أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جورج منصور - -الرحلة-: لم تكن كأي رحلة














المزيد.....

-الرحلة-: لم تكن كأي رحلة


جورج منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


صدر في بغداد، عن دار مسامير للطباعة والنشر والتوزيع، قبل أشهر معدودة، كتاب (الرحلة.. معاناة وعناية سماوية) لمؤلفه الدكتور رياض فرنسيس. يتألف من فصلين. عنوان الفصل الأول: "بداية النهاية"، وعنوان الفصل الثاني: "مما يعلق في الذاكرة". يقع الكتاب في 173 صفحة من القطع المتوسط، ويضم ملحقاً للصور. ينتمي إلى أدب السيرة الذاتية، ويعالج ثيمات الفقد، والوجع، والقسوة، والصعوبات، والصبر، والقدرة على التحمّل، ثم الفرج والأمان.
بعد أكثر من ثلاثة عقود، يشحن الكاتب ذاكرته ليكتب عن تجربته القاسية التي مرَّ بها مع عائلته في رحلة لم تشبه أي رحلة أخرى. كان ذلك في أعقاب انكسار قوات صدام حسين وانسحابها من الكويت عام 1991، ثم اندلاع الانتفاضة في مدن كردستان العراق في 5 أذار 1991 من العام نفسه، حين قرَّر مغادرة بلدته عنكاوا في رحلة غير طبيعية، بدأت بلحظات وداع قاسية، ملأى بالخوف والترقب، لحظات توقَّف فيها الزمن، وارتبكت فيها الكلمات، وتعثرَّت العيون وسط غيمة من القلق.
كان الخوف يتسلل إلى أعماقهم، ليس من الرحيل وحده، بل مما يحمله الغد من مجهول. ترقّب مشوب بالأسى، كأنهم يمشون على رؤوس أصابعهم، تتلاقى النظرات فتهمس بما تعجز عنه الألسن، ثم تنفلت فجأة.
لم يكن الوداع لحظة عابرة، بل اختزال مكثّف لذاكرة عائلية متجذرة في عنكاوا، ممزوجة بخوف من النسيان، وقلق من أن يكون اللقاء القادم لا يشبه ما تخيّله الحنين. ومع إغلاق الأبواب، يبدأ صمت طويل، ويصبح كل ما بعد تلك اللحظة محاولة لتعلّم الحياة من جديد، من دون من كانوا يخشون وداعهم.
لم تكن رحلتهم عبوراً جغرافياً فحسب، بل عبوراً إلى حافة المجهول، حيث تشابكت الإرادة مع الخوف، وتنازعت أرواحهم بين التشبث بالأمل والاستعداد للفناء. لم يتوقّعوا في بدايتها أن تتحوّل الطريق إلى اختبار قاسٍ للبقاء. وجوههم كانت مرهقة، تحمل آثار الجوع والبرد والسهر، وخطواتهم متثاقلة.
الصعوبات التي واجهتها العائلة لم تكن مجرد عقبات، بل كوابيس تمشي معهم: تضاريس قاسية، شحّ في الماء، ندرة في الطعام، أمراض، وعواصف كانت تعصف بخيمتهم في معسكر للاجئين بتركيا، على ضفاف الزاب في منطقة ديريجك، ثم في مخيم شمندلي، وبدا أن الموت يقترب منهم ويختبر صبرهم فرداً فرداً.
ومع ذلك، لم تخلُ تلك الرحلة من ومضات نور وأمل، ربما كانت نتيجة دعاء خالص اخترق السماء. ففي 26 نيسان من العام نفسه، رفعت العائلة أيديها المرتجفة نحو السماء، تتشبث بالحياة، تمشي عكس نبض الخوف.

في ذروة المحنة، حين أوصد الألم أبواب الأمل، وشارفت الأرواح على الاستسلام، بزغت المعجزة. فبينما كانت العائلة تتلمّس طريقها في دروب موحشة، وتستشعر الموت من كل الجهات، جاءت النجاة في لحظة لم يتوقّعها أحد.
كانت رحلة تفيض بالكثافة الدرامية، يمكن تسميتها "تراجيديا اللجوء والمنفى"، عنواناً لصراع الإنسان المقتلَع من جذوره، الباحث عن مأوى يقيه ليس فقط قسوة الطبيعة، بل سطوة نظام دكتاتوري أحرق الأخضر واليابس.
مرّت أيام العائلة ثقيلة، كأن الحياة تأبى أن تمضي. لكن شيئاً فشيئاً، ابتسمت السماء بلون أزرق ناعم ذات صباح، وبدأت بشائر الفرح تزحف ببطء نحو ربّ العائلة، التي قاومت وأصرّت، متمسكة بحلمها، متحلّية بالصبر، مؤمنة بالوصول إلى برّ الأمان.
إن تأليف الكاتب لهذه التجربة على هيئة سيرة ذاتية لم يكن مجرد تمرين في التذكّر، بل فعلٌ وجوديّ عميق، ذو دلالات شخصية وثقافية وإنسانية. فقد أعاد استرجاع محطات حياته، وتدوين لحظات الانكسار والتحوّل التي شكّلت شخصيته.
أسهمت هذه المذكرات في التخفيف من وطأة الذكريات، خصوصاً المؤلمة منها، وتمكّن الكاتب من تحويل الجراح إلى قصص ذات معنى، تعكس تجارب العائلة بما فيها من إخفاقات ونجاحات، تُعَدّ اليوم كنزًا من الخبرة الإنسانية.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب في رحلة شاقّة عبر الزمان والمكان، حيث تتقاطع الشخصيات والأحداث لتشكّل نسيجاً سردياً غنيّاً بالدلالات والمعاني.
(الرحلة.. معاناة وعناية سماوية) كتاب جدير بالقراءة، في زمن ندر فيه حضور الكتابة الجادّة ذات البعد الإنساني والمغزى العميق.



#جورج_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طهران.. ما أشبه اليوم بالبارحة
- -وادي الفراشات- .. حين ضاقت السماء على الأرض
- جولة حرة في الموصل.. الطيور الهاربة لم تعد إلى اعشاشها بعد
- شكرا لهذا الاحتفاء المُبهر
- (ذاكرة يد).. مدخلٌ إلى جحيم أقبية الموت
- عروض التعازي طقوس درامية
- حوار لم يُنشر مع شيركو بيكه س
- لقاء في قم
- بغداد 2003: عندما كشّر الموت أنيابه*
- الفنان الآشوري هانيبال ألخاص كما عرفتهُ
- حكايتان من الجبل: الساقية والبغل
- عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*
- مشياً على الأقدام بإتجاه الوطن: من موسكو الى قرية نائية .. ه ...
- هل رفع خيم المتظاهرين تفكيك لإنتفاضة تشرين؟
- حكاية لقائي مع غائب طعمة فرمان وزهير الجزائري في موسكو
- مع مصطفى الكاظمي (ذاك يوم.. وهذا يوم)
- ليس رثاءً.. في رحيل الصديق علي شبيب (أبو بدر)
- ما أوجعنا يا صديقي هشام الهاشمي
- العراق: لماذا العنف ضد المرأة؟
- هل تجيز إيران بيع ألاعضاء ألبشرية؟


المزيد.....




- القُرْنة… مدينة الأموات وبلد السحر والغموض والخبايا والأسرار ...
- ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
- كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...
- -الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت ...
- العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
- ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
- الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال ...
- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جورج منصور - -الرحلة-: لم تكن كأي رحلة