علي ابوحبله
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 14:13
المحور:
القضية الفلسطينية
المحامي علي أبو حبلة – سلسلة تحليلات سياسية واقتصادية
تشهد الأراضي الفلسطينية ظاهرة اقتصادية مقلقة تتمثل في تكدّس عملة الشيقل داخل البنوك وخارجها، وسط شحّ متزايد في العملات الأجنبية، وتراجع ملحوظ في حركة النقد داخل السوق. هذه الظاهرة لم تأتِ من فراغ، بل تعكس جملة من التحولات الاقتصادية والضغوط السياسية التي تتقاطع عند نقطة حساسة: التحول نحو التعاملات الإلكترونية، بدعم مباشر من البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية.
أولاً: تكدّس الشيقل... مؤشرات على أزمة صامتة
البنوك الفلسطينية باتت تواجه صعوبات حقيقية في تصريف فائض الشيقل، بسبب رفض البنوك الإسرائيلية استلام كميات كبيرة منه، في ظل قيود التحويل، وتضييق الخناق على النظام المالي الفلسطيني. وتزيد هذه المعضلة مع انهيار حركة التجارة في غزة والضفة الغربية نتيجة الحرب والحصار، ما أدى إلى ركود اقتصادي حاد وتراجع في استخدام النقد لأغراض استهلاكية واستيرادية.
ثانيًا: هل نحن أمام سياسة مقصودة؟
التساؤل المشروع هنا: هل تكدّس الشيقل ظرف اقتصادي أم أداة سياسية اقتصادية؟
ثمة مؤشرات متزايدة على أن هذا التكدّس يجري استثماره سياسياً لدفع الاقتصاد الفلسطيني نحو نمط جديد من "الرقمنة المالية"، يتماشى مع خطة البنك الدولي لتوسيع الشمول المالي، وفرض واقع جديد على البنية النقدية الفلسطينية:
نشر أنظمة الدفع عبر الفيزا كارد والمحافظ الإلكترونية.
الحد من تداول الكاش عبر تقنين السحب والإيداع النقدي.
الضغط على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لقبول التعامل الرقمي فقط.
ربط التسهيلات البنكية بتبني هذه المنظومات.
ثالثًا: الرواتب واستحقاقات السلطة... مخرج مؤقت أم تعميق للأزمة؟
في ظل هذا التكدّس، تشير بعض التقديرات إلى أن السلطة الفلسطينية قد تلجأ إلى دفع الرواتب بالكامل بالشيقل، في محاولة للتخفيف من الفائض النقدي داخل البنوك، وهو خيار عملي لكنه مؤقت. فالتخلص من السيولة الزائدة لن يعالج جذور الأزمة، ما لم تُرفع القيود الإسرائيلية، أو يتم إدخال عملات بديلة لتوفير التوازن المالي.
رابعًا: التحول الرقمي... هل هو أداة للتحرر أم قيد إضافي؟
بينما يُسوّق هذا التحول الرقمي كأداة "للشفافية والتطور"، فإن الواقع يشير إلى مخاطر مركبة:
تعميق التبعية المالية لإسرائيل، ما دامت البنية الرقمية مرتبطة بالبنوك الخاضعة للرقابة الإسرائيلية.
فقدان السيادة النقدية، في ظل غياب عملة وطنية.
مراقبة حركة الأموال بشكل مركزي، ما يفتح الباب أمام التحكم السياسي في الاقتصاد الفلسطيني.
وعليه ووفق ذلك الشيقل المتكدّس ليس مجرد فائض نقدي، بل صدى لتحولات استراتيجية أعمق. وبينما تسعى السلطة للخروج من أزمتها المالية، تبدو الخيارات محدودة، والمسارات مرهونة بإرادة سياسية واقتصادية خارجية. التحول الرقمي قد يكون مفيدًا من منظور تقني، لكنه في السياق الفلسطيني، يحتاج إلى ضمانات سيادية وبنية مستقلة، وإلا تحوّل إلى أداة ضبط وتحكم مالي في يد الاحتلال والمؤسسات الدولية.
#علي_ابوحبله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟