أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعاد الراعي - قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأس مالية الكوارث (4)















المزيد.....

قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأس مالية الكوارث (4)


سعاد الراعي

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المرحلة الانتقالية: حين تُصاغ الجغرافيا من رماد الصدمة
تمهيد: عقيدة تُصاغ من رُكام العالم
في القسم الرابع من كتاب عقيدة الصدمة، تمضي ناعومي كلاين أبعد من مجرد تحليل اقتصادي، لتكشف عن خريطة سياسية كبرى تُرسم بالدم، وتُحفر بمشرط المؤسسات المالية العالمية.
تعنون كلاين هذا القسم ـ"لقد ضعنا في المرحلة الانتقالية" والذي لا يأتي صدفة، بل كإعلان عن حالة من الفقد المتعمّد للاتجاه، تنتهزها الرأسمالية المتوحشة لفرض نظام جديد، يتغذى على انهيار القديم.
هنا، لا تكون الصدمة حدثًا عارضًا، بل عقيدة راسخة، تُديرها قوى عابرة للحدود، تلبس أقنعة المساعدات، وتأتي محمّلة بأدوات الخصخصة والقمع.
تفكيك البنية – كيف يُعاد تشكيل العالم بعد الانهيار؟
يبني هذا القسم هيكله على خمس تجارب نموذجية: بولندا، جنوب أفريقيا، إندونيسيا، الصين، وروسيا. لكن ما يجمعها ليس التاريخ المشترك، بل الصدمة المشتركة التي جرى استغلالها لإجراء جراحة كبرى في جسد المجتمع.
1. بولندا: من التضامن إلى الانسحاق
بولندا ما بعد الشيوعية أرادت عدالة انتقالية، فوجدت نفسها ضحية لوصفة مستوردة من "مدرسة شيكاغو". (خطة بالسروفيتش ـ "العلاج بالصدمة")، لم تكن إصلاحًا، بل صاعقًا كهربائيًا جماعيًا مزّق الروابط الاجتماعية، فرضت تحريرًا سريعًا للأسعار، خصخصة واسعة، وتخفيضات حادة في الإنفاق العام. نتج عن ذلك ارتفاع معدلات البطالة، انخفاض الأجور الحقيقية، مما أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى وتفاقم التفاوت الاجتماعي فجعل الفقراء أكثر فقرًا، وأدخل البلاد في سباق خصخصة مفرط. "
لم تكن الصدمة هنا استجابة، بل كانت الخطة الأصلية." (ص 251)

2. جنوب أفريقيا: الحرية المنقوصة
جنوب أفريقيا خرجت من حقبة الأبارتهايد، لكنها لم تخرج من قبضة السوق البيضاء. فقد تم تسليم الحكومة سياسيا فقط، ولكن مع تعطيل أدوات التغيير الاقتصادي الحقيقي، بقيت الأرض والمال والذهب والالماز خارج متناول السود، وتحول حلم العدالة إلى وهم بلا جذور.
إنها حرية سياسية في قفص اقتصادي.
"لقد سلموا الحكم دون أن يسلّموا المفاتيح." (ص 266)
3. إندونيسيا: الانهيار المصمَّم
حين ضربت الأزمة الآسيوية إندونيسيا، لم يكن العلاج هو الاستقرار، بل فرض المزيد من الفوضى: رفع الدعم، خصخصة فورية، طرد الموظفين، إغلاق البنوك. نتج عن ذلك بؤس منظم استغلته الشركات الدولية لشراء كل ما يمكن بيعه. ومن أبرز نتائج هذا البؤس، انتهاء الطبقة الوسطى وبيع الكثير من العوائل اطفالها وابنائها وبناتهم لتجار الدعارة.
"كلما تعمقت الأزمة، ازدادت شهية الشركات الغربية." (ص 278)
إنها مأساة حيث الجوع يُنظَّم، واليأس يُخطَّط له.
4. الصين: الإصلاح المقترن بالقمع
رغم أن الصين بدت قصة "نجاح اقتصادي"، إلا أن ذلك النجاح لم يكن دون ثمن: قمع دموي في ساحة تيانانمن، وصعود نخب اقتصادية من رحم الحزب الشيوعي. التحول لم يكن تحررًا، بل كان استبدالًا للبيروقراطية الاشتراكية بنخبة الأوليغارشية.
5. روسيا بين رماد الإمبراطورية وصدمة السوق:
بين الديمقراطية الحُلم والديمقراطية الأداة.
في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، بدا المشهد مهيأً لولادة نظام ديمقراطي جديد. وتكشف كلاين كيف تحولت لحظة التحول الديمقراطي المنتظرة إلى كابوس نيوليبرالي محكم الصنع، لا يختلف في جوهره عما جرى في تشيلي في عهد بينوشيت. حيث أن ما جرى لم يكن سوى تفكيكًا مبرمجًا للاقتصاد السوفييتي، لصالح نخب جديدة، تم انتقاؤها ورعايتها تحت إشراف مستشاري الغرب، خاصة من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي.
"الديمقراطية لا تثمر إن زُرعت في أرض محروقة." (ص 352)
"تلقّت روسيا الجرعة الكاملة من صدمة السوق: تحرير الأسعار، إلغاء الدعم، خصخصة الشركات الكبرى، وإعادة كتابة القانون تحت الإملاء الأميركي." (ص 334)
ولان العلاج بالصدمة هي وصفتهم السحرية للفوضى، سُرِّع كل شيء دفعة واحدة: أُطلقت الأسعار، أُغلقت المصانع، وتمت خصخصة آلاف الشركات خلال أشهر قليلة، مما تسبب في انهيار شامل لمنظومة الحياة اليومية: تفكك نظام الصحة، تأخر الرواتب، تفشي الجريمة، وانتشار الجوع.
"أُقنع الروس أن المعاناة المؤقتة هي ثمن لا بد منه من أجل مستقبل مزدهر... لكن المستقبل ذاك لم يأتِ." (ص 360)
أوليغارشية لا ديمقراطية
وكانت النتيجة المباشرة، هي ظهور فئة محدودة من الأوليغارشيين الذين استولوا على الموارد الطبيعية والمالية للبلاد، فيما غرقت الغالبية في الفقر واليأس. تحوّلت روسيا من دولة عظمى إلى اقتصاد هش، مرهون بقوى السوق، فاقد لسيادته.
استطاعت كلاين ان تكشف ببراعة، ان ما حصل في روسيا مبني على ثلاث سرديات:
1. (السرد التاريخي الدقيق) يوثق الحقائق بالتسلسل.
2. (التحليل الاقتصادي المقارن) يربط بين تشيلي وروسيا.
3. (اللغة البلاغية المؤثرة) تحوّل الأرقام إلى صور دامغة.

كلاين لا تكتب كاقتصادية تقنية، بل كمفكرة إنسانية، تمزج الوقائع بالأسى، والإحصاء بالوجدان.
"لم يكن الأمر مجرد تحول اقتصادي... بل عملية اقتلاع جماعية للذاكرة، للوطن، للكرامة." (ص 377)

ان أهمية هذا الجزء تكمن في الدراسات الاقتصادية والسياسية
ففي الاقتصاد:
* يقدم هذا الجزء حالة تطبيق ميدانية قاسية لنظرية السوق الحر المتطرف.
* يكشف كيف يمكن للخصخصة أن تكون أداة نهب منظم لا أداة تنمية.
* يُبرز فشل فكرة "الانفتاح السريع" في غياب البنية المؤسساتية.
اما في السياسة:
* يكشف كيف تُستخدم الديمقراطية كقناع لأجندات الهيمنة الاقتصادية.
* يُظهر التحالف الخفي بين المال والسياسة في لحظات ما بعد الصدمة.
* يحذّر من أن الفوضى السياسية تولّد دائمًا فراغًا تملؤه قوى السوق، لا قوى الشعب.
كلاين لا تكتب كأكاديمية معزولة عن الواقع، بل كشاهدة استقصائية تكشف كيف تُستبدل الأنظمة السياسية بأخرى اقتصادية أكثر قمعًا، تحت شعار "الإصلاح".
ان هدف هذا النص هو فضح العلاقة بين الصدمة وبين سرعة التحوّل. فكلما كانت الأمة مكلومة، أصبح تمرير السياسات أسهل.
"حين تكون البلاد في حالة هلع، لا أحد يسأل عن التفاصيل." (ص 204)

الرسائل الضمنية ـ الخطر لا في الكارثة، بل فيمن يستثمرها
تُحذر كلاين من تحول الأزمات إلى أدوات هندسة اجتماعية. فبدل علاج الشعوب من أثر الصدمة، يتم استثمار هذا الأثر لإعادة قولبتها: إعلاميًا، اقتصاديًا، وحتى نفسيًا.
وهنا تكمن عبقرية "العلاج بالصدمة": في قدرته على إخفاء الطغيان داخل عباءة "المساعدة".

محاكاة الواقع ـ من ماضٍ مُعاد إلى حاضر يُعاد تشكيله
إن ما حدث في تسعينيات القرن المنصرم يتكرر اليوم، بأدوات أكثر تطورًا:
* في غزة، تُسوّى البنية التحتية بالأرض تمهيدًا لإعادة إعمار "مشروطة".
* في أوكرانيا، تُدار الحرب كصفقة استثمار مستقبلية.
* في السودان، تُزرع الفوضى كي تُحصد الأراضي.
* في سوريا ولبنان والعراق، تستمر الخصخصة تحت رماد الفوضى والحروب.
باتت الكارثة مادة أولية، والصندوق الدولي هو الأداة، والنيوليبرالية هي المشروع.
الصدمة كأداة، والمقاومة كواجب
تكشف ناعومي كلاين في هذا القسم عن الوجه غير المرئي للأزمات: حين تُحوّل إلى منصة لتفكيك المجتمعات، لا لإصلاحها. فالعلاج بالصدمة لم يكن إلا تسمية ناعمة لانقلاب اقتصادي مقنّع، يُدار بشعار الإصلاح ويُمارس عبر أدوات الاستغلال.
إن أهمية هذا القسم، بل الكتاب كله، تكمن في دعوته إلى الوعي، إلى المقاومة، إلى رفض التسليم بأن ما يُفرض باسم الإنقاذ ليس إلا خطة سيطرة متنكرة في هيئة دواء.



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (2، 3)
- قراءة تحليلية تفصيلية لكتاب: عقيدة الصدمة (1)
- ظلّهُ في الذاكرة
- آريس… هدية النور الذي انبثق من صمت الانتظار
- قصة بعنوان -قربان الأم... صرخة في وجه الموت -
- قصة بعنوان: إن شاء الله، يا أستاذة
- قصة بعنوان -الدرس الاخير-
- قصة / حين يعبر الضوءــ خطوات تتحدى العتمة
- هدايا من عتمة الركام
- قصة بعنوان:- هدايا من عتمة الركام -
- قصة بعنوان -حين داعبت الشمس طفولتنا -
- قصة بعنوان وساطة بطعم الرماد
- - سهام الفتى عادل السليطة-
- النخلة العمة وأبناؤها الأشقياء
- انبثاق الحياة من سكون الفن!
- إبرة لخيط الذكريات
- قصة :-لظى في خاصرة الطفولة-
- في حضرة الأم ووداعها.
- بين غربتين
- الخيانة الزوجية: أبعادها، دوافعها، وسبل التعامل معها


المزيد.....




- ترامب يأمر بنشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس.. شاهد ما رص ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن العثور على جثة قيادي حماس محمد السنوار ...
- أهدرت عائلته دمه.. من هو ياسر أبو شباب قائد القوة الجديدة في ...
- طهران: وثائق إسرائيل تعزز قوتنا الهجومية
- العراق.. دعاية مبكرة للانتخابات المحلية
- موسكو: ننتظر رد كييف حول تسلم جثث جنودها
- مصر.. أكبر مستورد للقمح الروسي بإفريقيا
- زلزال بقوة 6.5 درجة على مقياس ريختر يضرب العاصمة الكولومبية ...
- عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية: أنباء أولية عن حدث أمني في حي ...
- البرش: موت جماعي في مستشفيات غزة إذا لم يُدخل الوقود


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعاد الراعي - قراءة تحليلية نقدية لكتاب: عقيدة الصدمة: صعود رأس مالية الكوارث (4)