أحمد إدريس
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 19:33
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
« لا أعرف مظلوماً تواطأ الناس على هضمه و زهِدوا في إنصافه كالحقيقة. » (محمد الغزالي، "جدِّد حياتك"، 1962)
« الأزمة هي أزمةُ الوعي، و الثورة الحقيقية هي ثَورة الوعي. » (كريشنامورتي)
أُشاركُكم بعض ما كتبتُ بعد أن نجحتْ مجموعة دُوَل في الإطاحة بالرئيس السابق لِسوريا :
أتمنى الهناء و الإستقرار و كُل الخير لسوريا و لكنني لست متفائلاً بخُصوص القادم. يصعُب عليَّ التفاؤل لأنني لاحظت أن أئِمَّة الشر في عالَمنا كانوا أوَّل المُهنِّئين لِشعب هذا البلد. أليس واضحاً و جلِياً أنهم في حقيقة الأمر، أعني مَن كانوا في طليعة المُهنئين، أليس واضحاً أنهم مُخرِجو و مُنتِجو الفيلم ؟ بعد عدوان دولي غير مسبوق استمر لسنوات طويلة و عقوبات اقتصادية وحشية، و كلُّ ذلك أنهك بلده إلى درجة لا توصف، ها هم يقتلون معنوياً الحاكم الذي أسقطوه و ذلك عبْر شَيطنة فِجَّة تَرمي إلى الآتي : تبرير كل ما ارتكبوه من شُرور لا تخطر على بال إنسان و تمرير كل ما سيفعلونه على إثر نجاح المُخطَّط و المُؤامرة. الأمور باتت واضحة جليَّة و مُؤشِّرات "إسرائيل الكبرى" قد أصبحت واقعاً مُتجذِّراً على الأرض… و الله لو أن الحاكم المُتآمَر عليه خضع لِشُروط خصومه الكبار و ما رفض عُروضَهم المُغرية لكان له في هذه اللحظة شأن آخَر. يقيناً الرجل ليس ملاكاً و هذا ليس طعناً فيه في الحقيقة، إذ يكاد يستحيل أن يتصرَّف كملاك مَن يعمل بالسياسة : بكُل بساطة لأن عالَم السياسة قاسٍ للغاية و ليس حديقة حيوانات أليفة، و الذين تآمروا على الرئيس السوري السابق، هُم في بعض المواقف أكثر شراسة و وحشية من الحيوانات الضارية. نعم لِنظامه دون شك مساوئ، هناك مُواطنون وقع عليهم خلال حُكمه ظُلم و هذا يحدث في كل الدوَل - الإعلام المُضلِّل المُجرم يُحاول إيهامنا بأن أغلب الشعب عانى الأمرَّيْن -، له أيضاً دون رَيب محاسن. لكنْ ما سِر هذا التحامُل المحموم عليه من طرف قوى الإستكبار العالَمي و أذنابها في الأمة ؟ السر يكمُن في ابتهاجٍ و فرحةٍ لا توصَف لزُعماء "إسرائيل" بما حدث و تصريحِ كبيرهم وسط صيحات التكبير : « إن سقوط الأسد، هو يوم تاريخي. » ما كانوا بِحاجة إلى تشويه سُمعته و شَيطنته، بهذا الأسلوب البائس، لَو كان كما زعموا مبغوضاً من مُعظم شعبه… لو كان كذلك لتمكَّنوا من الإطاحة به في بدايات "الربيع العربي" و ذلك بمُظاهرات سِلمية عارمة بكُل أنحاء البلد. شخص يتآمر عليه هذا الكم الكبير من الأشرار و المجرمين ضد الإنسانية، لن يُقنعني إعلامهم المُتحيِّز و المُغرِض بأنه كائن شيطاني عديم الإنسانية ! لقد كان هذا أحد أهداف تلك الشيطنة الإستثنائية. شَيطنتُه التي نسيت أن تنسِب له ما يُسمي "التغيُّر المناخي" تخدُم هدفاً خبيثاً شريراً خسيساً آخَر و هو : إظهار المخلوق الأكثر من مشبوه الذي سلَّموا له البلد، في صورة مُخلِّص أرسلته العناية الإلهية، و بالتالي فإن سيِّئاته مغفورة بسبب حسناته العظيمة، التي في مُقدمتها طبعاً إنقاذ و تحرير شعب… أشعلوا حرباً أهليَّة دامية طاحنة مُدمِّرة خططوا لها على مَهْل زمناً قبل الربيع العربي المسموم ؛ بذلوا جهوداً جبارة و أنفقوا بسخاء كبير جداً بل لا محدود و ذلك لدعم و تمويل "جهاد" جماعات مُتطرِّفة زوَّدوها بكمِّيات هائلة من الأسلحة و شَواهِدُ كل هذا موجودة ؛ لكنَّ المُتآمرين لم يكتفوا بهذه الجريمة الفظيعة فراحوا يُعلنون للعالَم بواسطة إعلامهم المسموم : « الأسد هو أصل المُشكلة، الأسد هو سبب المُصيبة. » قبل ربيع خيانة الأوطان و تسليمها لِلْمُحتَل بإسم الثورة، هذا البلد مع مشاكله و نقائصه كان بِحالة جيِّدة عُموماً. هُنا أجرُؤ على التقدُّم إليك بالإعتذار عن جميع المرَّات التي لعنتُك فيها يا مَن يُسَمونك إبليس، لأني أكاد أقتنع بأنه يُوجد بَيْن البشر و خاصة في بعض الأوساط كائناتٌ هي أَسوأ منك بكثير…
هذه الأُمة، أُمة مُحيِّرة. هي أُمة مُحيِّرة، لأنها بِمَحض إرادتها و اختيارها، هي أُمة تنتحر. اللهم اهدِ هذه الأُمة المُحيِّرة سُبلَ السلامِ و الرشاد و الوعي الصحيح و الفهمِ السليم للأمور، اللهم اهدِ هذه الأُمة المُحيِّرة سُبلَ الإستقامةِ السلوكية و الفكرية و كلِّ ما يمنعُها من الإنتحار… أحد أعظم الدروس و العِبر المُستفادة من "الربيع العربي" الزائف الذي فاقت سَلبياتُه إيجابياتِه بكثير : التغيير المنشود و هو بالطبع الذي يأتي بالأفضل و الأحسن، لا يكفي فيه استبدال حاكم بآخَر إذ يتطلب أَولاً و قبل كل شيء إيقاظَ وعي الأمة و إصلاحَ فكرها و ترشيدَ سلوكها و تصويبَ حركتها، و لا يكون بالعِمالة للأجنبي و جلبِ الإحتلال لأرض الوطن… الدوَل التي اجتاحها الإعصارُ المُسمى بالربيع العربي، هي اليوم تَغُص بسَماسِرة و مُحترفي صناعة الفوضى و الخراب ؛ لأن أمنها القَومي قد تم اختراقُه بصورة مَهولة، و باتت مرتعاً لجماعات الشر و الجريمة المُنظمة و لكل مُخابرات العالَم. مُحال أن يجد و يجني الخير، مَن يستعين بِناهبي الخَيْرات.
تباً لربيع قام على شراء الذِّمم و الضمائر الرخيصة يمنةً و يسرةً و على زرعِ و تغذية الأحقاد الطائفية و القبَلِية و المذهبية ؛ سُحقاً و تَباً و بُعداً لربيع خيانة الأوطان التي أصبحت بالمُناسبة وِجهة نظر سياسية أو حتى عملاً صالحاً تحت غطاء الرغبة المشروعة في التحرُّر من نِير الإستبداد ؛ تباً لربيع قُلبت فيه الحقائق رأساً على عقب و شهِد مُمارسةً للكذب بشكل و على نطاق غير مسبوق و هكذا صار علينا نِقمة : تباً لربيع ما أثمر زهوراً بل الأشواك لأنه قام على الرِّدة الكاملة عن كل التعاليم الإلهية و القِيَم الإنسانية ! الخيانة و التفاخر بها و ارتكاب جميع المُنكرات و المُوبقات و التَّواصي بالكذب و الغدر : تلك هي أهم مبادئ و مُقوِّمات الخريف الدموي الذي سُمي زوراً و بُهتاناً بالربيع العربي. الربيع العربي الوهمي جعلني أجزم بكل ثقة أن الكفر، تتعدد مظاهرُه و أشكاله و مذاهبه، و تتضارب مصالح و أهداف شِيَعِه، لكنه في الجوهر و الأساس و في النهاية مِلة واحدة : إنها ملة فاقدي الضمير و غيرهم مِن أعداء الإنسان، هؤلاء فقط لا غير مَن أستطيع أن أنْعَتهُم بأعداء الله. دون أي اعتبار لإنتمائهم أو عدم انتمائهم الشكلي لِدين ما… لا مفر من تحديد المسؤوليات حول ما جرى بأمانة و موضوعية مع وصف دقيق لمسار الأحداث التي أوْصلتْ إلى هذه الحالة الكارثية. و حتماً لن نتدارك ما يُخبِّئُه قادم الأيام للأمة ما لم نَستفق من سكرتنا التي طالت كثيراً و نَستَوعِب الدرس جيداً : الإصلاح الحقيقي لا يَتِم بهذه الطريقة، بتخريب بُيوتنا بأيدينا قبل أيدي أعدائنا التقليديين، يا مَن تدَّعون أنكم ثُرتم بُغيَة الإصلاح. واجب أكيد مُحتَّم أن يعتذر للأُمة، الذين بِدَعوى "الربيع العربي"، تآمروا مع الأعداء ضد هذه الأُمة… ربيع الأمة الحقيقي تصنعُه ثورة الوعي. ثورة الوعي أكثر من ضرورية لخلاص الأرواح و الأجساد و الأوطان معاً. و خُسران معركة تحرير الوعي و تنويرِ الأذهان في بلداننا معناه انهزام أُمتنا في معركة الحضارة. سننتصر في معركة الحضارة و نُحبط جميع المؤامرات التي تُحاك ضدنا داخلياً أو خارجياً، يوم يكون أبناء الأمة و بالخُصوص نُخبُها على قدْر عال من الوعي و الإحساس بالمسؤولية. إحساسي العميق أن الأُمة مُقبلة على تغيُّرات مصيرية… أمر بالغ الأهمية : فكرُنا الديني المُتداوَل إنْ لم يتجدَّد، فإنَّ أحلامنا بمُستقبل أفضل ستتبدَّد. هل بقي شك حول حاجتنا الماسة إلى تجديد فكرنا الديني، هل بقي شك بخُصوص طابَعِه الضروري و الإستعجالي ؟ الأمل لم يمُت. لكِنْ لا أمل في مستقبل أفضل لأُمتنا الضائعة ما دُمنا مُواظبين و مُصممين على رفض التواصي الأخوي الهادئ بالحق… النهوض بالحق عسير بلا شك لكِنَّ التواصي بالحق ضرورة. المستقبل الذي نُريد و نرجو بُلوغَه لن تصنعه الأوهام بل الحقيقة. أقصد الحقيقة التي بإمكاننا كبشر الوصولُ إليها و الإتفاقُ حولها، إذا تَوفَّرت لدى جميع الأطراف النِّيةُ الخالصة و الإرادةُ الصادقة. المستقبل ينتظرنا. و التاريخ يُنادينا : فلقد طال كثيراً غِيابُنا شِبهُ التام عن الفعل التاريخي الإيجابي، و أُمتنا هذه بَقِيتْ دهراً طويلاً على هامش التاريخ و الحضارة…
« إذا ارتدى الزور و المكر لِباس التقوى، ستَقعُ أكبر فاجعة في التاريخ. » (علي شريعتي)
« إنَّ الوضعَ خطير، لكِنَّه لا يدعونا إلى اليأس من إصلاح ما نحنُ فيه. » (مالك بن نبي، "شروط النهضة"، 1949)
« في غَمْرة الموت تستمر الحياة، في غَمْرة الكذب تستمر الحقيقة، في غَمْرة الظلام يستمر النور. » (غاندي)
مُلحق
ما سبق هو جُزء من مقال لي نُشر قُبَيل شهر رمضان الأخير. هذا رابطه :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=859177
#أحمد_إدريس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟