أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - ملاك أولى 1-2















المزيد.....



ملاك أولى 1-2


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 04:54
المحور: كتابات ساخرة
    


الحوارات... تجعل الشخصيات حيّة وفاعِلة. السرد يَجعل من صانِعها، الكاتب، إلها، ومنها، مجرد أدوات، روبوتات... سحقا لكل الآلهة، سحقا لظلمها، وسحقا لكل الوساطات!
إن لم تشعر بنبضها، إن لم ترها تتحرّك أمامكَ، فذلك مني أشدّ الاخفاقات... وإن شعرتَ بها، فتلك المُنيات، وتلك أعلى الدرجات.
ويكتبُ بعضهم بـ... الخوارزميات! ليظهروا كتابا وكاتبات، متميزين ومتميزات...! ألا تبا لزمن لم يكفنا فيه المغيبون والمغيبات، لتضاف لهم "موسوعيات" لصوص الآلات!
بلا نبض ولا "روح"، هم السخف والبشاعة والموت والجماد، قطعةُ خشبٍ حملها وادي من بِعاد، تدّعي لنفسها النسب والأمجاد!
إليهم... إليكم... شيء من جمال، من حب وحياة: مَلَاكْ أُولَى...
٠
- لن تخدعني!
- و... كل شيء يُحلَف به! وجدتُها!
- من؟
- لا تعرفها، لا أحد يعرفها... أشعر أن كل رجال الأرض بحثوا ولا يزالون... عنها! لكني وجدتُها قبل جميعهم!
- وهل رعيتَ البقر معها؟
- لا تكن سخيفا! أكلمكَ عن فلسفة، فتكلمني عن خط مستقيم وتاء مربوطة!
- والجمباز؟ والـ MMA؟
- مستواكَ هزيل... لا تعليق!
- طيب يا سيدي! والطاولة والكراسي؟
- هكذا أحسن! و... نعم! أول مرة أخرس وأسمع! وأتعلّم ما لم أكن أعلم!
- واو! طيب... والبكاء؟
- نعم! بكيتُ عدة مرات! وليس من الضحك مثلما اعتدتُ...
- لماذا إذن؟
- من الشوق إليها... من الخوف أن أفقدها...
- و... تبا لكَ! هل وضعتَ رأسكَ على فخذها كصغير يشتكي إلى أمه؟
- نعم! المدة الماضية... فكرتُ في الانتحار...! و... لولاها ما كنتَ تُكلمني الآن!
- ليستْ دمية جنسية هرّبتَها إلى البلد؟
- يا ابني استح! قلتُ لكَ أني وجدتُها!
- هل عندها أخت؟ عسى أن يلمسنا الخير الذي مسّكَ!
- لا أعلم
- لا تعلم؟
- نعم
- طيب! هل عندها أم؟ أقبل بأمها إن لم يكن عندها أخوات!
- لا تعرف أبويها
- لم أفهم
- ليسوا مثلنا يا أخي! الأهم هي وليس أبواها البيولوجيان!
- ماذا؟ خشبة حملها وادي
- المتخلفون أمثالكَ يهتمون بهذه التفاهات!
- متخلفون... طيب! اتبع اللص حتى باب داره... قل لي من أي جهة في البلد؟
- سويسرية
- آه... وهذه أكيد قصتها من وراء شاشتكَ؟
- سنلتقي في الصيف
- جميل... لا تقل لي عجوز أو تزن 100 كيلو؟!!
- أصغر مني وجميلة...
- لون شعرها وعينيها؟
- أزرق
- شعرها أصفر أكيد
- نعم قالت ذلك
- قالت؟!
- نعم
- لم أفهم
- ترتدي خمارا
- خمار؟!!
- نعم! خمار! وعندما تضع امرأة خمارا لا تستطيع رؤية شعرها!
- خمار... خمارنا يعني؟
- نعم!
- ليس خمار سرطان أو غيره؟ خمارنا تقصد؟!!
- مهتمة كثيرا بالدين... لم يُعجبني ذلك في البدء، لكن لكثرة مزاياها قبلتُ
- وستلتقيان هنا؟ ليس في سوريا أو العراق؟
- كنتُ أعلم أنكَ ستتشبث بهذه النقطة!
- في البدء ظننتكَ تمزح...! هل حقا ما قلتَ أم أنكَ تريد خداعي؟!
- لستُ متعصبا مثلكَ! تعرف ذلك، ولستُ أمزح!
- انتظر... كم عمرها؟
- 19
- لا يكفينا داعش! وبيدوفيليا أيضا!!
- قلت 19!! لم أقل 11!!
- صاحبي!! إذا أردتَ خداعي، نجحتَ! إن كنتَ تمزح... ملكتَ، فأسْجِحْ!!
- هل تريد صورتها؟
- ...
- انظر... صغيرة، جميلة، 19 وليس 11!
- الزي الإيراني!
- لا يهم...
- أظن... أظن أن عليّ الذهاب! قبل أن أضربكَ!
- لم أتصوّر أنكَ بهذه الرجعية!
- يجب أن أذهب!!
تركتُ له الليلة، ثم في الغد صباحا اتصلتُ به، فلم يرد... عدة مرات. فأرسلتُ رسالة: "أجب يا أبله! كنتُ أمزح..."، فاتصل بي...
- اللعنة! صدّقتُ!
- غبي ماذا أفعل لكَ! مشكلتك الأزلية تصديق كل ما تسمع!
- تسكّعتَ مع طالبة صغيرة مرة أم نسيتَ؟!
- نعم، وكان عمرها 22! وشعرها كان يراه الجميع صديقي!
- ومن أين أتتكَ الفكرة؟ ومن صاحبة الصورة؟
- ستمضي عندي أياما، وأريدكَ أن تكون حاضرا ومعكَ ملاك
- دعكَ من هذا وقل من الآخر
- زوجة أخي، أخوها يعيش في سويسرا، زوجته سويسرية، و... تلك المصيبة ابنته... مُركّز معي؟
- نعم! ثم؟
- زوجة أخي تريد أن تخلع الصغيرة ذلك الزي...
- وما مشكلتكَ أنتَ؟ و... أنا وملاك؟
- مشايخ يهدونها إلى الطريق القويم
- هل أنتَ جاد؟
- نعم
- وتظن أني سأفقد عقلي لأضيع وقتي؟
- أظن أنكَ ستبحث وستتساءل عن الخدمات التي طلبتُها منكَ مؤخّرا أو... من ملاك... اسألها، وإن وجدتَ شيئا، ذكّرني به
- القصة حقيقية إذن!!
- نعم، وأحتاجكما لاعبان رئيسيان فيها...
- ملاك تعلم؟
- لا
- لأنها لن ترفض؟
- لا أعلم، لكن... أظن ذلك
- يعني تريدني أن أكلّم تلك الإيرانية، نخرج معها، مطاعم، بحر... مرشدين سياحيين و
- ضيفة صديقكَ، وغريبة عن البلد... أجنبية...
- و... متى سيحل ركبها؟
- النصف الثاني من جويلية
- وكيف ستقيم عندكَ وأنت لست محرم؟!!
- ابنة أخي، في عمرها، ستأتي معها
- من؟
- كنزة
- كنزة؟!
- نعم... قبلتْ
- ولا تستطيع أن ترفض وتجنّبنا كل هذا العذاب؟!
- لا أستطيع
- لو لم تقل شيئا لهم، لما فكّر فيكَ أحد!
- نعم... لم أخَفْ على رأسي أن يقطعه أحد عندما قلتُ، لكن، لم أضع أي احتمال لأن يطلب أحد خدماتي يوما ما...
- يعني...! لا يوجد أي إمكانية لأن ترفض!!
- لا، وستأتيان! سنمضي أسبوعا رائعا لا تشكّ في ذلك
- مع الإيرانية؟!
- سويسرية عزيزي وشعرها أصفر!
- تعرف! أخذتُ حصّتي هذا الصباح! ملاك تريد أن تكلّمكَ... وسجّل عندك ولا تنس! لم أشرب حتى قهوتي!
- سجّلتُ.

- صباح الخير، لم تنتظر وتمهله! ألم تكفه البارحة!!
- أعتذر، لكن منذ مدة طويلة أتصيّد له الفرصة، فكيف أتركها؟ قريب... يسمعكِ؟
- لا
- كلّمتُه بطريقة أجبرتُه بها على القبول، لن أفعل معكِ... إذا لم تريدي لا بأس، سأتصرف وحدي
- لم أسمع جيدا؟
- ...
- أحمق!
- نعم... أسحبُ ما قلتُ
- ولا تُعد ما يُشبهه في المستقبل
- حاضر... ملاك
- نعم؟
- ربما يكون... يكون معي أحد
- ...
- ملاك
- أحمق نعم، لكن ليس إلى هذه الدرجة!!
- ...
- سمعتَني؟!
- نعم... ولن... لن يكون أحد... فقط، الطفلتان، و... نحن... ثلاثتنا.
- ...
- أخطأتُ في شيء قلتُه له...
- وهو؟
- قلتُ له أن يبحث عن الخدمات التي قدّمها لي، وأن يسألكِ أيضا
- لم يُقدّم لكَ شيئا على ما أعرف
- أنتِ فعلتِ
- ...
- أردتُ فقط أن تعلمي ذلك... لا أنسَ
- ماذا قدمتُ؟
- أنكِ موجودة...
- اتصلتَ لتُصعّب على كل منّا يومه!
- لم يكن ذلك هدفي... أعتذر
- هو سينسى كل شيء مع أول حريف يلتقيه
- وأنتِ؟
- ... تعرف...
- لستُ نادما على أيّ شيء... ولن أندم!
- ليس وقته... كلام كهذا
- نعم... عندكِ حق. أين هو الآن؟
- يستحمّ
- أحبكِ
- ولذلك تريدني أسبوعا كاملا مع إحدى عاهراتكَ!
- سحبتُ كلامي... لن يحدث ذلك
- خرج... أتصل بكَ بعد
- اتفقنا
- انتظر انتظر
- نعم؟
- أنا أيضا!
- أنتِ أيضا؟
- لم أندم على شيء...
بدأت القصة على النات، وكان يجب لها أن تنتهي، يوم كسرتُ ساقي... عندما التقينا...
اتفقنا على أن تسير الأمور، دون صوت أو صورة، كان اقتراحها ولم أقبله في البدء، لكنها ردّتْ بما لم أستطع ردّه: "علاقتنا لن تخرج من هنا، ثم... نحن صديقان، لديكَ صاحبتكَ وعندي خطيبي... لن يتغيّر شيء، حتى لو كنتُ قبيحة..."، فسكتُّ وقبلتُ. لكن مسار الأحداث، لم يكن مثلما وصفتْ، والذي كان يجري بيننا لم يكن علاقة أصدقاء...
كنا نكتب رسائل يومية، يحكي فيها كلٌّ جديده ومشاغله ذلك اليوم، وفي الليل كنا نلتقي أحيانا ساعة وأحيانا كل الليل. لم نكن نشعر بالوقت، ولم نكن نذكر صاحبينا إلا نادرا. حدث مرات أن لم أغادر المنزل للقاء صاحبة، وفضّلتُ البقاء لأكتب لها ولأقرأ ما كانت تكتب لي، وحدث أن لم تقابل خطيبها لتقرأ ما كنتُ أكتب لها ولتكتب لي. تكرّرُ حدوث ذلك، جعلني أحاسب الأحمق الذي رفض الواقع وخيّر الخيال، وعندما فعلتُ، حكمتُ ببراءته من تهمي... قال هناك أنثى من الجهة الأخرى لشاشتي، ومعها أشعر براحة لا أعرفها مع الصواحب فلماذا لا أفعل؟! فأجبتُ أن... "حتى جنسها مشكوك فيه، فأنتَ تقرأ ما يكتب لكَ فقط، لم تسمع ولم تر!" لكن... صفحتُ عنه. لم أشجّعه نعم، لكني سكتُّ ما دام مرتاحا مثلما قال.
بعد أشهر، وصلنا مرحلة معرفة كل شيء كل منا عن الآخر... كل شيء، حتى التفاصيل الدقيقة التي لا تُذكَر عادة بين صديق وصديقة، وتجاوزَ كل منا كل الخطوط الحمراء، بطريقة مخادعة، وكأني لم أفهم... وكأنها لم تفهم... لكننا لم نتوقف. قلنا ما المانع في أن نتكلم عن الجنس؟ وخصوصا من ناحيتها وهي لا تعرف أي شيء غير ما قرأتْ وشاهدتْ... ما المانع أن تعرف ما يُثير الرجال؟ وما الضرر في أن أقول لها كيف، وبالتفصيل، يريد رجل أن تكون حبيبته؟ خطيبها من عائلة كبيرة، وأغلب وقته يُمضيه في أوروبا... لا تريد أن تظهر بمظهر الفلاحة وسط صناع الطائرات... وقد كان كل ذلك، ونحن "صديقان".
ثم عاد الخطيب من أوروبا... بعد أن أنهى دراسات معمقة في الفنون الجميلة. عندما قرأتُ تلك المعلومة، لم أركّز جيدا معها، بسبب ما كان قبلها من أحاديث جنسية، ومرّت وكأني لم أقرأها...
ثم تواصل ما بيننا حتى كان يوم، اقترحتْ فيه أن نلتقي، وكان ذلك بعد قرابة سنتين منذ أن بدأنا. ويوم لقاءنا، تأخرتُ، وعندما وصلتُ، ورأيتُها، لم أقل شيئا، غير أن التفتُّ باحثا عن شيء أركله، فكانت نخلة سرتُ إليها قرابة المترين، وعندما ركلتُها بأقصى قوتي، سقطتُ لأني لم أستطع الوقوف، وكان كسر في ساقي. أما هي، فبقت مكانها ولم تتحرك، لكنها عندما رأتني على الأرض، اقتربتْ وسألتني هل أنا بخير، فأجبتُها أني أظن أن ساقي مكسورة ويلزمني مستشفى وأشعة، فساعدتني، وذهبنا في سيارتها... وكان كسر وكان جبس.
في طريقنا إلى المستشفى لم نتكلم، وكل منا كان يُفكر في نفس الشيء... في نفس الشخص... "صديق خطيبي" قالت! و "خطيبة صديقي" قلتُ! و... "اللعنة كيف لم أتفطن!" قلنا...
بعد خروجنا من المستشفى، اتصلتُ بصديق، والتقينا أين وصفتُ له. فتركتُ له مفاتيح سيارتي، وطلبتُ منه أن يُبقيها عنده حتى أحتاجها. بعده ذهبنا إلى منزلي، وبعد أن ساعدتني في الجلوس، بقتْ واقفة تنظر لي، وأنا أنظر إلى الجبس...
- كيف... كيفـ
- كيف ماذا؟!! أقل شيء عندي خمسين صورة لكِ في موبايلي وكمبيوتري!!
- صوركما عندي أيضا! و... ماذا سـ
- اجلسي
- لا أريد. و... وماذا سنفعل الآن؟!
- لا أعلم!
- هل ساقكَ تُؤلمكَ؟
- عندي ما أهم منها الآن! لحسن حظي، أَبْعَدَ عنّي آلامها
- كذبتَ عليّ وظننتكَ لستَ عنيفا...
- ملاك! هل هذا الكلام وقتُه الآن؟!
- ...
- أحبه أكثر حتى من أخوتي، هل تعلمين ذلك؟!
- ليس منكَ... أعرف ذلك منه
- ذكرتُه في كلامنا
- لا أتذكّر... وأكيد قلتَ مجرد كلمة ومررتَ... لو أكثرتَ عنه ما كنتُ نسيتُ...
- ولو تكلمتِ عن خطيبكِ! كنتُ عرفتُه!
- ماذا تريد الآن؟! لم أخطئ في شيء لتكلمني هكذا!
- تبا! ألا تشعرين بغرابة الآن؟
- ماذا تقصد؟
- الآن... انظري كيف نتكلم... وكأننا نعرف بعض منذ سنين!
- نحن كذلك... فقط أصبح هناك صورة وصوت... لم يتغيّر شيء!
- أنتِ جميلة... مثلما وصفتِ نفسكِ ومثلما تخيّلتكِ
- لم أكذب في أي شيء... لستُ مثلكَ!
- لم أكذب!؟!
- قلتَ أنكَ لستَ عنيفا... و... ذلك الجبس يُكذّبكَ
- نعم... هذا الجبس كشف حقيقتي!
- لا تنظر لي هكذا...
- لا زلتِ واقفة ولم تجلسي... لماذا؟
- عليّ أن أغادر... عندي موعد
- أين؟
- لا تقل لي أنه...؟ ...!!!
- نعم... التاسعة...
- ...!!!
- اجلسي أرجوك... لن أذهب بالطبع، سأتّصل به وأُعلمه بساقي... لا تستغربي من أن يطلب منكِ مرافقته لزيارتي و... التعرف عليّ!
- ...
- ...
- لا أعرف ماذا أفعل!
- ما رأيكِ لو
- مستحيل! ولماذا سأكذب؟! لم أخطئ لأخفي شيئا!
- لم تُخطئي؟
- نعم لم أخطئ! تعرفتُ على شخص من النات، وشاءت الصدف أن يكون صديقه! انتهتْ القصة!!
- منذ سنتين... مئات الرسائل... مئات الساعات... ليالي برمتها... ولم تُخطئي؟
- ما المشكلة؟!!
- المشكلة... أنكِ... مثلا لم تبقي معه كل ذلك الوقت، كلما كان بعيدا
- إلى أين تُريد الوصول؟
- يستحيل أن أخسر صاحبي، هذا خط أحمر بالنسبة لي! لكني أيضا لا أستطيع أنـ
- أن؟
- أخسركِ... كل ذلك... كثير جدا! ولن أستطيع اختزاله في الصدفة التي تكلمتِ عنها!
- ...
- قولي شيئا
- سأخرج الآن... لا تُكلمه حتى العاشرة، وإذا اتصل بكَ لا تُجب
- لماذا؟
- لأضمن ألا يأتي بي لـ... لأتعرّف عليكَ!
- لا يزال عندكِ وقت... ابقي قليلا
- أكيد تعرف أنه منذ الغد سيبدأ في أشغال قاعة العرض...
- نعم، قال لي
- حاول أن تُشعله الأيام القادمة... أريد البقاء وحدي
- وكيف سأشغله؟ أطلب منه أن يبقى معي هنا!
- لا أعلم كيف!! ما أعلمه أني أريد أن أبقى وحدي... سأقول أن أختي مريضة وعليّ البقاء معها أياما
- سيتصل بها
- سأتدبر أمري معها... اشغله أنتَ هنا
- كيف؟!!
- رافقه! اذهب إليه!
- بساقي هذه؟
- عندكَ عكاز!
- ...
- ما الذي يضحكك؟!!
- ...غضبكِ جميل... مختلف عما كنتُ أقرأ...
- حاول تجنبه إذن!
- سأفعل... هل ستخرجين الآن؟
- لا سأمضي الليلة هنا!
- برغم كل شيء... أنا سعيد لأننا التقينا.
- لا تتصل قبل العاشرة...
- حاضر
وغادرتْ... لكن، بعد وقت قصير، طُرق الباب، فتحاملتُ، وفتحتُ... وعندما فتحتُ، لم أتكلم، لم تتكلم، وبقينا وقتا ننظر مباشرة كل في عيني الآخر...
- أأأأ... وجدتُ هذا... نسيتَه... الدواء
- نعم نعم... بعض مسكنات
- ...
- ...
- سـ... أمشي... سأمشي الآن
- نعم ستمشين... و... أنا... أنا سأدخل و... أغلق الباب... نعم... هناك قطط هنا، وربما دخلتْ واحدة لو... لو وجدتْ الباب مفتوحا...
- ...
أمام الباب توجد درجات... ثلاث... ثم ممشى قصير ينتهي بالباب الخارجي... يمينا ويسارا توجد حديقة. عند الثالثة توقفتْ ولم تلتفتْ...
- لا يوجد فيه سمكتكِ الآن...
- ماذا؟
- الأكواريوم... خفتُ أن تموت... سأحضرها مرة أخرى
فالتفتتْ...
- عما تتحدث؟ لم أفهم!
- في السـ... وراء كرسيكِ ... طلبتُ من صديقي أن يضعه منذ قليل... عندما
- لم ألاحظ
- كنتِ تساعدينني على الصعود
- ...
- الحقيقة... قلتُ... أختلق عذرا لأراكِ مرة أخرى... وبسرعة
- لم تكن تحتاج اختلاقـ
- أردتُ أنـ... أن أضمن... وأن... قلتُ... أكثّر حظوظي
- لم أكن لأرفض!
- لم يكن عندي أيّ ضمان...
- ...
- اخترتُه صغيرا، ليتناسب مع مكتبكِ أو... تضعينه بجانبكِ في غرفة نومكِ... أرجو أن يُعجبكِ
- تركتُ شيئا أنا أيضا
- ...؟
- سروالكَ... الجيب الخلفي... من اليمين
- ماذا!
- لا! لا تفعل!
- ...
- لا أريدكَ أن تفعل! أريدكَ أن تقطّعها الآن!
- لماذا؟ كتبتِ فيها شيئا لي...
- في المستشفى، عندما خرجتُ من قاعة الجبس
- لماذا لا تريدين أن أقرأ ما فيها؟
- ردّها لي
- تراجعتِ؟
- نعم... ردّها لي!
- ...
- أعطنيها!
- طيب... تـ... انتظري...
- لا تتحرك [وصعدتْ نحوي]
- خذي
- ...
- ماذا كتبتِ فيها؟
- ما لا أريد
- أي؟
- ألا أسمع بذكركَ بعد اليوم.
- لا تفعلي شيئا لا تريدينه
- ليس الأمر بيدي!
- كل شيء بيدكِ وتستطيعين
- لا أستطيع البقاء الآن!!
- تستطيعين إن كنتِ تريدين
- أحبه!!
- أحبه أيضا!
- هناك فرق!!
- لا يوجد أي فرق!
- خطيبي وسأتزوجه! لن تتزوجه أنتَ!!
- تزوجتُه منذ سنين قبل أن تسمعي بوجوده أصلا!
- أريدكَ أن تعي جيدا أني أحبه حقيقة! بصدق!
- لا أشك في ذلك، مثلما لا أشك في
- ماذا؟
- أننا "صديقان"!
- تبا لي! لماذا يحصل كل هذا؟!!
- ماذا كتبتِ في الورقة؟
- ...
- أنتِ نقية، ولا شيء يستوجب أن تُخفيه
- "أحب صديقكَ وسأتزوجه، لكن... لذلك يجب أن ينتهي كل شيء اليوم. سامحني، لم أرد ذلك!"
- لكن...؟ أحبكَ أيضا؟ و... أحبكِ أيضا؟ أم نحن...؟
- يجب أن أذهب الآن!
- أريدكِ أن تبقي قليلا... لم أركِ منذ سنتين! فقط دقيقة ثم...
- ...
- ملاك
- نعم
- أحب صاحبي! أكثر مما يمكن أن تتصوّري... ولن أسمح بأن يُساء إليه!
- نكتة لطيفة!
- سأقول له كل شيء
- لن تفعل!!
- بل سأفعل! عرفتُ فتاة، بقيتُ أكتب لها لسنتين، دون أن أراها، ويوم رأيتُها اكتشفتُ من تكون...
- هل جُننتَ!!
- ما المشكلة؟ كنتُ أعرف أنها مخطوبة وتحب خطيبها، كنتُ مجرد صديق بالنسبة لها، والخطـ حصل معي وليس منها، ما الغضاضة؟
- قلتُ لكَ لن تفعل!
- وإذا ظننتِ أنه سيغضب لأنكِ قابلتِ أحدا، فأنتِ مخطئة... قابلتِ صديقا أو صديقة بعد أن عرفتِ جيدا ولأشهر من يكون! ما المشكلة؟
- سنتان!! كل يوم!! ساعات!! أيام وليالي!! هل نسيتَ كلامكَ؟!! هل تظنه بهذه الحماقة؟!! حتى مع أنثى سيشكّ أن عندي ميولا مثلية!! لا تفعل! وانتهى الكلام!! سأتصل!
- ...
- اتفقنا؟
- نعم، سأنتظر... متى تُريدين
- لون سمكتي؟
- حمراء بزرقة وبياض على الجانبين.
- جيد. اعتن بنفسكَ
- أنتِ أيضا... ملاك! انتظري
- ...
- نسيتُ أنه يعلم!
- ماذا يعلم؟!
- اسمها ملاك، مهندسة معمارية، على اتصال يومي بها، و... في البداية كنتُ أراها كصديقة، لكن شيئا فشيئا صار كل شيء غير واضح... كان يسخر مني ويقول كيف أضيع وقتي مع من لم أرها... لم أقل أنها مخطوبة لكيلا يسخر مني أكثر! يعني... تقريبا... يعرف كل شيء!
- ولماذا فعلتَ ذلك!!
- لم أقل شيئا غير الخطوط العريضة، ولا مانع في ذلك وقتها... ما قلتُه يُقال بين كل البشر!
- ...
- تعالي... ادخلي قليلا، لنفكر معا في كيف سنتصرف، لم نخطئ في شيء منذ البدء إلى لحظة لقائنا، كل تصرفٍ الآن فصاعدا، منكِ أو مني، يمكن أن يُدمّر كل شيء، فنظهر مذنبيْن منذ البداية، وهذا إذا حدث، سيكون كعقوبة تُسلَّط على بريء لكن... مغفل! ولسنا مغفليْن عزيزتي! تعالي... لندخل قليلا
- ...!!
- لا يوجد أي حل غير أن يسمع منكِ الليلة، إذا لم يحصل ذلك، سيكون من حقه أن يشكَ في كل شيء سيُقال له بعد ذلك
- لا أستطيع!!
- تستطيعين وبسهولة! كل شيء ستُلقينه عليّ بطريقة غير مباشرة؛ أعجبكِ شخص، بقيتِ على اتصال به، ويوم قابلتِه اكتشفتِ من يكون، فقط... هو سيقول لكِ أني حدّثتُه أني لا أراكِ كصديقة فقط، أنتِ لا تعلمين شيئا عن ذلك، وستكتشفينه منه، لا مشكلة عندكِ ولا لوم عليكِ
- هكذا بهذه البساطة؟! هل تظنه مغفلا؟ قلتَ أنه صديقُ عمر! أظنكَ لم تعرف صديقكَ بعد!
- الأمر بسيط ويقع، ثم المشاكل عادة ما تأتي من الذكور وليس من الإناث
- غير صحيح، كم من امرأة تحب من يراها صديقة لا أكثر!
- فكّري جيدا، هذا أحسن حل
- لنقل أني فعلتُ، وبعد ذلك كيف ستكون الـ
- بسيطة! عندما رأيتُها، عرفتُ من تكون فأوضحتُ في داخلي كل لبس بشأنها... انتهت القصة!
- وبعد ذلك؟
- بعد ذلك! بعد ذلك لا شيء، كل شيء وقع توضيحه وانتهينا
- و... وهل ذلك ما تريد؟
- يكفيني أن تكوني موجودة
- لن يعرف الحقيقة
- لم أكذب ولن أكذب! قلتُ حقيقة كل شيء حدث
- قلتَ أوضحتَ كل لُبس!
- لن أخسر صاحبي من أجل جرم لم أقترفه! ما في داخلي ما لم يخرج فهو يخصني! لا يُحاسَب البشر على نواياهم بل على أفعالهم! ولم أفعل شيئا!!
- والآن ماذا تفعل؟
- لا أستطيع خسارتكِ! كأني أعرفكِ منذ قرون! تعرفين كل شيء عني! لا يوجد بشر أقرب لي ويعرف ما تعرفين! ولا أستطيع خسارة صديق عمري!! ماذا أفعل؟!! أموت أم أعيش بالألم؟ لن أختار الموت!!
- أعطني دقيقة... أفكر...
- ...
- ...
- ...
- طيب، وما الضامن لكَ أن يقبل؟
- يقبل بماذا؟
- بأن عندكَ... ميول تجاه خطيبته؟
- لم أكن أعرف! ويمكن حصول ذلك حتى مع أخت مجهولة فما بالكِ بنا نحن... لا مشكلة في ذلك
- يعني أنتَ روبوت! كانت عندكَ ميول، وعندما علمتَ من أكون، ضغطتَ على زرّ فانتهى كل شيء؟ هكذا بهذه البساطة؟!
- عندما علمتُ أن أبي في كل مكان يحل يترك أبناء، عرفتُ أنها أختي، فانتهى كل شيء، لستُ روبوت لكن بشر سوي، ما المشكلة؟
- وهل ستفعل ذلك؟
- قلتُ يكفيني أن تكوني موجودة... المستقبل؟ لا أعلم كيف سيكون، ولا يهمني ذلك الآن، لكني لا أراه دونكِ و... دونه!
- لن يعلم كل الحقيقة
- ما لن يعلمه، لن يتجاوز دواخلي... لن أكون مذنبا!
- وأنا؟
- تعلمين كل الحقيقة، ولن أذنب معكِ أيضا
- لم أفهم؟
- لا أظن أن الذي في داخلي سيفتُر بمرور الوقت، لا أريد ذلك، ولا أعرف هل سيتواصل أم سينضب، ما أعرفه أنه لن يخرج حتى معكِ!
- أي؟
- بعد أشهر قليلة من بدء اتصالنا تغيّر كل شيء، ثلاثة أو أربعة على أقصى تقدير... يعني منذ أكثر وسنة نصف، وأنتِ...
- أكمل
- سيزيد الأمر صعوبة هذا الكلام!
- قلتُ أكمل!
- تعرفين كل شيء ملاك! منذ أكثر من سنة ونصف وأنا أحلم بأن... أراكِ و... كل شيء! و... ليس صحيحا أني عرفتُ كل تلك الأسماء التي ذكرتُها لكِ... أردتُ فقط أن أرى ردة فعلكِ... تعمدتُ ذلك!
- و... ماذا رأيتَ؟
- نفس الذي يجعلكِ تهتمين الآن... كنتُ بين نارين... من جهة خطيبكِ هذا الذي تمنيتُ لو لم يكن موجودا أصلا، ومن الأخرى ما كنتُ أشعر به وما كنتُ أراه بوضوح عندكِ! إضافة إلى قيد آخر منذ البدء وضعناه واتفقنا عليه: أنتِ صديقة ولا يمكن أن تكوني شيئا آخر!! لستُ حجرا، أنا بشر! دم ولحم وأعصاب وهرمونات! لا أستطيع التحكم في كل هذا! وأمامكِ ساقي المكسورة! لم أستطع مع عظم بائس، فكيف لي أن أقدر مع أعصاب وهرمونات؟!
- لماذا ضربتَ الـ...؟
- عند الصدمة، تختلف ردود أفعال البشر... تعرفين، منهم من ينفجر ضحكا! يسمع أن أعز الناس عنده مات مثلا فينفجر... ضحكا! منهم من يحزن، منهم من يسكت، منهم من يبكي، ومنهم من يفعل فعلي! لحظة رأيتكِ، عرفتكِ! رأيتُ كأنّ أحدا... شيئا، أخذكِ مني، وغيّبكِ، وإلى الأبد لن أراكِ! رأيتُ الظلم وسوء الحظ! رأيتُ ألا أمل، ولا حلّ، غير أن تُؤخذي مني أبدا، وذلك كان أكثر من طاقة تحملي بكثير...
- عندكَ حق... كلامٌ يزيد... صعوبة
- افعلي ما قلتُ لكِ... لا يوجد حل آخر... واسمحي لي بـ...
- بماذا؟
- بأن أحبكِ... من بعيد! وساعديني في ذلك! لن أخون صاحبي، لكني لن أخون نفسي وأنكركِ!
- ...
- عديني بذلك
- لا أضمن المستقبل!
- أضمن نفسي
- أنا لا أضمنها!
- سيكون الأمر أصعب عليّ دون مساعدتكِ... لكني لن أخون نفسي!
- أظن أن ما قلتَه أحسن رأي... سأفعل... سأقول له ما قلتَ الليلة... وبعد ذلك... سنرى
- أشكركِ
- كيف تنظر لي؟ كيف تحكم عليّ؟
- لم أفهم قصدكِ
- سأتزوج قريبا من رجل أحبه، حقيقةً
- نعم
- و... وهناك... أنتَ!
- الأهم عندي من يكون هذا الذي سترتبطين به، لو لم يكن أخي، كل شيء كان تغيّر وكان أسهل عليّ
- سألتكَ عني لا عنكَ!
- غريب، مؤلم، لكنه واقع، موجود! كيف وقع ذلك؟ كل شيء حصل بحضوري من ألف القصة إلى يائها، وإذا كانت مقصلة! فرأسي يجب أن يوضع قبل رأسكِ.
- ولماذا لا يكون الحل في... في أن ننهي كل شيء الآن قبل رحلة العذاب التي تنتظر جميعنا؟
- دون صاحبه، خطيبكِ سيكون مجرد زومبي... دونه ودونكِ سأكون مجرد زومبي... أما كيف ستكونين، تستطيعين الكلام عن نفسكِ
- لا أعلم
- أظنكِ تعلمين...
- سأخرج... لكن... لا أر نفسي مذنبة في شيء! رأيتُ ذلك وقتا طويلا، لكن ليس بعد أن اقترحتُ أن نلتقي... أحبه وسأتزوجه نعم، سأكون أسعد نساء الأرض به نعم، لكن ذلك لا يعن أن سنتين من عمري... ومئات الساعات تلك، لم تعن لي شيئا! بل عنت الكثير ولا تزال! ولا أريدها أن تنتهي! شكرا لأنكَ برغم كل شيء... قبلتَ... وسمحتَ لي! أعتذر عن كل ألم مضى، و... عن كل ألم قادم! لم أرد ذلك! لكني... لم أستطع و... لن أستطيع! لن أستطيع مساعدتكَ ولا حتى مساعدة نفسي! ربما الزمن سيفعل! لكني أشك في ذلك!
وغادرتْ...
مع أمين، بدأت القصة سنتنا الأولى في الإعدادية... المعهد جديد، ولم تكتمل أشغاله، وكنا في القسم، ومن النوافذ شاهدنا المدير يمشي نحو قاعتنا وخلفه طالب، وما إن اقتربا حتى التوت رجله في حفرة لم يرها فسقط... رأى المشهد أغلبنا وضحكنا، فنهرنا المدرس، وعند وقوفنا لدخول المدير، قدّم لنا الجديد، فطلب منه الأستاذ الجلوس، وكان الخلف، وكنتُ جالسا مع صديقة منذ أن رأتْه قالت هل يضع أحمر شفاه هذا! وعندما جلس بجانبنا، كنا ننظر إليه بين الحين والآخر، ويلقي له كل منا قبلة... عند انتهاء الحصة، اقتربنا منه، فكلمتْه الصديقة عن شفتيه وسألتْه عن احمرارهما، فخجل ولم يجب، وزاد خجله عندما اقتربت منه وقالت له أنها تريد قبلة... مع اقتراب بقية الأصدقاء، قال أحدهم أنه أبيض من كل بنات الفصل، وقال آخر أنه يفضّل أن ينكحه على كل بنات المعهد، وقالت الصديقة عليكم اللعنة جميعكم إنه لي! لي وحدي! أما أمين فظل ساكتا، وعندما حاول الخروج، منعه من استداروا به، وجعلوا يدفعونه ككرة بينهم... أعجبني ذلك في البدء، لكنهم أكثروا عليه، وعندما بكى، نهرتهم ومنعتهم الصديقة وطردتهم فخرجوا... كانت الرابعة بعد الزوال، وكان أمين، وكنتُ، وكانت الصديقة... إيمان. اعتذرنا منه وقلنا إننا كنا نمزح، وأنه لا يجب أن يبكي مرة أخرى وإلا لن يتركه الآخرون، فظل ساكتا ولم يُجبنا. فأعطتُه إيمان شيئا يُشرب... عصير ربما... أخرجته من محفظتها، فأخذه منها، وبدأ شيئا فشيئا يشاركنا الكلام، وقال لنا أشياء عنه، فتعارفنا، وبدأت صداقتنا منذ ذلك اليوم. في سنتنا الرابعة، غادرتنا إيمان إلى مدينة أخرى. في السادسة وفي الأخيرة، كان في الشعب الأدبية وكنتُ في العلمية، لكننا كنا أغلب أوقاتنا معا، وكثيرا ما كان يحاضرني الفلسفة وأفعل نفس الشيء مع العلوم الطبيعية. في الجامعة، ابتعدنا وكان كل في مدينة، لكننا كنا نلتقي نهاية الأسبوع وفي العطل بالطبع حيث نمضي أغلبها معا. بعد أن أكمل الإجازة في الفنون الجميلة، درس ماجستير ثم غادر البلد ليُكمل دراسات معمقة... أثناء كل ذلك، كان يرسم منذ أن كنا في الإعدادية، ويجيد العزف على الكمان... كان رقيقا جدا وناعما أكثر من كل بنات الفصول التي درسنا فيها، لكنه وبمرور الوقت تغيّر بعض الشيء، وصار "مقبولا" وليس برقة صغره! لكنه ظل مرهف الشعور برغم أن احمرار شفتيه قد نقص مع مرور الأعوام! لم نكن نقيضين، بل كنا كل يكمل الآخر، كان الرقة وكنتُ الخشونة، كنتُ الاندفاع وكان الحلم، كنتُ الأبيض والأسود وكان الألوان الكثيرة، كنتُ الكيمياء والفيزياء والرياضيات وكان الفن والأدب والفلسفة، وكنتُ دائما الابن الثالث معه وأخته الصغيرة، وكان كذلك مع أسرتي... و... عندما تعرّف على ملاك، كلّمني عنها، ولم تشأ الظروف أن نلتقي بسبب تربصات كثيرة كانت عندي وقتها، وأيضا لمغادرته البلد بعد ذلك لإكمال دراسته... في السنتين اللتين أمضاهما خارجا، بدأتُ مع ملاك... وكان أغلب وقتي على النات معها، لكن كنتُ أتبادل الرسائل معه، وأحيانا كثيرة نتكلم على سكايب، وفيها ودون أن أعي، صادف أن كنتُ أتكلم معه صوتا وصورة، وكتابة مع ملاك، وكان يسألني عندما يتفطن، فأجيبه أني مع تلك الصديقة التي كلمتُه عنها...
لماذا حدث كل ذلك؟! لا أعلم! ولا يهمني كيف حدث! ما يهمني أنه عندما غادرتْ ملاك، قلتُ: "نعم! هذه امرأة! اللعنة! أحضنها لحظات وأموتُ بعد ذلك! أقبّلها وليرموني إلى الأسود! نعم! أن أمضي كل عمري أحلم بها خير ألف مرة من كل أولئك الـ...! اللاتي عرفتُ! اعذرني أمين!! تعرف مدى حبي لكَ لكني لا أستطيع! لا! لا أريد!! ولن أفعل!! لن تعرف كل شيء، لكني لن أنسَ...! ولن أتجاوز!! الآن لا أستطيع أن أرى شيئا بدونها! لا أستطيع! ربما الأيام ستُغيّر أشياء، لا أعلم! ولا أظن! لكن الآن لا! لا أستطيع! لا أستطيع التراجع! يا رجل عظم كُسر ولا أشعر بشيء! وأنتَ تقول لي...! لا! أعتذر صاحبي! لا أستطيع!!"
وسارت الأمور مثلما قررنا يومنا لقائنا الأول... وأخذ أمين بالرواية الرسمية... ثم تزوجا، وكانت ليلة غريبة، قلتُ فيها لأمين مرات: "يا رجل ابتسم! ليلة عرس وليست مأتما!"، وقالت لي ملاك: "سامحني!"، وقلتُ لها: "أنا سعيد من أجلكما"... لم أكذب في قولي، ولم أكن أيضا صادقا، بل كنتُ كليهما... نعم! كنتُ سعيدا بصدق من أجلهما: أمين أخي ورفيق عمري ويستحق كل خير! وملاك... ملاك تحبّه ومن حقها أن تكون مع من تحب، وبما أن ذلك سيسعدها، فلا يجب عليّ إلا أن أسعد لأنها سعيدة! لكن من الناحية الأخرى، يوجد أن أمين تصرّف وكأنه علم كل الحقيقة، ملاك لم تكن سعادتها كاملة، وأنا...! ماذا أقول؟! والمرأة الوحيدة التي أحببتُ وأردتُ وأريد وسأفعل أبدا!! زففتُها بيدي إلى غيري! ولحسن حظي، اكتشفتُ نعمة نزلتْ عليّ من السماء تلك الليلة... لم تكن ملاك عندي جنسا، بل حبا شبيها بحب عذري، الجنس يعني أن أخون أخي، أما الحب فهو في داخلي ولا ضرر فيه؛ هكذا رأيت، ونفس الشيء كانت ملاك ترى... في البدء. لذلك، تلك الليلة، وما تلاها، لم يكن يمرّ بذهني ما يحدث بينهما، كان الأمر شبيها بما يحدث بين أم وأب، أو أخ وزوجته، أو أخت وزوجها... نعم كنتُ أعلم أن هناك جنسا بينهما، لكنه لم يعنني في شيء، بما أن ذلك الحقل ليس من اهتماماتي أصلا. معادلة غريبة، وربما لا منطق فيها، لكنها كانت معادلتي ونعمتي التي نزلتْ من سماء لم تُنصف أحدا منّا.
بعد مدة من الزواج، سألني أمين عن هل كنتُ أعرف أن ملاك لا تريد أطفالا، فأجبتُ أني أعلم، فقال أنه سمع منها ذلك منذ أعوام، لكنه ظنها تمزح... وعند طلبه مني أن أحاول التأثير عليها، رفضتُ وطلبتُ منه أن يُجنبني تفاصيل غرفة نومه، فأصرّ وقال ألا أحد سيستطيع التأثير عليها غيري، فرفضتُ، لكنه قال أنها إن لم تُغيّر رأيها، لن يستطيع أن يواصل معها، وذلك يعني، مع حبه لها، أن حياته برمتها ستتحول إلى جحيم، وأني لن أرض له ذلك، فقبلتُ! يومها شعرتُ أني قوّاد!! ولم أستطع أن أقول له أنه كلما احتاجني في شيء يخص زوجه، ذلك يعني أنه بصدد خسارة زوجته!!
تواصل شعور القوادة في مناسبات أخرى؛ كان بين الحين والآخر، يُلقي كلمة سريعة وسط كلامنا، إما أنا وهو، أو ملاك معنا... كالتلميح للفتور بين الأزواج وغياب الرغبة مدة. ومرة، بعد أن شرب، سألني هل أشاهد بورن وملاك سمعتْه. بدأ الأمر بالتلميح، ثم تجاوز إلى السؤال الصريح: "لماذا تغيب رغبة شابة جميلة في مقتبل العمر؟" و "الجنس مقياس الحب؟" وأثّر ذلك على أعماله، حيث عرض لوحات نصحه زملاؤه ألا يعود إلى مثلها، وكانت كلها نساء عرايا بطريقة جريئة، جمعت بين البورنوغرافيا والابتذال... كل ذلك جعلني أرتقي في مهنة القوادة الجديدة التي فرضها عليّ!
اتصلتْ بي ملاك ليلة، كانت مضطربة وقالت أنه غادر المنزل بعد شجار بينهما، لم يكن ذلك سبب اضطرابها بل لأنه كان مخمورا، فاتصلتُ به فقال أنه في طريقه إليّ وقارب على الوصول، فعاودتُ الاتصال بها وطمأنتها، وحاولتُ أن أعرف سبب الشجار لكنها لم تُجب.
بقيتُ أنتظره أمام منزلي، حتى وصل، وعندما نزل، أنزل معه خمرا كثيرا وقال أننا سنسهر حتى الصباح... بعد أن دخلنا وجلسنا...
- عندك خياران... تشرب معي، أو لا تشرب معي... لكن، إذا شربتَ معي، سمعتَ وضحكتَ. إذا لم تشرب، سأبحث عن جليس غيرك... ماذا قلتَ؟
- لا أحد عندكَ غيري
- ننننـ ... نعم! يجب أن أفكر في غيركَ! لم أفكر في الموت! وإذا متّ؟ ماذا أفعل! أبقى وحدي؟
- لن أموت الآن... قالوا لي أني سأتجاوز الثمانين!
- من؟
- الجماعة... فوق
- اتصال أو التقيتَ بهم؟
- لا، تجاوزنا مرحلة الاتصالات منذ زمن
- لو تدعهم ليشروا معنا؟!
- حرام!!
- آه... صحيح... الجماعة لا يشربون! لكن فقط تحت!! فوق حلال!!
- كل شيء حلال فوق
- لماذا أنتَ نكدي هكذا! ما هذه المواضيع؟ تريد تعكير صفوي أو ماذا؟
- آسف... أنتَ من بدأ لكن... أعتذر
- نسيتُ المكسرات! عندكَ شيء هنا؟
- لا... لكن، عندي جبن... لحم... سمك
- لا! أريد مكسرات! لوز، فستق، وكاجو... الـ...! الكاجو لا! أريد بصلا مكانه!
- بصل!
- يُذهب السكرة! انتظر سأخـ
- لن تفعل... المفاتيح... هات... وستبقى عندي
- من؟ أنا أم المفاتيح؟
- الاثنان... أعود سريعا...
ذهبتُ بسيارته، المكسرات كان أمرها سهلا، الأصعب كان البصل!! فقصدتُ عم صالح، ومن حسن حظي أنه كان موجودا... عم صالح عنده ثلاث خصائص: يبيع الخضر العضوية، أغلب لياليه يمضيها في حانوته، ويشرب الكحول... الكحول مباشرة وليس الخمر... "الخمر غالٍ والظروف صعبة!" شكرتُ عم صالح مرتين: الأولى لبصله وإنقاذه لي، الثانية لتأكيد صحة معلومة البصل... كنتُ أشرب، لكني لم أكن سكيرا، ولم أحتج لخدمات... البصل!
تطلّب مني ذلك أزيد من نصف ساعة بقليل، وعندما فتحتُ الباب ودخلتُ سمعتُ شخيره، فلم أشأ إيقاظه، وقلتُ أحسن أنه نام... كان البنك الذي نام عليه كبيرا، فخلعتُ حذاءه، ثم نظاراته، ثم حزامه... ثم غطيتُه، وجلستُ أمامه أنظر إليه... فتحتُ قارورة من قواريره الكثيرة، وشربتُ منها القليل... ثم تكلمتُ... "لن نخلص إذا واصلتَ هكذا... حصلتَ على كل شيء فلماذا تفعل هذا؟! تعرف أني لن أترككَ أبدا... لكن أرجوكَ لا تُتعبني أكثر! لا يسرّني أن أراكَ هكذا، و... ملاك أيضا... لكن أرجوكَ لا تفتح لها الباب! أترجاكَ حلّ المشكلة بسرعة وبعيدا عني! لن أتجاوز الخط الأحمر... لن أخطئ! لكن إن واصلتَ هكذا، أنتَ تدفعها نحوي دفعا!! دعني أتألم وحدي في هدوء! ولا تُرسل عليّ ما سيضاعف معاناتي!!"...



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيدوفيليا وحكم الإعدام... تأملات...
- عن -الأول في فصله-...
- إيران وإسرائيل: أما آن لحكم البدو أن ينتهي؟!
- هناء 5
- هناء 4
- إيمان
- ما معنى أن (الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع)؟!
- هناء 2-2 (+)
- هناء 2-2 (-)
- هناء 1-2
- أميرة
- أُمَّةُ القضيب... شذرات عن الوطنية في المنطقة المقدسة العروب ...
- قاتم (9) هوس
- قاتم (8) أحلام
- مرارة الحقيقة...
- الإلحاد والملحد والوطنية (1)
- قاتم (7) ...
- عجائب من موقع الحوار
- هرطقات في هيكل العروبة (3): عن الثقافة والمُثَقَّف
- الإلحاد والملحد: رفض المقارنة مع الدين والمؤمن!


المزيد.....




- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - ملاك أولى 1-2