مارتن كورش تمرس لولو
(Martin Lulu)
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 15:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
القاص الأَشُّوري مارتن لولو
يجسد الفكر القومي لاهوتيًّا
(القسم الأول)
بقلم: ميخائيل ممو
ليس من الغريب أن يمتهن من يحمل شهادة المحاماة حقل الكتابة الأدبية المؤثرة في ميدانَيْ القصة والشعر، طالما يسعى دوماً بمرافعات قانونية على صياغة أسلوب ممتع عن الذين يدافع عنهم من موكليه بصيغ قانونية لإقناع هيئة المحكمة والقاضي على براءتهم. ثم لا ننس بما أن الصحافة حرفة ورسالة في عقود مضت كان لصاحب الامتياز أن يكون قانونياً في تولي إصدار الصحف.
عادة ما تكون المرافعات التي يخوضها رجل القانون من المحامين وبشكل رسمي على معرفةٍ بالكثير من دقائق الأمور، تجعله وتؤهله أن يجمع ما لم يخطر على باله من أحداث تدعه أن يصيغها بقالب مؤثر على السامعين في قاعة المحكمة وبصوت يتفاعل فيه ذبذبات صدى ارتفاعه وانخفاضه بتناسق مع تعبير حركات اليدين بالتلويح هنا وهناك وغيرها من الحركات التي تجلب الانتباه.
من هذه التجربة التي تتكرر وفق مرافعاته، يكون وقد استجمع في ذاكرته ما لا يُحصى من الأفكار والأحداث، لتجده بناء لحرصه وقد اتجه في منحىً آخر من الكتابة متمركزًا في الصياغة القصصية أو الشعرية والنقدية التحليلية بتعبير سلس وجذاب مطعمًا إياها من واقع أحداث المجتمع اليومية وفق خياله الواسع وتوقعاته لما يضمره المستقبل.
هذا ما اكتشفته واستنبطته من تجارب معايشات حياة المحامي الأَشُّوري مارتن كورش تمرس لولو، الذي تخرج من كلية القانون والسياسة ـ قسم القانون ـ في بغداد عام 1978، وزاول مهنته في حقل المحاماة منذ عام 1980 في مجالات مختلفة الخدمية والاستشارية، وفي الوقت ذاته إقدامه استغلال ما يراوده بتجسيد معايشاته على كتابة القصة القصيرة من واقع الحياة لإقناع القارئ بما يهدف اليه مضيفاً إليها محاولاته الشعرية أيضًا التي يشهد عليها ديوانه الشعري الموسوم " ترانيم في ليل المهجر" الصادر عام 2013 في 295 صفحة من الحجم المتوسط، وعلى شكل خواطر بإسلوب الشعر النثري " شعر وجداني" مصاغة بـ 32 قصيدة. تتميز ببساطة العرض العفوي للعديد من المناسبات الخاصة والوقائع.
ولكي نلقي الضوء على ما نَضَحَ به الفكر لدى القاص والمحامي، مارتن لولو في وقت مبكر، كنت قد حظيت بباكورة نتاجه القصصي "القلوب عندما تسافر" الصادر بموافقة وزارة الإعلام العراقية والمطبوع عام 2003 متضمناً 40 قصة قصيرة متميزة ومتنوعة في موضوعاتها تقع هذه المجموعة القصصية في 259 صفحة من الحجم الكبير. ويبدو لنا الغالب في معالجاته هواجس الحب ومعاناته من خلال ما توّجته عناوين قصصه مثل: "للقلب حجارة"، "للقلب قلعة"، "قلبان.. قلب"، "القلب المنتظر"، "القلب المتمرد"، وما يشاركها من عناوين حرفي؛ الحاء والباء؛ كـ "الحب ليس هذا"، "لنحمي الحب"، "الرجل أحتاج إلى الحب"، "هل يجب أن أُحب" وغيرها، مضيفًا إليها حواس بعض الذكريات المنتقاة من زمن أيام الطفولة في المنطقة التي نشأ وترعرع فيها في مدينة الذهب الأسود كركوك (كرخ سلوخ) التاريخية المعروفة أدبيًّا وشعريًّا وثقافيًّا بسلسلة "جماعة كركوك الأدبية"، ومن حلقاتها من الأَشُّوريين الثلاثي الراحل: الأب يوسف سعيد، سركون بولص وجان دمو، الراقدين على رجاء القيامة.
كما وأن آخر ما قدح به فكر وتأملات القاص، مارتن لولو مجموعته القصصية الموسومة "السيد آتٍ" باحتوائها 55 قصة قصيرة في 196 صفحة من الحجم المتوسط وبحرف صغير قياس 12، مُجَمّلاً صفحته الأولى بخطه القائل: "إهداء إلى النحاة اللغوي الأستاذ، ميخائيل ممو". وما أن سنحت لي الفرصة من قراءة أغلب نصوص المجموعة تبين لي عن المسار الجديد الذي إرتآه بحبك أسلوب تعابيره من ازدواجية الواقع المُؤلم أحيانًا والمفرح فيما بعد بانتشال المعضلة المصاحبة من ديمومتها التي يُطعِمُها بآيات من أسفار الكتاب المقدس، بحيث لا تخلو أية قصة من دون أن يصاحبها أو يختمها بآية مطابقة لمجريات الأحداث، مستشهًا بتجربة شخصية جسدها في المعاناة التي ألمت به وصادفته بمجرى حياته في المحيط العائلي راويًا إياها بعنوان " الصراع بين..." ص 129. ومن العنوان كنت أتصوره يود القول " الصراع ما بين الحياة والموت" وبالفعل كان تصوري ايجابيًّا بما ألمّ بربة الأسرة من داء عضال يحتم الموت، إلا أنه بمشيئة الرَّبِّ الذي استجاب لإسعاف الزوجة، ليتم علاجها في إيطاليا، على نفقة الصليب الأحمر الإيطالي ومن ثم لتواصل رحلة العلاج في مملكة السويد مع أفراد عائلتها.
ومما لفت انتباهي وأنا أطالع المجموعة بدقة وروية أن أجد أغلب ـ وبالأحرى معظم ـ أسماء شخوص الأحداث من أبناء وبنات الشعب الأَشُّوري ومن كلا الجنسين: شابرتا، أوشانا، أربئيلو، آيلين، شموئيل، توما، سياوش، عوديشو، أَشُّور، فكتوريا، نينوس، ريتا، سركون، شميران، عمانوئيل، دليلة، تمارا وغيرها من الأسماء التي يربط أحداثها بأمكنة مناطق سكنى الأَشُّوريين كحيِّ الدورة في بغداد، سِمِّيل، زاخو، بخديدا، ديانا، عينكاوا، حرير، باتاس، هوديان، نينوى وغيرها من المناطق في شمال ما بين النهرين، والبعض منها ينتقيها من معايشاته في مملكة السويد.
ولا يسعني في خاتمة المطاف من هذه الالتفاتة السريعة إلا أن استجيب لنداء القاص، مارتن لولو، حسب ما أشار بندائه قائلاً: » لطفاً عزيزي القارئ. أعطِ رأيك فيما قرأت، وفـقه قد تتغير الكثير من الأفكار، لأنه من واقعكم يأخذ الروائي والقاص أفكاره«.
بهذا يمكنني القول:
ـ إن ما توصلتُ إليه واستنتجته أنه يكتب بأسلوب سلس وكأنه يتحدث بوضوح وشفافية من غير غموض في تواصله السردي، ليتراءى لك وكأنه يحدثك المتحدث بشكل مباشر.
ـ تناوله للمعايير والقيم الاجتماعية من العادات والتقاليد السائدة في المجتمع ليظنها البعض بأنها من سرد الخيال العاطفي، لكنها تتضح في الخاتمة عن تمركزها النهائي من الواقع الحقيقي المشوب بالفرح المحتم لدرب السعادة أو الحزن المأساوي الغير متوقع.
ـ لهذا نجده في أغلب قصصه القصيرة يتغلغل في كيان الأحداث التي عادة ما تفرض ذاتها على مجاميع من البشر الذين يولون اهتمامًا للأفراح بأساليب الترفيه الذاتي، وعكس ذلك عن أولئك الذين يسعون بجهد كبير في تحقيق ما يصبون اليه.
ـ يتضح في مجاميعه القصصية أصداء وانعكاسات نفسية في حدود الرمزية المستنيرة بالآيات الإنجيلية من منطلق ما كان يتراءى له كأمرٍ محتمٍ للمسيرة الحياتية الصائبة. ولهذا نجد في عدد كبير من قصصه الواقعية يعتمد تتويج فكرة مضامينها بالفكرة اللاهوتية، قوميًّا واجتماعيًّا وتربويًّا.
ـ إن الأرضية التي اعتمدها لتكون بداية نشأته الأدبية كمحاولات أولى انطلقت في المرحلة الثانوية لتنمو بشكل مستدرج على ضوء بعض الإشارات مؤكدة بأنه ينتمي الى الحقبة السبعينية من القرن الماضي في خانة الأدب الواقعي، وباتجاهات محافظةٍ، تشوبها النزعةُ الإنشائية السلسة الخالية من التكلف الضمني المحير.
ولكي يكون القارئ على معرفة بسيرة القاص والمحامي، مارتن لولو، المولود عام 1953، أنه متزوج وله ولدين (سركون وسيمون) وساندرا وأربعة أحفاد. عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، عضو اتحاد المؤلفين السويديين (Sveriges Författarförbundet)، من مؤسسي رابطة الكتاب والأدباء الأَشُّوريين في العراق.
صدرت له المجموعات القصصية التالية:
١ـ أول مجموعة قصصية (القلوب عندما تسافر) صدرت سنة ٢٠٠٣
٢ـ مجموعة قصصية (في انتظار الرَّبِّ) صدرت ٢٠٠٥
٣ـ مجموعة قصصية (الباحث عن...) صدرت سنة ٢٠١٠
4- مجموعة قصصية (أقرأ لك قصة) صدرت سنة ٢٠١١
5 ـ ديوان شعر نثري (ترانيم في ليل المهجر) صدر سنة ٢٠١٣
صدر له باللغات (الأَشُّورية، العربية، الإنكليزية، السويدية) قصص قصيرة في أدب الأطفال، تحمل بين صفحاتهارسوماتٍ ملونة تبهج القارئ وتُثري خياله:
١ـ ميلس والبلبل. ٢ـ القدوة. ٣ـ الواجب البيتي. 4- تمثال الكابتن. 5- عرس في الوطن. 6- طفلة توقف شرطيين.
وعن هذه الفقرة يعترف وبكل صدق وأمانة بأن ابنته "ساندرا" ذات الأربعة عشر ربيعًا، تهوى الرسم والترجمة فهي التي ساعدته في بداية عملية التأليف في أدب الأطفال من حيث تجسيد الترجمة من العربية؛ التي يكتب ويؤلف بها؛ إلى السويدية والإنكليزية. وها اليوم ينضم إليه فريق الترجمة فيما يكتبه للأطفال، المترجون: القسيس، وردا أورها، ماجد باسيل، لورنس زيا. وسأنضم إلى هذه المجموعة من المترجمين عن قريب لكي أترجم له سلسلة ثلاثية في أدب الأطفال، من العربية إلى اللغة الأَشُّورية.
كما انه لم يتوانَ عن الكتابة والنشر رغم إصداراته المتعددة، حيث أتحف العديد من المواقع الإلكترونية بموضوعاته التوجيهية والنقدية التربوية وعلى وفق خاص مع المواقع التالية: عنكاوا توت كوم، تللسقف كوم والحوار المتمدن. وله أيضًا مجموعة من الأعمال المخطوطة بانتظار النشر. آملين له دوام التقدم فيما يسعى اليه ونشر ما يرقد على الرفوف المنسية. ومن الجدير ذكره في نهاية هذا العرض، تبين لي بأن رسالته في التأليف والكتابة يحصرها كفلسفة حياتية في ثالوثه الخاص والمميز الذي يصرح به بالأعمدة التالية:
1. يكتب كعراقي ليُعَـرّف العالم بعراقيته.
2. يكتب كمسيحي ليُعَـرّف غير المسيحيين بمعاناة مسيحيي الوطن والمشرق.
3. ويكتب كأَشُّوري ليُعَـرّف القوميات الأخرى بأصالة قوميته الأَشُّورية.
وإن سألته مِمّا يخاف؟ يجيبك وبكل ثقة وأصالة عن إيمانه بتربة الوطن. (يخاف أن يموت في ديار المهجر فيوارى جثمانه خارج تربة الوطن.)
حتماً بأن ما نشرت عنه جريدة بهرا سنة 2005 في الوطن هو من إيمانه الذي لا يحيد عنه وفق ما نشرته الجريدة (إن القاص، مارتن كورش تمرس لولو، هو أول كاتب يجعل من آيات الكتاب المقدس عناوين لقصصه القصيرة).
نكتفي بهذا القدر من الإيضاح والتنوير لديناميكية هذا الكاتب النحرير الذي اختفى اسمه بين كتابنا الأَشُّوريين في المهجر على وجه التحديد، ونترك ما سعى إليه في خدمة اللغة الأَشُّورية من خلال أدب الأطفال، حيث أنه وكما أسلفنا نشر ستُّ قصص قصيرة من سلسة قصصية بلغتين مزدوجتين العربية والأَشُّورية إضافة إلى السويدية والإنكليزية أيضًا، وسنعمد على النشر عنها في القسم الثاني من هذا التعريف. وكتب عنه كقاص، الناقد العراقي، عبد الحميد الـ كلود، بعنوان "العاطفة في المجموعة الشعرية في ديوان {ترانيم في ليل المهجر}. تجدونها على الرابط التالي: http://www.tellskuf.com/index.php/tha/5-cul/119008-541313.html
في نهاية هذه الدراسة، أقول للقاص والمحامي، مارتن لولو: بأن القراء ما زالوا ينتظرون منكَ المزيد، خاصة في حقل أدب الأطفال، هذا اللون الأدبي الذي ما زالت تفتقرُ إليه رفوفُ مكتباتنا في الوطن والمهجر، ويشتاق إليه الأطفال، جيلنا الصاعد.
بقلم: ميخائيل ممو
مملكة السويد
#مارتن_كورش_تمرس_لولو (هاشتاغ)
Martin_Lulu#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟