أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الحسين شعبان - السويداء وممر داوود














المزيد.....

السويداء وممر داوود


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 12:05
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ما يحصل اليوم في السويداء أمر يتجاوز حدود المنطق، فهي ليست مدينة سورية تشهد عنفًا منفلتًا من عقاله فحسب، بل إنها مرتكز لمشروع جيوسياسي أكبر بكثير ممّا يمكن تصوره، والمسألة تتخطّى ما اصطلح عليه من احتراب مذهبي أو اقتتال طائفي أو تعصّب ديني أو تطرّف مجتمعي.
فمنذ عملية طوفان الأقصى (7 تشرين الأول / أكتوبر 2023)، تجاوزت المخططات الصهيونية مداها بسرعة خارقة، وبدأ فصل جديد من الصراع العربي – الصهيوني، في ظلّ اختلال موازين القوى وحالة الضعف العربي، ناهيك عن غياب الحد الأدنى من التضامن الذي شهدناه في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، في ظلّ الانقسامات الدينية والمذهبية والطائفية.
المشروع الذي نحن بصدده عنوانه "ممر داوود"، وممر داوود له علاقة بالأدبيات التوراتية، وهو جزء من الحلم الصهيوني، بدولة إسرائيل الكبرى، يبدأ من الجولان السوري المحتل ويمرّ بالقنيطرة ودرعا وجبل حوران ويدخل البادية السورية باتّجاه التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية، ثمّ يتّجه شرقًا إلى منطقة كردستان داخل العراق وفي ملامسة الحدود التركية.
ويفترض بهذا الممر أن يفتح بوابة جديدة باتجاه أوروبا، وتقع أهميّته بالنسبة لإسرائيل في استغنائها عن قناة السويس وطريق الحرير الصيني، حيث تُصبح طريقًا لنقل البضائع من الخليج وآسيا الوسطى إلى أوروبا.
لهذه الأسباب تريد إسرائيل التطبيع، وبأسرع وقت وبالشروط التي تُحدّدها مع البلدان العربية، حيث ستكون موانؤها جاهزة لنقل البضائع برًا وبحرًا إلى أوروبا.
ما علاقة جرائم السويداء بذلك؟ إنها جزء من مخطط الاحتراب الداخلي والإرهاب الديني والطائفي والإثني، الذي بدأ بالساحل وفي اللاذقية تحديدًا، ثم انتقل إلى حمص وبعدها جرمانا وصولًا إلى السويداء، أي تمزيق الوحدة الوطنية المجتمعية السورية. والسويداء تقع في قلب ممر داوود، وهي آخر عقدة ديمغرافية وجغرافية للوصول إلى التنف، وتشكّل حزامًا فاصلًا بين الجنوب السوري والمناطق الشرقية، حيث النفوذ الأمريكي، ولهذا يتعيّن السيطرة على السويداء لإعادة رسم طريق الطاقة والتجارة والهيمنة في المنطقة. ولعلّ تفجير الصراع الطائفي – الديني سيكون مبررًا لإسرائيل لوضع يدها على السويداء، لاسيّما باشتعال الفتيل الطائفي، علمًا بأن قيادات درزية وازنة، وفي مقدّمتها وليد جنبلاط، أعلنت رفضها للحماية الإسرائيلية المشبوهة للدروز.
إن مشروع ممر داوود هو طموح استعماري قديم وجزء من الاستراتيجية الصهيونية، وكان برنارد لويس قد أطلق فكرة الشرق الأوسط الجديد منذ العام 1955، وعاد وطوّرها في العام 1979 وتبنّاها الكونغرس الأمريكي في جلسة سرية العام 1983، وذلك بتقسيمه على أساس عرقي وديني وطائفي للهيمنة عليه، ووضع الباحث الصهيوني عود نيون لمسته على هذا المشروع في العام 1982، كما أجرى شمعون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، تعديلات عليه بالاعتماد على الاقتصاد كمحرّك أساسي ومشترك لتحقيقه، ونشره في كتابه العام 1992 الموسوم "الشرق الأوسط الجديد" .
ولتحقيق الحلم القديم، بدأت الخطة بإثارة الصراع الطائفي واستثماره في السويداء، ومن ثم التدخّل بزعم منع المجازر، حتى لتبدو وكأن رسالة إسرائيل "إنسانية"، أي "حماية الدروز"، وللأسف فإن المشكلات الدينية والطائفية والإثنية ظلّت بؤرة توتّر في دول الإقليم والسبب هو عدم حلّها بالحوار السلمي والاعتراف بحقوق المجموعات الثقافية والإثنية والدينية والسلالية واللغوية، وعلى أساس المواطنة المتكافئة والمتساوية.
ولعلّ ما هو أخطر من ذلك أن المشروع الصهيوني يلتقي مع المشروع الهندي – الأوروبي، لكي تصبح إسرائيل دولة مركزية في الإقليم مهيمنة اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا وعلميًا عليه، باستغلال ثرواته وممراته الحيوية، سواء بضمّها كاملة أو بالتحكّم بمصيرها. وكانت قمة دول اﻟ 20G في الهند (2023) قد ركّزت على ربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل ودول عربية أخرى.
وبذلك يُصبح مشروع ممر داوود مكمّلًا للممر الهندي – الأوروبي، بل إنه يمتدّ ليشمل مصر وسوريا والعراق، والهدف هو تقليل الاعتماد على قناة السويس ومضيق هرمز، فضلًا عن عزل إيران وأية جهة تعادي المصالح الغربية.
هكذا سيكون ممر داوود والممر الهندي مشروعين بديلين عن مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومنافسين قويين لها، لتقويض النفوذ الصيني وقطع الطريق على توسيعه وتعطيل تحالفه مع موسكو التي لديها بقايا نفوذ في دول الإقليم، وسيكون معرقلًا لأية حركات أو تيارات لا تنسجم مع المحور الغربي – الإسرائيلي التطبيعي الجديد، عبر عزلها اقتصاديًا وتطويقها سياسيًا وقمعها عسكريًا بزعم مكافحة الإرهاب وحجة تهديد الاستقرار في المنطقة.
وقد يأخذ مشروع ممر داوود بُعدًا آخر بتفتيت سوريا، وكذلك تفتيت العراق عبر إقامة كانتونات إثنية وطائفية، وجعل الجميع "أقليات" حسب وصفة هنري كيسنجر الذي كان يقول علينا إشادة إمارة وراء كلّ بئر نفط، لتكون إسرائيل الأقلية المتفوقة علميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا، الأمر الذي يعني إسدال الستار على ما سمّيَ بالصراع العربي – الصهيوني الذي عرفه الشرق الأوسط منذ أكثر من قرن من الزمن، وزادت وتيرته بعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948.
ويأتي مخطط استهداف الدروز بعد مخطط استهداف المسيحيين في المنطقة، وكذلك استهداف المجموعات الثقافية الأخرى، كي تقول إسرائيل أن العرب والمسلمين لا يستطيعون العيش مع غيرهم وفي أوطانهم، سواء من أديان أو طوائف أو إثنيات أخرى، فكيف يقبلون باليهود؟ في حين أن الصراع العربي - الإسرائيلي هو حول الحقوق والأرض وليس بين الأديان حول قيم السماء.
إن مشروع نتانياهو – ترامب التفتيتي التوسّعي يقوم على صناعة الفوضى في المنطقة، وهدفه تقويض أية إمكانية لاستعادة بناء دولها، وخصوصًا سوريا والعراق ولبنان، وبالتالي الإبقاء على خيار وحيد وهو ممر داوود والطريق الهندي الأوروبي بتبرير مزعوم أنه طريق الرخاء لدولها وشعوبها.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحسين شعبان.. المُتفرّد فكراً وسلوكاً
- غزّة و-الثمرة المرّة-
- الرابطة العربية للقانون الدولي إدانة العدوان الإسرائيلي - ال ...
- عبد الحسين شعبان.. اسم مُشرِّف في سورية
- فوردو والصبر الاستراتيجي
- هي النجف التي كانت وستكون...
- النجف -الغري- والذاكرة والميتافيزيقيا
- مجلس -دزئي- العامر
- تقريظ لكتابي الدكتور عبد الحسين شعبان - الهولوكست صانع إسرائ ...
- عبد الحسين شعبان. إلّا فلسطين!!
- عبد الحسين شعبان واللّاعُنف
- النجف بين المرئي واللّامرئي
- قراءة في كتاب: “مذكرات صهيونيّ… يوميات إيجون ريدليخ في معسكر ...
- غائب طعمة فرمان رائد الرواية البغدادية
- ذاكرة الألم والعدالة الانتقالية
- النجف -شقائق النعمان-
- شعبان.. شذرات من فكره القانوني والدستوري
- الأوليغارشية الترامبية
- رؤية الدكتور عبد الحسين شعبان إلى قضايا العصر ومشكلاته
- داعيةُ اللاعُنف وذوّاقةُ الشِّعر


المزيد.....




- زيلينسكي: مباحثات جديدة بين أوكرانيا وروسيا ستعقد الأربعاء
- محللون: هذا المطلوب عربيا وغربيا لردع إسرائيل ووقف إبادة غزة ...
- حماس: نتحرك بمسؤولية وسرعة للوصول إلى اتفاق ينهي معاناة أهل ...
- وزير الإعلام السوري يتهم 4 دول بنشر خطاب طائفي مزيف لتأجيج ا ...
- البيت الأبيض: ترامب -فوجئ- بتصرفات إسرائيل في غزة وسوريا.. و ...
- وصفها بالمبادرة -غير المسؤولة-... وزير الخارجية الفرنسي ينتق ...
- كشفتها حبيبته الأخيرة.. نشر أسرار حصرية عن أينشتاين في كتاب ...
- محكمة مصرية تأمر بشطب اسم الناشط علاء عبد الفتاح من قائمة ال ...
- -تروث سوشيال- مرآة لتقلبات ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض ...
- مخاطر حقيقية بأفريقيا بعد تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية ال ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الحسين شعبان - السويداء وممر داوود