سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 14:55
المحور:
حقوق الانسان
مقدمة
تُعد المحكمة العربية لحقوق الإنسان إحدى المبادرات الإقليمية التي تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية. تأسست هذه المحكمة كجزء من جهود الجامعة العربية لتطوير آليات قضائية إقليمية تضمن احترام الحقوق والحريات الأساسية وفقًا للميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 2004. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل أكاديمي شامل لتأسيس المحكمة، صلاحياتها، الأحكام القضائية الصادرة عنها، والتحديات التي تواجهها.
1. تأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان
1*1. السياق التاريخي
بدأت فكرة إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان في إطار الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته القمة العربية السادسة عشرة في تونس بتاريخ 23 مايو 2004، ودخل حيز التنفيذ في 15 مارس 2008 بعد تصديق سبع دول أعضاء. يهدف الميثاق إلى تعزيز مبادئ الحرية والعدالة والمساواة في المنطقة العربية، مستندًا إلى القيم الإنسانية والديانات السماوية.
في عام 2014، أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عن نية الجامعة إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وتمت صياغة مشروع النظام الأساسي للمحكمة خلال اجتماعات لجنة الخبراء. ومع ذلك، واجهت هذه المبادرة انتقادات من منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية بسبب عدم كفاية النظام الأساسي في ضمان استقلالية المحكمة وملاءمتها للمعايير الدولية.
2*1. إنشاء المحكمة
تم اعتماد النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في ديسمبر 2014 خلال اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، وتم اختيار مملكة البحرين كمقر دائم للمحكمة. بدأت المحكمة عملياتها رسميًا في عام 2019، مع تعيين سبعة قضاة يمثلون الدول الأعضاء، وفقًا للمعايير المحددة في النظام الأساسي.
1.3. الأهداف
تهدف المحكمة إلى:
- حماية الحقوق والحريات: ضمان احترام الحقوق المنصوص عليها في الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
- الفصل في المنازعات: النظر في الدعاوى المقدمة من الأفراد والدول والمنظمات الحكومية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
- تعزيز الوعي: نشر ثقافة حقوق الإنسان في المنطقة العربية.
2. صلاحيات المحكمة
2.1. الاختصاص القضائي
وفقًا للنظام الأساسي، تتمتع المحكمة بالاختصاص في النظر في القضايا والنزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أي صكوك حقوقية أخرى صادقت عليها الدول الأعضاء. تشمل صلاحياتها:
- الدعاوى الفردية: يحق للأفراد رفع دعاوى أمام المحكمة إذا كانت الدولة المعنية قد صادقت على اختصاص المحكمة في هذا الشأن.
- الدعاوى الحكومية: يمكن للدول الأعضاء رفع قضايا ضد دول أخرى.
- الدعاوى من المنظمات: تُسمح للمنظمات الحكومية الدولية الأفريقية برفع قضايا، على غرار نموذج المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
2.2. القيود على الصلاحيات
على الرغم من هذه الصلاحيات، فإن المحكمة تواجه قيودًا كبيرة، منها:
عدم الإلزامية: الأحكام الصادرة عن المحكمة غير ملزمة قانونًا، مما يحد من فعاليتها.
اشتراط المصادقة: لا يمكن للأفراد رفع دعاوى إلا إذا صادقت الدولة المعنية على اختصاص المحكمة، وهو ما لم تفعله العديد من الدول الأعضاء.
عدم وضوح الإجراءات: النظام الأساسي يفتقر إلى معايير واضحة لاختيار وعزل القضاة، مما يثير تساؤلات حول استقلالية المحكمة.
2.3. المقارنة مع المحاكم الإقليمية الأخرى
على عكس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (تأسست 1959) والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (تأسست 2004)، فإن المحكمة العربية تعاني من ضعف في الآليات التنفيذية ومحدودية الوصول إليها من قبل الأفراد. على سبيل المثال، تتمتع المحكمة الأوروبية بصلاحيات ملزمة وآليات واضحة لتنفيذ الأحكام، بينما تعتمد المحكمة العربية بشكل كبير على إرادة الدول الأعضاء.
3. الأحكام القضائية
حتى الآن، تظل المعلومات حول الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العربية لحقوق الإنسان محدودة للغاية. لم تنشر المحكمة تقارير رسمية مفصلة حول القضايا التي نظرت فيها أو الأحكام الصادرة عنها، مما يعكس ضعف الشفافية والتوثيق. ومع ذلك، تشير بعض المصادر إلى أن المحكمة بدأت في استقبال قضايا محدودة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، مثل حرية التعبير وحقوق العمال المهاجرين، ولكن لم يتم الإعلان عن أحكام نهائية ذات تأثير كبير.
3.1. التحديات القضائية
-غياب السوابق القضائية: نظرًا للحداثة النسبية للمحكمة، لم تُطوَّر بعد مجموعة من السوابق القضائية التي يمكن أن توجه عملها.
ضعف التنفيذ: حتى في حال صدور أحكام، فإن غياب آليات إلزامية يجعل تنفيذها يعتمد على الإرادة السياسية للدول الأعضاء.
محدودية الوصول: اشتراط موافقة الدول على اختصاص المحكمة يحد من قدرة الأفراد على رفع قضاياهم.
4. تحليل التحديات والانتقادات
4.1. استقلالية المحكمة
أحد أبرز الانتقادات الموجهة للمحكمة هو افتقارها إلى الاستقلالية الكاملة. وفقًا لمنظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، فإن النظام الأساسي للمحكمة لا يتضمن ضمانات كافية لاستقلال القضاة، مثل إجراءات شفافة للتعيين والعزل. كما أن اختيار البحرين كمقر للمحكمة أثار جدلًا بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، مما يثير مخاوف بشأن التدخل الحكومي.
4.2. التوافق مع المعايير الدولية
تشير المنظمات الحقوقية إلى أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان نفسه يحتاج إلى تعديل ليتماشى مع المعايير الدولية، خاصة فيما يتعلق بحظر عقوبة الإعدام والمساواة بين الجنسين. على سبيل المثال، يسمح الميثاق بتطبيق عقوبة الإعدام في "الجنايات بالغة الخطورة"، وهو ما يتعارض مع التوجهات الدولية نحو إلغاء هذه العقوبة.
4.3. الوصول إلى العدالة
يُعد شرط موافقة الدول على اختصاص المحكمة عقبة رئيسية أمام وصول الأفراد إلى العدالة. على عكس المحكمة الأوروبية التي تسمح للأفراد برفع الدعاوى مباشرة، تعتمد المحكمة العربية على موافقة الدول، مما يحد من فعاليتها.
5. التوصيات
لتحسين أداء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، يُوصى بما يلي:
أ. تعزيز الاستقلالية: وضع معايير واضحة وشفافة لتعيين وعزل القضاة، مع ضمان عدم تدخل الدول الأعضاء في عمل المحكمة.
ب. تعديل النظام الأساسي: مراجعة النظام الأساسي ليتماشى مع المعايير الدولية، بما في ذلك ضمان حق الأفراد في رفع الدعاوى دون اشتراطات تعسفية.
ج. تعزيز الشفافية: نشر تقارير دورية حول القضايا والأحكام الصادرة لزيادة الثقة في المحكمة.
د. تطوير آليات التنفيذ: إنشاء آليات إلزامية لتنفيذ الأحكام، على غرار المحاكم الإقليمية الأخرى.
خاتمة
تمثل المحكمة العربية لحقوق الإنسان خطوة طموحة نحو تعزيز حقوق الإنسان في المنطقة العربية، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستقلالية، الشفافية، وفعالية الأحكام. من خلال معالجة هذه التحديات وتطوير النظام الأساسي للمحكمة، يمكن أن تصبح آلية فعالة لتحقيق العدالة وحماية الحقوق. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الدول الأعضاء، منظمات المجتمع المدني، والمجتمع الدولي.
المراجع
1. الميثاق العربي لحقوق الإنسان، جامعة الدول العربية، 2004.(http://hrlibrary.umn.edu/arab/a003-2.html)
2. تقرير هيومن رايتس ووتش، "المحكمة العربية لحقوق الإنسان المقترحة: آلية فارغة بدون تغييرات جوهرية"، 2014.[](https://www.hrw.org/ar/news/2014/06/06/254008)
3. إعلان تونس حول المحكمة العربية لحقوق الإنسان، الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، 2014.(https://www.fidh.org/ar/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25B5%25D8%25B1%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D9%258A%25D8%25A9/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D9%2586%25D8%25B8%25D9%2585%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25AE%25D8%25B1%25D9%2589/%25C3%2598%25C2%25AC%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%25A6%25C3%2598%25C2%25B9%25C3%2598%25C2%25A9-%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2598%25C2%25AF%25C3%2599%25CB%2586%25C3%2599%25E2%2580%259E-%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2598%25C2%25B9%25C3%2598%25C2%25B1%25C3%2598%25C2%25A8%25C3%2599%25C5%25A0%25C3%2598%25C2%25A9/%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2598%25C2%25B9%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%25A0-%25C3%2598%25C2%25AA%25C3%2599%25CB%2586%25C3%2599%25E2%2580%25A0%25C3%2598%25C2%25B3-%25C3%2598%25C2%25AD%25C3%2599%25CB%2586%25C3%2599%25E2%2580%259E-%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2599%25E2%2580%25A6%25C3%2598%25C2%25AD%25C3%2599%25C6%2592%25C3%2599%25E2%2580%25A6%25C3%2598%25C2%25A9-%25C3%2598%25C2%25A7%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2598%25C2%25B9%25C3%2598%25C2%25B1%25C3%2598%25C2%25A8%25C3%2599%25C5%25A0%25C3%2598%25C2%25A9-%25C3%2599%25E2%2580%259E%25C3%2598%25C2%25AD%25C3%2599%25E2%2580%259A%25C3%2599%25CB%2586%25C3%2599%25E2%2580%259A)
4. المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، دراسات في حقوق الإنسان، 2022.(https://hrightsstudies.sis.gov.eg/%25D8%25AF%25D8%25B1%25D8%25A7%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D9%2588%25D8%25AA%25D9%2582%25D8%25A7%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25B1/%25D8%25AA%25D9%2582%25D8%25A7%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25B1/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AD%25D9%2583%25D9%2585%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%2588%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2584%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586/)
5. المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، الموقع الرسمي، 2020.(https://www.african-court.org/wpafc/welcome-to-the-african-court/?lang=ar)
6. رسالة إلى وزراء الخارجية العرب، مركز الحق، 2014.(https://www.alhaq.org/ar/advocacy/2463.html)
7. الميثاق العربي لحقوق الإنسان، المجمع القانوني، 2004.(https://lawsociety.ly/convention/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D9%258A%25D8%25AB%25D8%25A7%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A-%25D9%2584%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586/)
8. المحكمة العربية لحقوق الإنسان، معهد البحرين للتنمية السياسية، 2022.(https://www.bipd.org/publications/Articles/1203153.aspx)
9. تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2014.(https://cihrs.org/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AD%25D9%2583%25D9%2585%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2584%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D9%2582%25D8%25AA%25D8%25B1/)
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟