أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*














المزيد.....

عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*


جورج منصور

الحوار المتمدن-العدد: 6842 - 2021 / 3 / 16 - 16:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"ايهٍ ايتها الحرية، كم رائعةٌ انتِ، ومرعبةٌ في الوقت نفسه" -آراغون-
عندما توشِكُ الشمسُ على إخفاءِ وجهها خلفَ تلك التلةِ الرابضةِ هناك منذ الأزلْ، تبدأ الأقدام تسير بخطواتٍ ثقيلةٍ تعبةٍ باتجاه القاعات الصخرية الباردة، المرصوفة بإنتظامٍ وسط جدرانٍ مسيّجة باسلاكٍ شائكةٍ مشّددةٍ واضواءٍ كاشفة.
يخنقُ نزلاء معسكر النازحين، هواءٌ ثقيلٌ جاف، تفوحُ منه روائح كريهة تملأ فضاء القاعات الصفراء التي يشعر المرء فيها، وكأنها مناطيدَ معبأةٍ بغازاتٍ خفيفةٍ، يُخشى ان تنطلقَ فجأةً نحو الأعلى. وقد زينتْ جدران هذه القاعات، بلا اعتناء، بصورٍ وشعاراتٍ تثير القرف.
الألم يعتصر قلوب هذه المجاميع البشرية، الغارقة في دوامةِ الفاجعة التي آلمت بها، وهي تحاول جاهدةً استعادة ذكرياتها عن الوطن الأم، حلوة كالشهد حيناً، ومُرّة كالعلقم في اغلب الأحيان.ً
وكًلستان.. المرأة الجبلية الجميلة تنتظر الزوبعة القادمة، بعد ان قذفتها العاصفة الهوجاء بدخانها الأسود الى مرافئ تجهلها تماماً. تنتظرُ الزوبعة، وهي منزوية في ركن من اركان القاعة، تحتضن طفلها الرضيع بيار.
تستعيد كًلستان شريط ذكرياتها عن تلك الأيام الجميلة، عندما كانت تنامُ مع شوان في احراشٍ تمورُ بالحب.. واخرى قاسية ومؤلمة حد اللعنة، عندما سارت حاملةً طفلها بيار عبر الطرقاتِ الوعرةِ والوهادِ الصعبة والطرق غير السالكة، وهي تتذكر القرى الخَرِبَة والحيوانات المقتولة والمزارع المحروقة.
سارت مشياً على الأقدام مع اسرابٍ مؤلفة من الكُرد، رجالا ونساء واطفالا، هرباً من تلك الغيوم السوداء القاتلة التي عصفت بالمنطقة على حين غرة.
بعد ان اصيب زوجها شوان برصاصةٍ في فكهِ الأسفل، اضطرتْ كًلستان على ان تختفي معه في كهفٍ رطبٍ يبتلعُ الأصوات، ويتناثرُ فيه الصمت، ولا ينفذ اليه الضوء، وتتسكع فيه الحشرات جيئة وذهاباً، وتزحفُ فيه السحليات في كل الأتجاهات.
اختفيا مع طفليهما، لئلا تصيبهم تلك السُحُب السوداء والرياح الزاحفة اليهم. رياحٌ تفوحُ منها رائحةً كريهةً تُزكم الأنوف.
حتى كادَ نفاذ الغازات الى الكهف ان يقتلهم جميعاً.
لا تزال كًلستان غارقة بدوامة عالقة في مخيّلتها، ولا تبارح ذهنها.
"لقد اصبحت قطعة الحجرهي الجبهة التي تنوحُ عليها الأحلام- كما يقول لوركا- والأصابعُ قفازٌ من الحديد الأسود اخذتْ تفتح الجمجمة وتبحث عن الزهرة والخاتم".
وفجأة حدثَ ما حدثْ:
فارقها شوان دون رجعة..
كان مسترخياً قبالتها، يحتضر امام عينيها.. يبكي طويلا، ويتنفس بصعوبة بالغة..
حاول شوان ان يبتسم، إلا ان ابتسامته تخثرتْ على شفتيه.. تغيرتْ ملامحه كثيرا، وتوقف قلبه عن الخفقان..
ارادت كَلستان ان تصرخ.. خرج صوتها مبحوحاً، وظنت ان احداً لن يسمعها..
هو لم يبصر الموت: "ان القتيل، اذا شاء، يرقص، لكنه لا يغني".
فارقها شوان تاركاً لها طفلا، وجنيناً في جوفها..
شوان... شوان... ش.. وا... ن.
يصاب صوتها ببحة.. تسعلُ طويلاً، وتختلطُ عليها الأشياء.. تحاولُ ان تصمد وتمسك بزِمام الموقف. لا تريد ان يوقِعها الأعياء، فتسقطْ.
"الموت من امامكم
الموت من ورائكم
الموت بانتظاركم
الموت..."
كانت السماء كساءً لهما، والحشائش البرية زاداً يومياً.
كل صباح تنتظر كًلستان الفجر لترى النور خارج هذا الكهف..
لكن رائحة الحرائق والغازات كانت تملأ فضاء المنطقة.. ودوّي الانفجارات وصخب لا تعرف كنههما يملآن اذنيها..
حاولت ان تجتاز ذلك السياج لتهرب منه الى حيث لا تدري.. اوقفها الحراس، واعادوها الى حيث الركن الذي اعتادت ان تنزوي فيه.
من جديد.. تعود كًلستان الى شريطِ ذكرياتها، لكنّها في هذه المرة منطرحة.. لا تقوى على الحِراك.
يحلُ الظلام ويسدل الليل اوزاره.. وما يزال نحيب كًلستان يملأ القاعة.
لقد جفَّ حليبها، ولا تدري كيف ستُرضع طفلها الذي ينحل ويصغر يوماً بعد آخر.
...................
ويتغير الزمن ويدور دورة واخرى، ويكبر بيار، وينمو الجَنين في جوف كًلستان..
"ايها الجسد يا شريان النهار العميق
ايها المطر الناعم.. تعالَ، برداً عنيفا".
*كًلستان تعني (الوردة الجبلية) والحدث حقيقي. في الذكرى 33 للهجوم الكيمياوي على مدينة حلبجة بكردستان العراق، والذي اودى بحياة اكثر من 5 الآف مواطن كردي في 16 آذار (مارس) عام 1988



#جورج_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشياً على الأقدام بإتجاه الوطن: من موسكو الى قرية نائية .. ه ...
- هل رفع خيم المتظاهرين تفكيك لإنتفاضة تشرين؟
- حكاية لقائي مع غائب طعمة فرمان وزهير الجزائري في موسكو
- مع مصطفى الكاظمي (ذاك يوم.. وهذا يوم)
- ليس رثاءً.. في رحيل الصديق علي شبيب (أبو بدر)
- ما أوجعنا يا صديقي هشام الهاشمي
- العراق: لماذا العنف ضد المرأة؟
- هل تجيز إيران بيع ألاعضاء ألبشرية؟
- هل تضمد زيارة البابا جراح مسيحيي العراق؟
- العراق... ويسألونني عن هيبتك؟
- هل تصلح العلمانية نظاما لإدارة الحكم؟
- العراق: دولة الظل العميقة؟
- العراق: هل نرفع الرايات البيضاء؟
- صفارة إنذار اياد علاوي
- هل علاء مشذوب المغتال الاخير؟
- ايران.. رسالة السيستاني هل وصلت؟
- العراق: رئيس الوزراء والنفخ في قربة مثقوبة
- العراق: هل ضاعت الهوية الوطنية؟
- العراق: 70 جعجعة بلا طحن
- تفاؤل عراقي رغم التركة الثقيلة


المزيد.....




- السعودية.. فيديو مواطن -يصفع- عاملا وتأثر الأخير مما حصل يشع ...
- تحديث مباشر.. فيديو آثار ضربة إيران في حيفا وتحذير رئيس CIA ...
- شاهد ما قاله ترامب للصحفيين عن سبب صعوبة مطالبته إسرائيل بوق ...
- هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟
- المعارضة الإيرانية في ظل الحرب مع إسرائيل.. هل ستنجح في إسقا ...
- هجوم إسرائيل على إيران .. دفاع عن النفس وفق القانون الدولي؟ ...
- إسرائيل تعلن تعطيل البرنامج النووي الإيراني لمدة سنتين أو ثل ...
- إيران تعتقل 22 -عميلا- لإسرائيل في قم
- مقصلة الجوع المنصوبة في غزة.. الطريق إلى اللقمة أو القتل
- دوي انفجارات في طهران وهجوم إسرائيلي على منشأة أصفهان النووي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج منصور - عن الهجوم الكيمياوي على حلبجة كًلستان*