أحمد إدريس
الحوار المتمدن-العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 00:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لَيت هذا المقال النابع من قلب صادق يَبلُغ بعض الأشخاص، أولئك الذين تَوبتُهم الحقيقية هي شرطٌ أساسي للفرَج و النصر. إنْ كانوا حقاً و صِدقاً يؤمنون بِوُجود الله و بِلقائه و الوُقوف بين يديه للحساب.
« فَسَتذكُرون ما أقول لَكُم، و أُفَوِّض أمري إلى الله. » (قرآن)
« إنه لَمِن سوء الحظ ألاَّ نُدرِك ما يُراد بنا، فَنُصرَف عما ينبغي أن نُفكِّر فيه كأفراد و مجتمعات، فَيُصيب غيرُنا الهدف و نحن لا نشعُر. » (علي شريعتي)
أنصتْ من فضلك للفيديو القصير الذي وضعتُ رابطه بالأسفل. المُتحدِّث هو ذاك الزعيم الذي وصفوه بأفظع النُّعوت لتسويق مُخطَّطِهم الجهنمي ضده… ستسمع أدق تَوصيف لما يحدث اليوم عبر كلام قاله قبل عقود من الزمن. لَدَيَّ قناعة راسخة بأن النصر المُبين الذي نحلُم به كُلنا على العدو الصهيوني سيَظل بعيد المنال، ما لم يعتذرْ علناً للأُمة كافةُ الذين من نُخَبِها شاركوا أو ساعدوا أو باركوا تصفِيَّة هذا الزعيم الفذ.
هذا ما طالبتُ به في مقال متعوب عليه (عنوانه : "عن اغتيال إسماعيل هنيَّة - أين الخلاص ؟") كُنتُ نشرتُه قبل شهرَيْن في هذا المَوقع. اتخذتُ من حادث الإغتيال ذريعة لِتَناول مواضيع لها علاقة بالوعي و الإصلاح. فَلِكَي تنصلحَ عندنا الأمورُ و الأوضاع، في كافة نَواحي الحياة، يَجِب أنْ تنصلحَ أَولاً العقولُ و الأفكار. نحن إذَنْ بحاجةٍ إلى إصلاحٍ فِكري - في المجال الديني بالدرجة الأولى…
بالكذب تمَّ السَّطْوُ على بلد الزعيم المغدور في وَضَح النهار. و زُجَّ به في نفق مُظلم لا بصيص للنور فيه بعد أن كان ينعم لا أقول بِوَضعٍ خالٍ من المشاكل، فما أكثر هذه الأخيرة في مُعظم أقطار المعمورة اليوم - خاصة في الدول الغربية التي نفَّذت العدوان العسكري -، و لكنْ بالأمن و الإستقرار و بإقتصاد مُزدهِر و واعد و أيضاً بِمُستوى معيشي لائق و مُحترَم. غَنِيٌّ عن القول أن وسائل الإعلام المرئية بصفة خاصة كانت أهم الأدوات المُجنَّدة في هذه الحرب القذرة ! حرب كان عرَّابَها بشكل علني، أحدُ أقطاب الصهيونية العالَمية… تجييش و تحريض إعلامي مسعور ضِدَّ شخص زعيمه كان العمودَ الفِقري لِما تعرَّض له هذا البلدُ من عدوان و غدر، و بلا شك قد فعل ذلك فِعْلَهُ في النفوس، فتمَّت السيطرة على الرأي العام و تعبئتُه و بارك الضميرُ العالَمي المُنَوَّم هجمة ظالمة آثمة على بلدٍ لم يَعْتدِ على أحد.
حصل كل هذا بدعم مُطلق و بمُباركة محمومة من إسلاميين و مشايخ دين عطَّلتْ ضمائرَهم و عفَّنتْ قلوبَهم أطماعٌ و مصالح لا تمُتُّ بأية صلة للدين… تذكير لِمَن نَسوا بِمشهد يَومَئِذٍ، و هو مشهدٌ شديد الغرابة بِحَق. إسلاميون غَبِيون و ديمقراطيون و إنتهازيون و عِلمانيون و أعراب و صُهيونيون و إرهابيون مُغيَّبون و وُصوليون و أوْباش و ليبِراليون و إعلاميون و دِكتاتوريون و صليبيون إستعماريون في خَندقٍ واحد، يَطرَبون و يُصفِّقون و يُهلِّلون لشيء واحد، يُكافحون و يَطمحون و يعملون لهدف واحد، و لكنْ للأسف لَيْس لأجل اجتِثاث المجاعة و مُحاربة الأمراض الفتَّاكة و استئِصال الفقر من على وجه الأرض و نُصرة كل المظلومين في العالَم مع أنَّ هذا الذي كان ينبغي أنْ يجمعهم على قلب شخصٍ واحد. لو كان لديهم ضمير، لو كان عندهم دين… لو حقاً كان لهم قلب ينبُض بالإنسانية. لو فِعلاً كانوا شَغوفين بِحُقوق الإنسان. هؤلاء الأشرار و المُفسدون في الأرض يُشَكِّلون مِلة واحدة هي مِلة الشيطان فلا يجوز البتَّة أن يُحسَبوا على أي دين. يُمكن بالفعل أن نجزم و نقول إن الكفر مِلة واحدة و هي مِلة الأشرار الأوغاد و كل أعداء الإنسانية. من ضِمن الأعداء الألِداء لِبني الإنسان، فِئة لقَّنتْ أُمة بكاملها تكفيرَ جُل العباد.
لِحَدِّ الآن لم نسمع كلمة اعتذار عن كل هذا من الشيوخ و الإسلاميين، أقصد المُشاركين في صناعة المأساة، لكنْ مع ذلك هم يأمُلون و ينتظرون نصراً عزيزاً مؤزَّراً من عند الله… الأكاذيب الحقيرة التي برَّرت تلك المُغامرة الحمقاء لم تُعمِّر طويلاً و سُرعان ما انْكشفَتْ الحقيقة و الحمد لله. كُلنا نعرف هذا المثل العربي : أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. للأسف لم يسمع أو يأبه أحد بتحذيرات و مُحاولات التَّوعية المُشفِقة و إنذارات المغدور المرحوم القذافي و ها نحن نجني الخِزي و الذل من جرَّاء استِهتارنا و إسهامنا جميعاً في القضاء على هذا الرجل… لستُ هنا بصدد تمجيد هذا الزعيم أو تنزيهه عن النقائص و العُيوب فما هو إلاَّ بشر يُخطئ و يُصيب، لكنَّ المُؤكَّد هو أنه بنى بلداً واعداً بارك العُدوانَ الغاشِمَ عليه و بالتالي تدميرَه كثيرٌ من النائحين اليوم. هَيهات لأدعيتنا أن تُستجاب و نحن نُثبت، يوماً بعد يوم، أننا حقاً أخبل و أحمق أمة أُخرجت للناس.
أمر لطالما حيَّرني و سيظل يُحيِّرني حتى الموت : كيف يجتمع إيمان صادق بوجود الله و النفور من الحق في قلب إنسان ؟ إنكار حقائق واضحة جداً لأنها ملموسة و محسوسة و مُشاهَدة، بوقاحة سافرة و فجَّة و من طرف أشخاص يدَّعون الايمان بالله : هذا ما شاهدناه و عايشناه أثناء "الربيع العربي" المُنقضي و الغير مأسوف عليه. غير مأسوف عليه لأنه ما أثمر زهوراً بل الأشواك، لقد فاقت سَلبياتُه إيجابياته بكثير و جلب كوارث فادحة شتى للبلاد و العباد، و ما زالت بعض أوطاننا تكتوي بنيرانه حتى اليوم. تباً لربيع قام على الرِّدة الكاملة عن كل التعاليم الإلهية و القِيَم الإنسانية ! الخيانة و التفاخر بها و ارتكابُ جميع المُنكرات و الموبقات و التواصي بالكذب و الغدر : تلك هي أهم مبادئ و مُقوِّمات الخريف الدموي الذي سُمِّي زوراً و بُهتاناً بالربيع العربي. تباً لربيع قام على شراء الذِّمم و الضمائر الرخيصة يمنةً و يسرةً و على زرعِ و تغذية الأحقاد الطائفية و القبَلِية و المذهبية ؛ ألف لعنة على ربيع خيانة الأوطان التي أصبحت بالمُناسبة وِجهة نظر سياسية أو حتى عملاً صالحاً تحت دعوى الرغبة النبيلة في التحرُّر من نِير الإستبداد ؛ تباً لربيع قُلبت فيه الحقائق رأساً على عقب و شهِد مُمارسةً للكذب بشكل و على نطاق غير مسبوق و هكذا صار علينا نِقمة : لقد كان "ربيع الكفر الإسلامي" بإمتياز…
لا مفر من تحديد المسؤوليات حَوْل ما جرى بأمانة و موضوعية مع وصفٍ دقيقٍ لمسار الأحداث إبَّان ما سُمِّي بالربيع العربي. ما حصل تدمير و إفساد بل نَسف من الأساس لحاضر و مستقبل هذه الأمة، و مع ذلك ما زال البعض يتحدث و بدون خجل عن ربيع مُبارَك لهذه الأمة. لقد نجحت قُوى الظلام و التآمُر على البشر ببساطة غريبة في إيقاعنا في فخ رهيب. و يَحِق للعالَم بأسره أن يرى فينا معـشر العرب أغبى مَن في الأرض على الإطلاق… ارتفاع مستوى الوعي العام هو بداية الحل : سننتصر في معركة الحضارة و نُحبِط جميع المؤامرات التي تُحاك ضِدنا داخلياً أو خارجياً، يوم يكون أبناء الأُمة و بالخُصوص نخبُها على قدرٍ عال من الوعي و الإحساس بالمسؤولية. كما أنه لا بُد أن يعتذر للأمة، الذين بِدَعوى "الربيع العربي"، تآمروا مع الأعداء ضد الأُمة. أعني أولاً بطبيعة الحال الأطراف العربية و "الإسلامية" التي كان لها دور في المؤامرة على القذافي.
« يوم يبعثُهم الله جميعاً فيُنبِّئُهم بما عَمِلوا، أحصاهُ الله و نَسُوه. » (قرآن)
« مَن يمتلك شجاعة الإعتراف بالخطأ، يمتلك القدرة على تغيير ذاته. الإعتراف بالخطأ ضرورة تربوية و أخلاقية، الخوف مِن الإعتراف بالخطأ خوف من التغيير. » (عبد الجبار الرفاعي)
اللهم رُحماك بعبادك المظلومين و المُستضعفين.
https://www.youtube.com/watch?v=srSLXpSJ_-k
#أحمد_إدريس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.