أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - الهروب من الماضي: قراءة في رواية «بين غربتين» لسعاد الراعي د. صالح الرزوق















المزيد.....

الهروب من الماضي: قراءة في رواية «بين غربتين» لسعاد الراعي د. صالح الرزوق


سعاد الراعي

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


تبدأ رواية “بين غربتين” لسعاد الراعي* برحلة هروب امرأة مناضلة من العراق إلى بلغاريا، ثم إلى اليمن الجنوبي، ويتبع ذلك ذكريات ومونولوجات عن سيرة حياة حسين أحمد الموسوي المعروف باسم سلام عادل، والذي أعدمه البعث بعد انقلابه الأول عام 1963.
وإذا كانت هذه المحطات وتداخلها تفيد في تحريك الأحداث والتفاصيل فهي أيضا تلقي بقعة من الضوء على عدة قضايا ملحة، أصبحت جزءا من إشكالية حركات التحرير العربية، وبالأخص التي ربطت مصيرها بالاتحاد السوفياتي. وسبق للسياب أن وجه سهام نقده اللاذع لهذا الارتباط في كتابه “كنت شيوعيا”، والذي يعتبر ردة سياسية لا يوازيها غير ردة نازك الملائكة على تحديث الشعر في كتابها “قضايا
الشعر المعاصر”.
وعلى ما يبدو أن خوف العرب من الهزيمة، ساعد على توالد حكومات عسكرية. في حين أن خوف دول المعسكر الشرقي من انتصار الحلفاء ساعد على تمكين حكومات أمنية.
وأذكر هذا الكلام لأن “بين غربتين” كانت أقرب إلى جرد حساب مع المشهد السياسي العربي. فاليسار كان محتارا بين دعم الدكتاتوريات الموالية لموسكو وبين القبول بحرية ضعيفة تتيحها لهم هياكل شبه عسكرية. وكانت النتيجة احتكار طبقة من العسكر لكل السلطات، وتغييب نصف المعارضة – الموالية (جدلا) في السجون وفرار النصف الآخر.
كانت بلغاريا حظ بطلة الرواية، ولكن منذ أول سطر يتضح أن الهروب عبارة عن تكملة لمحنة الداخل. فالمستشفى عاملها بعنصرية ص46. وقامت الممرضة بشد شعرها خلال الولادة ص47.
وكان الأطباء البلغار بواد والمرضى العرب بواد آخر ص46. وتوجد عدة إشارات تؤكد على عزلة الشيوعي العراقي وتحديد حركته وكأنه استبدل السجن السياسي بسجن إيديولوجي.
وفي هذا الظرف القاسي، كان للمحاباة والوساطة دور أيضا ص37. زد على ذلك الطبقية السياسية التي جعلت البطلة تشعر بالذل والمهانة وهي في بيتها ص30. وكأن الحزب الشيوعي لم يتعلم كلمة واحدة من ماركس عن مساوئ التمايز بين الطبقات والقوميات.
ثم جاء عقد العمل مع اليمن الجنوبي ليرفع الستار عن مأساة اليسار، وليقدم شهادة مباشرة عن التخلف وضعف الخدمات. ناهيك عن الشك والإحاطات الأمنية. هذا غير جو الرعب والخوف الذي يقيد النوايا الحسنة. وكنت أتمنى لو استغلت الكاتبة هذه الفرصة لتبين جناية التخلف على برامج التطوير. أو على الأقل لتتابع الفرق المأساوي بين التعليم الإيديولوجي – ما نسميه كلام الصحف، والتعليم المهني- والذي يبدو أنه سياسة الشركات متعددة الجنسيات (وهي البديل الوحيد عن عولمة الاقتصاد أو أممية الخدمات).
ومثلما كانت الشخصيات بعزلة – تشبه غيبوبة سريرية عن المجتمع في بلغاريا، عاشت في اليمن داخل غيتو يفصلها عن المجتمع. وفي النهاية يذهب زوج البطلة إلى كردستان ليشترك بالقتال ضد الطاغية، وسرعان ما يستشهد، ويبقى ابنه برعاية والدته ص116.

وأستطيع أن أستنتج من هذا السياق أمرين:
الأول أن اليسار العربي يتيم وهو في حضانة الأم. وكأنه لا يزال يمر بمرحلة جنينية. أو أنه ينتمي لمرحلة غابرة من التاريخ وهي المجتمع الأمومي. ومهما تعددت التفسيرات نبقى أمام حالة single parent . كما لو أنك تعيش بعين واحدة أو لك يد واحدة. وبقليل من الاستطراد تنقصك الأدوات اللازمة للاكتمال والتوازن. وهذا أقسى تشخيص سريري لأزمة اليسار. كما أنه يضع كل أطروحتنا عن صدام الحضارات على المحك. فالرحلة العلمية تفترض دائما أن الشرق مذكر والغرب مؤنث. والعكس هو الصحيح إلا إذا اعتقدنا أن الذكورة منكوبة دوما بالتخلف وشح المصادر. وربما ورثنا هذا الخطأ من أول موجة تنوير. فقد كانت الريادة للذكور فقط. عدا عن زيارة حسناوات غربيات للشرق مثل المس بيل وكاتبة رواية المغامرات أجاثا كريستي. ومؤخرا نانسي ليندسفرين وريبيكا روث غولد (المهتمة بأضرحة وبيوت رموز النهضة والتنوير).
الأمر الثاني عدم ذكر اسم الأب والأم وتحديد اسم الابن وهو مسار. أو في الحقيقة تأجيل تحديد أسماء الكبار إلى ما بعد الولادة. وكانت في صوفيا، وفي ظروف دامية، لطخت ثوبها الأبيض ببقع الدم ص51. وهذه إشارة إضافية لمحنة ومخاض اليسار – وكأنه مكتوب على أبناء الثورة أن يكونوا عشيرة من مصاصي الدماء. وتبدو الصورة أقرب إلى صراع الأجيال وليس الأنظمة. فالآباء والأصول نمط معمم، والأبناء نمط مخصص. والتجريد غير التعيين.
وفي النهاية يمكننا القول أن الحكاية بهذا الشكل أصبحت عن الماضي الأسود والمجهول، وعن المستقبل الضبابي. والضباب مثل الرماد، وهو من مخلفات احتراق بطيء للأفكار والخلفيات الاجتماعية. كما أن الرمادي، بتعريف الرواية، هو الهدوء الذي يغلف التناقضات والانفعالات المقيدة ص194. وهو كل حلم نخطط له ولكن نضطر لتأجيله ص222. عدا أنه صورة تعكس حقائق الذات من الداخل ص223.
وعلى الأغلب اختارت الكاتبة أسلوب السرد الذاتي لهذا السبب، حتى أن كل الأماكن وبقية الشخصيات كنا نراها ونشعر بها من خلال معاناتها الشخصية، بعكس أعمال أعادت النظر بتجربة اليسار العربي ومنها رواية “برلين 69” لصنع الله إبراهيم. وهي عن رحلة عمل تدعمها الدولة للتمرين في برلين. ولكنه يعود منها بجعبة فارغة وذكريات مرعبة، ومن ضمنها الانتحار واستفحال الفساد واللامبالاة. كما لو أن برلين مسرح لشخصيات بيرانديلو العبثية واللامعقولة. أو لأبطال سارتر المدمنين والذين فقدوا الإيمان حتى بأنفسهم. وكعادته يلعب صنع الله بالرموز ويعلق بطلة الرواية على مروحة سقفية في بيتها. وهكذا يتحول رمز الحركة والدوران إلى أداة ساكنة تعبر عن الجمود ثم العدم، ولكن أسجل للكاتبة أنها أنهت حياة الزوج بعمل بطولي ولم تفضل أن يشنق نفسه كما فعلت البطلة الألمانية. مع ذلك يبقى الكابوس نفسه لأن خسارة الأب تترك المجال مفتوحا لانتقام أوديبي دموي في رواية “بين غربتين”، في حين أن قتل الأم -وهي الحبيبة وموضع الرغبة في رواية “برلين” - يترك الأب بمواجهة مفتوحة مع ابنه المفجوع والحزين. وهو ما يفسر أيضا اختلاف النهايات- سقوط الدكتاتور العسكري في العراق بالغزو، وسقوط الدكتاتور الأمني في ألمانيا الشرقية بما أسميه الإخلاء- أقصد انسحاب القوات الروسية. وما تم بعمل عسكري يحتاج لسيناريو مختلف عما تم بترتيبات أمنية.
ونستفيد من ذلك أن اللغة المشروطة في “بين غربتين” -وقبلها في “مثلث الدائرة” لسعدي يوسف الذي لقب نفسه بالشيوعي الأخير- واللغة الديالوجية ومتعددة الأصوات في “برلين” -وبعدها في “هنا القاهرة” لإبراهيم عبد المجيد تضع فن الرواية أمام امتحان قدراته على تغطية التفاصيل الأساسية في التاريخ. فالموت بلغة عالية يناسبه وجدان أمومي، بينما الموت بلغة عدمية وغير اقتصادية يحول الحياة لجرح مفتوح وثقب أسود غامض يناسبه وجدان ذكوري قليل الصبر.
*صدرت الرواية عام 2025 بطبعة أولى في ألمانيا وبواقع 229ص.



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نرجسية الأديب والناقد: الوجه الخفي للتسلط في الحقل الثقافي
- جمعة عبد الله: معاناة بين قهرين في رواية -بين غربتين- سعاد ا ...
- عرض لرواية بين غربتين للكاتبة سعاد الراعي،
- قصة .عندما يكون الفكر ثالثهم!
- بغداد، حين تتكلم القصيدة بدمها
- ابن العمة* سلام عادل:
- قصة بعنوان، كرامة على حافة الوجع
- قصة بعنوان، شكرًا، لأنك لم تكوني سيئة.
- عقيدة الصدمة: الاقتصاد الكارثي كآلية للهيمنة المعولمة – قراء ...
- العراق والحلقة المكتملة من عقيدة الصدمة*: قراءة نقدية في تفك ...
- : قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الك ...
- القسم الخامس: قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود ...
- قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأس مالية الكو ...
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (2، 3)
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (1)
- ظلّهُ في الذاكرة
- آريس… هدية النور الذي انبثق من صمت الانتظار
- قصة بعنوان -قربان الأم... صرخة في وجه الموت -
- قصة بعنوان: إن شاء الله، يا أستاذة
- قصة بعنوان -الدرس الاخير-


المزيد.....




- جدل في أوروبا بعد دعوة -فنان بوتين- إلى مهرجان موسيقي في الج ...
- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...
- مسرحية ترامب المذهلة
- مسرحية كوميدية عن العراق تعرض على مسارح شيكاغو
- بغداد تمنح 30 مليون دينار لـ 6 أفلام صنعها الشباب
- كيف عمّق فيلم -الحراس الخالدون 2- أزمة أبطاله بدلا من إنقاذه ...
- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - الهروب من الماضي: قراءة في رواية «بين غربتين» لسعاد الراعي د. صالح الرزوق