احمد موكرياني
الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 14:02
المحور:
المجتمع المدني
ان الدافع الذي دفعني للكتابة هذه المقالة هو كلمة رثاء كتبتها في رثاء في ذكرى صديقي وحكيم اليمن والسفير الأستاذ محمد الرباعي رحمة الله ورضوانه عليه، والردود التي تلقيتها وخاصة من الصديق العراقي الأستاذ حسين محمد سعيد:
"خلود لاحد افذاذ اليمن الاستاذ الرباعي. وبارك الله فيك أخي أحمد على وفائك لهذا الرجل الفذ ورثائه وتذكير. اليمنيين بضرورة. الاقتداء برجالهم العظام. وقد تشرفت بمعرفته ولقائه في إحدى زياراتي الى هولنده".
كلمة رثائي في ذكرى الأستاذ محمد الرباعي رحمة الله ورضوانه عليه:
“بقلب يعتصره الحزن، وعيون يغمرها الدمع، تذكرت اليوم رجلًا من رجالات اليمن الكبار، وصديقًا نادرًا في زمن عزّ فيه الوفاء، الأستاذ محمد الرباعي، الذي كان في حياته مشعل فكر، ونبراس حكمة، وصوتًا صادقًا لا يخشى في قول الحق لومة لائم.
استاذنا محمد، كنت لنا أبًا وأخًا، ومرشدًا رحلتَ بهدوء الحكماء، وتركت في قلوبنا فراغًا لا يملؤه أحد، ومكانًا لا يُعوّض. كنتَ صاحب الرأي الراجح، والكلمة الطيبة، والموقف الشجاع. لم تكن سياسيًا فحسب، بل كنت ضميرًا حيًا، ووجدانًا جمع بين العقل والوطنية.
كم افتقدناك في لحظات الفوضى، وكم اشتدّ احتياجنا لحكمتك ونحن نواجه عواصف التيه والضياع. كنت تصوغ المواقف كما يصوغ الشاعر بيت القصيد، بحكمة العارف، وبصيرة العاقل، وحرص المحب لهذا الوطن الجريح.
نم قرير العين استاذنا، فإنك تركت أثرًا خالدًا، وسيرةً عطرة، ومواقف تروى للأجيال. وستظل كلماتك فينا نبراسًا، وذكراك محفورة في وجدان كل من عرفك ورافقك.
رحمك الله رحمة الأبرار، وأسكنك فسيح جناته، وجزاك عنّا، وعن اليمن، خير الجزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون."
رجال عرفتهم واعتز بمعرفتهم من اليمن السعيد:
o صالح الراعبي رحمة الله ورضوانه عليه: اول يمني التقيت به بالصدفة في باريس في أيلول 1978، وكان يملك ورشة صناعية في صنعاء، ودعاني للذهاب معه الى صنعاء للعمل معه في التجارة، استمرت لقاءاتنا في باريس أربعة أيام وغادر كل منا فرنسا الى موطنه وتبادلنا العناوين.
o في شباط 1979 غادرت بغداد وفي نيتي الذهاب الى بريطانيا لأكمل دراستي في دراسة علوم الكومبيوتر والبرمجة، وعند وصولي الى أمستردام وبقائي لفترة في أمستردام في انتظار القبول في جامعة بريطانية، تواصلت مع الأخ صالح الراعبي، واذا به يطلب مني ان ابحث له عن "سمن هولندي" من اجل استيراد السمن الى اليمن، فتابعت طلبه، فوجدت تعاونية هولندية ليست لها وكالة في اليمن، فزارنا الأخ صالح الراعبي في هولندا، وبدأ في شراء حاوية مشكلة من السمنة والحليب المجفف والأجبان كتجربة، فتوسعت التجارة بسرعة مع شريكه المرحوم عبد الوهاب الشهاري، رحمة الله ورضوانه عليهما، فهنا سألت نفسي، هل استمر في العمل التجاري ام اذهب الى بريطانيا لتكملة دراساتي العليا، فتذكرت اتفاقيتي مع الحكومة الجزائرية خلال تدريسي في معهد المعلمين في الجزائر، بوجود بند " في حالة مرضي لفترة 30 يوما، سيعيدوني الى بلادي في العراق"، وفي تلك الفترة لم اكن اعلم الكثير عن الإقامة والتجنس في اوربا، فكنت افكر بعد اكتمال دراستي العليا للتدريس في جامعات في الدول العربية دون اية ضمانة عدم ترحيلي الى عراق صدام حسين.
هكذا كانت معاملة الدولة العربية للمدرسين اللذين شاركوا في تربية وتثقيف أولادهم، بطردهم إذا تمرضوا، ولا اعلم إذا كان هذا القانون معمول به حتى الآن، ولكن الشيء المعروف الآن يمكن هو الغاء جنسية المتجنسين حتى وان خدموا في جيوشهم وشاركوا في تطوير بلدانهم.
o للمرحوم صالح الراعبي دور كبير في تغيير خطتي من أكاديمي الى رجل أعمال، ونجحت في عمل التجاري مع اليمن وشاركت في تطوير مشاريع بنى تحتية كثيرة في اليمن وآخرها تطوير ميناء الحُديدة بتجهيز الميناء برافعتين لتفريغ الحاويات من السفن وعدد من شاحنات لنقل الحاويات داخل الميناء في نيسان 2003، وتأسفت لتدمير هاتين الرافعتين والشاحنات التي كلفت حوالي 20 مليون دولار بعد استيلاء الحوثيين على ميناء الحُديدة.
o المرحوم عبد الوهاب الشهاري: كان المرحوم عبد الوهاب بمثابة أخ لي، وعند وفاته شعرتُ وكأنني فقدتُ نصفي. لقد تولّى المرحوم عبد الوهاب الشهاري تسويق منتجات الألبان في اليمن، وكان ذلك أول عمل تجاري له في البلاد ونجح فيه نجاحا هائلا، حيث بلغت صادراتنا للزبدة والسمن الى اليمن حوالي 80٪ من مجموع الواردات الزبدة والسمنة الى اليمن. توسعت اعماله التجارية، وقد ترك المرحوم عبدالوهاب خلفه مصنع شفاكو للصناعات الدوائية (Shaphaco Pharmaceutical Industries)، وكان هو من عرّفني على الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وعلاقتي مع الشيخ الأحمر كانت ودية جدا وكان يقدرني، التقيت به للمرة أولى في هولندا مع المرحوم عبد الوهاب الشهاري، وخلال العشاء قال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر موجه كلامه لي "زرت شمال العراق" فقاطعته،" تقصد كردستان" وأعاد الشيخ "زرت شمال العراق" وقاطعته للمرة الثانية "تقصد كردستان" فتدخل الأخ عبد الوهاب الشهاري وقال "لا تعاند احمد، فهو عنيد" فسألني الشيخ عبدالله عن الكرد، فقلت له " سأقدم لك كتاب – "تاريخ كرد وكردستان" للمؤرخ الكردي محمد أمين ذكي"، فيه شرح وافي للكرد وكردستان"، التقيت بعد لقائي الأول بالشيخ عبدالله كثيرا في داره وفي مجلس النواب عند رئاسته للمجلس النواب اليمني, وآخر لقائي مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كان عند زيارتي له في لندن حيث كان يقضي فترة النقاهة بعد العملية الجراحية لقلبه.
o وعرفني أخي عبدالوهاب الشهاري على المؤسسة الاقتصادية اليمنية، والجمعية الاستهلاكية، وكذلك على المرحوم الشيخ مجاهد أبو شوارب، البطل اليمني المقدام، وعلى المرحوم يحيى المتوكل، أحد ثوّار 26 سبتمبر، ومحافظ ووزير، وكان من أقرب الناس إليّ فكريًا، وكنتُ أعتبره الرئيس غير المُتوَّج.
ففي عهد رئاسة إبراهيم الحمدي، طُلب من الرئيس الحمدي أن يتنازل عن الحكم ليحيى المتوكل، فبادر الرئيس الحمدي إلى تعيينه سفيرًا لإبعاده عن اليمن، وكانت آخر سفارة له في باريس – حسب ما أذكر. ولم يُسمح له بالعودة إلى اليمن إلا في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، حيث تولّى مناصب عديدة، منها محافظ إب ووزير الداخلية، وكان من أقرب المستشارين إلى الرئيس علي عبدالله صالح.
كنتُ أزوره في محافظة إب في كل سفرة لي إلى اليمن، وأقضي ليلة في ضيافته، وبعدها في منزله الجديد في صنعاء يتوسطه ملوية كملوية سامراء، حيث كنا نتناقش في مواضيع كثيرة، غير تجارية.
o المرحوم عبدالله الحضرمي:
كان رجلًا طيّب القلب، وهو وراء نجاحي وتوسّع أعمالي في اليمن دون أن يطلب مني شيئًا، بل على العكس، كان دائمًا يعرض عليّ المساعدة. لن أنسى موقفه في عام 1987، حين كانت أعمالي التجارية قد تأثّرت بالأوضاع في المنطقة، وخاصة بسبب الجفاف. فإذا به يفاجئني بزيارة غير معلنة إلى هولندا، ويعرض عليّ دعمًا ماليًا، فأجبته: "الحمد لله، مستورة. إن مجيئك وعرضك للمساعدة كأنك قدمتَ لي مليون دولار"، فآخر حديث معه كان عن طريق هاتف ابنه محمد وهو مريض في القاهرة، رحمة الله عليه ورضوانه، فأن طيبته وثقته بالآخرين جلبت له بعض المتاعب، وكان من اخلص أعوان الرئيس علي عبدالله صالح.
o المرحوم الرئيس علي عبدالله صالح:
كان أول لقاء لي مع الرئيس علي عبدالله صالح خلال مراسم افتتاح أول مخزن للعنب في صنعاء، وهو مشروع ساهمتُ في تطويره. وبعد ذلك، تكررت لقاءاتي به، عندما كنتُ مستشارًا لشركة "إنرون" الأمريكية للبترول. ساهمتُ حينها في تطوير مشروع الغاز اليمني، لكن شركة "توتال" الفرنسية استحوذت على المشروع بخداع، من خلال التحايل على شركة "إنرون" الأمريكية في اتفاقية الشراكة التي نصّت على تقاسم المشروع بنسبة 50٪ لكل شركة، دون تضمين بند يمنع المنافسة. وقد تم ذلك بتواطؤ من رئيس لجنة التفاوض عن "إنرون" في المشروع اليمني. وأدّى هذا إلى خسارة اليمن أكثر من 20 مليار دولار حتى اليوم، إذ قامت شركة "توتال" بتأخير تصدير الغاز اليمني لمدة 11 عامًا، لصالح تسويق الغاز القطري.
o كان الرئيس علي عبدالله صالح ذكيًا جدًا، وأقول ذلك انطلاقًا من خبرتي كمدرّس رياضيات أمتلكُ القدرة على تقييم الأشخاص والشخصيات التي ألتقي بها. وكان يتقبّل صراحتي في الحديث معه دون استخدامي لألقابه مثل "فخامتك" أو "سيادتك"، فقد كان واعيًا بمن حوله ويقيّمهم تقييمًا دقيقًا. وقد قال عبارته الشهيرة: “الحكم في اليمن يشبه الرقص على رؤوس الأفاعي"، لهذا السبب، استطاع البقاء في الحكم لسنوات طويلة، إلى أن بدأت مؤامرة ما يُعرف بـ"الربيع العربي"، التي أُعدّت من قِبل القوى الاستعمارية للمنطقة.
o أما آخر لقاء فردي جمعني به، فكان في دار الرئاسة عام 2002، بطلب مني، حين كنتُ أعمل على تطوير مشروع لإنشاء محطة كهرباء غازية في مأرب لإنتاج وتصدير الكهرباء من مأرب إلى دول القرن الإفريقي، وقد ضمنتُ للمشروع تمويلًا تجاريًا. لكن وزير التخطيط اليمني حينها أفشل المشروع، بسبب تعارض المشروع مع مصالحهِ التجارية الخاصة، إذ كانت لديه شركة يديرها شقيقه، كان يحاول تسويق توربينات كهربائية مملوكة لشركة خليجية. وقد خسر الوزير منصبه لاحقًا، ولكن بعد أن أغلقتُ ملف مشروع تصدير الكهرباء من جانبي.
كلمة أخيرة:
o أعتزّ بصداقتي لليمنيين، وبحبي، وتقديري لليمن، واليمنيين. فعندما كنت أزور اليمن، كانوا يعاملونني كأنني يمني، بل كنت أشعر أنني المضيف وهم الضيوف.
o وعندما أستعرض أسماء أصدقائي، وخاصة المقربين منهم، أجد أنني أحتاج إلى ملفات كثيرة لذكرهم جميعًا.
لذلك، أعتذر من أصدقائي وأحبّتي اليمنيين إن لم يُذكروا في هذه المقالة، فما زلت على تواصل معهم وكأنهم إخوتي في الوطن، ومنهم وزراء وسفراء سابقون، وحتى أني التقيت بالرئيس رشاد العليمي، عندما كان وزيرا للداخلية.
o أعتزّ بعلاقتي بالشهيد أبي بكر بن حسينون، وزير النفط قبل الوحدة وفي زمن الوحدة، وقد التقيت به لأول مرة قبل إعلان الوحدة في عدن، حين ترأست وفدًا هولنديًا من جمعية الصداقة اليمنية – الهولندية التي أسستها في هولندا في عام 1988، ورافقنا الملحق التجاري الهولندي في صنعاء.
وكان ذلك اللقاء وديًا ومن أمتع لقاءاتي مع مسؤول حكومي في حياتي. فبعد خروجنا، قال لي الملحق التجاري الهولندي: "انتظرتُ اليوم ساعتين في الوزارة، لألتقي بوكيل وزير النفط، ولم يدم اللقاء أكثر من 10 دقائق، بينما استغرق لقاؤنا مع وزير النفط قرابة الساعة، في الساعة السادسة مساء وفي مكتبه في الوزارة، في جو ودي جدًّا، وكأننا نعرف بعضنا منذ سنوات"، والتقيت به بعد الوحدة في صنعاء وفي لندن ضمن وفد شركة أنرون، أثناء مفاوضات مشروع الغاز اليمني.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية، وخلال زيارتي إلى المكلا، طلبتُ زيارة قبره، لكن مع الأسف لم أتمكن من ذلك.
#احمد_موكرياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟