أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - نرجسية الأديب والناقد: الوجه الخفي للتسلط في الحقل الثقافي














المزيد.....

نرجسية الأديب والناقد: الوجه الخفي للتسلط في الحقل الثقافي


سعاد الراعي

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


كنت قد قرأتُ في احدى الصحف... موضوعًا حواريًا رائع بين اديب معروف وناقد مثله، ثم تابعت ما تبعه من مداخلات تفاعلية، محورها ما واجههما في بداية مسيرتهما الأدبية من تهميش ومواقف سلبية من قبل بعض النقاد والمؤسسات، وقد أثّر بي هذا الحوار التفاعلي على نحوٍ لا يمكن تجاوزه. لم يكن مجرد حوار بين أديب وناقد، بل كان مرآةً لجدلية عميقة تلامس قضايا أكثر جوهرية تتعلق بطبيعة العلاقة بين الإبداع والنقد، وسلطة النقد وحريته، والذات والآخر. هذا الأثر هو ما دفعني لإثارة ظاهرة ثقافية خطيرة ومسكوت عنها كثيرًا، وهي: نرجسية الأديب والناقد، لا كحكم مسبق، بل كدعوة للتفكير، وربما أيضًا، باعثًا للبحث والتفاعل.
ففي المشهد الثقافي العربي، حيث تتشابك الهويات الإبداعية مع الهالات الرمزية، تطفو على السطح ظاهرة مقلقة لا تقل خطورة عن التهميش المؤسساتي أو الرقابة الفكرية، إنها ظاهرة نرجسية الأديب والناقد. قد لا تكون جديدة في أصلها، لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر وضوحًا، بل أكثر تغوّلًا، في ظل فضاءات افتراضية تمنح الشهرة لمن يرفع الصوت أكثر لا لمن يعمّق الرؤية.
ان العودة الى الجذور النرجسية؛ من خلال تلمس أسبابها المتعددة والتي قد تفسر نشوء هذه النرجسية في شخصية الأديب أو الناقد تعتبر من الضرورات البديهية. فلو اخذناها من الجانب النفسي فقد تعود إلى شعور داخلي بالنقص، أو إلى رغبة دفينة في التعويض عن هشاشة سابقة. أما ثقافيًا، فإن بيئة لا تقوم على مؤسسات عادلة للنقد والتقييم، بل على الولاءات والمحاباة، ستخلق تلقائيًا حالة من الانغلاق حول "الأنا" الإبداعية، وتحويلها إلى سلطة فوق المساءلة.
ويشير بعض الدارسين، من أمثال بيير بورديو عالم الاجتماع الفرنسي، إلى أن "الحقل الأدبي نفسه يحتوي على "لعبة قوى" (Champ de force) يتصارع فيها الفاعلون الثقافيون على الرأسمال الرمزي، مما يدفع بالبعض إلى حماية هذا الرأسمال عبر نرجسية مقنعة".
اما السمات النرجسية في الفعل الثقافي، فيمكن ان نجدها بكل وضوح إذا تأملنا السلوك الثقافي لبعض الأدباء والنقاد، والتي من خلالها يمكن ان نرصد عددًا من الصفات التي تكشف عن هذه النرجسية:
* الفوقية الفكرية: حيث يتم تقديم الذات كمرجعية مطلقة للحكم والتقييم.
* الأنانية الإبداعية: حيث لا يُذكر اسم إلا إذا كان ممهورًا بإطراء للذات أو ربط بها.
* الغرور: الذي يتجلى في رفض أي نقد، أو في تقديم كل نقد كتحامل.
* الغيرة والخوف من المنافسة: فيتم تجاهل المبدعين الجدد، أو تحجيمهم وأقصائهم.
* الأنا العدائية: التي تتصرف مع الساحة الأدبية كأنها ميدان صراع لا حوار.
الا ان المهم هنا التأكيد على انه مهما حاول البعض التستر على هذه النرجسية بإظهار التواضع أو الانفتاح، فإن نصوصهم تفضحهم، فتراهم يتحدثون عن أنفسهم بمبالغة ملحوظة، أكثر مما يناقشون الآخرين، أو يختارون فقط النصوص التي تصب في تكريس أسطورتهم. وتنعكس هذه النزعة حتى في انتقائهم للأعمال التي يريدون من الاخرين الكتابة عنها، أو في "الحاشية" التي يدورون بها من كُتّاب وصحفيين وإعلاميين.
لا شك أن النرجسية يمكن قراءتها نفسيًا كاضطراب في صورة الذات، لكن الأخطر من ذلك هو تشكلها كسلوك ثقافي مَرَضي، تدعمه بيئة تغيب فيها آليات المحاسبة والتمحيص، وتُمنح فيها الأسماء سلطة دون مساءلة، لمجرد شهرتها أو قربها من مراكز نفوذ الوسط الثقافي.
ولعل أخطر تجليات هذا السلوك هو تأثيره على المتلقين، إذ يتحول اسم الأديب أو الناقد إلى ما يشبه "ماركة ثقافية"، يتم التعامل معها بمزيج من الخضوع والانبهار، دون أن يُقرأ فعليًا ما ينتجه.
ان البعض ممن أصابتهم هذه النرجسية لا يكتفي بتكريس ذاته، بل يسعى إلى تجنيد الأقلام من حوله. فتراهم يكتبون عنه، يروّجون لأفكاره، بل أحيانًا يهاجمون خصومه نيابة عنه، بينما هو لا يرد التفاعل والتحية بمثلها، بل يكتفي بأن يدور الجميع في فلكه، وكأنه مركز الكون، دون حوار متكافئ أو علاقة ندّية.
في الواقع أن أكثر من يدفع ثمن هذه النرجسية هم الكتّاب الجدد، إذ يُقابل طموحهم إلى الكتابة والنشر والتعبير عن آرائهم بإقصاء، أو سخرية، أو نقد جاف خالٍ من أية نية بنّاءة. بعضهم لم يحتمل تلك الضغوط، فيتراجع أو ينكفأ، بل وربما يعتزل الكتابة. إننا بحاجة ماسة إلى بيئة ثقافية تعرف الفرق بين النقد والبتر، بين التوجيه والتحطيم.
كما أن غياب أدوات المجابهة لدى هؤلاء الكتّاب، من شبكة دعم، أو خبرة، أو صوت مسموع، يجعلهم هدفًا سهلاً لنقد نرجسي لا يبتغي إصلاحًا بل إلغاءً.
لذا يجب القول نعم للنقد، لا لتجريد الإنسان من إنسانيته؛ فالنقد الحقيقي لا يهادن، لكنه أيضًا لا يُقصي ولا يحتقر. فالنقد بلا إنسانية يتحول إلى سلطة، والإبداع بلا تعاطف يتحول إلى استعلاء. الكاتب أو الناقد الذي ينسى أنه إنسان أولًا، وأن المتلقي أو المبدع الآخر هو إنسان أيضًا، يفقد روح الأدب، بل رسالته كلها.
في مقابل هذه العينات المتعجرفة، يبرز اسم الناقد جمعة عبد الله كنموذج حي ومضيء وفعال وضروري في الساحة النقدية. فهو ناقد عُرف بأسلوبه الإنساني والبنّاء، يتبنى الأصوات الجديدة، ويقرأها بعمق وصدق، لا بانحياز أو ترفّع. نقده لا يتوسل سلطة بل يستند إلى معرفة، ولا يُقصي بل يفتح أفقًا جديدة. إنه من القلائل الذين فهموا أن النقد فعل حب قبل أن يكون فعل حكم (وانا بصدد الكتابة عن تجربة الناقد جمعة عبد الله الاستثنائية).
ولإرساء بيئة ثقافية قائمة على التعددية والنقد الإنساني، لا بد من التأكيد على أن نرجسية الأديب أو الناقد ليست مجرد نزعة شخصية معزولة، بل تمثل تجليًا لبنية ثقافية مختلّة تعاني من قصور عميق في فهم الذات والآخر.
المطلوب اليوم ليس إسقاط رموز أو تحجيم أسماء، بل خلق مناخ يُكرّس القيمة لا الشهرة، ويدعم التعدد لا التمركز. فالإبداع الحق لا يزدهر إلا في ظل الحرية، والحوار، والاحترام المتبادل، حيث يكون الناقد داعمًا لا خصمًا، والكاتب منفتحًا لا متعاليًا، والإنسانية هي المعيار الأول، والأخير في كل ما نكتب.
**



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمعة عبد الله: معاناة بين قهرين في رواية -بين غربتين- سعاد ا ...
- عرض لرواية بين غربتين للكاتبة سعاد الراعي،
- قصة .عندما يكون الفكر ثالثهم!
- بغداد، حين تتكلم القصيدة بدمها
- ابن العمة* سلام عادل:
- قصة بعنوان، كرامة على حافة الوجع
- قصة بعنوان، شكرًا، لأنك لم تكوني سيئة.
- عقيدة الصدمة: الاقتصاد الكارثي كآلية للهيمنة المعولمة – قراء ...
- العراق والحلقة المكتملة من عقيدة الصدمة*: قراءة نقدية في تفك ...
- : قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الك ...
- القسم الخامس: قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود ...
- قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأس مالية الكو ...
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (2، 3)
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (1)
- ظلّهُ في الذاكرة
- آريس… هدية النور الذي انبثق من صمت الانتظار
- قصة بعنوان -قربان الأم... صرخة في وجه الموت -
- قصة بعنوان: إن شاء الله، يا أستاذة
- قصة بعنوان -الدرس الاخير-
- قصة / حين يعبر الضوءــ خطوات تتحدى العتمة


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - نرجسية الأديب والناقد: الوجه الخفي للتسلط في الحقل الثقافي