أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج4 و5 والأخير/ ملحق: الجواهري العراقي شاعر العرب والعربية هويةً وانتماءً















المزيد.....


ج4 و5 والأخير/ ملحق: الجواهري العراقي شاعر العرب والعربية هويةً وانتماءً


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 16:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ج4 / ملحق كيف افتخر الجواهري في مذكراته بعروبته وعراقيته وماذا عن قصيدته التي اتهم فيها بـ "الشعوبية الفارسية" ومعاداة العراق؟
عروبيات الجواهري في شعره: تحت هذا العنوان "عروبيات الجواهري" أرسل لي الصديق الجصاني ضمن رسالته الثالثة عدداً من قصائد وأبيات من قصائد الشاعر الراحل. سنتفحص هذه النماذج محاولين الخروج منها ببعض الاستنتاجات. وقبل ذلك أشير إلى القصيدة التي اتهم بسببها الجواهري وهي قصيدة "بريد الغربة"، وربما الأدق القول "من قصائد بريد الغربة" لأن هذا العنوان لمجموعة قصائد، وهي القصيدة التي وصف فيها جمال الطبيعة في مصايف الشمرانات قرب طهران في إيران واعتبرت معادية للعراق و"شعوبية" لأنه قال فيها:
لي في العراقِ عصابةٌ لولاهمُ ..........ما كانَ محبوباً الىّ عراقُ
لا دجلةٌ لولاهمُ، وهي التي ............عذُبت، تروق ولا الفراتُ يذاقُ
فمن اتهم القصيدة بذلك الاتهام لم يكن ساطع الحصري مباشرة والذي عرف بلغته العربية المتواضعة لأن لغته الأم هي التركية إلى جانب الفرنسية، بل زعم الحصري إنه عرضها على الشاعر معروف الرصافي (من أب كردي وأم عربية) فقال فيها ذلك القول الذي صار اتهاما. وهناك من يبرئ الرصافي من ذلك كالجواهري نفسه، ويقول إنَّ هناك من زج به في هذا الموضوع والأمر يحتاج إلى عودة الى مذكرات الرصافي إنْ كان ذلك ممكنا. لقد كان د. يوسف عز الدين عضو مجمع اللغة العربية - القاهرة قد ذكر أن للرصافي مذكرات "مخطوطة مذكرات معروف الرصافي، قمت بنشرها بكتاب سميته «الرصافي يروي سيرة حياته». وفيها صراحة في القول وصورة لحياته التي كان يحياها. وإن هذه المذكرات برغم ما فيها مما لا يمكن نشره، فهي أول مذكرات لكاتب عراقي كبير يتحــدث فيها بصــراحــة عن حياته دون تزويق وتلقي الضوء على فترة من حياة العراق العامة وتقاليده/ مقالة في مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند، الهند عدد 8 و10 سنة 2005".
ولكن البعض شككوا في هذه المذكرات في سياق موقفهم المناوئ للرصافي لبواعث لا علاقة لها بمنهج البحث العلمي بل بأجواء الاستقطاب الطائفي الراهن في العراق أو غير ذلك، مع أن الرصافي كان علمانياً حاداً وأقرب إلى الإلحاد وله كتاب مشهور في بابه، أو قللوا من أهميتها بلا مبررات معقولة. ولكن الناقدة العراقية فاطمة المحسن كتبت عن مذكراته برصانة ونسبت كتابتها أو إعدادها إلى "أحد المتأدبين ببغداد من الذين رافقوا الرصافي سنوات. هو عبد الرحمن بن الحاج سليمان الخضير، كما تشير مقدمة الكتاب ترك أوراقا كثيرة من يوميات الرصافي حين كان صديقه ونديمه ومرافقه". وذكرت المحسن أن "سيرة الرصافي الجديدة تحمل الكثير من الخصوصيات، مثلما تسجل يوميات الحياة العراقية مطلع القرن المنصرم، ولعلها الفترة الأكثر خصباً وجمالاً قبل ان تباغتها موجات الانقلابات والعنف الذي صاحبها. ويبقى ليوسف عزالدين قصب السبق وجهد المثابرة، فهو الباحث الذي يظل مواظبا على النشاط والعطاء رغم الشيخوخة والتعب – جريدة الرياض عدد 3 آذار - مارس 2005". وعموماً، فهذا موضوع آخر بعيد نسبياً عما نحن فيه ولن أطيل الوقوف عنده بانتظار الحصول على نسخة من هذه المذكرات.
ولكن الأكيد هو أن الرصافي كان شاعراً حساساً وصريحا إلى درجة محرجة للبعض وكان يحترم الجواهري كشاعر كبير ويعتبره (ربَّ الشعر كله) كما قال حرفيا:
أقول لرّب الشعر مهدي الجواهري .... إلى كم تناغى بالقوافي السواحر
بل وحذره فيها ممن يذمونه في غيابه ويبتسمون له في لقياه بقوله:
وإنْ غبتَ عنهم أوْسَعوكَ مذمةً..... كأنْ لم يبشوا منكَ قبلاً زائرا.
وفي قصيدة أخرى يفضله على نفسه فيقول:
بِكَ الشعرُ لا بيَ أصبحَ اليومَ زاهرا..... وقد كنتُ قبلَ اليومِ مثلكَ شاعرا
وبالمثل كان الجواهري صديقاً حميماً للرصافي وقد قال فيه قصيدة طويلة مشهورة هي "أجب أيها القلب"، مطلعها:
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ .......مزاميرَ عزّافٍ، أغاريدَ ساجعِ
فهل يمكن لنا ان نصدق بسهولة ما يقوله المصابون بلوثة الأحكام المسبقة والتنميط الهوليودي عن اتهام الرصافي له أو لقصيدته بالشعوبية ومعاداة العراق؟ لقد شكك الجواهري بما قاله الحصري في مذكراته بخصوص شهادة الرصافي، وقال "إن الحصري استشهد بالرصافي ومحسن شلاش وياسين الهاشمي جعفر العسكري بعد وفاتهم كلهم / ص 164 من مذكراته" والاستشهاد بالموتى ليس دليلا. ثم لماذا - والسؤال موجه هنا لمن اتهم القصيدة وشاعرها الجواهري حقا بما اتهمه به - لماذا لا تفهم قصيدة الجواهري فهما جماليا تأويليا كما فُهم بيتا قيس بن الملوح اللذان قال فيهما:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى ....... أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي........وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
فهل يكره ابن الملوح ديار قومه ووطنه أم أنه عبَّر عن قوة حبه لليلى؟
ألا يعبِّر الجواهري هنا عن حبه للعراقيين ويعتبرهم عصابته ويقدمهم على الحجر والتراب والمياه والطبيعة العراقية؟ ألا يكمن معنى الشعر العميق وغير المرئي في ظلال معانيه وتأويلاته وليس في قوالبه واستعاراته الظاهرية؟
أما في رسالة الصديق الجصاني الرابعة فنجد عدة فقرات بقلم الجواهري نقلا عن مذكراته وهي واضحة جدا في تأكيد انتسابه العراقي والعربي وندرجها أدناه مع رقم الصفحات التي وردت فيها مع التعليق عليها:
- من صفحة 146 من مذكراته: "مهما يكن الحال فقد استسلمت للأمر الواقع وتشرف جيبي بالجنسية العراقية، وداومت في المدرسة الابتدائية في مدينة الكاظمية...". نفهم من هذا المقتبس إن الجواهري حصل قريباً على الجنسية العراقية، ومعها أو بسببها حصل على الوظيفة ونفهم من عبارته " قد استسلمت للأمر الواقع" أنه تجنس بالجنسية العراقية مضطرا أو مدفوعا إليها. وهذا يرجح رواية القائلين بأنه تنازل عن جنسيته الإيرانية كشرط ليحصل على العراقية أولا، وليس ثمة ما يقدح في عراقية الجواهري هنا، بل هو يؤكدها ويجعلها ذات صفة رسمية أكثر. والاستنتاج الثاني والضمني هو أن حصول الجواهري بهذه السهولة على الجنسية العراقية يؤكد ما ذهبنا إليه من أن موضوع الجنسية العراقية والحصول عليها لم يكن شديد التعقيد والصعوبة، ولا تترتب عليه وجود درجات أولى وثانية في المواطنة كما يزعم البعض من حملة الخطاب الطائفي المعاصرين، وربما اختصت شهادة الجنسية بتلك الصعوبة على حملة الجنسيات الأخرى كما أسلفنا.
- من الصفحة 163 كتب الجواهري: "لقد اتخذ ساطع من قصيدتي (هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ) التي قلتها في معرض وصف زيارتي لمصايف الشمرانات الجميلة بطهران - وهي كلها حنين ولهفة الى العراق - دليلاً على نفي انتسابي العربـــي والعراقي".
- من الصفحة السابقة نفسها نقتبس: "انني فخور بحبي لكل الشعوب، وطبيعي أن يكون شعبي العربي في الطليعة منها. أ فهذه شعوبية؟ وهذا أوضح اعتراف وافتخار من الجواهري بنسبه العربي إضافة إلى تشوفاته وأشواقه الأممية والإنسانية في عصر المد اليساري آنذاك.
-وعلى الصفحة 166 يلجأ الجواهري إلى منطق متماسك وذكي في الحِجاج فيقول: "وبعد، فما كنت لاستنكف أن أكون من أمة أخرى لو كنتُ كذلك بالفعل، لكن ساطعاً أراد أن يفرض عليّ انتماء آخر، وأن يقدمني هدية إلى أمة أخرى. أيُّ عيب يلحق بالإنسان في أنْ يلتحق بهذه الأمة أو تلك إنْ كان منها فعلاً. ولماذا يتنصل المرء من أمة عريقة ظلت ستة آلاف سنة تتقاسم العالم مع الاغريق، سياسة وحضارة، وساهمت مع العرب في بناء صروح الحضارة الاسلامية العظيمة، وكانت الأمة الثانية في ذلك البناء الشامخ؟".
- ومن الصفحة نفسها نختم هذه المقتبسات بأقواها: "فماذا كان يعوزني من ذلك كله لولا ان يجري في عروقي منذ خمسة قرون، وحتى الآن الدم العربي والعراقي والنجفي، ولولا إنني من مواطن النعامنة والمناذرة".
إنَّ الجواهري يفاخر وبقوة بعروبته نثرا، بعد أن كنا سجلنا، وسنسجل في أمثلة أخرى في الجزء القادم الخامس والأخير غياب هذا الافتخار المباشر والانتساب الصريح شعرا، وهذه المقتبسات النثرية من مذكرات الشاعر ينبغي أن تدفع إلى التخلي عن أي تحفظات سابقة تقول إنَّ الشاعر لم يفتخر بعروبته فقد دحضتها هذه المقتبسات، ولكنها تبقى محكومة بكونها ما يقوله الشعر نفسه عن نفسه، على ما فيها من أهمية ولكنها لا تحسم الموضوع منهجيا بشكل نهائي. في الجزء القادم والخير من هذا الملحق نستكمل جولتنا في بعض أشعار الجواهري ذات المساس بموضوعنا وكيف سخر من استمارة التعيين ورد على أسئلتها بتهكم لاذع كرده على سؤال: ما هي شهادتك المدرسية؟ أجبتُ: شهادتي هي؛ أشهد أن لا إله إلا الله!
*الصورة صفحة جريدة ورقية من شهر آب –أغسطس سنة 1968 تحمل خبرا عن قرار إعادة جنسية الشاعر الجواهري التي كان الانقلابيون القوميون والبعثيون في 8 شباط 1963 قد أسقطوها عنه. القرار الجديد صدر عن قيادة انقلاب 17 تموز 1968 الذي أوصل الثنائي البكر وصدام حسين وحزب البعث إلى السلطة.
ج 5 والأخير/ كيف أجاب الجواهري على أسئلة استمارة التوظيف بسخرية... وخلاصات وروابط لتحميل مذكرات: بالعودة إلى القصائد والأبيات المتفرقة التي أرسلها الأستاذ الجصاني في رسالته الثالثة، أكتفي بالقول إنني لم أجد في الجزء الأول منها، ما يفيدني في البحث بشكل حاسم. فقد وردت كلمة العربي ومشتقاتها في أبيات قليلة من شعر الجواهري الألفي عددا، وهذا لا يعني شيئاً في موضوع تأكيد عروبة الشاعر فقد تكون ندرة ذكر العرب شيئا مؤكِّدا لعروبة الأصل على اعتبارها تحصيل حاصل كما قال الأستاذ الجصاني الذي أضاف: "إن مثل ذلك الحديث يأتي اعترافا بـ "تهمة " أو إقرار بما جرى تداوله -ويجري- بشأن أصوله "الفارسية" قوميةً، والايرانية "مواطنة وجنسية". ولكنه من ناحية بحثية يعني أن شعره لا يصلح لتأكيد عروبة الأصل منهجيا لانعدام التنصيص على هذا الأصل فخراً وامتداحاً في نطاق المقول الشعري وليس على سبيل العام والأحداث التأريخية. ففي هذه الأخيرة وقف الشاعر مقاتلا شرسا بشعره في مناسبات وأحداث كثيرة وله عدة قصائد حول فلسطين منها مطولته التي مطلعها (دلالاً في ميادين الجهاد ... وتيهاً بالجراح وبالضماد)، وعن دمشق له العديد من القصائد الثورية والتحريضية منها "إلى الشباب السوري" و "هبتِّ الشام على عاداتها" و"دمشق يا جبهة المجد" وكتب عن الثورة في طرابلس الغرب والقمع الإيطالي. وعن العدوان الثلاثي على مصر كتب رائعته "بور سعيد" وعن الثورة الجزائرية تألقت رائعته (جزائــرُ يا كوكبَ المَشْرِقَين).
وهناك أبيات أخرى ورد فيها ذكر العرب ولكن لتقوم بوظيفتها الهجائية لشخص آخر كما في قول الجواهري هاجيا الحصري ودوره في الغزو العثماني لليمن وقتل الأبرياء هناك:
يدُ العربي حقاً لا هِجاناً........... مخيّسـةً وتُعرَضُ في حِقاق
وهذه شنشنة قديمة في عموم شعر الهجاء العربي التقليدي ولا يقاس عليها أو يؤخذ بها كموقف وفكرة.
وعلى كل حال، فلم أقتبس شيئاً من شعر الجواهري الهجائي الكثير وخصوصاً ضد خصمة الحصري لأنه هجاء مقذع جدا يسيء لقامة الشاعر الكبير الجواهري قبل غيره، وهي تعكس عمق الجرح النفسي والذاتي الذي كان يشعر به بعد فصله من وظيفته والتشكيك بأصله وهويته، ومن ذلك قوله، وأدرجه على سبيل التوثيق:
ومنغولٍ من (التاتارِ) وَغْدٍ .......... تراضَعَ والوغادةُ من فَوَاق
ولن أورد المزيد من هذا النوع من الهجاء احتراما لذكرى الراحلَين، الهاجي والمهجو.
الجواهري يرد بسخرية على استبيان: أنا هندي!
لنلق الآن نظرة سريعة على ما كتبه الجواهري في الفصل الثالث ص 141 وما بعدها من مذكراته حول الشرط الذي فوجئ به للحصول على التعيين في وظيفة التعليم وهو الحصول على الجنسية العراقية، وما ذكره من سخرية من هذا الشرط الذي لم يعتد عليه العراقيون في الماضي. وكيف راح يجيب بسخرية واستنكار على الأسئلة الواردة في استمارة طلب التعيين، ومن ذلك قوله:
"وقد تلقيت أوراقاً هي بحد ذاتها غريبة عليَّ بعيدة عني، أوراقاً لا أكاد أصدق ما فيها واحدة منها استمارة بتعدد المذاهب والأديان والجنسيات وفيها أكثر من عمود يحمل تساؤلا: "هل انت عراقي؟". مفهوم أنني عراقي. وهل أنت مسلم؟ نعم، مسلم. والمفاجأة التي توقفتُ عندها بأكثر من غيرها هي: "هل أنت شيعي؟ هل أنت سني؟ وهذه كلها وثائق محفوظة في وزارة المعارف الآن وبالنص... وكان ذلك في عهد ساطع الحصري أول مدير للمعارف في العراق". والحقيقة أن مفاجأة الجواهري الشاب آنذاك لها ما يبررها فهي المرأة الأولى التي يُسأل فيها العراقيون عن جنسياتهم ودينهم وقوميتهم وطائفتهم. ولكن الأحرى أن تتوجه أسئلة الاستنكار ومشاعر الغضب والاستغراب إلى وزير المعارف آنذاك وهو (الشيعي) عبد المهدي المنتفگي أو إلى رئيس الوزراء (السني) جعفر العسكري وقبلهما الى ملك البلاد المستجلَب من الحجاز "فيصل بن الشريف حسين والمستشارين البريطانيين المحيطين بهم وليس إلى مدير المعارف ساطع الحصري حصراً.
ومن طريف ما يخبرنا به الجواهري في هذا السياق ردوده على أسئلة الاستمارة الحكومية الخاصة بالتعيين. "فرداً على سؤال يقول: ما هي شهادتك المدرسية؟ أجبتُ: شهادتي هي؛ أشهد أن لا إله إلا الله! وعلى سؤال عن شيعيتي أجبت: نعم أنا مسلم. وعلى سنيتي بمثلها: أجل أنا مسلم. وعن عراقيتي أجبت: أنا هندي!! علامات التعجب من الجواهري. ويضيف الجواهري أنه أودع الاستمارات في البريد وسافر هو إلى بغداد ليواجه وزير المعارف المنتفگي ويخبره هذا الأخير بأنه سيعين في مدرسة ابتدائية فيستشيط الجواهري غضبا لأنهم كانوا قد وعدوه بالتعيين في المدارس الثانوية وتحديدا في أول ثانوية في بغداد "الثانوية المركزية" الخاصة بأبناء الذوات. ويحاول الوزير إقناعه بان هذا التعيين مؤقت ولفترة محدودة ولا بأس في ذلك فيوافق... وتستمر الأحداث على هذا المنوال حتى حادثة قصيدته عن مصايف شمرانات في إيران وفصله من الوظيفة.
أعتقد أننا يمكن أن نتفهم مفاجأة الجواهري واستنكاره العاطفي لهذه الإجراءات الإدارية والاستمارات حين نضعها في سياقها التأريخي الصحيح والواقعي. وبأن هذا الأمر يحصل للمرة الأولى في دولة العراق وهي في خضم التأسيس، ضمن حالة دواوينية تكاد تبدأ من الصفر فالسلطنة العثمانية لم تكن تهتم سوى بجني وتحصيل الضرائب والأتاوات الباهظة من العراقيين ولم تترك وراءها شيئا يعتد به على صعيد التنظيم المدني والأحول الشخصية للسكان.
وبخصوص اتهام الجواهري للحصري بأنه قومي عنصري من أنصار النازية الألمانية والفاشية الإيطالية على ص 164 من مذكراته نقلا عن الكاتب الأميركي كليفلاند، فيبدو أن هذا الاتهام بولغ فيه كثيرا ليس بخصوص الحصري فقط بل مع جميع من نادوا بالفكر القومي ورفعوا رايته مع أن بعضهم لا يخلوا من نزعة قومية سلالية عرقية تجد جذورها في تنظيرات القوميين الألمان من أمثال هيدغر. وأقول إنَّ في الاتهام مبالغة لأننا نقرأ للحصري بقلمه انحيازا واضحا للعروبة الثقافية الحضارية لا العروبة الدموية السلالية، فهو يقول مثلا كما يقتبس عنه محمد ناجي أحمد: " في كتابه "مذكراته" يصف ساطع الحصري العروبة بأنها ليست أصلاً ودماً ونسباً، وإنما هي معنى حضاري "فإني أعلم العلم اليقين أن الأبحاث العلمية برهنت برهنة قاطعة على أنه لا يوجد على وجه البسيطة شعب منحدر من أصل واحد. إنني أشبه الأمم من هذه الناحية بالأنهر العظيمة، فمن المعلوم أن كل نهر، تجري فيه مياه أتت من منابع ومصادر وروافد مختلفة، والأنهر الكبيرة تكون كثيرة المنابع، وعديدة الروافد بوجه عام - ص48،49". ونحن هنا أمام عدة احتمالات لتفسير هذا الكلام للحصري فهو إما أن يكون قد تراجع عن آرائه التي ذكرها كلايفلاند في فترة من حياته وتخلى عن القومية النازية والفاشية السلالية، أو أنه لم يكن يقصد النازية السلالية كفلسفة متكاملة بل عَنى نوع الحكم البرلماني وهو ما دعاة في العبارة التي اقتبسها الجواهري عن كلايفلاند والتي تقول "إن النظام الذي يجب أن تتجه نحوه آمالنا هو الاتجاه البرلماني النازي واالفاشي الإيطالي". وعموما فالمغزى هو أن الرجل فرَّق في كلامه هذا حول العروبة الثقافية بين قوميته الثقافية والأخرى السلالية ولم يعد من الصحيح أو النزاهة في شيء الاستمرار في توجيه هذا الاتهام له.
خلاصة البحث للمرة الأخيرة:
كخلاصة، أختم بهذه الكلمات التي علقت بها على تعقيب لأحد رفاقي الشباب على الجزء الثاني من هذا الملحق: إنَّ ظاهرة التشكيك في أصول الناس أو اضطهادهم على أساس أصولهم القومية أو انتماءاتهم الدينية والطائفية والأيديولوجية قديمة في المشهدين الثقافي والسياسي العراقي وغير العراقي، وقد بلغنا درجة الشطب على هوية العراق الحضارية العربية في دستور المكونات الرجعي واتهام من يدافع عن هذه الهوية بأنه "قومجي" ولكن لا يقال ذلك عمن يتباهي بقوميته الكردية أو التركمانية أو الآشورية ويزدري العرب وينتقص منهم. وقد أثيرت مؤخرا قضية الأصول القومية للشاعر الجواهري في الإعلام وبطريقة بدائية وخاطئة ضمن معافسات الاستقطاب الطائفي السائدة هذه الأيام.
ونحن أمام خيارين فإما "نتكفى الشر" منها، كما نقول في لهجتنا العراقية، وندفن رؤوسنا في الرمال على طريقة النعامة خوفاً من ردود أفعال الطائفيين والسلفيين الشيعة والسنة والقوميين السلاليين المتطرفين العرب والكرد وبلطجية الصحافة والإعلام، أو أن نقوم بما يمليه الواجب الأممي والمنطق العلمي علينا فنفكك هذه الظاهرة حتى جذورها بمنهجية علمية ونضع التفاصيل كلها في الهواء الطلق ليعرفها الناس وخاصة الجيل الجديد. ولقد اخترتُ الخيار الثاني، ولا تهمني من ردود الأفعال سوى تلك التي تحتكم الى العقلانية والتوثيق الدقيق. وبالمناسبة، فالكلام الإنشائي حول هذا الموضوع لم يعد مفيدا، ولن يردع أو يمنع ولادة طاغية جديد من النوع الطائفي الإسلامي من أن يُهَجِّرَ موجات جديدة من العراقيين من وطنهم مجدداً ربما بحجة أنهم يشكلون خطرا على المذهب والطائفة والنظام "الديموقراطي" لسرقات القرن.
ولهذا يجب عدم السكوت على هذه الظاهرة في موسم الاستقطاب الطائفي وحكم الطائفية السياسية القائم. أما حديثك عن القوميات وقولك "ليست هناك أمة تكونت على أساس نقاء العرق" فقد أصبح الجميع يكررونه الآن وأنا منهم. وقد قلت في كتاباتي التأريخية والإناسية "الانثروبولوجية" منذ عدة سنوات أن المشرق العربي خصوصاً وباستثناء بعض البقاع المنعزلة والجبلية الوعرة أو الصحاري المنقطعة، كان منذ آلاف السنوات مرجلا بشريا يغلي وانصهرت فيه عشرات الأمم والشعوب عبر الهجرات الواسعة والحروب والغزوات، ولم يعد ممكنا الكلام عن عروبة سلالية ودموية بل عن عروبة ثقافية وحضارية منفتحة على العالم المعاصر ومستندة إلى جذورها البناءة ولما هو إيجابي ومضيء في ماضيها.
1-رابط لتحميل الجزء الأول مذكرات الشاعر الجواهري:
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%84-pdf
2-رابط لتحميل الجزء الثاني من مذكرات الشاعر الجواهري:
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-pdf
3-رابط يحيل إلى الجزء الثاني من مذكرات الحصري ولم أجد الجزء الأول منها للأسف.
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-pdf
4-مذكرات طه الهاشمي
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-1919-1943-pdf



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رصد وتحليل الموقف لعدة أيام: قبل وبعد العدوان الأميركي على إ ...
- نواب في الكونغرس: السعودية والإمارات والبحرين كلهم مع إسرائي ...
- الليبراليين واليساريين المزيفين ومعاداة إيران
- التحذير الروسي واندفاع ترامب نحو الحرب على إيران؟
- الصبر السِّجادي الإيراني في مواجهة هستيريا الكاوبوي الصهيوني
- حرب نتنياهو: يوميات المواجهة بين الكيان وإيران
- ج5/متابعات للمواجهة بين إيران والكيان: رسالة إيرانية بالنار ...
- خلاصات حول المواجهة بين الكيان الصهيوني وإيران
- هل تحولت حكومة السيسي إلى حرس حدود لحماية الكيان؟
- ج3/ الملحق: شهادة أخرى مضادة: هل كان الحصري والرصافي طائفيين ...
- ج2 / ملحق: الجواهري في رسائل وشهادات:
- رواية -في قرى الجن- للخليلي تصف عراق اليوم قبل ثلاثة أرباع ا ...
- ج1/ رسائل ووثائق من أحد أقارب الجواهري وشهادات أخرى من آخرين
- حلف المتنكرين وحكم العراق بالوكالة عن الاحتلال الأميركي
- ج2/الجواهري شاعر العراق والعربية الأكبر أيا كانت جذوره القوم ...
- ج4/ خور عبد الله: مهزلة لجنة زيباري برئاسة -العبقري زيد عز ا ...
- ج1/هل تنفي فارسية الجواهري - إنْ صحت -عراقيته وشعريته؟
- عن النسخ العراقية والعربية من زاهي حواس
- ج3/ لماذا حُرِفَ طريق التنمية من الفاو نحو سفوان فعادت الحيا ...
- ج2/ السوداني يعطي عقد تشغيل ميناء الفاو إلى شركة إماراتية إس ...


المزيد.....




- رئيس إيران لمحمد بن سلمان: نرحب بـ-أي مساعدة- من الأصدقاء لح ...
- مقتل ما لا يقل عن 49 فلسطينيًا بالقرب من مواقع توزيع المساعد ...
- نتنياهو لشعبه: حققنا -نصرا تاريخيا- وأزلنا تهديد إيران الوجو ...
- هل تستطيع إيران إعادة بناء قدراتها النووية؟ جنرال أمريكي ساب ...
- إسرائيل وإيران تحتفيان بـ-النصر-.. فهل أنتهى الصراع فعلا؟
- لازاريني: آلية المساعدات في غزة فخ قاتل
- الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام سيادتها
- اتهام ضباط شرطة كينيين بقتل المدون ألبرت أوجوانغ
- الحرس الثوري الإيراني يعلن توقيف 3 أوروبيين بتهمة التجسس
- 11 قتيلا بأوكرانيا في هجوم روسي وزيلينسكي يطالب الناتو بمزيد ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج4 و5 والأخير/ ملحق: الجواهري العراقي شاعر العرب والعربية هويةً وانتماءً