حمدي حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 02:53
المحور:
قضايا ثقافية
أثار تشكيل المجلس الأعلى للثقافة المصري الأخير موجة من التساؤلات الهادئة والمُحرجة في آنٍ واحد. إذ جاء التشكيل الجديد مكونًا من شخصيات محترمة، لها سجل طويل في المشهد الثقافي المصري، لكن ما يلفت النظر – ويثير الدهشة – أن جميع الأعضاء تقريبًا تجاوزوا السبعين، بل الثمانين من أعمارهم، باستثناء سيدة واحدة صُنفَت ضمن "جيل الشباب" وهي في الثانية والستين من عمرها.
فهل هذا المجلس يهدف إلى مهمة عاجلة لا تتطلب امتدادًا زمنيًا؟ هل هو مجلس تسيير أعمال، أم مجلس لوضع سياسات مستقبلية لثقافة شعب كامل؟ وإذا كان الغرض استشاريًا بحتًا، ألا يحتاج الأمر إلى دمج أجيال متعددة تمثل المجتمع المصري بكل تنوعه؟ وإذا كانت الثقافة فعلًا جماهيريًا كما يُردد المسؤولون، فأين صوت الشباب والمجتمع الرقمي والفئات المهمّشة من هذا التمثيل؟
ليس في الأمر اعتراض على الخبرة أو التقادم في العمر، بل إن القيمة الرمزية لبعض الأعضاء لا يُمكن إنكارها. لكن الخشية أن يتحول التقدير إلى إقصاءٍ غير معلن لكل ما هو جديد، وأن يصبح المجلس الأعلى للثقافة صدىً لتجارب الماضي دون اجتهاد في قراءة الحاضر أو استشراف المستقبل.
فالمشهد الثقافي في مصر لا يخلو من طاقات شبابية مبهرة، ومفكرين وكتاب ونقاد واستاذة جامعة وفنانين ومسرحيين وأكاديميين يمتلكون خبرات متقدمة في استخدام أدوات العصر، والتفاعل مع قضايا الهوية، والتنوع، والعدالة الثقافية، بل وابتكار منصات بديلة لوصول الثقافة إلى الشارع، وإلى القرى، وإلى الإنترنت، حيث الجيل الجديد يعيش ويتعلم ويتغير.
إن ثقافة "احترام الكبير" لا تتناقض مع ثقافة الاستماع للجيل الجديد، بل تكملها. فكما أن للخبرة وزناً، فللتجديد أيضًا ضرورته. أما الإصرار على حصر العمل الثقافي الرسمي في دائرة عمرية واحدة، فهو وصفة مؤكدة لتحنيط المشهد وإدامة العزلة بين المؤسسة الثقافية والمجتمع.. وانحياذ لثقافة الكتاتيب مع احترامي للمرحوم والدي احد خريجي الكتاتيب.
الثقافة لا تحتاج إلى "من يُديرها" بقدر ما تحتاج إلى من يُشعل جذوتها، يوسع أفقها، يربطها بالحياة، ويجعلها حقاً مشاعاً للجميع. فهل يتحقق ذلك بصوت واحد؟ بلون واحد؟ بجيل واحد؟ الإجابة لا تحتاج إلى تأمل طويل
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟