالم العربي ونتيجة لممارسات الأنظمة الحاكمة في غياب الديمقراطية ــ حيث تحاول هذه الأنظمة مع من يتبعها من مثقفين مرتبطين مصلحيا بها, تصويرها وتقديمها بشكل كاريكاتوري ساخر للقول بأنها غير ملائمة لنا. ويضربون الأمثلة بالعراق وكأن العراق هو الديمقراطية. وهو النموذج الذي يسعى إليه الديمقراطيون. أو على أنها بضاعة غربية استعمارية يجب محاربتها, و أنها متعارضة مع واقعنا, واقع خلقوه و يريدون تثبيته, و أن قيمنا لا تصلح للتلاؤم مع القيم الديمقراطية المعززة لمفهوم المواطنية ــ تراجعت مشاركة الشعوب العربية في الحياة السياسية, إلى حد أدنى بما لا يقاس عما كانت عليه عشية التحرر من الاستعمار وبدايات عهد الاستقلال. وترسخت أزمة التمثيل السياسي. فلا يشعر المواطن بأنه ناخب أو ممثل حقا, على المستوى الوطني أو المحلي, في أية مؤسسة أو هيئة أو حتى نقابة. وهو ما يفسر سخطه, المكتوم, على الطبقة السياسية التي لم يعد لها من هدف سوى الثراء الشخصي لأعضائها. مما عزز الشعور لديه بأنه ليس إلا مجرد مستهلك وفرد من رعية غير فاعلة. يعاني من التهميش والإقصاء. وخاصة في ظل استشراء الفساد وسيادة الفاسدين وقيمهم. الشيء الذي اضر إلى ابعد الحدود بشعوره بالمواطنية, وقيمها. ليدفعه كل ذلك إلى إعطاء ولائه للعائلة الحاكمة أو المتنفذة, أو للحزب المسيطر, أو للطائفة الدينية, أو للعشيرة وزعمائها, على حساب الولاء للوطن. د. هايل نصر.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا
- محامي الشيطان. مبالغة لفظية, أم إلزام مهني؟
- في معنى المواطنية
- حول علم السياسة
- اضافات عربية على الديمقراطية
- هجرة. التفاف على الوعود, وتسوية هزيلة
- هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!
- المنطقة العربية . منطقة تصد وممانعة للديمقراطية
- محامو تولوز. اخلاق مهنية عالية
- وهم أيضا من دعاة حقوق الإنسان !!!
- وهم أيضا دعاة حقوق إنسان !!!
- مثقفون ولكن ...
- حول دولة القانون
- حق اللجوء في فرنسا
- حق الدفاع في المواد الجزائية 2
- التطاول على القضاء 2
- التطاول على القضاء
- هجرة -منتقاة- وليست مفروضة 2
- هجرة - منتقاة- وليست- مفروضة
- حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنس ...


المزيد.....




- الإمارات تدين اعتداءات مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات ...
- السفير ماجد عبد الفتاح: ننتظر انعقاد الجامعة العربية قبل الت ...
- ترحيب عربي وإسلامي بقرار للجمعية العامة يدعم عضوية فلسطين با ...
- سفير فلسطين بالقاهرة: تمزيق مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة ميث ...
- هل تعاقب واشنطن الأمم المتحدة لاعتمادها قرار -عضوية فلسطين-؟ ...
- صورة السنوار وتمزيق الميثاق.. ماذا فعل مندوب إسرائيل خلال جل ...
- فيديو.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة بعد الاعتراف ...
- فيديو.. السفير الإسرائيلي يمزق ميثاق الأمم المتحدة
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: قرار الجمعية العام ...
- خبير مصري يعلق على تصويت الأمم المتحدة لصالح فلسطين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هايل نصر - في العلاقة بين الديمقراطية والمواطنية