فاتن عامر خاطر
كاتبة، باحثة، روائية، مترجمة، صحفية
(Faten Khater)
الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 10:18
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تحديث: يونيو 2025
نشر في جريدة التحرير المصري
السنة الثانية-العدد 11- الثلاثاء 12 نوفمبر 2013.
▪︎جميع الحقوق محفوظة لاصحاب الصور المدرجة.
قضية القمامة لازالت ضمن قائمة المشاكل العديدة التي تؤرق المواطن المصري، التي قد تظل طويلا مع الأحداث المتعاقبة والمتراكمة في المجتمع، حتى تتمكن الحكومات من وضع حلولا جذرية، ربما تتحول من كونها كابوسا مزعجا قد يزيد من أسباب التلوث والأوبئة واستهلاك الأموال والطاقات، وتتحول إلى أهم مصادر الدخل القومي والتنمية الاقتصادية، استحداث وسائل وآليات إعادة التدوير بمفهومها الأعمق في العديد من الدول حول القمامة لأحد مصادر الدخل القومي؛ خصوصا بعد الاتجاهات الحديثة لمبادئ التنمية المستدامة والتغيرات المناخية.
بدايات الانتباه لأزمة القمامة في مصر، الزبالين
بدأت مهمة جمع القمامة منذ قرون في جميع دول العالم على وجه التقريب حينما كان يتجول المشردين، وأشد البشر فقرأ لجمع المخلفات من الشوارع وتنظيفها وفصلها، لعلهم يجدون كسرة خبز، أو شئ ذا قيمة، أو ربما كان ذلك هو العمل الوحيد المسموح به، حيث لا مكتسبات تؤهلهم للعمل والكسب.
تطور الأمر شيئا فشيئا، وفجرت دورة سوء التنظيم البشري فأصبحت مهمة لقطاع من البشر وتطورت أيضا العلاقة بين الأفراد سواء جامعي القمامة أو العملاء/المواطنين وصارت أكثر حساسية وخصوصا في أكثر الأحياء فقرأ حيث يجمع الفقراء المخلفات من الفقراء .

ظهرت المشكلة بوضوح عام 2003 عندما تعاقدت الحكومة السابقة مع شركات أجنبية لرفع القمامة، الأمر الذي آثار غضب حي الزبالين بمنشأة ناصر و اعتبروه ظلما، وبدأوا في العمل لحسابهم.
ازدادت المشكلة تعقيدا بفرض رسوم القمامة على فاتورة الكهرباء عام 2005 مما أثار غضب المواطنين من جانب آخر لكونهم يدفعون ثمن خدمة لا ينالوها بل على العكس اتسعت المشكلة تراكم، ومع صدور قانون حظر تربية الخنازير التي تتغذى على القمامة غطت القمامة شوارع القاهرة، في حين تعثرت مهمة شركات جمع القمامة لأسباب كان من بينها ضيق الشوارع في العديد من الأحياء فلم تستوعب الشاحنات، وبدأ المواطنين يدفعون ثمن القمامة مرات عديدة، مرة مع الكهرباء، وأخرى لجامعي القمامة، الزبالين.

في الفترة التي غطت القمامة قطاعات واسعة من المحافظات، ظهرت بكثافة في منطقة الدويقة، وعزبة خير الله، واسطبل عنتر، طريق الخيالة، البساتين أفاد رئيس حي القاهرة في حوار أجراه في 3 يوليو 2011 أنه لا سبيل لرفع رسوم القمامة عن فاتورة الكهرباء، حيث أن الخدمات لا تقتصر على رفع القمامة من المنازل، بل تشمل كنس الشوارع وإنشاء مدافن صحية للقمامة والتخلص من المتعلقات الطبية، كما أن الرسوم بديل عن العوائد المقررة بقانون 38 لعام 1967.
في حوار أحر لرئيس حي البساتين 12 سبتمبر 2011 برر مشكلة حي البساتين أن ميزانية الحي 4 ملايين جنيه موزعة كالآتي بحسب تصريح رئيس الحي؛ 2 مليون جنيه رصف طرق، مليون ونصف إنارة، نصف مليون صيانة، 25 ألف جنيه للقمامة.

في عام 2020 تم رفع قيمة القمامة عن فاتورة الكهرباء، وفي عام 2022 أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، القرار رقم 722 لسنة 2022 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم إدارة المخلفات الصادر بالقانون رقم 202 لسنة 2020، وتضمنت اللائحة إقرار رسوم النظافة الجديدة والتي تتراوح بين 2 جنيه و40 جنيها للشقق السكنية، مع ربط تحديد القيمة كشرائح استهلاك الكهرباء، ونص قرار رئيس مجلس الوزراء على نشره في الجريدة الرسمية والعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره.
.نشر القرار في الجريدة الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 22 فبراير 2022 الصادر اليوم الثلاثاء 1 مارس.
المسؤولية جماعية
بداية الالتزام بضبط منظومة النظافة والحماية الصحية المجتمعية والصحة العامة للأفراد قضية حيوية تستند على النظافة والتعامل مع القمامة مسؤولية جماعية تقع على عاتق الدولة والجمهور خلال الالتزام بالعديد من الضوابط التي تحولها إلى ثقافة عامة لجميع قطاعات المجتمع، وكافة الكيانات.
إدراك حجم المشكلة بدقة يتطلب معرفة ما هي القمانة تحديدا، وأسباب خطورتها، بالإضافة لدور رأس المال في صناعة جميع الأزمات وحلها.
القمامة هي جميع المخلفات الناتجة عن الممارسات البشرية والطبيعية، وتنقسم إلى، نفايات عادية مثل النفايات المنزلية، وطبية، وحيوانية، وصناعية، وإلكترونية والتي تعد من أخطر أنواع النفايات لما لها من أضرار بالغة وانبعاثات تؤثر على صحة الفرد والبيئة.

القمامة في مصر أغلى أنواع قد تصل أرباحها 180 مليار جنيه
أفاد الدكتور أحمد حجازي أمين عام مجلس البيئة بأكاديمية البحث العلمي حول دراسة أجرتها الأكاديمية عام 2010 أن القمامة في مصر تعتبر أغلى أنواع المخلفات كونها تحتوي على أغلى أنواع المخلفات المتمثلة في مواد عضوية بنسبة 30 % أي أكثر من الدول الأوروبية التي تصل مخلفاتها العضوية 10%.
أضاف أن البلاستيك والزجاج تصل نسبتهم أيضا إلى 20% ميديا أسفه لعدم استخدام هذه المخلفات بالطريقة المنظمة والفعالة، حتى المصانع مصادرها أكثر من فوائدها لأنها مقامة وسط المناطق السكنية على حد تعبير الدكتور حجازي، مؤكدا أن إعادة تدوير القمامة في مصر إذا تمت بطريقة منظمة سوف تحقق أرباحا مؤكدة تصل إلى 180 مليار جنيه.

أشارت الإحصائيات الرسمية لعام 2010 أن:
المخلفات الزراعية الصلبة تشكل نسبة 32%.
مخلفات تطهير الترع والمصارف 27%.
مخلفات صرف صحي 148.8 مليون طن.
يتم توليد 49.5 % من محافظة الغربية.
26% من محافظة بني سويف.
13.8 مليون طن قمامة منازل.
تستحوذ القاهرة على 39.4% من قمامة المنازل بإجمالي 5.4 مليون طن.
يصل نصيب الفرد 173 كجم من قمامة المنازل.
41.7 مليون طن مخلفات بناء لعام 2010.
2.4 مليون طن مخلفات طبية، تنتج من 26.6 ألف منشأة طبية.
يوجد 52 مصنعا لإعادة تدوير القمامة في محافظات الجمهورية.
تحتاج المحافظات إلى 85 مصنعا إضافيا.
إعادة التدوير يحول القمامة من نقمة إلى نعمة
إتجاه العالم بشكل قاطع نحو الحد من الاستهلاك وإعادة التدوير الآمن وإصلاح الأدوات المعطلة، بدلا من تفشي ظواهر الشراء، مع إلزام المصممين بإنتاج المنتجات بطريقة بطريقة تسمح بتدويرها والرقابة على التصنيع بشكل عام والحد من إنتاج نوعيات حديثة لمنتجات ما زالت في حيز التداول.
إعادة التدوير عملية مراقبة وجمع ونقل ومعالجة النفايات، لتخفيف الآثار السلبية للنفايات على الصحة والبيئة، باعتبارها آلية إضافية لزيادة الموارد، وتقليل استنزاف المزيد من الموارد الطبيعية؛ مثل، قطع الأشجار لصناعة الورق، واستخدام المسترجع لصناعة الحديد، كذلك:
استرجاع البلاستيك كل طن يساعد في اقتصاد 700 كجم من البترول الخام.
استرجاع 1 كجم من الألمنيوم يوفر حوالي 8 كجم من مادة البوكسيت، و 4 كجم من المواد الكيماوية، 14 كيلو وات أي ما يعادل ساعة من الكهرباء.
طن الكرتون المسترجع يوفر 20.5 طن من خشب الغابات.
كل ورقة مسترجعة توفر لتر من الماء، 2.5 ساعة من الكهرباء، 15 جرام من الخشب.
كما يشمل إعادة التدوير، تدوير الزجاج ومواد النسيج ومياه الصرف وتحويل المواد الغذائية إلى سماد عضوي، وغاز الميثان الذي يعتبر المكون الرئيسي للغاز الطبيعي.

الأضواء تلألأت في حي الزبالين بعد تجربة إعادة التدوير
في الخامس من نوفمبر 2013 نجح أهالي حي الزبالين في إضاءة ميدان الفرن بالحي من توليد الكهرباء اللازمة للإضاءة بالاعتماد على الطاقة الشمسية مستخدمين في ذلك وحدات إضاءة صنعوها يدويا بأنفسهم من مخلفات القمامة.
تحمل تكلفة الدراسة جمعية رجال جامعي القمامة، وجمعية لوكاس، اما تكلفة التدريب فكانت بدعم من السفارة الفرنسية والسويدية بالقاهرة.
تجارب مشابهة في منطقة الخليج العربي
شهدت منقطة الخليج العربي تحديدا دولة الإمارات حيث جاء قرار حكومة أبو ظبي بتحسين عملية إدارة النفايات في مختلف أنحاء الإمارة من خلال مركز متخصص لإدارة النفايات، مهمة هذا المركز تحسين وتطوير، وابتكار برامج وكذلك وضع أنظمة متطورة لإدارة النفايات، في عام 2009 وضع البرنامج آلية جديدة لتسهيل عملية الفرز حيث زود المنازل بنوعين من الحاويات، حاويات خضراء خصصت المواد البلاستيكية والورق والمواد المعدنية، وأخرى سوداء للمواد الغذائية، ولضمان نجاح المشروع تم إطلاق برنامجا مكثفا للتوعية بالمشروع وآلية فرز النفايات.
لم يختلف الأمر في الشارقة عن أبوظبي بالاضافة لتفعيل 50 مادة قانونية لحماية البيئة برا وبحرا، حيث تصل العقوبة إلى السجن والغرامات تتراوح من 150 ألف درهم، وتزيد عن مليون درهم لكل من يخالف قانون البيئة.
حلول النفايات القاتلة وإتفاقية بازل
معروف نظريا ان كل المواد قابلة للتحويل لكن بعض المواد ذات مردود اقل لذلك يفضل المصنعين التخلص منها، وهي المواد الإلكترونية التي تمثل معضلة للدول الغربية.
الدكتورة ديبا ليسينهال خيرتفال، الباحثة بالأمم المتحدة التي يدور موضوع رسالتها للدكتوراة حول سلوك المستهلك والنفايات الكهربائية، خلصت أن إتفاقية بازل بشأن مراقبة النفايات الخطيرة تهدف في المقام الأول إلى قصر كميات النفايات الإلكترونية التي يتم تداولها عبر الحدود وعلى الدول المعنية تعميم المعلومات حول هذا الموضوع فيما بينها.
التخلص الدول الكبرى من النفايات الإليكترونية بشحنها للدول النامية
بموجب الاتفاقية يحظر على البلدان الصناعية شحن النفايات الإلكترونية إلى البلدان النامية، لكن الدول التي توقع على الاتفاقية مثل الولايات المتحدة يمكنها الاستمرار في تصدير النفايات إلى دول العالم النامي مثل: نيجيريا، غانا، الهند.
لكن التجارة الغير مشروعة تتسرب في كثير من المعاملات فعندما تقوم منظمة إغاثة مثلا بشحن أجهزة كمبيوتر مستعملة من ألمانيا إلى غانا مثلا، يعد هذا قانونيا طالما أن الأجهزة مازالت تعمل، وحدث مرارا وتكرارا أن حمولات السفن كانت في الحقيقة عبارة عن نفايات إليكترونية تم شحنها على أنها أجهزة كمبيوتر، بحسب ديبا خيرتفال.
في التدوير العشوائي يستخدم الزئبق لاستخدام الذهب
تضيف أنه من الصعب معرفة أين ينتهي المطاف بالنفايات الكهربائية، فالخردة المتداولة بشكل غير قانوني يتم تحديدها من جانب النجار الناشطين في مجال إعادة التدوير وتعتبر النفايات الإلكترونية عموما خطرا على البيئة والصحة، ففي قطاع التدوير العشوائي يستخدم "الزئبق" وأحماض أخرى لاستخراج "الذهب"
مثلا من لوحة الكمبيوتر الرئيسية Main Board، وهذا لا يمثل خطرا على صحة العمال العاملين في إعادة التدوير فحسب وإنما خطر على صحة البيئة عموما، فعندما يغلي هذا الخليط الحارق، تتصاعد السموم إلى الهواء، وبعد ذلك يسكب ما تبقى منه على الأرض، تشير الأرقام إلى أن دول الإتحاد الأوروبي تنتج وحدها 8.7 مليون طن من النفايات الإليكترونية، بالإضافة لأنواع أشد خطرا، هذه النفايات عبارة عن أجهزة كمبيوتر، أجهزة هواتف محمولة مستعملة يتم تصدير 6.6 مليون طن منها سنويا إلى بعض دول إفريقيا على أنها بضائع قديمة يتم إهداؤها إلى تلك الدول عن طريق رجال أعمال ويصل الامر أحيانا إلى توقيع معاهدات لدفن النفايات الخطرة تحصل بموجبها الحكومة على مباغ زهيد مقابل توفير مخبأ آمن للنفايات الفرنسية، هذا على الرغم ان فرنسا من الدول الموقعة على إتفاقية بازل.
يبدو أن العالم اجمع حلم بوطن نظيف وعالم خال من النفايات، لكن قدر أفراد ان تتحمل فواتير التقدم على حساب صحتها وأمنها وسلامتها.
#فاتن_خاطر (هاشتاغ)
Faten_Khater#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟