أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - قصة / حين يعبر الضوءــ خطوات تتحدى العتمة














المزيد.....

قصة / حين يعبر الضوءــ خطوات تتحدى العتمة


سعاد الراعي

الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


ساعات قليلة تفصل بين عملها في شركة المقاولات الإنشائية ودراستها الجامعية في دوام مسائي مرهق، ساعات في الانتظار المكتوم تقضيه على مقاعد المكتبة الوطنية أو في أروقة العمل الحزبي، تهدر فيه الوقت الذي يخذلها دوماً، والذي لا يكفي لعودتها إلى بيتها النائي، فتواصل رحلتها الشاقة، كعصفورة تقاوم رياح الحياة بجناحين من أمل، واجباتها الحياتية التي تثقل كاهلها، وأحلامها المعلقة على خيوط إرادة لا تلين.
ففي كل ليلة، بعد انتهاء دوامها الجامعي، تعود بخطواتها المتعبة، يرافقها جسد منهك، يتلبسه الإرهاق كعباءة من ألم، وجوع يتآمر مع الإعياء ليسلبها ما تبقى من قوة، وكثيرًا ما يسقط جسدها مغشيًا عليه، مستسلمًا لثقل ظلامٍ يفوق سواد الليل حلكة، ظلام ينبعث من أعماقها ويغمر روحها المتعبة.
كانت تخوض رحلتها المعتادة كل ليلة. عندما تنزل عند محطة الباص، الأقرب إلى بيتها، تضطر للسير، لما يقارب النصف ساعة على قدميها، على شارع طويل مخصص للطرق خارجية، وحيد كأنه منفى، ساكن كأن الصمت نفسه وقد قرر الاستقرار فيه. جو موحش، وظلام كأنه قد سُكب على الأرض بلا رحمة، يتسلل إلى عروقها وخوفًا بردًا ورجفة تتربص بأحلامها المرهقة.
وفي مواجهة هذه الوحشة، كانت تضم بإحدى يديها ملف محاضراتها إلى صدرها بقوة، وتمسد بالأخرى جنينها الذي ينبض في أعماقها كنبض امل لحياة أحلى. كانت تدندن له بأغانٍ، تنسج من حروفها حصنًا من الدفء والأمان، تغالب بها شعور الخوف والتعب الذي ينخر عظامها.
الطريق لم تكن آمنة دومًا. فبين الحين والحين، كان من يتربص بوحشتها في الظلام، يتلصص على ضعفها المرهق، ووهنها المضن. كثيرًا ما كانت تُفاجَأ بأصواتهم الخشنة، ومضايقاتهم الوقحة، وتصرفاتهم العبثية، التي تتجاوز احيانا حد المعقول وهم يمزقون دفاتر محاضراتها، او يسرقون حقيبتها وكأنهم ينهبون جزءًا من حلمها. كم توسلت إلى زوجها أن ينتظرها في منطقة الباص حين يعود قبلها، غير أنه كان يعود غالبًا متأخرًا، مشغولًا بأعماله ومتاهاته.
في ليلة عابسة، ملتحفة بالسواد، ثقيلة مثل همٍّ يستوطن الصدر، كانت تخطو بخطى واهنة، تتعثر بصمت الشارع الموحش، حتى اعترض أولئك المتربصون، المتعطشون للإساءة والتنمر سبيلها. توهجت عيونهم كجمرات مشتعلة، يُلوّحون بجمرات بسجائرهم.. ساخرين منها، كأنهم يلوّحون بنار لا غاية لها سوى إحراق عزيمتها التي تسكن قلبها المنهك.
تاهت نظراتها في العتمة، تتحسس في ظلالها بارقة نجاة تبدو أبعد من الأمل نفسه. كانت أنفاسها متقطعة، ترتجف كأوراق في مهب ريح عاصفة، وعيناها تهيم في الظلام كمن يبحث عن نجمة ضائعة في سماءٍ خالية. شعرت بالخوف يتغلغل في عروقها، وثقل يجثم فوق صدرها يكاد يسلبها قدرتها على الوقوف، حين لمع ضوء باهر يخترق عتمة الليل وسط كل ذلك اليأس، ضوء يتوهج من شاحنة نقل ثقيلة تجوب الطريق على عجل. تملّكها الأمل فجأة، كغريق يمسك بطرف حبل. لوحت بيد مرتعشة، رافعة ملف أوراقها كأنها ترفع راية استغاثة، أو ربما بقايا حلم مهدد بالانطفاء.
التقط السائق إشارتها، وأدرك تفاصيل الموقف بنظرة ثاقبة لا تعرف التردد. فرملت الشاحنة على مسافة قصيرة منها، كأنه يلبي نداءً غير منطوق، نداءً يستنجد بشهامته المكنونة. كان رجلًا جسورًا، تغمر ملامحه الصارمة غضبًا نبيلًا، وقلبًا يتقد شجاعة يندر مثيلها.
ترجل عن شاحنته ممسكًا بأداة معدنية كأنها امتداد لروحه الحامية. اندفع نحو المعتدين كإعصار لا يعرف الرحمة، وصوته يجلجل بوعيد صارم، شاتمًا إياهم بما يستحقون من كلمات. كانت خطواته تروي قصصًا من النخوة والشجاعة، وملامحه تنطق بتصميم لا يقبل التهاون. وبعدما انفضّوا عنهما هاربين. نظرت اليه بعد ان ترك حولها أثرًا من ضوء شق طريقه عبر ظلام كان يهدد بابتلاعها. وقفت مذهولة بين دهشة النجاة وارتعاشة الرعب. " انه ملاكها الحارس.. هذا ما مر بخاطرها" مدركة حينها أن الخير لا يزال ممكنًا حتى في أحلك اللحظات.
التفت نحوها بصوت هادئ حاول من خلاله أن يحتوي فزعها. عرض عليها أن يوصلها إلى بيتها. كان صوته كالحياة التي تعود إلى صدرها المنكوب، تنفست بعمق.. وشعور بالأمان والامتنان يغمرها وكأنها نجت من غرقٍ محتم. صعدت إلى السيارة وهي تجر أذيال ما بقي من التعب والخوف، لكن شيئًا من الطمأنينة كان ينمو في صدرها كزهرة تتفتح رغم كل هذا الظلام.
***



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدايا من عتمة الركام
- قصة بعنوان:- هدايا من عتمة الركام -
- قصة بعنوان -حين داعبت الشمس طفولتنا -
- قصة بعنوان وساطة بطعم الرماد
- - سهام الفتى عادل السليطة-
- النخلة العمة وأبناؤها الأشقياء
- انبثاق الحياة من سكون الفن!
- إبرة لخيط الذكريات
- قصة :-لظى في خاصرة الطفولة-
- في حضرة الأم ووداعها.
- بين غربتين
- الخيانة الزوجية: أبعادها، دوافعها، وسبل التعامل معها
- التبني كخيار انساني


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - قصة / حين يعبر الضوءــ خطوات تتحدى العتمة