القرآن مشكاة الأدب -رسالة محمد-

فاتن عامر خاطر

الحوار المتمدن-العدد: 7987 - 2024 / 5 / 24 - 10:27
المحور: الادب والفن
    

القرآن الكريم؛ الكتاب الإلهي، رسالة الله للبشرية، أسس للتطور الإجتماعي التاريخي، فالكشوفات العلمية الكامنة في القرآن إجمالاً وتفصيلاً وكذلك مرجعية شتى العلوم الإنسانية والفنون والأداب لمضمون القرآن تؤكد أننا بإزاء كتاب إلهي جامع كوني هو من عند الله، لم ولن يستطع فرد تجاهله أو حتى تجاوزه، يحتاج من البشرية مزيداً من الدراسة والفحص والتجرد، ربما يقودنا ذلك إلى مزيد من الفهم، التسامي، الإيمان الذي صعد بالنبي الكريم (صل الله عليه وسلم) لأرقى منزلة لم يتخيلها العقل البشري، الحضرة الإلهية الشريفة المقدسة، رحلة الإسراء والمعراج التي أثرت في العقل الجمعي البشري، واتخذها معظم مبدعي الفنون الأدبية والبصرية مصدراً ملهماً لإنتاج أعمال إبداعية متفردة بشكل لا يزال محل صيرورة إبداعية تخييلية.

أثرالقرآن الكريم والإسلام في الشعر الألماني
جذور التأثر الأدبي بالقرأن الكريم.
"رسالة محمد"(1) قصيدة كتبها الشاعر الألماني رلكه(2) عام 1907 م قبل رحلاته الشهيرة للدول الإسلامية التي بدأت بالجزائر ثم تونس وترسخت في مصر عام 1911 م:

"لما تبدى المَلَك الكريم الطاهر
ذو الملامح المعروفة والنور الباهر
تبدى رائعا في خلوته - خلع
كل كبرياء وخيلاء، وتوسل
إلى "التاجر" - وقد اضطرب
باطنه إثر أسفاره - توسل إليه أن يبقى،
لم يكن قارئا - وهاهي ذي "كلمة"
كلمة عظيمة حتى على حكيم
لكن الملك وجهه بمهارة
إلى ما كان مسطورا في لوح
ولم ييأس، بل ظل
يردد دائما: اقرأ!
فقرأ، حتى انحنى الملك
وأصبح ممن
يعرفون كيف يقرأون
ويستمعون ويتمون (الرسالة)"
يقول الدكتور عبدالرحمن بدوي في مؤلفه الأدب الألماني في نصف قرن:"ولسنا ندري ماذا دفع رلكه إلى كتابة هذه القصيدة، أكان ذلك قراءة لسيرة الرسول؟ أم كان محاكاة لجيته في "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي"؟ ليس لدينا بيان عن الدوافع التي تحت تأثيرها نظم رلكه هذه القصيدة التي صاغ فيها مضمون سورة "العلق"، وهي تدل - على كل حال - على مدى تأثر رلكه بالإسلام(3). يدفعنا هذا القول إلى الدخول للعلم الذي يشرح ويفسر مدى الثأثر الأدبي وركائزه بشكل عام، وهو "الأدب المقارن" الذي نحتاج بداية الوصول لتصور شاملاً دقيقاً موحداً حول مفهومه، يرى الفرنسي فان تيجيم (V.Teighem) أن "كل دراسة في الأدب المقارن ترقى إلى وصف إنتقال شئ أدبي إلى خارج حدوده (4).

تعددت مفاهيم الأدب المقارن بين المدارس الأدبية والأمم المختلفة فيما بين تقارب الأراء أو إستثناء بعض الأسس حتى خلص الأكاديمي الروماني ديما أن "الشرط الذي لا رجعة فيه لتحليل المقارن دراسة العلاقة المتبادلة بين مختلف الأداب" وضرورة الجمع بين الدراسة النقدية والتاريخية الإجتماعية للظواهر الأدبية التي تتناولها دراسات الأدب المقارن.
تهدف موضوعات الأدب المقارن إلى دراسة الإتصالات المباشرة، التأثيرات، الإقتباسات، التشابهات الطوبولوجية (5).
أي دراسة العلاقات الأدبية بين الأدباء والأمم قديماً وحديثاً والأفكار والنمط وتحليل مدى التأثير المتبادل ومن خلال تلك الدراسة والتحليل يتضح مدى العلاقات وحجم تأثيرها، كما يقول كونراد " تنطلق هذه الدراسات من فكرة وحدة عملية التطور الإجتماعي التاريخي للإنسانية والتي تعني وحدة تطور الأدب بصفته أحد الركائز الفكرية"، أي الكشف عن الأسس والبدايات لوجود شئ عام مشترك بين الأداب والأدباء، أو إنتماء الظاهرة لنمط معين، هذا الإنتماء ينكشف بغض النظر عن وجود إتصالات بين أدبين أو أكثر(6).

أسس الأدب المقارن(7)
يبحث في التوازيات، والتأثيرات.
المقصود بالتوازيات أنه عند مرحلة معينة من التطور الإجتماعي تتشابه الأداب عند شعوب لها نفس درجة التطور بغض النظر عن وجود إتصالات مباشرة مثل (الترجمة أو الرحلات أو البعثات العلمية والدبلومسية، الرسائل).
التأثيرات هي تحليل التأثيرات الأدبية المختلفة، ويسبقه استيعاب لإنتاج الأدب أو الأديب أو الحضارة المؤثرة.
ولابد من الإشارة إلى الفرق بين التأثير والإقتباس والتقليد والمحاكاة.
التأثير هو إكتساب لاشعوري أو شعوري يدخل في تفاعل معقد من العملية الإبداعية بحيث يصبح أحد عناصرها.
الإقتباس: إعادة صياغة مادة أدبية بشكل واع.
التقليد او المحاكاة: صنع مثال مواز لأخر وهو أساس الفن عند أفلاطون الذي يرى بأنه أساس الفنون بل والقيم والمثل العليا.
أثر القرآن والإسلام في الأدب الغربي، الكوميديا الإلهية.
تمثل الأعمال الثلاث (الكوميديا الإلهية، الفردوس المفقود، فاوست) أساساً راسخاً للثقافة الأدبية الغربية كما تمثل رؤى فكرية مسيحية حول الحياة الأخرى، الخلاص، الغواية وغيرها؛ لا يستطع ناقد أو متذوق أو طالب تجاوزها، يرجع أصل هذه الأعمال على مستوى الفكرة والبناء الدرامي- الذي يعد الأساس لأي بناء فني أو إبداعي- للقرآن الكريم والأدب الإسلامي.

لا نستطع وصف ما قدمه دانتي في الكوميديا الألهية بالتأثر بل الوصف الدقيق لما قدمه أنه تقليداً أو محاكاة استندت على ركنين أساسين هما:
أ‌) القرآن الكريم: رحلة الإسراء والمعراج التي اختص بها الله عزوجل نبيه الكريم وهي الصعود البشري للنبي (صل الله عليه وسلم) ببشريته للحضرة الإلهية الشريفة المقدسة؛ وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل أو بعد، ويعد إعجازاً ليس فقط لن يستطيعه بشر لكون هذه القدرة إلهية مطلقة، ولكن أيضاً هو إعجازاً تخيليياً لم يتطرق إليه الأدب أوالفكر أو حتى تاريخ العلم من قبل هذا الصعود، لذلك فهي تعد الفكرة الخالصة الأولى الخلاقة.
ب‌) رسالة الغفران للشاعر أبي العلاء المعري التي وصف فيها رحلة الإسراء والمعراج وكثيراً من الأفكار الدينية في رسالته البديعة التي كتبها قبل دانتي بما يقرب من ثلاثة قرون، وحاكاها دانتي تقريباً بنفس النمط والبناء.

خصص القس الكاثوليكي ميجيل أسين كتاباً حول تحليل ومقارنة النص الأدبي "الكوميديا الإلهية" للكاتب الإيطالي دانتي أليجيري(8) عنوانه "أثر الإسلام في الكوميديا الإلهية"(9) وضح الكتاب تقريباً وبشكل كامل محاكاة النص بأكمله للقرآن الكريم وقصة الإسراء والمعراج، وكذلك "رسالة الغفران" لأبي علاء المعري (10) كما بينا سابقاً، أثار الكتاب ضجة ضخمة وفي النهاية تم الإعتراف بمرجعية النص للقرآن الكريم، أهم ما يطرحه هذا الكتاب ليس الموضوع ولكن الجرأة التي يجب أن يتحلى بها الناقد العربي في مناقشة وتحليل وإحترام تراثه الأدبي والفني والنقدي واللغوي وعقد المقارنات الجادة، كما يجب الإشارة إلى:
أولاً: أساس عصر النهضة الذي قامت عليه الحضارة الغربية سواء في العلوم أو الآداب تأسس على أبحاث ومراجعات ونبش في التراث الغربي بأكمله واللاتيني منه بشكل خاص.
ثانيا: التراث العلمي والفني لحضارة الأندلس في بلاد الأسبان والعالم الغربي الذي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار ولا يتم تجاهله، بل يجب أن يفرد له الدراسات الجادة، التي تؤكد رسوخ الأدب العربي ككيان متأصل في منظومة الفكر، كما نؤكد أن القرآن الكريم لا يزال يحتاج من مبدعي النقد وفن الجمال الكثير والكثير من الأبحاث، والدراسات.


• المصادر:
1- د.عبد الرحمن بدوي، الأدب الألماني في نصف قرن، الكويت، سلسلة عالم المعرفة عدد 181، يناير 1994م، ص95.
2- راينر ماريا رلكه (1926-1875) شاعر، روائي نمساوي، أحد رواد النزعة الرمزية والصوفية التي شكلت تياراً شعرياً رئيسياً في الربع الأول من هذا القرن، من أعماله، رسائل إلى شاعر شاب، قصيدة أين وطني، أغاني مقدمة إلى الشعب.
3- المرجع 1، ص96.
4- د.مكارم الغمري، مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي، الكويت، سلسلة عالم المعرفة عدد 155، نوفمبر1991م، ص14 .
5- المرجع السابق ص 19.
6- المرجع السابق ص 22، 23.
7- المرجع السابق 22-27.
8- دانتي أليجيري (1321-1265) شاعر وفيلسوف إيطالي، أعظم أعماله الكومييديا الإلهية وتعد من أهم علامات الأدب الغربي، ويسمى دانتي ب "أبو اللغة" الإيطالية.
9- ميجيل أسين، أثر الإسلام في الكوميديا الإلهية، ت.جلال مظهر، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 2015.
10- أبي العلاء المعري (1057-973)، شاعر ومفكر ونحوي وفيلسوف، فقد بصره في سن مبكر، من أعماله رسالة الغفران، سقط الزند، اللزوميات، الفصول والغايات.

#فاتن_عامر_خاطر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات