أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامر بن عبد السلام - يران أم إسرائيل: أيّهما الخطر الحقيقي على العرب؟ قراءة ماركسية بعد حرب الاثني عشر يومًا















المزيد.....

يران أم إسرائيل: أيّهما الخطر الحقيقي على العرب؟ قراءة ماركسية بعد حرب الاثني عشر يومًا


سامر بن عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 14:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


مقدمة
منذ اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة التي دامت اثني عشر يومًا، عاد إلى الواجهة سؤال كان ولا يزال يثير جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية العربية: أيّهما يُشكّل الخطر الأكبر على العرب، إيران أم إسرائيل؟ سؤال لا يُطرح من موقع التأمل البارد، بل من قلب معارك دامية وصراعات محتدمة تشهدها المنطقة، وقد ازداد إلحاحه بعد ما أظهرته تلك الحرب من تبدّل في موازين القوى واصطفافات جديدة. في خضم هذا المشهد المتداخل، تتوزع الآراء بين من يرى في إيران تهديدًا طائفيًا يتغلغل في المجتمعات ويُهدد نسيجها الداخلي، ومن يصرّ على أن إسرائيل تبقى الخطر الرئيسي باعتبارها كيانًا استعماريًا توسعيًا قائمًا على نزع ملكية الأرض وتفكيك الأمة من جذورها. لكن ما يغيب عن كثير من الطروحات هو النظرة الجدلية الشاملة التي تأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل مشروع، سياقه التاريخي، وشبكة علاقاته بالإمبريالية العالمية. ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري إعادة طرح السؤال على أسس تحليلية لا انفعالية، لفهم طبيعة التناقضات التي تحكم واقعنا العربي وتحديد أولويات المواجهة من منظور تحرري ثوري

عن محدودية تصدير الثورة
رغم أن إيران قدمت نفسها منذ 1979 كقوة ثورية تسعى لتصدير نموذجها السياسي خارج حدودها، إلا أن هذه المقولة ظلت في حدود الرمزية أكثر منها ممارسة فعلية فالثورة لا تُصدّر كما تُصدّر البضائع أو الشعارات بل تُنتج داخل ظروفها الخاصة ومن خلال تفاعل تناقضات المجتمع المحلي .
أكثر من ذلك فإن المشروع الإيراني في جوهره لا يقوم على قاعدة شعبية عابرة للطوائف بل يحتاج في تمدده إلى وجود مجتمع شيعي يتبنى ولو جزئيًا فكر ولاية الفقيه أي أن هذا المشروع لا يمكن أن يجد له صدى حقيقيًا خارج بيئة مذهبية ضيقة مما يجعله محدود الأثر ومرتبطًا بـ"أقلية داخل الأقلية" وهو ما يفسر فشل طهران في فرض نموذجها خارج أطر بعينها
العراق يمثّل نموذجًا دالًا على هذا القيد البنيوي فعلى الرغم من النفوذ الكبير الذي راكمته إيران بعد 2003 فإن المرجعية النجفية الوطنية ممثلة في السيد السيستاني رفضت الخضوع لمنظومة ولاية الفقيه وأصرت على استقلال الحوزة العراقية دينيًا وسياسيًا عن الحوزة الإيرانية وهو ما أبقى المجال الشيعي العراقي متشظيًا ومحصنًا نسبيًا ضد الهيمنة الإيرانية الكاملة وأضعف قدرة طهران على فرض مشروعها كمرجعية موحّدة للشيعة في المنطقة
التجربة اللبنانية: استحالة تصدير النموذج
في لبنان، كشف أرشيف بصري نادر عن عمق التوجّه العقائدي لدى بعض قيادات حزب الله في بداياته، حيث يظهر السيد حسن نصر الله شابًا في مقابلة قديمة يدعو صراحة إلى أن يكون لبنان جزءًا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويخضع لحكم ولاية الفقيه. غير أن هذا التصوّر واجه سريعًا جدار الواقع اللبناني بتعقيداته الطائفية والاجتماعية والتاريخية، مما جعل السيد عباس الموسوي، ثم السيد حسن نفسه بعد تولّيه القيادة، يُدركان استحالة تطبيق هذا النموذج في بلد متعدّد المذاهب والطوائف والأعراق. فلبنان ليس ساحة فارغة تُطبّق عليها نظريات الحكم الديني، بل فسيفساء دقيقة من التوازنات الهشة، وأي محاولة لفرض نموذج حكم فردي مذهبي ستؤدي حتمًا إلى تفجير حرب أهلية جديدة، وهو ما دفع الحزب إلى تعديل خطابه السياسي والانخراط في مؤسسات الدولة
من تصدير الثورة الى المراهنة على الحكومات
مع مرور الوقت، تحوّل شعار "تصدير الثورة" إلى استراتيجية أكثر واقعية تعتمد على المراهنة على بعض الحكومات والأنظمة الحليفة لإيران، مثل حكومة المالكي في العراق وزمرة الولائيين، وكذلك نظام بشار الأسد في سوريا. لكنّ هذه الحكومات والأنظمة فشلت في تحقيق الاستقرار أو بناء دول تحكم سيادتها فعليًا، بل على العكس، كان وجودها مرتبطًا بصراعات داخلية وخارجية أضعفت دولها وأدت إلى تشرذم مجتمعاتها. لم تدخل إيران هذه البلدان لتفرض وجودها عبر استعمار مباشر للأرض أو تفكيك كامل للدولة، بل كانت تسعى إلى حماية مصالحها من خلال دعم حلفائها داخل هذه الصراعات المعقدة
في سوريا، مثلاً، دخلت إيران بدعم نظام بشار ضمن حرب دولية متعددة الأطراف شاركت فيها قوى إقليمية ودولية متعددة، وكان هدفها حماية موقع استراتيجي وتأمين نفوذ سياسي لا أكثر. وعندما سقط بشار في عام 2024، لم تصدر إيران أوامر لفصائلها بالقتال دفاعًا عنه أو التصادم مع قوى المعارضة مثل هيئة تحرير الشام (الجولاني)، بل اختارت الانسحاب واحترام إرادة الشعب السوري، مما يؤكد محدودية مشروعها ورفضها الانجرار إلى صراع دموي لا نهاية له
ايران و العقوبات
إيران، رغم موقعها الجيوسياسي المتميز وامتلاكها موارد استراتيجية و ترسانة عسكرية ضخمة، تظل دولة محاصرة اقتصاديًا وسياسيًا على الصعيد الدولي. العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ عقود قد حدّت بشكل كبير من قدرتها على التوسع الإقليمي أو الاستثمار في مشاريع نفوذ واسعة النطاق. هذه العقوبات لا تقتصر على القطاع المالي فقط، بل تمتد لتشمل قطاعات النفط، الصناعة، والتكنولوجيا، مما يجعل الاقتصاد الإيراني رهينة للضغوط الخارجية ويضعف الاستثماراته في الخارج
بالتالي، حتى وإن كان لدى إيران رغبة في توسيع نفوذها، فإن القيود الدولية تُجبرها على التركيز على ترسيخ نفوذها في نطاقات ضيقة وضمن أطر محددة، وتعتمد بشكل كبير على وسائل غير مباشرة مثل دعم حركات المقاومة أو التحالفات التكتيكية. هذه البيئة الدولية المعادية تجعل من توسع إيران مشروعًا مشروطًا وعرضة لمخاطر عالية، ويُفسر جزئيًا طبيعة مراهناتها الواقعية والتكتيكية في المنطقة بدلاً من مشروع ثوري شامل
ايران و محور المقاومة
إيران لا تمتلك أذرعًا بالمعنى الحرفي، بل تعمل من خلال حلفاء وثيقين يملكون درجة من الاستقلالية والاختلاف في المواقف والتوجهات. على سبيل المثال، الحشد الشعبي في العراق، الذي اندمج رسميًا ضمن الجيش العراقي، يضم أغلبية شيعية لكنه يتكوّن أيضًا من سنة ومسيحيين وأقليات دينية أخرى، وهذا يُظهر تعددية وتنوعًا لا يمكن اختزاله في ذراع إيراني موحّد. علاوة على ذلك، ليس كل الشيعة في العراق موالين لفكر ولاية الفقيه؛ فهناك فصائل تتبع المرجعية الدينية العراقية العليا ممثلة في مراجع حوزة النجف، وأخرى تابعة للسيد مقتدى الصدر، وكلها تحتفظ بمستوى من الاستقلالية السياسية والعسكرية رغم الدعم الإيراني
أما بالنسبة للحوثيين في اليمن، فإن الدعم الإيراني لهم لا يقتصر على تقديم صواريخ جاهزة فقط، بل يشمل نقل تكنولوجيا تصنيع الصواريخ، وهو ما يعكس ثقة إيرانية في قدرة الحلفاء على تطوير صناعات عسكرية متقدمة. لو كان الحوثيون مجرد "ذراع" بسيط، لكان من المنطقي تزويدهم بعدد محدود من الصواريخ للسيطرة عليهم و توجيههم بسهولة، أما تمكينهم تكنولوجيًا فيدل على شراكة استراتيجية تعتمد على قدرة حلفائهم على اتخاذ قرارات مستقلة وتنفيذ عمليات معقدة، مما يميز طبيعة العلاقة بين إيران وحلفائها عن مفهوم الذراع التقليدي
ماذا عن الكيان الصهيوني
إسرائيل ليست دولة عادية ذات حدود واضحة بل كيان استيطاني إحلالي توسعي يقوم منذ نشأته على نزع ملكية الأرض من سكانها الأصليين وتفريغها منهم عبر سياسات ممنهجة من الطرد القسري والتطهير العرقي وقد أكد قادة المشروع الصهيوني ذلك صراحة منذ البدايات يقول ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في مذكراته سنسعى إلى طرد الفقراء من السكان الأصليين خارج الحدود بتوفير فرص عمل لهم في بلدان العبور ولكن بحذر وحنكة حتى لا يثير هذا الأمر انتباه الصحافة أو الحكومات ما نقوم به يجب أن يتم بلباقة وصمت في إشارة واضحة إلى خطة تهجير السكان الفلسطينيين كما صرّح دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل قائلاً علينا أن نُخرج العرب ونأخذ أماكنهم وإذا بقوا سيكون مستقبلنا مشكوكًا فيه هذه التصريحات لا تترك مجالًا للشك بأن المشروع الصهيوني كان منذ بدايته مشروعًا استعماريًا يقوم على الإزاحة الجغرافية والديموغرافية للفلسطينيين
لكن البعد الأخطر في هذا المشروع هو طبيعته التوسعية ليس فقط على أرض فلسطين بل على مستوى الإقليم بأسره ففي الأدبيات الدينية والسياسية الصهيونية كثيرًا ما يُستشهد بالنص التوراتي الذي يقول في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقًا قائلاً لنسلك أُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات (سفر التكوين ١٥ ١٨) وقد استُخدم هذا النص كأساس لادعاء ديني وتاريخي يمنح إسرائيل حق التمدد الجغرافي نحو ما يُسمى بأرض إسرائيل الكبرى وهي خريطة تشمل أجزاءً من مصر والأردن وسوريا والعراق وقد عبّر مناحيم بيغن عن هذا التصور بقوله إن خريطة إسرائيل موجودة في الكتاب المقدس حدودها تمتد من نهر مصر إلى نهر الفرات ولا يمكن لأي حكومة أن تتنازل عن شبر منها
وقد فصّل المفكر المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري هذه الحقيقة في موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية حيث وصف الكيان الصهيوني بأنه نموذج للدولة الوظيفية التي أُنشئت لخدمة المصالح الغربية الاستعمارية عبر تمركز استيطاني يهدف إلى إحلال شعبٍ محل آخر وليس مجرد استيعاب هجرة وأوضح أن ما جرى في فلسطين لم يكن صراعًا على حدود بل صراعًا وجوديًا مع كيانٍ يعمل على محو السكان الأصليين وتاريخهم وفرض سردية استعمارية بقوة السلاح والدعم الإمبريالي كما أكد أن الصهيونية تبنّت رؤية توراتية أسطورية للحدود حولت الدولة من كيان سياسي إلى مشروع لاهوتي توسعي وهو ما يجعل إسرائيل في بنيتها العقائدية غير قابلة للاكتفاء بحدود قائمة بل تنزع بطبيعتها إلى التمدد المستمر ما يجعلها مصدر تهديد دائم لجيرانها ولكل شعوب المنطقة
وهذا بالضبط ما يجعل المشروع الصهيوني أخطر بكثير من المشروع الإيراني فالمشروع الإيراني على الرغم من كل ما يُقال حوله يبقى محدودًا بنيويًا لأنه موجه بالأساس إلى الطائفة الشيعية ومشروطًا بالانبثاق من داخل مجتمعات المنطقة عبر روابط مذهبية وتاريخية تجعل انتشاره انتقائيًا وموضعيًا بينما إسرائيل فهي كيان استيطاني توسعي استعماري صريح لا يكتفي بالتأثير أو تصدير نموذج ثقافي أو ديني بل يسعى فعليًا إلى نزع السكان وتفريغ الأرض وإحلال جماعة أخرى مكانهم وهو ما يجعل خطره وجوديًا لا ظرفيًا ومادّيًا لا رمزيًا
اسرائيل و الدعم
إسرائيل ليست مجرد دولة عادية بل هي امتداد مباشر للمشروع الإمبريالي الغربي في قلب المنطقة كيان وظيفي يخدم مصالح القوى الكبرى ويؤدي الدور الذي كانت تقوم به الاستعمارات القديمة بأسلوب جديد في كل مجزرة يرتكبها الاحتلال يسود صمت مطبق من قبل الدول الغربية بل إن العديد منها يبرر تلك الجرائم تحت شعار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأوضح دليل على ذلك هو المجزرة المروعة التي يشهدها قطاع غزة اليوم حيث استشهد أكثر من خمسين ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال في دمار شامل لبنية الحياة دون أن يحرّك العالم الغربي ساكنًا وكأن شيئًا لم يحدث
هذا الصمت ليس عفويًا بل هو دليل على أن إسرائيل ليست مجرد دولة بل كيان محمي من الغرب يستخدم كأداة للسيطرة وضرب كل محاولة للتحرر في المنطقة وهذا ما يميزها عن إيران التي رغم كل ما يقال عن سياساتها لا تحظى بأي دعم غربي بل تحاصر وتصنف عدوًا استراتيجيًا وتستهدف في كل المحافل ما يؤكد أن الموقف الغربي لا يبنى على أساس المبادئ أو القيم بل على موقع كل طرف من منظومة الهيمنة العالمية إسرائيل تكافأ لأنها طرف اساسي في تلك المنظومة وإيران تعاقب لأنها تقف خارجها
مدى خطورة التطبيع
إسرائيل ليست كيانًا توسعيًا عسكريًا فقط بل هي مشروع توسعي شامل يتغلغل في البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول العربية فمن خلال اتفاقيات أبراهام لم يكن الهدف مجرد تطبيع سياسي بل كان التمكين التدريجي من الاقتصاد الوطني للدول المطبعة عبر مشاريع مشتركة واستثمارات استراتيجية تسعى إلى إخضاع هذه الاقتصادات لمنطق التبعية وتحويلها إلى ملاحق خدمية تدور في فلك رأس المال الإسرائيلي والغربي إنّها محاولة لإعادة هندسة خريطة المصالح في المنطقة بما يخدم تفوق إسرائيل ويديم هيمنتها
وليس التطبيع الاقتصادي وحده ما يُستخدم في هذا السياق بل التطبيع الأكاديمي أيضًا الذي يسعى إلى خلق نخب محلية تتبنّى الرؤية الصهيونية وتُعيد إنتاج خطابها داخل الجامعات ومراكز البحوث هذه النخب تقوم بوظائف شبيهة بما سمّاه الدكتور عبد الوهاب المسيري "اليهودي الوظيفي" أي أفراد يعملون ضمن مجتمعاتهم لخدمة المشروع الصهيوني من الداخل من خلال تبرير وجوده والترويج لفكره وتفكيك الخصوصية الثقافية والهوياتية للمجتمعات العربية
وبالعودة إلى ما سبق فإن التغلغل الاقتصادي والاختراق الأكاديمي يمثلان اليوم أدوات إسرائيل الأساسية لاستكمال مشروعها التوسعي وتحقيق حلم "من النهر إلى النهر" فالمعركة لم تعد تقتصر على احتلال الأرض بل امتدت إلى احتلال السوق والعقل والبنية التحتية في مشروع صامت لكنه لا يقل خطورة عن الغزو العسكري و هو ما يحدث الان في المغرب
أما في المقابل فالمشروع الإيراني رغم حضوره الإقليمي يبقى محدودًا بنيويًا فإيران لا تمتلك أدوات السيطرة الناعمة نفسها فهي تحت العقوبات المشددة التي تمنعها من التمكّن من البنى الاقتصادية للدول الأخرى وتُقيد قدرتها على تصدير نموذجها الأكاديمي والثقافي. حتى في العراق الذي يُعد أبرز ساحة نفوذها لم تتمكن إلا من خلق نخبة ولائية مرتبطة بها مؤقتًا واقتصادٍ تحوّل إلى سوق للبضائع التركية والإيرانية دون أن تتمكن من إرساء بنية مستقرة تابعة لها ومع تراجع هذه النخبة وفقدانها للشرعية والفاعلية تبيّن مرة أخرى محدودية المشروع الإيراني وعجزه عن بناء حضور طويل الأمد على عكس المشروع الإسرائيلي الذي يحظى بالدعم الغربي الكامل ويعمل بخطة استراتيجية طويلة المدى تستهدف كل مفاصل المجتمعات العربية
موقفنا كشوعيون
من منظور ماركسي لا يمكن فهم الصراع في منطقتنا خارج منطق التناقضات الأساسية والثانوية فالتناقض الرئيسي بالنسبة لنا كأمة عربية هو مع الكيان الصهيوني باعتباره الحارس الأمين للمصالح الإمبريالية في المنطقة كيان استيطاني توسعي إحلالي لا يكتفي باغتصاب الأرض بل يسعى إلى إخضاع كامل المنطقة لمنطق التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية ولأن هذا الكيان جزء لا يتجزأ من المنظومة الإمبريالية العالمية فإن الصراع معه هو صراع وجود لا صراع حدود والتناقض معه سيبقى رئيسيًا وثابتًا في التحليل الماركسي
أما إيران فعلى الرغم من اختلافنا معها كدولة ذات مشروع ديني طائفي وارتباطها بمنطق المذهب إلا أن التناقض معها يبقى ثانويًا في المرحلة الحالية فهي في المحصلة بلد معادٍ للهيمنة الإمبريالية تخلق توازن قوى في المنطقة و تدعم حركات المقاومة التي تقف في وجه المشروع الصهيوني من لبنان إلى فلسطين إلى اليمن والعراق ولا يمكن تجاهل هذا المعطى الواقعي في صياغة موقف مبدئي ماركسي من الصراع في المنطقة
لكن يجب التنبيه إلى أن هذه المعادلة ليست جامدة ولا مقدسة التناقض مع إيران باعتباره ثانويًا يمكن أن يتحول إلى تناقض رئيسي في لحظات معينة وفي سياقات محلية خاصة كما في بعض البلدان التي تتعرض فيها السيادة الوطنية أو النسيج الاجتماعي لتهديد مباشر بفعل التدخل الإيراني هنا يجب على الشيوعيين أن يتحلوا بالقدرة على التحليل الجدلي الدقيق الذي يكشف التحولات ويعيد ترتيب الأولويات و تحديد التناقضات بناءً على التناقضات الفعلية على الأرض لا على الخطابات والشعارات
وفي المقابل لا بد من الاعتراف بالدور الحاسم الذي لعبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ردع الصهاينة وقد برز ذلك بشكل خاص في حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة التي خاضتها الجمهورية الاسلامية ضد الكيان الصهيوني حيث تمكنت توجيه ضربات موجعة للعدو جعلته يطلب الهدنة كما عبّر دونالد ترامب نفسه. هذا الصمود الأسطوري لا يمكن إلا أن يلقى دعمًا مطلقًا من كل شيوعي حقيقي يرى في تحرير الأرض العربية واجبًا لا يقبل المساومة. ومن هنا يجب أن يكون موقف الشيوعيين واضحًا في دعم كل حركات المقاومة من الفصائل العراقية إلى حزب الله إلى حركة أنصار الله وكل من يحمل السلاح في وجه الاحتلال
وفي النهاية لا ينبغي أن نكتفي بالدعم السياسي والعاطفي للمقاومة بل علينا أن نستغل لحظة التوازن هذه بين القوى الكبرى لنبني حركة شيوعية عربية ثورية قادرة على قلب المعادلة في الداخل بالإطاحة بالملكيات الرجعية والديكتاتوريات العسكرية والأنظمة البونابارتية التي تخنق شعوبنا وتقف سدًا أمام أي مشروع تحرر حقيقي في المنطقة .فوحدة الوعي الثوري ووحدة الجبهة الشعبية التقدمية هي الطريق إلى استعادة السيادة والثروة والكرامة
وفي السياق ذاته لنا أن نتخيّل كيف كانت ستتغيّر موازين القوى في لحظة تاريخية مثل السابع من أكتوبر لو أن مصر كانت تحت حكم نظام وطني ثوري بدلًا من الديكتاتورية العسكرية العميلة التي تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية لو كان في مصر نظام ثوري منحاز لتحرير فلسطين لكان المعبر مفتوحًا منذ اللحظة الأولى ولتحوّل الدعم الشعبي واللوجستي والسياسي إلى عامل ضغط هائل على الاحتلال الصهيوني ولكانت الجبهة الجنوبية قد اشتعلت على طول الحدود مما يُربك العدو ويُقصّر عمر عدوانه ويُسرّع في هزيمته



#سامر_بن_عبد_السلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيس سعيّد بين بونابارتية الدولة التابعة والشعبوية اللقاحية: ...
- لا للتدخل الاجنبي
- حزب العمال والديمقراطية: أسطورة القندس
- ضد الشاشة المستعمِرة: في راهنية مشروع الطاهر شريعة وتجاوز حد ...
- اسطورة العداء بين البرجوازية الوطنية والامبريالية : النظام ا ...
- الاسد ووهم الممانعة كيف حوَّل اليسار الستاليني الطغاةإلى أبط ...
- حركة النهضة والطبقات الاجتماعية في تونس: قراءة ماركسية في مس ...
- البيروقراطية في تونس بين الجذور الاستعمارية والفشل الإصلاحي: ...
- الثورة الدائمة و يوغسلافيا - ميشال بابلو


المزيد.....




- السعودية.. وفاة -الأمير النائم- بعد دخوله في غيبوبة دامت 21 ...
- السعودية.. من هو -الأمير النائم- بعد إعلان وفاته إثر تعرضه ل ...
- مباحثات أردنية سورية أمريكية لدعم تنفيذ اتفاق الهدنة في السو ...
- بهدف الوصول إلى السويداء.. استمرار توافد مقاتلي العشائر إلى ...
- الرسوم الجمركية الأمريكية على البرازيل تؤثر سلبًا على المسته ...
- لماذا فضل فيرتز الانتقال لليفربول وليس إلى بايرن ميونيخ؟
- فيتنام: مقتل 34 شخصا وفقدان أخرين إثر انقلاب قارب سياحي فى خ ...
- قراءة في موجة انتحار الجنود الإسرائيليين.. أعراض ما بعد الحر ...
- واشنطن بوست: تخفيضات تمويل البث العام تترك سكان الريف الأمير ...
- 104 شهداء والاحتلال يتمادى باستهداف طالبي المساعدات في غزة


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامر بن عبد السلام - يران أم إسرائيل: أيّهما الخطر الحقيقي على العرب؟ قراءة ماركسية بعد حرب الاثني عشر يومًا